أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الحدود

قوانين العمل من المنزل آتية. والشركات ليست مستعدة

يمكن أن تدفع تكلفة الامتثال المتزايدة للعمل من بُعد مزيداً من أصحاب العمل إلى إعادة العاملين إلى المكتب.

تميل المناقشات حول المقايضات Trade-offs في ترتيبات العمل من بُعد Remote work إلى التركيز على التحديات المتعلقة بالحفاظ على إنتاجية العاملين، وبناء ثقافة الشركة Company culture، والحفاظ على الحدود الواضحة بين العمل والمنزل. والآن، يواجه أصحاب العمل تحدياً إضافياً: الامتثال لمجموعة متزايدة من الأطر التنظيمية التي تحكم العمل من بُعد.

بالنسبة إلى معظم العاملين، كان العمل من المنزل في يوم من الأيام بمنزلة مزية موسمية أو ترتيب خاص يعرضه صاحب العمل. والآن يصبح ما بدأ كاستجابة طارئة لجائحة كوفيد-19 أمراً روتينياً. بين العامين 2019 و2021، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعملون أساساً من المنزل من 5.7% إلى 17.95% من جميع العاملين في الولايات المتحدة ومن 14.6% إلى 24.4% في أوروبا.

مع البيانات الجديدة التي تُظهر أن العمل من بُعد يمكن أن يوفر على الشركات ما يصل إلى 10,600 دولار لكل موظف سنوياً، والتزامِ أصحاب العمل الرئيسين، مثل شركة 3M، وساب SAP، وسبوتيفاي Spotify، بجعل برامج العمل من بُعد دائمة، يبدو أن هذا الاتجاه وُجِد ليبقى.

لكن زيادة المرونة وتوفير التكلفة على صعيد العمل من بُعد يعنيان أيضاً أن أصحاب العمل لم يعد لديهم نوع من السيطرة على سلامة بيئات عمل موظفيهم واستقرارها اللتين تعودوهما. قد يجد الموظفون أيضاً صعوبة في الفصل بين عملهم وحياتهم الشخصية. وقد أدت هذه المسائل إلى طفرة في التطورات التنظيمية الجديدة التي تهدف إلى التأكد من حماية العاملين من بُعد والعاملين من المنازل والعاملين من بُعد حصرياً بموجب التشريعات والمبادئ التوجيهية البيئية والصحية والخاصة بالسلامة القائمة وأن أصحاب العمل لا يخالفون قوانين العمل.

أنماط العمل المرنة: مفهوم واحد، عديد من الأبعاد
تشكل الشبكة المتنامية من التفاصيل التنظيمية التي تحكم ترتيبات العمل المرنة في أنحاء العالم كلها تحدياً حاداً للشركات المتعددة الجنسيات. يجب على هذه الشركات الآن التعامل مع متطلبات الامتثال المختلفة في كيانات سيادية مختلفة، اعتماداً على كيفية تعريف الحكومات وتفسير مصطلحات مثل العمل من بُعد Remote work، والعمل من بُعد حصرياً Teleworking، والعمل من المنزل Work from home. مثلاً، في إسبانيا، يُعرَّف العمل من بُعد بأنه نشاط عمل يُنفَّذ إما في منزل العامل أو في مكان آخر من اختياره على الأقل 30% من الوقت على مدى ثلاثة أشهر. والعمل من بُعد حصرياً هو فئة فرعية من العمل من بُعد تتطلب إنجاز المهمة التي يتعين الاضطلاع بها من خلال أنظمة الاتصالات Telecommunications systems. هذا كله موضَّح بالتفصيل في القانون الإسباني 10/2021 بشأن العمل من بُعد. من بين المتطلبات من أصحاب العمل اتفاقية مكتوبة لجميع العاملين من بُعد حصرياً تتضمن الجدول الزمني التفصيلي للعامل، ومكان العمل، وكيف ستراقب الشركة أنشطتهم المتعلقة بالعمل. يمكن أن تتراوح الغرامات على عدم الامتثال من 70 يورو للمخالفات البسيطة إلى ما يزيد على 225,000 يورو عن الهفوات الرئيسة في الامتثال.

وبالمثل قدمت ألمانيا مشروع قانون في يناير 2021 يميز بوضوح بين العمل المتنقل، وهو أي عمل يستخدم تكنولوجيا المعلومات يُنفَّذ خارج مباني الأعمال، والعمل من بُعد حصرياً، الذي يُعرَّف بأنه العمل الذي يُنفَّذ حصرياً ودائماً في منزل الموظف. وتشمل تفاصيل قانون العمل المتنقل المعلق التي لا تزال قيد الاستكمال مدَّ غطاء التأمين ضد حوادث العمل ليشمل المكاتب المنزلية للموظفين، وتنفيذ نظام تسجيل لضمان عدم عمل الموظفين لأكثر من الحد الأقصى لعدد الساعات.

وهذه الظاهرة عالمية حقاً في طبيعتها. إنها تمارَس في أمريكا اللاتينية مع ثلاثة أنظمة متميزة للعمل من بُعد حصرياً، والعمل من المنزل، والعمل من بُعد في كولومبيا، وقانون جديد للعمل من بُعد حصرياً في بيرو. وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أدخلت الفلبين تنقيحات على قانون العمل من بُعد تتضمن شروطاً محددة للشركات العاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات وفي بعض المناطق الاقتصادية.

وحتى في الولايات المتحدة، التي لم تشهد أي تشريع مباشر يحكم ترتيبات العمل المرنة منذ قانون تعزيز العمل من بُعد حصرياً للعام 2010، ظهر عدد من القوانين المحلية التي تؤثر في ممارسات مثل الضرائب بين الولايات وتسديد النفقات، ما ولَّد تحديات امتثال معقدة. مثلاً القوانين المشار إليها باسم قاعدة ملاءمة صاحب العمل Convenience of the employer rule الموجودة حالياً في خمس ولايات فقط – كونيتيكت وديلاوير ونبراسكا ونيويورك وبنسلفانيا – تسمح لسلطات الضرائب الحكومية بفرض ضريبة دخل على الأجور التي يحصل عليها صاحب العمل في تلك الولاية، حتى لو كان الموظف مقره خارج الولاية. وبالمثل تتطلب عديد من الولايات من الشركات دفعَ النفقات التي يتكبدها الموظفون في أثناء العمل من المنزل.

الحق في الانفصال
بالإضافة إلى القائمة المتزايدة من القوانين المحلية التي تؤثر في العمل الذي يؤدَّى خارج المكتب التقليدي، أدت ظاهرة العمل من بُعد أيضاً إلى تقديم مقترحات تشريعية جديدة تحد من ساعات العمل. وأصبح هذا الحق في الانقطاع Right to disconnect مسألة كبيرة في الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى إلى إضفاء الطابع الرسمي على حقوق الموظفين في الانسحاب من العمل والامتناع عن التواصل الإلكتروني المتعلق بالعمل خلال ساعات العمل.

بعض دول الاتحاد الأوروبي لديها قوانين تضع حدوداً كهذه، كما هي الحال في فرنسا، حيث يتطلب قانون العمل من الشركات كلها التي لديها 50 موظفاً أو أكثر التوصلَ إلى اتفاقية مع ممثلي العاملين تُنظم استخدام الأجهزة الرقمية خلال فترات الراحة والإجازات. هناك قوانين مماثلة في إيطاليا وإسبانيا، غيرَ أن التوجيه على مستوى الاتحاد الأوروبي – الذي يهدف إلى الحد رسمياً من ثقافة التوافر الدائم السائدة في مكان العمل المعاصر – يلقي بمجموعة من التعقيدات الجديدة على عاتق أصحاب العمل. من بينها: الحاجة إلى القدرة على مراقبة وقت عمل الموظفين من بعد وقياسه، ووضع عقود مكتوبة تحدد حقوق العاملين، ومواءمة التعويض عن أي عمل يجري خارج ساعات العمل المقررة.

وفي أمريكا اللاتينية، يتطور الحق في الانقطاع إلى جانب التنظيمات المتعلقة بالعمل المرن. مثلاً يتطلب قانون العمل من بُعد حصرياً في أوروغواي من أصحاب العمل والعاملين من بُعد حصرياً الاتفاق على جدول زمني للانقطاع يجب أن يُدرَج في عقد العمل. وبالمثل تضْمن الأرجنتين وتشيلي وبيرو حقَ العاملين من بُعد حصرياً في الانقطاع. وفي العام 2022 اعتمدت كولومبيا قانوناً بشأن الحق في الانقطاع ينطبق على نماذج العمل كلها. وفي كندا تتطلب مقاطعة أونتاريو من أصحاب العمل أن تكون لديهم سياسة مكتوبة بشأن انقطاع الموظفين.

الشركات تواجه الضغوط
إن معظم الشركات غير مستعدة بعد لهذا المستوى من إدارة العمل من بُعد، وبدأ عديد منها يواجه تحديات قانونية. وتزعم دعوى قضائية جماعية رفعت في العام 2021 في كاليفورنيا أن بنكاً متعدد الجنسيات لم يسدِّد نفقات الأعمال التي تكبدها موظفو خدمة العملاء الذين يعملون من المنزل خلال جائحة كوفيد-19، وأساء تصنيف الأفراد على أنهم مُعفَون من أجور العمل الإضافي وفترات الوجبات والراحة. في أوروبا قضت محكمة هولندية أخيراً بأن موظفاً فُصِل بنحو خاطئ لرفضه إبقاء كاميرا الشبكة قيد التشغيل عدة ساعات في اليوم. في ديسمبر الماضي، في قضية يُحتمل أن تشكِّل سابقة في ألمانيا، قضت محكمة في قضية انزلاق موظف يعمل من بُعد في طريقه من سريره إلى مكتبه في المنزل، فقد اعتبر ذلك حادثاً في مكان العمل.

هذا كله يعني أن السماح لأعداد كبيرة من الموظفين بالعمل من أي مكان بدأ يصبح أكثر تعقيداً. قد يحتاج أصحاب العمل إلى متابعة ساعات العمل الفردية من كثب والبقاء على اطلاع على التعريفات التفصيلية للعمل من بُعد أو العمل من المنزل أو العمل من بُعد حصرياً في كل كيان سيادي يقع فيه الموظفون، والإحالة المرجعية للقوانين الضريبية الفِدرالية والوِلائية والمحلية المعمول بها.

فأصحاب العمل الذين احتضنوا ثورة العمل من بُعد فهموا كيف لذلك أن يساعدهم على البقاء مرنين Resilient، وأن يتمكنوا من رعاية أفضل المواهب في شركاتهم، وتوفير بعض المال المنفق على إيجارات العقارات التجارية. مع الأسف يمكن للأخطاء في كيفية إدارة الموظفين من بُعد أن تلغي كثيراً من تلك النيات الحسنة، فقد يظهرون في صورة سيئة ويعرضهم ذلك لعقوبات مالية كبيرة على طول الطريق.

هل هذه المخاطر المتزايدة والالتزامات المحتملة تُعوِّض مزايا العمل من بُعد في نظر الشركات الكبيرة؟ هذا يعتمد على صاحب العمل. في الآونة الأخيرة، ومع بدء الاقتصاد في التباطؤ ورفع تدابير الصحة العامة، بدأ عديد من أصحاب العمل في عكس المسار بشأن سياسات العمل من بُعد، مشيرين إلى تحسين الإنتاجية والتعاون في بيئة العمل. يمكن لأصحاب العمل الذين يرغبون في إعادة موظفيهم إلى المكتب أن يبدؤوا في الإشارة إلى التكلفة المتزايدة للامتثال لتنظيمات العمل من بُعد كسبب آخر للعودة إلى الطريقة القديمة للاضطلاع بالأشياء. وفي الوقت نفسه ضاعف عديد من أصحاب العمل الآخرين عملَهم من بُعد، وأصروا على أن هذا هو طريق المستقبل واستخدام هياكل العمل المرنة كأداة توظيف استراتيجية.

بغض النظر عن موقف شركتكم في نقاش العمل من بُعد، يكمن الشيطان في التفاصيل – كما يقال – عندما يتعلق الأمر بتحقيق النتيجة المرجوة. إذا كان لديكم موظفون يعملون خارج المكتب، فستحتاجون إلى التدقيق في الفوارق القانونية الدقيقة في كل سوق. ومع استمرار تشوُّش الحدود بين العمل والحياة المنزلية، يحتاج أصحاب العمل الذين يعرضون ترتيبات عمل مرنة كميزة إلى اتخاذ تدابير استباقية لضمان أنهم يُنشئون بالفعل بيئة آمنة وصحية للموظفين، وأن لديهم أدلة ملموسة على تلك التدابير عندما تنشأ مشكلات محتملة.

خيمينا موريللو شافارو Jimena Murillo Chávarro

خيمينا موريللو شافارو Jimena Murillo Chávarro

مستشارة تنظيمية بارزة في مجال البيئة والصحة والسلامة في إنهيسا Enhesa، وهي شركة مزودة للمعلومات التنظيمية والاستدامة العالمية.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى