أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مقالات رئيسية

الانتقال إلى ما وراء جزر التجريب وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي في كل مكان

الفرق الرشيقة التي تدعو إليها الحاجة لإطلاق الذكاء الاصطناعي يجب أن تفسح المجال أمام هياكل شاملة للشركة بهدف توسيع هذه التكنولوجيا في مختلف أرجاء الأعمال.

تستثمر الشركات من مجموعة واسعة من القطاعات استثمارات كبيرة في الذكاء الاصطناعي AI – وتهتم بقدر متزايد بكيفية توسيع نطاق استخدام هذه التكنولوجيا لتحقيق فوائد منها في مؤسساتها. غيرَ أن عدداً أكبر مما ينبغي من الشركات يتعثر في رحلة الذكاء الاصطناعي، ويواجه صعوبة في تجاوز المشروعات التجريبية أو الحلول المحددة. ليس السبب بالضرورة أن هذه التكنولوجيا معقدة جداً. وجد بحثُنا أن الشركات تفشل في استخراج قيمة الأعمال المحتملة Potential business value من الذكاء الاصطناعي ليس بسبب نقص الخبرة التقنية لكن بسبب المشكلات الهيكلية والعملية.

لقد ألقينا نظرة متعمقة على رحلة توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي لـ10 شركات قديمة رائدة في السوق تتمتع بتجربة في تنفيذ الذكاء الاصطناعي من ثلاث إلى ثماني سنوات في صناعات متنوعة، بما في ذلك البضائع الاستهلاكية المعبأة والأدوية والخدمات المصرفية والتأمين والخدمات الأمنية والسيارات. كانت هذه الشركات في مراحل مختلفة من التقدم، تتراوح من القدرات الناشئة نسبياً إلى المتطورة جداً. وكان لكيفية تنظيم جهودها في كل مرحلة آثار في ما تمكنت من تحقيقه. وجدنا أن مشروعات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات تبدأ عموماً بما نسميه جزر التجريب Islands of experimentation (اختصاراً: الجزر IOE) قبل أن تجتمع حول مركز تميز Center of excellence (اختصاراً: المركز COE) مؤسسي. ثم ينتقل عدد قليل فقط إلى نموذج متطور هو اتحاد الخبرة Federation of expertise (اختصاراً: الاتحاد FOE) المبني على قاعدة مركزية من المعرفة والأنظمة والعمليات والأدوات، وعلى قدرات مضمَّنة لامركزية.

وهذا يعني أن الشركات ذات الطموحات في مجال الذكاء الاصطناعي قد تحتاج إلى تحقيق قفزتين محتملتين. أدناه، نوضح سبب ضرورة كل قفزة، ونناقش كيف يمكن للشركات تسهيلها.

حدود التجريب
كثيراً ما تبدأ مبادرات الذكاء الاصطناعي بفرق صغيرة متخصصة تستكشف مشكلات محددة، لكن جزر التجريب اللامركزية هذه لها تأثير محدود. مثلاً طورت شركة أدوية عالمية في دراستنا أداة لتعلم الآلة Machine learning لتوقع أفضل إجراء تالٍ لقوة المبيعات Sales force لديها. على الرغم من إطلاق هذه الأداة بنجاح في بلد واحد، فإنها لم تنتشر أكثر بسبب هيكل الشركة اللامركزي جداً. فشلت محاولات إطلاق الأداة في بلد آخر حيث كان من الممكن أن تفيد عمليات الشركة. في النهاية أدركت الشركة أن الأداة لم تُستخدم على نطاق واسع بما يكفي لتوليد عائد على الاستثمار كافٍ في المشروع، وأُلغِيت المبادرة.

عادة ما تفشل جزر التجريب IOE في التوسع نتيجة للقيود الأربعة التالية:

عادة ما يجري تدريب جزر التجريب على البيانات المتخصصة المنسقة لحل مشكلة معينة، والتي بطبيعتها تعيق الاستخدام الواسع.

العدد المحدود لمجموعات البيانات المنسقة وتوافرها يعني أنها قد استُنفِدت في نهاية المطاف (عادة ما تكون بنية البيانات الداعمة لمجموعات البيانات الجديدة غائبة في المرحلة الأولية)، وتتوقف المشروعات، حتى في الأطر الضيقة.

مشروعات الذكاء الاصطناعي هذه ليست مرئية، ولا يمكن الوصول إليها في المؤسسة، مما يؤدي إلى ازدواجية الجهود وعدم الكفاءة وارتفاع التكاليف.

قيود الموارد تقيد التقدم بمرور الوقت. ومن ثم، بمجرد حل المشكلات ”السهلة“، تميل هذه الجزر إلى الركود أو تختفي تماماً في بعض الأحيان.

جزر التجريب قد تولد مكاسب سريعة، لكنها لا تتواءم بالضرورة مع الأهداف الاستراتيجية.

من الضروري توسيع النطاق انطلاقاً من جزر التجريب المتباينة لبناء مركز تميز COE، وذلك من أجل توليد قيمة على مستوى المؤسسة. تركز جزر التجريب عادة على المبادرات التكتيكية التي قد تولد مكاسب سريعة، لكنها لا تتواءم بالضرورة مع الأهداف الاستراتيجية للشركة. ويتيح مركز التميز تحولاً جوهرياً في نوع منجزات الذكاء الاصطناعي: تصبح استراتيجية لتحقيق أهداف الأعمال الرئيسة.

سمح تحقيق قفزة من جزيرة تجريب إلى مركز تميز لريماك Rímac – أكبر شركة تأمين في بيرو – بتوسيع نطاق تجاربها في الذكاء الاصطناعي المخصصة التي تهدف إلى إدارة اضطراب العملاء Churn وفهم ميل العملاء إلى شراء المنتجات الحالية (التأمين على الحياة والصحة والمركبات). أُنشِئ مركز التميز في العام 2019 إلى جانب دور جديد، كبير مسؤولي الذكاء الاصطناعي والبيانات، التابع إدارياً مباشرة للرئيس التنفيذي والعضو في اللجنة التنفيذية. أرسلت هذه التحركات إشارة قوية حول أهمية الذكاء الاصطناعي والتحليلات والبيانات لبقية المؤسسة.

عرض المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي والبيانات Chief AI and data officer الذكاء الاصطناعي والتحليلات كبند على الأجندة في الاجتماعات حول الاستراتيجية على مستوى المسؤولين التنفيذيين، وأقنع القادة المؤسسيين بأن بيانات الشركة كانت أحد الأصول الاستراتيجية. حصل المدير التنفيذي على ميزانية لتمويل المبادرات الاستراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات، وأثر في وحدات الأعمال Business units لتجربة نماذج الذكاء الاصطناعي المبتكرة، ووضع مبادئ حوكمة البيانات وعملياتها بالشراكة مع تكنولوجيا المعلومات. واصل مركز التميّز إنشاء قيم مقترحة Value propositions جديدة تماماً، مثل الصيدلية الرقمية، وخدمات الرفاه، وتوقع الأمراض المزمنة وإدارتها، تواءمت مع دخول الشركة الاستراتيجي إلى الرفاه كأعمال جديدة ومجاورة في العام 2022.

يعد مركز التميّز ضرورياً أيضاً للشركات التي تسعى إلى معالجة المشكلات الصعبة والمعقدة، والتي يُحتمل أن تكون ذات قيمة عالية. إذا نُفِّذ مركز التميّز بنحو جيد، يمكن أن يصبح في نهاية المطاف مصدراً للميزة التنافسية، كما كانت الحال في سيكيوريتاس Securitas، وهي شركة خدمات أمنية عالمية. بعدما أنشأت سيكيوريتاس مركز تميز للتحليلات المتقدمة في العام 2018، اختار فريق المركز العمل على المشكلة الصعبة المتمثلة في توقع المخاطر Risk prediction. بنى الفريق على البيانات الداخلية (كل من النص المجاني والتقارير التاريخية التي أسفرت عن بيانات حول وقوع الحادث وتوقيته وموقعه ونوع العميل) والبيانات الخارجية (مثل الطقس والتركيبة السكانية وخرائط الشوارع). ثم دُرِّب نموذج الذكاء الاصطناعي على توقع مخاطر وقوع حادث (السطو أو التخريب أو حتى الاعتداء) وأين ومتى قد يحدث، بدقة 88%.

قدَّم التوقع مُدخلاتٍ إلى العملاء حتى يتمكنوا من جدولة الحراس والدوريات بنمط أفضل، ما مكنهم – من ثم – من معالجة المخاطر الديناميكية. مثلاً نبه النموذج جهة سويدية للبيع بالتجزئة لديها أكثر من 90 منفذاً بشأن أي من مواقعها كان الأكثر تعرضاً، وأكبر المخاطر في كل موقع، والعوامل التي توجه هذه المخاطر. واستنارت الإجراءات الحاسمة بذلك لتحسين أمان جهة البيع بالتجزئة بقدر كبير. لم يكن حل مشكلة توقع المخاطر ممكناً من دون نهج مركزي مكن سيكيوريتاس من الحصول على حجم البيانات المطلوبة وتنوعها وخبراء الذكاء الاصطناعي الأكثر تخصصاً المطلوبين لملء مركز التميّز بالموظفين، وفق المدير التنفيذي للمعلومات CIO آنذاك مارتن ألثين Martin Althén. سرعان ما أصبح توقع المخاطر المتوقع باستخدام أحد التطبيقات عاملاً تنافسياً لسيكيوريتاس.

جزر التجريبالتركيز على توحيد المعايير لتحقيق النتائج على نطاق واسع
تكاد تكون جزر التجريب بحكم تعريفها انتهازية ورشيقة. أهدافها الرئيسة هي السرعة والحلول ”الجيدة بما فيه الكفاية“ للاحتياجات الملحة لوحدة الأعمال أو الوظيفة. ومن ثم فإن جزر التجريب هي المكان الذي يجري فيه إنشاء أدلة على المفهوم، ما يسد فجوة الاعتماد بين المعتمدين الأوائل وبقية المؤسسة. لكنها تؤدي أيضاً إلى عدم الكفاءة بسبب الافتقار إلى البيانات الموحدة المعايير والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وضيق توافر البيانات وقدراتها، وغياب آليات تبادل النتائج وأفضل الممارسات.

باستخدام مراكز التميز، تستطيع الشركات تحويل تركيز تطبيقات الذكاء الاصطناعي من المكاسب السريعة/إثبات المفهوم Quick wins/proofs of concept إلى التحقيق السريع لحلول الذكاء الاصطناعي الموثوق بها التي تركز على الأعمال على نطاق واسع. هي تفعل ذلك عن طريق إنشاء عمليات مثبتة وأنظمة موحدة المعايير يمكنها إنتاج النماذج ونشرها بكفاءة. إضافةً إلى ذلك يقود مركز التميّز حوكمة النماذج المناسبة لمساعدة المؤسسة على تحقيق مستوى دقيق من التحكم والمرئية في كيفية عمل نماذج الذكاء الاصطناعي في الإنتاج.

تُعَد العمليات الموحدة المعايير وبنية البيانات والتحليلات المشتركة حاسمة للجمع بين الأطراف كلها: المستخدمين على مستوى وحدة الأعمال الذين سيستفيدون من تبصرات/توقعات النمذجات، ومهندسي البيانات في إدارة تكنولوجيا المعلومات، ومطوري نماذج الذكاء الاصطناعي، وموظفي عمليات تعلم الآلة Machine learning operations (اختصاراً: العمليات MLOps) الذين سيضعون التكنولوجيا في الإنتاج.

في شركة بقالة أمريكية كبيرة، بدأ ذلك بإضفاء الطابع الرسمي على سلسلة القيادة لتنفيذ جهود الذكاء الاصطناعي: تحديد مَن متخذ القرار، ومَن المسؤول، ومن يمكنه التدخل، ومن سيدفع. قررت الشركة أن تكون وحدات الأعمال هي المسؤولة عن مشروعات الذكاء الاصطناعي، بعدما تبين أنها كانت أكثر نجاحاً في التأثير في تكنولوجيا المعلومات لتقديم التحسينات المطلوبة من قادة الذكاء الاصطناعي والتحليلات. ثم وضعت الشركة توقعات قياسية لأوقات الاستجابة ومستويات الخدمة لعلماء البيانات وعمليات تعلُّم الآلة وتكنولوجيا المعلومات المتعلقة ببناء النماذج وإنتاجها وإنشاء إمدادات من البيانات لوضع النماذج في الإنتاج.

موضعة مراكز التميز حيث تخدم الأهداف الحالية على أفضل وجه
يعتمد الموضع الهيكلي لمركز التميّز داخل المؤسسة على النضج وعمليات اتخاذ القرار والديناميكيات المؤسسية لدى الشركة. يمكن أن يظل مركز التميز كمركز تكلفة Cost center قائم بذاته يجري تمويله بالكامل من قِبل مقر الشركة أو بتمويل مشترك من وحدات الأعمال كلها. بدلاً من ذلك يمكن أن يعمل تحت إدارة تكنولوجيا المعلومات كوحدة منفصلة ذات حدود واضحة، أو تحت وحدة الأعمال المهيمنة أو وظيفة رئيسة مثل التسويق.

مثلاً أُنشئ مركز التميّز في سيكيوريتاس كوحدة قائمة بذاتها تعمل مع مبادئ تشغيل رشيقة Agile operating principles وتكنولوجيات مفتوحة المصدر Open-source technologies – وهذه ليست القاعدة في وظيفة تكنولوجيا المعلومات القديمة للشركة. في وقت لاحق أصبح جزءاً من وحدة أعمال سيكيوريتاس التي تركز على حلول الأمن الرقمي. على النقيض من ذلك ظل مركز التميّز في فيليب موريس إنترناشيونال Philip Morris International من ضمن وظيفة تكنولوجيا المعلومات للحفاظ على سهولة الوصول إلى البيانات، مع تجنب تعقيد إنشاء وحدة عالمية جديدة؛ وأنشأت شركة الخدمات المالية رابوبنك Rabobank مركز تميز لتسريع تحويل البيانات والتحليلات لوحدة الأغذية والأعمال الزراعية الدولية التابعة للشركة.

تبين هذه الأمثلة أن أفضل وضع لمركز التميز هو في أي دور أو قسم يمكن أن يسهل التنفيذ – ومن ثم الاحتفاظ بالقيمة Capture value. يوفر كل بديل درجات متفاوتة من الاستقلالية Autonomy والمساءلة Accountability والإمكانيات التعاونية Collaborative potential. يمكن لمراكز التميز المستقلة حقاً التعاملُ مع أي جزء من الأعمال من خلال وكالة وتمكين لتوليد القيمة. قد يتطور الهيكل أيضاً ليتطابق مع الاتجاه الاستراتيجي للشركة. نرى ذلك في ريماك. على الرغم من أن مركز التميز للتحليلات المتقدمة بدأ كجهة قائمة بذاتها تتبع إدارياً المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي والبيانات، وُضِع بعد ثلاث سنوات تحت وظيفة التسويق لتمكين التحول الموجه نحو العملاء حول خدمات الرفاه في دورة الاستراتيجية التالية.

من الضروري مواءمة الحوافز وتقاسم المخاطر بين مركز التميّز ووحدة الأعمال؛ فهي أمر أساسي لتوسيع نطاق الذكاء الاصطناعي.

معالجة عدم تطابق الحوافز ومؤشرات الأداء الرئيسة
تُعَد مواءمة الحوافز وتقاسم المخاطر بين مركز التميّز ووحدة الأعمال أمراً أساسياً لتوسيع نطاق الذكاء الاصطناعي. نظراً إلى أن مركز التميّز لا يعمل في فراغ، فإن تحديد مؤشرات الأداء الرئيسة KPIs فقط لمراكز التميز يمنحها المسؤولية من دون سلطة – ومن ثم يصبح من الأسهل على وحدات الأعمال المتشككة الزعم بأن مركز التميّز لا يولد قيمة.

في ريماك كان هدف مركز التميّز هو زيادة إجمالي الأرباح بمقدار 15 مليون دولار في السنة. ومع ذلك، لم يكن لدى وحدة الأعمال التي كان من المقرر أن تنشئ هذه القيمة هذا الهدفُ في بطاقة الأداء Scorecard الخاصة بها، لذلك لم تحدد بالضرورة أولويات الموارد وعرض النطاق الترددي Bandwidth والجهد اللازم لتنفيذ نماذج الذكاء الاصطناعي (أو المساعدة في إنشائها). وغني عن القول أن مركز التميّز لم يستطع تحقيق هذه الأهداف بالكامل.

لتصحيح الوضع انتقلت الشركة في العام 2022 إلى مخطط الأهداف المشتركة، حيث كانت لوحدات الأعمال حصتها المقابلة من أهداف القيمة والنتائج الرئيسة؛ كفل ذلك التخصيص المناسب للجهد والموارد. كذلك كانت المحاسبة السليمة للقيمة المضافة ضرورية لإنشاء مؤشر أداء رئيس قابل للقياس، ومن ثم تمكين التقدير الصحيح لعائد الاستثمار لجهود الذكاء الاصطناعي. وشرح مسؤول تنفيذي بارز هناك قائلاً: “إذا كان رئيس الأعمال يعلم أن أرباحه وخسائره أو ميزانيته يجري تحميلها مبلغ 500,000 دولار أمريكي سنوياً لتغطية التكاليف فإن مركز التميّز يولد 5 ملايين دولار أمريكي من إيرادات التشغيل، من غير المنطقي أن تتطابق الدوافع على كلا الجانبين”.

حين لا يكون مركز التميّز كافياً
في حين أن مراكز التميز كانت آليات ناجحة تستخدمها عديد من الشركات للحصول على قيمة أكبر من قدرات الذكاء الاصطناعي لديها، فإنها يمكن أن تكون غير كافية للشركات الكبيرة والمتنوعة جداً التي لديها موارد كبيرة تحت تصرفها. بالنسبة إلى تلك المؤسسات، فإن أحد عيوب مراكز التميز هو أنها تفتقر إلى المعرفة الميدانية حول مجالات أعمال محددة. في أحد التكتلات التي درسناها، أنشأ مركز التميّز نمذجة لتوقع الإنفاق وترقية العملاء لمصلحة أعمال الضيافة الخاصة بها. قدمت النمذجة رؤى (تبصرات) للسماح للموظفين ممن هم على تماسٍّ بالعملاء بتزويد العملاء الذين لديهم خصائص معينة بغرف أفضل وحزم خاصة بالنوادي الصحية وخيارات ترفيهية وترقيات أخرى.

وعلى الرغم من نجاح النمذجة بنحو جيد من وجهة نظر تقنية، فشل التنفيذ لأن النمذجة ببساطة لم يكن من الممكن إدراجها في عمليات اتخاذ القرار والعمل الحالية للموظفين. وشارك رئيس مركز التميّز قوله: ”كنا نعلم بأننا يمكننا الاضطلاع بكثير من الأشياء الرائعة؛ كانت لدينا أيضاً رعاية الرئيس التنفيذي للفندق، لكننا لم نفهم الأعمال حقاً. لم يسمح لنا افتقارنا إلى المعرفة بطرح أسئلة جيدة أو دمج الميزات الصحيحة في النمذجة. ثم أدركنا أنه لكي ننجح ينبغي أن يكون علماء البيانات لدينا متخصصين في مجالات مثل الضيافة والتعدين ومصايد الأسماك وما إلى ذلك، وألا يكونوا خبراء عموميين على المستوى المؤسسي“.

ثانياً، مع تزايد النجاح والمصداقية تميل مراكز التميز إلى أن تصبح عنق الزجاجة. علامة منبهة هي عندما ينتقل مركز التميز من طرق أبواب وحدة الأعمال للعثور على مشروعات تحليلية إلى تراكم مشروعات الوحدة المتعددة التي تتنافس على الأولوية. وبينما ينتهي الأمر بوحدات الأعمال إلى الوقوف في طوابير للوصول إلى موارد مركز التميز الممتدة، يترتب على ذلك تباطؤ في زخْم التوسع، ما يولد في النهاية إحباطاً على كلا الجانبين. في هذه الحالات قد تتحول الشركات إلى نموذج اتحاد الخبرة Federation-of-expertise model.

يتألف نموذج اتحاد الخبرة من عنصرين: قاعدة مركزية للمعرفة والأنظمة والعمليات والأدوات؛ والقدرات المضمنة اللامركزية. تدفع كل وحدة أعمال أتعاب المتخصصين المشاركين في العمل (موظفي عمليات تعلم الآلة وموظفي التطوير والعمليات)، ويعتمد حجم الفريق على خصائص الأعمال وأهدافها. يركز الفريق التكنولوجي على بناء حلول تحليلية خاصة بوحدة الأعمال ودليل من الخوارزميات والعمليات التي يمكن استخدامها لاكتشاف البيانات ومراقبة النماذج والصيانة وإعادة التدريب وما إلى ذلك. كثيراً ما تتحقق المساءلة من خلال خط تبعية إدارية مزدوج – إلى رئيس وحدة الأعمال وإلى المدير التنفيذي للمعلومات/القائد الوظيفي – مع مراجعات مشتركة للأعمال للاتفاق على الأولويات.

في بروكتر أند غامبل Procter & Gamble (P&G)، يوفر مركز الشركة المنصة المركزية – مثلاً، مايكروسوفت أزور Microsoft Azure ومجموعة بيانات مركزية – وتبني وحدة الأعمال المنتجات فوقها. تضطلع الفرق المدمجة باستخراج البيانات من هذا النظام لإنشاء مراكز بيانات (يجري تحميلها بقدر أكبر بمصادر بيانات داخلية وخارجية إضافية) وبناء حلول تتوافق مع احتياجات وحدة أعمال محددة.

يمكِّن هيكل اتحاد الخبرة الفريق المركزي من الحصول على رؤية شاملة حتى يستطيع تحديد المواقف التي يمكن أن تكون فيها لحل محلي معين تطبيقاتٌ متعددة. يتمتع الفريق المدمج أيضاً بالاستقلالية لاحتضان الأفكار من أسفل إلى أعلى التي لديها القدرة على إعادة تطبيقها على مستوى المؤسسة. تدير بروكتر أند غامبل ببراعة هذا التوازن بين الاستقلالية والتحكم بالاستفادة من وضع الحماية لعلوم البيانات لإنشاء حل خاص بوحدة الأعمال، واختباره، ثم تكراره في وحدات أخرى. مثلاً، لا تحتاج نمذجة الجمهور، وهي حالة استخدام ذات قيمة عالية للتسويق الرقمي، إلى إعادة بنائها وحدة تلو أخرى.

ومع ذلك فإن الخطر مع اتحادات الخبرة هو أن الممارسات والأدوات يمكن أن تتفتت في الشركة. عندما انتقلت ريماك إلى نموذج موحد محوري، شرعت وحدة أعمال التأمين الصحي فيها في تضمين القدرات المتخصصة بتخصيص ميزانية، واجتذبت بعض الخبراء المركزيين، وتوظيف مواهب جديدة لتسريع العملية. تجنبت ريماك التجزئة بإعطاء رئيس مركز التميّز وثلاثة من كبار قادة المشروع مسؤولية الحوار المستمر مع رئيس وحدة الأعمال وجعلهم يشاركون في اجتماعات الإدارة لفهم احتياجات الأعمال. كذلك دربت المواهب المستقطبة حديثاً على أفضل الممارسات والدروس المستفادة من أخطاء الماضي، ووضعت حواجز حماية لضمان الاتساق.

تتمثل إحدى الفوائد الرئيسة لتوسيع نموذج اتحاد الخبرة في أنه يوجه تأثيراً يشبه تأثير دولاب الموازنة Flywheel. يمكن أن يعتمد تحديد الأولويات على القيمة التراكمية: قد لا يحقق المشروع فوائد كبيرة في الجولة الأولى لكن يمكن أن يولد مجموعات بيانات أو أدوات مهمة يمكن إعادة استخدامها لحالات استخدام متعددة في المستقبل. كما أوضح هاري شاب، قائد تحويل البيانات والتحليلات في رابوبنك Rabobank، “لم يعد الأمر يتعلق فقط بالقيمة النقدية أو سهولة التنفيذ”. السؤال الأكبر هو: بمتابعة حالة الاستخدام هذه، هل نبني بالفعل موقعاً للبيانات سيكون نقطة انطلاق لتوليد قيمة نقدية كبيرة من حالات الاستخدام التالية؟ وهذا يعني بنحو فاعل التقدم في التسلسل الهرمي لعلوم البيانات، حيث يؤدي تنفيذ مستوى واحد إلى فتح إمكانيات أكبر في المستوى التالي. ولكن لما كانت مراكز التميز مراكز تكلفة ذات آفاق زمنية أقصر، فلا يمكن لها تعيين الأولويات باستخدام المنطق نفسه.

والأهم من ذلك، خلال الأوقات الصعبة، قد يتعرض تمويل مركز التميّز لتهديد، ما يؤدي إلى توقف التقدم. ومع ذلك يجري تجنب هذه المشكلة في نموذج اتحاد الخبرة، نظرا إلى أن مشروعات الذكاء الاصطناعي الموحدة لا تواجه بالضرورة ضغوط خفض التكاليف نفسها، لذلك يمكن أن يستمر التوسع.

عادة ما تكون مراكز التميز مراكز تكلفة، وكثيراً ما تتراجع وحدات الأعمال عن مطالب تمويل مركز تميز لم تطلبه في المقام الأول. قد تكون متشككة بشأن الحلول الجديدة التي اقترحها مركز التميّز وتشكك في أنه سيولد قيمة كافية – على الأقل في البداية. وعادة ما ترغب في رؤية عائد على الاستثمار خلال السنة المالية، في حين أن بعض الأعمال المتعلقة بالذكاء الاصطناعي قد تستغرق عدة سنوات لتوليد عائد إيجابي.

يسمح الانتقال من مركز التميز إلى اتحاد الخبرة بالتحول في نموذج التمويل.

يسمح الانتقال من مركز التميز إلى اتحاد الخبرة بالتحول في نموذج التمويل – من نظام قائم على المساهمة تتحمله وحدات الأعمال إلى نموذج تمويل مزدوج حيث يجري تمويل الفريق الأساسي من قِبل مقر الشركة، وتحتفظ كل وحدة أعمال بموارد البيانات الخاصة بها. يسمح هذا التحول لوحدات الأعمال بامتلاك سيطرة أكبر على كل من النفقات والنتائج النهائية.

إغلاق حلقة الملاحظات الراجعة
إن أقوى عامل لتوسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي واعتماده هي إثبات أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي له تأثير مالي إيجابي في الأعمال. يتطلب ذلك أن تنشئ المؤسسة تدفقاً لحلقة الملاحظات الراجعة Feedback من وحدة الأعمال إلى فريق عمليات تعلم الآلة، وفي النهاية إلى علماء البيانات. يساعد هذا على ضمان معالجة المشكلتين الأكثر شيوعاً في بناء النماذج – قابلية التطبيق وانحراف النمذجة.

الملاحظات الواردة من أعمال تنتج فيها، مثلاً، أداة ذكاء اصطناعي تهدف إلى تحسين توليد العملاء المحتملين تحويلاتٍ قليلة إلى العملاء تمكن فريق تحليل البيانات من إعادة تدريب النمذجة بمزيد من البيانات المصنفة ومعرفة توقعات النموذج في هذا المجال. في الواقع، في بعض الشركات، يرفض الخبراء المركزيون في مركز التميّز/اتحاد الخبرة دعم وحدات الأعمال التي لا تقدم ملاحظات حول نمذجاتها.

تسمح الملاحظات المستمرة أيضاً بتحديد أسرع انحراف للنمذجة – عندما يغير تعلم الأداة الذكاء الاصطناعي في الوظيفة مخرجاتها بطرق تجعلها أقل فائدة أو حتى خاطئة. تراقب الشركات الناضجة بعناية مقاييس الأداء مثل دقة النماذج ومعدلات الخطأ وأنواعه والانحراف في النتائج بمرور الوقت والاستدلالات من النماذج.

تغيير العملية على نطاق واسع
يجب أن يؤدي التقدم من حل مشكلات معينة إلى بناء قدرات جديدة في النهاية إلى عمليات عمل متسقة في المؤسسة. في تِترا باك Tetra Pak، الشركة الرائدة عالمياً في حلول معالجة الأغذية وتعبئتها، حدد فريق علوم البيانات فرصة كبيرة لتحسين مخزون الأمان لموادها الأساسية (الورق المقوى)، بهدف تقليل رأس المال العامل Working capital مع الحفاظ على مستويات خدمة العملاء. كخطوة أولى ضبطت صيغة توقع المخزون باستخدام البيانات التاريخية حول تقلب طلب العملاء وتقلب المهلة الزمنية لدى موردي المواد. ومكنت التجارب الناجحة مع الصيغة الجديدة الفريق من بناء الثقة الأولية مع مخططي سلسلة التوريد Supply chain في الشركة.

كانت الخطوة الثانية أكثر تعقيداً. نظر الفريق في التوقعات التاريخية لتحديد التحيزات التي أثرت في أخطاء التوقع. نبعت هذه التحيزات من حوافز المبيعات لزيادة النمو وحوافز سلسلة الإمداد لتقليل تكلفة الخدمة. من هذا التبصر أنشأ الفريق نموذجاً لتعلم الآلة من شأنه أن يوفر توقعات تجديد أساسية في بدء عملية التخطيط، التي يمكن للمخططين بعد ذلك إثراؤها بتبصرات إضافية مثل إشارات الطلب. وقد تطلب ذلك سلسلة من التغييرات المهمة في العملية: إعادة تعريف عملية التوقع، وإعادة صياغة أدوار المخططين ومسؤولياتهم، وإدخال آليات جديدة لقياس دقة التوقع وتقليل التكلفة الإجمالية للخدمة إلى حدها الأدنى.

أسفرت هذه الجهود عن انخفاض قدره 25 مليون يورو (27 مليون دولار) في رأس المال العامل على المدى القصير وفرصة توسيع نطاق بقيمة 43 مليون يورو إضافية من خلال تطبيق نمذجة التوقع نفسها بتطبيق تعلم الآلة على مكونات أخرى، مثل قشة الشرب (المصاص) Straws والأغطية Caps. والأهم من ذلك بدأ كل من فريق علوم البيانات وفريق العمليات في التفكير بنمط أكثر شمولية حول كيفية تضمين الذكاء الاصطناعي لتحسين المخزون لعملاء محددين من خلال اتفاقيات مستوى الخدمة Service-level agreements المختلفة بناء على دقة التوقع. فقط عند تغيير العمليات بنحو أساسي، يمكن أن يصبح النهج القائم على البيانات Data-driven approach عامل تغيير استراتيجياً.

ينخرط عديد من الشركات في رحلة للحصول على قيمة واسعة من تحليلات البيانات وقدرات الذكاء الاصطناعي، لكنها لا تزال بعيدة عن الوجهة التي ترغب في الوصول إليها، وكثيراً ما تكون على غير هدى بين جزر التجربة. بدلاً من ذلك يتطلب توسيع نطاق الذكاء الاصطناعي قفزتين حاسمتين لا علاقة لهما بالتكنولوجيا أو الموارد وأكثر ارتباطاً بإنشاء ما يناسب من الهياكل المؤسسية وعمليات التشغيل والمقاييس داخل المؤسسة – وتنفيذ التغييرات عن قصد. وفي حين دار العقد الماضي حول تجربة تطبيق الذكاء الاصطناعي، سيكافئ العقد المقبل تلك المؤسسات التي تمكنت حقاً من توسيع نطاقه. 

أميت جوشي Amit Joshi

أميت جوشي Amit Joshi

أستاذ الذكاء الاصطناعي والتحليلات واستراتيجية التسويق لدى المعهد الدولي لتطوير الإدارة International Institute for Management Development (IMD).

آيـفي بوش Ivy Buche

آيـفي بوش Ivy Buche

مديرة مشارِكة لمبادرة تحويل الأعمال Business Transformation Initiative لدى المعهد الدولي لتطوير الإدارة.

ميغيل باريديس سادلر Miguel Paredes Sadler

ميغيل باريديس سادلر Miguel Paredes Sadler

نائب الرئيس للذكاء الاصطناعي وعلم البيانات لدى ألبرستونز كومبانيز Alberstons Companies.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى