أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
استراتيجياتبحثرقمنةزعزعة

المزعزعون الجدد

من خلال الدخول إلى السوق بالاستعانة بالمنتجات والخدمات التي لا تقل جودة عن تلك التي تعرضها الشركات القديمة، فإن جيلا جديدا من المزعزعين يجعلون المنافسة من الشركات التقليدية أصعب من أي وقت مضى.

ريتا غونتر ماكغراث

قبل 25 سنة، لفتت نظرية كلايتون كريستنسن Clayton M. Christensen حول الابتكار المزعزع انتباه الرأي العام للمرة الأولى. وشرح كريستنسن بوضوح أن المزعزعين السريعي الحركة الذين يدخلون السوق ببضائع رخيصة ومنخفضة الجودة من شأنهم أن يقوضوا الشركات المتمسكة بالمعتقدات السائدة حول الميزة التنافسية. ولكن في العقد الماضي تغيرت ملامح المزعزعين تغيراً كبيراً. والفارق الحاسم هنا هو أنهم يدخلون السوق الآن بالاستعانة بمنتجات وخدمات لا تقل جودة عن تلك التي تعرضها الشركات القديمة. غير أن صعودهم لن يؤدي إلى تقويض نظرية كريستنسن. بل إنهم في واقع الأمر يعملون على توسيع نطاق النظرية وحيويتها — ويجعلون المنافسة أصعب من أي وقت مضى بالنسبة إلى الشركات التقليدية.

النظرية الكلاسيكية للزعزعة

قبل أن ننظر إلى كيفية تطور الأمور، دعونا نستعرض بإيجاز لماذا كانت نظرية كريستنسن مؤثرة إلى هذا الحد، وبالطبع مُزعزِعة للأفكار القائمة حول الميزة التنافسية1C.M. Christensen, “The Innovator’s Dilemma: When New Technologies Cause Great Firms to Fail” (Boston: Harvard Business School Press, 1997). Competitive advantage. كانت الاستراتيجية التقليدية ترتكز على فكرة «الاستراتيجيات العامة» Generic strategies التي تستطيع وفقها أي شركة أن تتنافس في مجال المنتجات الغالية من خلال التمايز Differentiating، أو في مجال المنتجات الرخيصة من خلال السعي إلى الريادة بخفض التكاليف Cost leadership، أو من خلال التركيز على خدمة احتياجات معينة بجودة استثنائية.2M.E. Porter, “Competitive Strategy: Techniques for Analyzing Industries and Competitors” (New York: The Free Press, 1980). وعرض كريستنسن طريقا للداخلين الجدد يتجاهلون من خلالها بابتهاج الديناميكيات الاستراتيجية الأساسية هذه. وأظهر كيف قد يتسبب نوع جديد من المنافسين الخطرين في إحداث فوضى من خلال الدخول إلى الجانب الرخيص من سوق ما، حيث هوامش الربح محدودة ويتردد العملاء في الدفع في مقابل أي شيء لا يحتاجون إليه.

ويأتي الداخل الجديد بمنتج أو خدمة يكونان أرخص وأكثر ملاءمة لكنهما لا يعرضان المستوى نفسه من الأداء فيما يخص المعايير السائدة التي يتوقعها أغلب العملاء من الشركات ذات المنتجات الراسخة (الموجودة والناجحة بالفعل) Incumbents والتي كانت تعمل على تلك التكنولوجيا لسنوات. وتشعر الشركات ذات المنتجات الراسخة بأنها تستطيع تجاهل الداخل الجديد. فمنتجاته ليست أدنى مرتبة فحسب، بل إن هوامش ربحه أقل وعملاءه أقل إخلاصاً له. وبدلاً من ذلك، تختار الشركات ذات المنتجات الراسخة التركيز على استدامة الابتكار — بأن تُدخِل تحسينات على الميزات التي كانت ذات قيمة كبيرة لعملاء منتجاتها الأغلى.

وأظهر كريستنسن الجانب السلبي في تجاهل الداخلين الجدد. ففي نهاية المطاف، ومع تحسن الشركات الناشئة هذه، تكون جيدة إلى حد كبير في التعامل مع المعايير المهيمنة القديمة. كذلك تطور هذه الشركات ابتكارات قوية عند الطرف الرخيص فتجلب عملاء جدداً إلى السوق. وبعدما عززت الشركات ذات المنتجات المترسخة الجوانب التي نجحت دائماً، فشلت في التنبه لأمرين. الأول أنها تُفوِّت القيمة الحقيقية للابتكارات الرخيصة التي يطورها الداخلون الجدد. والثاني أنها تتأخر في إدراك أن عملاءها أقل استعداداً لدفع مزيد من المال في مقابل مزيد من السمات القديمة. فقد جرى تسليع Commoditized منتجها الرئيسي، ثم حلت محله تكنولوجيا جديدة تناسب في شكل أفضل الاحتياجات المتغيرة للعملاء.

وحدث مثال رئيسي لهذه العملية في إنتل Intel. فقد تمتعت الشركة المصنعة للشرائح الإلكترونية بعقود من هوامش الربح العالية من خلال بيع شرائح حاسوبية Computer chips غالية وقوية وسريعة مخصصة للحواسيب المحمولة والحواسيب المكتبية والخوادم Servers سمحت للمستخدمين بالحصول على أقصى استفادة من برمجيات تزداد تعطشاً للطاقة. ولم تهتم الشركة (وعملاؤها) كثيراً باستهلاك الطاقة لأن الحواسيب الشخصية كانت إما موصولة في شكل دائم بمصدر طاقة أو كانت تحتوي على بطاريات كبيرة بما يكفي لتعمل لساعات بين عمليتي شحن. وإذ هيمنت إنتل إلى درجة تكاد تكون احتكارا، استبعدت وتجاهلت إلى حد كبير مجموعة جديدة من الشرائح الأقل قوة، حتى وإن كانت أقل تعطشاً للطاقة، تستند إلى بنية إيه آر إم ARM architecture (التي طورتها شركة بريطانية كانت غير معروفة ذات يوم).

وكشفت ثورة الهواتف الذكية في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن الخلل القاتل في عروض إنتل. وكانت شرائح الشركة متعطشة للطاقة، لكن المستخدمين الآن صاروا يريدون أجهزة محمولة خفيفة تستطيع أن تعمل طيلة اليوم. وكانت الشرائح المستندة إلى تصميم ARM أكثر كفاءة بكثير — مما مثل الجودة المميزة الجديدة. وكان مديرو إنتل ركزوا على تحسين معالجاتها الدقيقة الأساسية في المجال الذي لطالما بدا أكثر أهمية. لذلك ضاعت على الشركة إمكانيات شرائح الأجهزة المحمولة، التي عوضت هوامش ربحها الأقل من خلال وصولها إلى بلايين الأجهزة، وليس الملايين.

صراع إنتل في التعامل مع الشرائح الخاصة بالأجهزة المحمولة يُمثِّل بعدين من أبعاد الزعزعة التي وصفها كريستنسن. الأول هو دخول السوق منافسٌ جديد لا تكون عروضه جيدة بما يكفي لتلبية احتياجات العملاء الحاليين (أصحاب الحواسيب الشخصية). والثاني هو اللحظة التي ينشئ فيها هذا الداخل سوقاً من خلال بيع حلول للمستخدمين الذين لم يسبق لهم أن كانوا عملاء، مثل مصنعي الهواتف الذكية.3C.M. Christensen, M.E. Raynor, and R. McDonald, “What Is Disruptive Innovation?” Harvard Business Review 93, no. 12 (December 2015): 44-53.

كذلك سلطت نظرية كريستنسن الضوء على الآلية القوية التي تُعزِّز بها المقاييسُ الإدارية Management metrics وهياكلُ الحوافز structures Incentive هذا النمط. وبرأيه يجتمع العديد من هذه العوامل لثني المسؤولين التنفيذيين عن الاستثمار في الابتكار. فالبيانات المالية التي يُعبَّر عنها كنسب Ratios، وجداول استهلاك قيمة الأصول Accounting- driven depreciation schedules، وخطط الأعمال التقليدية Conventional business plans، والمكافآت المستندة إلى الأسهم أو سرعة الإنجاز Stock- or time-based rewards التي يحصل عليها المديرون، كلها أمور تُقلِّل من استعداد القائد لملاحقة الابتكارات غير المؤكدة (وإن كان من المحتمل أن تكون ذات مردود مرتفع). ويتفاقم الأمر بفعل المكافآت الكبيرة التي يحصل عليها المسؤولون التنفيذيون والمستثمرون في الأجل القريب، والتي تقوض الاستثمار في الأجل البعيد.

صعود الشركة الناشئة الرخيصة والمناسبة والعالية الجودة

في أيامنا هذه يضرب المزعزعون العاملون مباشرة مع المستهلكين Direct-to-consumer (اختصارا: المزعزعون DTC) المثال على التطور التالي في نظرية الزعزعة. إذ يستهدف هؤلاء المزعزعون جوهرَ الشركات ذات المنتجات الراسخة من خلال استخدام المجموعة الواسعة من التكنولوجيات الرقمية القوية المتوفرة اليوم لعرض منتجات أو خدمات أرخص وأكثر ملاءمة وبالجودة نفسها تماماً كما العروض الحالية. والواقع أن الجمع بين «الجودة نفسها تماماً» والتكنولوجيات الرقمية الجديدة ينشئ نقطة انعطاف ضخمة، إذ يفرض على الشركات ذات المنتجات الراسخة ضغوطاً أكثر من أي وقت مضى.

وتمثل الافتراض التقليدي الذي قامت عليه أغلب شركات البيع بالتجزئة في أن حراس البوابة فيما يخص بيع المنتجات سيكونون الموزعين الكبار مثل وولمارت Walmart، أو تارغت Target، أو كارفور Carrefour. فقد كان لزاماً على البائعين أن يُبينوا وجود طلبٍ كبيرٍ بما يكفي لشريحة كبيرة بما يكفي من العملاء ليكسبوا مساحة على رفوف الموزعين. وولّدت وظيفة حراسة البوابة Gatekeeping function هذه عدة آثار جانبية. الأثر الأول هو أن المنتجات نفسها كانت في حاجة إلى توحيد للمعايير Standardized إلى حد ما لتكون متسقة مع العديد من مواقع الموزعين. والثاني هو أن المصنعين امتلكوا معلومات خام Crude information نسبياً عن هوية المشترين، وكيفية تخزين المنتجات وعرضها، وكيفية أدائها مقارنة بالمنافسين الذين يبيع المورّد نفسه منتجاتهم. ولم يكن للمُنتِج سوى قدر ضئيل نسبياً من السيطرة على تجربة الشراء. وللعديد من المنتجين كان «العميل» الأكثر أهمية هو البائع بالتجزئة، وليس المُستخدم النهائي.

وشهد العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين انفجاراً في شركات المنتجات الاستهلاكية التي استغنت عن حراس البوابات لتعرض منتجاتها مباشرة على المستهلكين، فظهر اللقب D2C، أو مباشرة إلى المستهلك Direct to consumer. فالشركات مثل واربي باركر Warby Parker (التي تأسست في عام 2010)، ودولار شيف كلوب Dollar Shave Club (2011)، وغلوسييه Glossier (2010)، وأواي Away (2015)، وكاسبر Casper (2014)، وبونوبوس Bonobos (2007) تعزز فئات متنوعة مثل النظارات الشمسية، والعناية ببشرة الرجال، والسفر، ومرتبات السرير، والملابس. والقيمة المقترحة على العملاء تُعرض في الأغلب مُقارَنةً بمُنتَجٍ مشابهٍ ولكن بسعر أقل. والأمر الأكثر أهمية هو أنها تُقدم دائماً تجربة تسوّق تقضي على العديد من العراقيل والإزعاجات الخاصة بالبيع بالتجزئة التقليدي.

وحرصت دولار شايف كلاب (التي استحوذت عليها يونيليفر Unilever في مقابل بليون دولار في عام 2016) على انتقاد العيوب التي تشوب نموذج الأعمال الحالي الخاص بالمنتجات التقليدية لحلاقة الرجال. ففي فيديو مرح انتشر انتشارا فيروسيا Viral على القنوات الاجتماعية، سخر المؤسس المشارك مايكل دوبين Michael Dubin من ممارسات الشركة الموجودة. «هل تحبون إنفاق 20 دولاراً شهرياً على آلات الحلاقة التي تحمل علامات تجارية؟» يسأل جمهوره ذا الأغلبية الشابة، ويتابع قائلا: «يذهب 19 دولاراً منها إلى روجر فيدرير!… توقفوا عن الدفع في مقابل تكنولوجيا حلاقة لا تحتاجون إليها». واضطرت جيليت Gillette، الشركة ذات المنتج الراسخ، إلى الرد بخفض الأسعار، وإطلاق ناد للحلاقة خاص بها، بل حتى غامرت بالدخول في إعلانات مراوغة (أثارت انتقادات مختلطة). ومع ذلك عانت حصتها في السوق، سواء من المنافسة مع شركات تتعامل مباشرة مع المستهلك، مثل دولار شيف كلوب وهاريز Harry’s ومن ميل الرجال، ولاسيما الأصغر سناً منهم، إلى إطالة لحاهم.

وخلال فترة زمنية قصيرة، غيّر منافسون جدد سلوك العملاء جذرياً بثلاث طرق مهمة:

● بات المستهلكون سعداء الآن بشراء السلع المُعمِّرة Consumers are now happy to purchase hard goods مثل المرتبات، والأثاث، بل وحتى السيارات عبر الإنترنت. رأت الأجيال السابقة أنه من غير الممكن أن تفعل ذلك. فالاختيار الخطأ قد يشتمل على عمليات إرجاع مكلفة، وكثير من الوقت الضائع، ومخاوف مستمرة بخصوص الجودة والسلامة، بل ربما خسائر مالية. وبما أن الاختيار الخاطئ كان يُعتبَر محفوفاً بالمخاطر، افتُرِض أن المستهلكين سيرغبون دائماً في لمس بضائع كهذه والإحساس بها قبل القيام بعملية شراء كبيرة.

أزال المزعزعون الجدد المخاطر والتعقيد. لا تعجبكم مرتبة كاسبر بعد 99 يوماً؟ لا مشكلة – ستأتي الشركة وتستلمها منكم مجاناً.

 

وأزال المزعزعون الجدد هذه المخاطر وهذا التعقيد. لا تعجبكم مرتبة كاسبر بعد 99 يوماً؟ لا مشكلة — ستأتي الشركة وتستلمها منكم مجاناً. فقد قللت كاسبر من مخاطر اتخاذ قرار كان ذات يوم ينطوي على مخاطر عالية. ففي عام 2019، تجاوزت عوائد الشركة 500 مليون دولار، ما أدى إلى انتزاع قسم كبير من صناعةٍ ذكرت التقاريرُ أن مبيعاتها بلغت 27 بليون دولار في العام نفسه.

● يمكن بيع كل شيء تقريباً كخدمة Almost everything can be sold as a service. في حين بدأت الفكرة بالبرمجيات (النموذج الشهير للبرمجيات كخدمة Software-as-a-service، (اختصارا: البرمجيات SaaS)، يمكنكم الآن تأجير الملابس والأثاث والسيارات والشاحنات والمعدات الثقيلة، وحتى الحيوانات الأليفة في مقابل اشتراك أو تجربة محدودة. فلماذا تكلفون نفسكم عناء امتلاك المنتجات عندما يكون بوسعكم الحصول على المنافع نفسها عند الحاجة فقط، بالاستعانة بالإنفاق المرن؟

● القدرة الفائضة هي أصلٌ استهلاكي Excess capacity is a consumer asset. تُعَد الشركة إير بي إن بي Airbnb الرمز لهذا الاتجاه، فهي أنشأت سوقاً يستطيع الأشخاص العاديون الذين يمتلكون عقارات غير مستخدمة جمع المال من خلال تأجير مساحتهم لغرباء. وحتى عام 2019 أفادت التقارير بأن الأمريكيين أنفقوا مع الشركة Airbnb قدراً أكبر من المال مقارنة بما أنفقوه مع هيلتون Hilton التي تمثل نحو 20% من أموال المستهلكين التي صُرِفت على أجور الإقامة. والآن يتوسع النموذج إلى فئات أخرى من الأصول، مع شركات ناشئة مثل نايبور دوت كوم Neighbor.com، التي تربط مالكي المساكن ذوي المساحات الفائضة في منازلهم بأشخاص يحتاجون إلى مساحات للتخزين.

ونظراً إلى نجاح Success وموثوقية Reliability وقيمة Value هذه الخدمات D2C المقدمة مباشرة إلى المستهلك، من غير المستغرب أن تشهد قيمة العديد من العلامات التجارية الراسخة انحداراً شديداً. وتماماً مثلما تسمح التكنولوجيات الرقمية للشركات ببناء أعمال بين عشية وضحاها تقريباً، يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الرقمية والمؤثرين عبر الإنترنت أن يساعدوا العلامات التجارية الجديدة على بناء هويات وسمعات ذات مغزى بسرعة فائقة.

العناصر الرقمية للنموذج المُزعزِع الجديد

تتميز الأعمال الجديدة التي تتعامل مباشرة مع المستهلك هذه بأوجه تشابه متعددة، إذ يعتمد كل منها على التكنولوجيات الرقمية والخوارزميات وتحليلات البيانات والأشكال الجديدة للربط Connectivity.

  الوصول إلى الأصول، وليس ملكية الأصول Access to assets, not ownership of assets. استخدمت المؤسسات التقليدية الأصول التي امتلكتها لإنشاء تمايز تنافسي وإقامة حواجز أمام الدخول في الوقت نفسه. وبدلاً من ذلك، تشارك المؤسسات التي تتعامل مباشرة مع المستهلك D2C في منصات رقمية يمكنها أن تمثل فعلياً كلا جانبي معاملات الطلب حسب الحاجة، مما يؤدي إلى إزالة العراقيل والمخاطر. فالتعاقد على استخدام الأصول في سوق مفتوح يسمح لهذه المؤسسات بتوسيع حجمها بسرعة. ومع ذلك، هو يجعل من السهل نسبياً لمؤسسات أخرى تقليد نماذج أعمالها. مثلاً، يُعتقد أنّ ما يصل إلى 150 شركة داخلة جديدة تمتهن الأعمال الخاصة ببيع مرتبات السرير عبر الإنترنت. ويعكس حجم الداخلين الجديد ما أطلق عليه الأستاذان في جامعة هارفارد Harvard University ويليام سهلمان William Sahlman وهوارد ستيفنسون Howard Stevenson قبل سنوات اسم قصر نظر سوق رأس المال Capital market myopia، إذ تندفع شركات ناشئة في فئة لا يمكنها أبدا أن توفر الاستدامة لكل هذه الشركات.4W.A. Sahlman and H.H. Stevenson, “Capital Market Myopia,” Journal of Business Venturing 1, no. 1 (winter 1985): 7-30.

  الإنشاء المشترك مع العملاء Cocreation with customers. تقضي القنوات الرقمية على الوسطاء. وكما يوحي اسمها، تنشئ الشركات التي تتعامل مباشرة مع المستهلك D2C علاقة مباشرة بعملائها. وهذا يعطيها حلقات تغذية راجعة قوية من الملاحظات التي تستطيع بناء عليها تجربة العروض المختلفة وتكرارها وتخصيصها بسرعة أكبر بكثير مقارنة بالبائع بالتجزئة التقليدي. وتنشئ أفضل العلامات التجارية التي تتعامل مباشرة مع المستهلك D2C تجربة شاملة، إذ ترصد انتباه العميل وولائه وبياناته من خلال العملية بأكملها بدلاً من مشاركتها مع أي طرف آخر.

  تشغيل دائم ومتنقل Always-on and mobile. كانت المؤسسات التي تبيع مباشرة إلى المستهلكين موجودة دائماً (خذ بعين الاعتيار إل إل بين L.L. Bean أو لاندز إند Lands’ End مثلا). ومع ذلك، يستخدم الجيل الجديد من الشركات التي تتعامل مباشرة مع المستهلك D2C تكنولوجيا الهواتف المحمولة والبنية التحتية المتنقلة لجعل التفاعل تجربة على مدار الساعة وعاملة في شكل متواصل. وصار المستهلكون يتوقعون أن تكون الشركة التي تتعامل مباشرة مع المستهلك شريكاً سهلاً ومتاحاً للمعاملات والدعم، يمنحهم ما يريدون عندما يريدونه.

  نماذج أعمال المنظومات الإيكولوجية برأس مال منخفض Capital-light ecosystem business models. من السمات المشتركة بين الشركات الناشئة التي تتعامل مباشرة مع المستهلك D2C أنها تتطلّب القليل نسبياً من رأس المال التقليدي. وهي تعهد Outsource كثيراً من العمليات، إذ تنضم إلى المنظومات الإيكولوجية المبنية على منصات رقمية، فتتحول البنية التحتية إلى مورد مشترك Shared resource. ولا تتنافس هذه الشركات على سلاسل توزيع Distribution أو إمداد Supply chains أفضل – فهي قادرة على تجميع سلسلة توريد معقدة في مقابل جزء بسيط من الوقت والتكلفة اللذين قد تتطلّبهما في عالم تناظري Analog world. بل تتنافس بدلاً من ذلك على ما يهم حقاً: تجربة أفضل للعملاء.

تتنافس هذه الشركات على ما يهم حقاً: تجربة أفضل للعملاء.

نظرية الزعزعة: ما لا يتغير

الواقع أن نظرية كريستنسن الأصلية عن الزعزعة ظلت متماسكة وقادرة على شرح الأسباب التي تجعل الشركات الناشئة التي لا تمتلك إلا أقل القليل من الأصول أو العلامات التجارية القائمة قادرة على الاستيلاء على حصة في السوق من الشركات ذات المنتجات الراسخة. وكما توقعت النظرية، فالشركات ذات المنتجات الراسخة التي تفكر في الاستثمار في ابتكار يمتلك إمكانية افتراس الأعمال القائمة لا تزال تجده غير جذاب وخطير. والواقع أن الحوافز التي قد تدفع هذه الشركات إلى السعي إلى تحقيق فرص ذات هوامش ربح أقل من تلك التي تتمتع بها أعمالها الأساسية ضئيلة للغاية، وتميل مقاييسها المؤسسية إلى تعزيز هذا الوضع الراهن.

وكما توقع كريستنسن أيضاً، فإن «الوظائف» التي يسعى العملاء إلى القيام بها في حياتهم تظل كما هي في شكل ملحوظ5C.M. Christensen, T. Hall, K. Dillon, et al., “Competing Against Luck: The Story of Innovation and Customer Choice” (New York: HarperBusiness, 2016). — حتى على الرغم من إنشاء التكنولوجيات الرقمية طرقاً جديدة تماماً للقيام بهذه الوظائف. فكروا في جعل شقة مريحة من خلال تأثيثها. أحياناً كثيرة يجد شباب اليوم من العاملين المرتحلين في المناطق الحضرية أنه من الأفضل إنجاز هذه الوظيفة من خلال استئجار الأثاث وليس شرائه. ويمكن للشركات الموجودة أن تتعرض لضربة مفاجئة من هذا النوع من التحول في كيفية القيام بأي وظيفة. وقد تجد -في شكل خاص- أن منافسها ليس شركة تقليدية بل شركة من صناعة مختلفة تماماً أتقنت التكنولوجيات الرقمية الجديدة. فأبل Apple، مثلاً، تتشارك مع غولدمان ساكس Goldman Sachs لإصدار بطاقة ائتمان تحمل العلامة التجارية لأبل. وقد تفكرون أيضاً في تهديد علي بابا Alibaba للبيع الإلكتروني بالتجزئة للمصارف بأنظمته للدفع، وانتقال أمازون Amazon إلى البقالة والمتاجر المادية، أو الجهود التي تبذلها أوبر Uber لفرض هيمنتها على تسليم المواد الغذائية كطرف ثالث.

وتتمسك نظرية كريستنسن أيضاً بحقيقة مفادها بأن توليد عملاء جدد من خلال خفض الأسعار بما يكفي للتنافس مع الاستهلاك غير المعتاد يشكل فرصة قابلة للاستمرار للمُقبلين الجدد البارعين. وتماماً كما جذب المنافسون المزعزعون التقليديون مشترين جدداً إلى أسواق جديدة من خلال خفض الأسعار، فإن الشركات المزعزعة رقمياً تجعل التحول إلى عملاء عملية أرخص وأسهل وأسرع جذريا. فكروا، مثلاً، فيما حدث في سوق الأدوات المساعدة للسمع. ويتطلّب التركيب التقليدي للأداة المساعدة للسمع زيارة إلى أخصاصي السمع تتطلب بدورها استخداماً مكثفاً للعمالة وتكون مكلفة للغاية وعملية تركيب الأجهزة وضبطها عملية مرهقة. وتَبدَد كل ذلك مع إيرغو Eargo، وهي شركة ناشئة مدعومة برأس مال استثماري Venture-backed startup. وتُوضَع أدواتها المساعدة للسمع «غير المرئية» (المستوحاة من ذبابة الصيد) في أذنكم. ويمكنكم وضعها بنفسكم. ويُعَاد شحنها في علبة خاصة — فلا حاجة بعد الآن إلى البحث عنها وتغيير البطاريات. وتأتي أدوات إيرغو بسعر أقل من الأدوات المساعدة للسمع التقليدية، ومن المحتمل أن تفتح سوقاً واسعة من الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة السمعية لكنهم لا يستطيعون تحمل تكلفة النموذج التقليدي (ولاسيما عندما لا تكون الأدوات المساعدة للسمع مشمولة في معظم باقات التأمين الطبي).

وأخيرا، لا يزال منظور كريستنسن حول ما أسماه معضلة الرأسمالي Capitalist’s dilemma منطبقا حتى الآن.6C.M. Christensen and D.C.M. van Bever, “The Capitalist’s Dilemma,” Harvard Business Review 92, no. 6 (June 2014): 60-68. ففي العديد من المؤسسات الكبرى، لا تتوافق الحوافز Incentives مع الابتكار المنشئ للأسواق Market-creating innovation. وهناك مثال بارز: العمليات الكبيرة لإعادة شراء الأسهمBuybacks، التي تكافئ المسؤولين التنفيذيين مكافآت ضخمة بينما تستنزف من الشركات نقوداً يمكن استثمارها في الابتكار المصمم للفوز بعملاء جدد عن طريق تحويل المنتجات والخدمات الحصرية إلى منتجات وخدمات أبسط وغير مكلفة.7W. Lazonick, “The Curse of Stock Buybacks,” The American Prospect, summer 2018, 34-38.

نظرية الزعزعة: ما الذي تغير

وصف كريستنسن الزعزعة بأنها عملية تستغرق بعض الوقت، في حين يتقدم الداخلون الجدد ببطء من أطراف المجال إلى الوسط السائد للأعمال الخاصة بشركة ذات منتجات راسخة.8Christensen et al., “What Is Disruptive Innovation?”  ويتمثل التغيير الأكثر أهمية منذ طرح نظريته للمرة الأولى بأنّ المنافسين الرقميين يستطيعون الآن التحرك بسرعة غير مسبوقة.

ولم تكن الشروط للدخول إلى أي قطاع يحقق أي هامش على الإطلاق أفضل حالا من الآن في أي وقت مضى. فهناك وفرة في التمويل Financing المتاح (حتى كتابة هذه السطور على أي حال)، ومواهب وفيرة Talent aplenty في اقتصاد العمل المؤقت Gig economy، ومستهلكون يشعرون بالارتياح من شراء أي شيء غير مرئي على الإطلاق، وتكنولوجيات رقمية لتيسير كل عملية كانت ربما لتشكل عائقاً في السابق. وكما أظهرت واربي باركر Warby Parker، وكاسبر Casper، وما إلى ذلك، فإن زعزعة القيمة المقترحة التنافسية تستطيع أن تدفع التوسع بسرعة لم تكن متخيلة من قبل.

أما الانحراف الثاني عن نظرية الزعزعة، فيتعلق بالعلاقة بين الأعمال التقليدية والأساسية والأعمال الجديدة المبتكرة. وفي الصياغة الأصلية كان الجزء الأساسي من الأعمال ذا قابلية جيدة لتوقع (وإن كانت تنخفض ببطء) أرقام العوائد Revenue numbers، وعملاء Customers يمكن تحديد احتياجاتهم، ومكافآت Rewards لتكرار النموذج الموجود على نطاق واسع. ومن جهة أخرى، عملت الشركات الجديدة المبتكرة بنسبة عالية من الافتراضات إلى المعرفة، مما أدى إلى ممارسات مثل التخطيط الموجه بالاكتشاف Discovery-driven planning، والاختبار والتعلم Test-and-learn، والتجريب السريع Rapid experimentation.

الزعزعة الرقمية اليوم هي شديدةُ الشراسة إلى حد يجعل الشركات الأساسية أقل جدارة بالثقة من أي وقت مضى، وقد تتدهور سريعاً في بعض الأحيان إلى حد يهدد المؤسسة بالكامل. فكروا في مصير جنرال إلكتريك General Electric، التي كانت ذات يوم محببة لدراسات الحالة المعجبة بها لدى مدارس الأعمال والتي تُوصَف الآن بأنها «تخضع لتدابير حفظ الحياة».9T. McEnery, “Like a Body on Life Support Fluttering Its Eyelids, General Electric Releases Quarterly Results,” DealBreaker, July 31, 2019, https://dealbreaker.com. فقد أدركت إدارة جنرال إلكتريك في وقت مبكر نسبياً أن التكنولوجيا الرقمية من المرجح أن تجلب تغييراً ضخماً لأعمالها. وفي عام 2013 شرعت في تحول رقمي بإطلاق منصة تدعى بريديكس Predix، كان من المفترض أن تُسخِر إنترنت الأشياء وأن تجلب تغييراً مزعزعاً إلى التكتل المتعدد الطبقات. ولكن جنرال إلكتريك فشلت في موازنة استثماراتها الموجهة إلى المستقبل جيداً مع الحاجة إلى تلبية الأرقام الفصلية. وعندما فشلت بريديكس، كان زوالها سبباً في التأثير سلباً في صحة الأقسام الرئيسية الأخرى في جنرال إلكتريك، مما أوقع الشركة في ضائقة شديدة.

وهناك تغيير آخر على قدر كبير من الأهمية حدث منذ نشر العمل المبكر لكريستنسن. فقد تعلمت الشركات ذات المنتجات الراسخة شيئاً أو شيئين عن الزعزعة. مثلاً، قرر قادة كلويكنر Kloeckner الألمانية لتوزيع المعادن أنهم إذا لم ينشئوا منصة رقمية لممارسة الأعمال، ستنشئها لهم بعض الشركات الناشئة، لذا كانوا في رحلة ثابتة نحو رقمنة صناعتهم. وهناك شركات موجودة أخرى على استعداد لاستخدام مواردها بقوة لمكافحة الزعزعة. فهي تنفق أموالاً مذهلة لشراء شركات ناشئة، وتبذل قصارى جهدها لاستيراد ذهنية الشركات الناشئة وممارساتها، وتستفيد من مواردها الخاصة وثقلها الخاص من أجل السماح لاستحواذاتها الرقمية أو فروعها بالتعجيل في التوسع. فوولمارت، مثلاً، أنفقت 3.3 بليون دولار لشراء جت دوت كوم Jet.com، وملايين أخرى للاستحواذ على سلسلة من الشركات التي تتعامل مباشرة مع المستهلك والتي تجتذب عروضها شريحة سكانية أصغر سناً. وأنفقت جنرال موتورز وفورد Ford كثيراً للمنافسة في قطاع السيارات الذاتية القيادة الناشئ. وقرأت الشركات ذات المنتجات الراسخة كريستنسن، وبذلت أفضلها قصارى جهدها محاولة تجنب أخطاء التراخي الماضية.

وعموماً، يبدو أن الشركات ذات المنتجات الراسخة تندرج في ثلاث فئات عندما ترى زعزعة مقبلة. الأولى هي تلك التي تقع في الفخ الكلاسيكي لكريستنسن وتتجاهل التغيير المحتمل بالكامل. والثانية هي تلك التي ترصد الزعزعة وتبالغ في الرد، فتنفق كميات ضخمة من المال والوقت على الجهود الرامية إلى القفز مباشرة إلى أي شيء يبدو أن السوق المزعزعة تحافظ عليه. وما أود أن أشير إليه هنا هو أن الشركات مثل كلويكنر التي تبدأ بتنفيذ استثمارات متواضعة في الزعزعات المحتملة تنشئ تدريجياً القدرات اللازمة للانتقال السلس إلى المرحلة التالية من دون سقوط موجع أو تحول مفرط. فقد أنشأت تويوتا Toyota، مثلاً، سوقاً كبيرة للسيارات الكهربائية الهجينة من دون التخلي عن أعمالها الأساسية في مجال السيارات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي، وهي واحدة من الأطراف الفاعلة القليلة الرابحة في ساحة السيارات الكهربائية.

الطريق أمام الشركات ذات المنتجات الراسخة

يجب أن تدرك كل شركة تقليدية أن مفهوم استدامة الابتكار نفسه يتعرض إلى خطر عندما يكون الهجوم الرقمي على الأعمال الأساسية سهلاً وسريعاً وميسور التكلفة كما هي الحال اليوم. فالتكنولوجيا الرقمية ترفع بقوة شعار «الأسرع والأرخص والجيد بما يكفي». وتنشئ نماذج الأعمال الممكنة بالتقنيات الرقمية نقاط انعطاف محتملة لكل شركة تقليدية. ويتعين على القادة وأعضاء مجالس الإدارة الأوائل أن يتقبلوا عدم وجود أي رهان آمن.

ولكن أحياناً كثيرة جداً، ينفق قادة الأعمال في الشركات الموجودة قدراً أكبر مما ينبغي من المال على جهود التحول الرقمي التي تفشل في أن تأخذ بالحسبان النماذج الجديدة للمزعزعين الجدد في مجالات الاقتصاد والأعمال. ولا تعني أتمتة نماذج الأعمال القديمة أكثر من ذلك — هي لا تفعل شيئاً لمساعدة شركتكم للاستفادة من النسب المزعزعة للأسعار/الأداء Disruptive price/performance ratios التي يمكن للأدوات الرقمية أن ترعاها.

ولا يزال هناك قدر ضخم من المعلومات التي يجب تعلمها حول كيفية المنافسة في عالم يتحرك على وقع خطى التكنولوجيا الرقمية. وهذا من شأنه أن يعلق أهمية كبرى على القدرة على التعلم بسرعة، والتجربة، ثم التمحور لعكس التبصرات التي جُمِعت. ويتعين على الشركات الموجودة التوقف عن إنفاق المال في محاولة لتحويل أنفسها إلى نسخة أفضل من شخصيتها التناظرية، وأن تبدأ بدلاً من ذلك بالتعامل مع الاستراتيجية الرقمية مع نظرة تتطلع إلى الاكتشاف.

ريتا غونتر ماكغراث Rita Gunther McGrath

ريتا غونتر ماكغراث Rita Gunther McGrath

(@rgmcgrath)، أستاذة في كلية الأعمال بجامعة كولومبيا Columbia Business School، وخبيرة معترف بها عالمياً بالاستراتيجية في البيئات غير المستقرة والمتقلبة. وهي مؤلفة نهاية الميزة التنافسية The End of Competitive Advantage (منشورات: Harvard Business Review Press، 2013) والنظر حول الزوايا Seeing Around Corners (منشورات: 2019 Houghton Mifflin Harcourt,). في http://sloanreview.mit.edu/x/61301.

 

المراجع

المراجع
1 C.M. Christensen, “The Innovator’s Dilemma: When New Technologies Cause Great Firms to Fail” (Boston: Harvard Business School Press, 1997).
2 M.E. Porter, “Competitive Strategy: Techniques for Analyzing Industries and Competitors” (New York: The Free Press, 1980).
3 C.M. Christensen, M.E. Raynor, and R. McDonald, “What Is Disruptive Innovation?” Harvard Business Review 93, no. 12 (December 2015): 44-53.
4 W.A. Sahlman and H.H. Stevenson, “Capital Market Myopia,” Journal of Business Venturing 1, no. 1 (winter 1985): 7-30.
5 C.M. Christensen, T. Hall, K. Dillon, et al., “Competing Against Luck: The Story of Innovation and Customer Choice” (New York: HarperBusiness, 2016).
6 C.M. Christensen and D.C.M. van Bever, “The Capitalist’s Dilemma,” Harvard Business Review 92, no. 6 (June 2014): 60-68.
7 W. Lazonick, “The Curse of Stock Buybacks,” The American Prospect, summer 2018, 34-38.
8 Christensen et al., “What Is Disruptive Innovation?”
9 T. McEnery, “Like a Body on Life Support Fluttering Its Eyelids, General Electric Releases Quarterly Results,” DealBreaker, July 31, 2019, https://dealbreaker.com.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى