أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
استراتيجياتبحثموارد بشرية

هل تحتاج أعمالكم إلى استراتيجية في مجال حقوق الإنسان؟

يجب أن تستعد الشركات للوفاء بالتزاماتها في مجالي الأخلاق والأعمال حين تصطدم العمليات بانتهاكات في حقوق العمالة– أو أسوأ من ذلك.

أخيراً كلف التزام شركة الأزياء السويدية العملاقة إتش أند إم H&M ”بالعمل بطريقة تحترم حقوق الإنسان عبر سلسلة القيمة Value chain كلها“ الشركةَ 74 مليون دولار، فضلاً عن غضب ثالثة أكبر سوق لها– وأسرعها نمواً.

في أواخر العام 2020، أعلنت شركة H&M، جنباً إلى جنب مع غيرها من العلامات التجارية المعروفة للأزياء، أنها لم تعد تشتري القطن من منطقة شينغيانغ في الصين بسبب المخاوف حول فرض العمالة القسرية على أقلية اليوغور من سكان البلاد. وعندما سلط موقع على شبكة الإنترنت الضوء على الإعلان في مارس 2021، كانت ردود فعل المستهلك الصيني شرسة. واختفت العلامات التجارية التي تحمل اسم الشركة من مواقع التجارة الإلكترونية E-commerce sites الصينية، وأرغم أصحابُ العقارات في أجزاء من الصين عديداً من متاجر هذه العلامة التجارية على الإغلاق، وأصدر مسؤولو الجمارك الصينيون تحذيراً زعموا فيه أن فساتين القطن من شركة H&M تحتوي على “أصباغ أو مواد ضارة” قد تعرض صحة الطفل للخطر.1“H&M Stores Shut by Chinese Landlords as Xinjiang Fallout Grows,” Bloomberg, March 29, 2021, www.bloomberg.com; and S. Ray, “China Accuses Nike, H&M and Others of Selling Goods That Could Be ‘Harmful to Children’ Months After Xinjiang Cotton Backlash,” Forbes, June 3, 2021, www.forbes.com. وبحلول وقت إعلان نتائج الشركة ربع السنوية في يوليو، لم يكن من المستغرب أن تنخفض المبيعات بنسبة 23% من مارس إلى مايو.2S. Woo, “H&M Pays Price of Upsetting Beijing as China Sales Drop,” The Wall Street Journal, July 1, 2021, www.wsj.com. وفي ذلك الوقت قالت الرئيسة التنفيذية هيلينا هيلمرسون Helena Helmersson إن الموقف يظل ”معقداً“، وأعربت عن التزام شركة H&M باستعادة ثقة عملائها وشركائها في الصين.3“H&M: Fashion Giant Sees China Sales Slump After Xinjiang Boycott,” BBC, July 2, 2021, bbc.com.

لقد تعرضت شركة H&M لضربة قوية من رد الفعل الصيني. لكن مع إيلاء العملاء والموظفين والناشطين مزيداً من الاهتمام لحقوق الإنسان، تواجه الشركات التي تغض الطرف عن الانتهاكات التي تحدث في مجال عملياتها Sphere of operations خطر وصمها كمتواطئة أخلاقياً، فضلاً عن كونها عرضة لدعوى قضائية وإلحاق الأذى بسمعتها. ولهذا السبب من الأهمية بمكان أن تتبنى الشركات استراتيجية خاصة بحقوق الإنسان، وأن تفكر بنحو استباقي في توقيت اتخاذ الإجراءات اللازمة للوفاء بالتزاماتها الأخلاقية وكيفيته؛ وتلبية توقعات المساهمين والعملاء والموظفين؛ وإبقاء أصحاب المصلحة Stakeholders الآخرين راضين.

بالاعتماد على بحثنا في أخلاقيات الأعمال والاستدامة– بما في ذلك المناقشات مع المديرين ومجموعات حقوق الإنسان، والفحص الدقيق لكيفية تعامل الشركات مع هذه المسائل في الماضي– أنشأنا إطاراً لمساعدة الشركات على وضع استراتيجية للأعمال وحقوق الإنسان قابلة للتطبيق على حالاتها الخاصة. ويعرض الإطار الذي نوفره أدوات لمساعدة الشركات على قياس نقاط ضعفها، وتحديد الأساليب والتكتيكات التي من شأنها أن تساعدها على الوفاء بمسؤولياتها الاجتماعية والتجارية.

ثلاث فئات من انتهاكات حقوق الإنسان

في بحثنا لاحظنا ثلاثة مجالات واسعة تنشأ فيها مسائل حقوق الإنسان فيما يتعلق بالأعمال، ويجب على الشركات أن تنظر فيها عند وضع استراتيجية للأعمال وحقوق الإنسان.

1. انتهاكات في طريقة تصنيع منتجات الشركة أو تقديم خدماتها وتسليمها Abuse in the way a company’s products or services are made and delivered. وهذا يشمل إساءة المعاملة من قِبل الموردين أو المقاولين أو في صميم عمليات الشركة نفسها. لقد أصبحت إدارة مخاطر حقوق الإنسان في سلسلة التوريد Supply chain معقدة على نحو متزايد مع تغير البيئات الجيوسياسية، وتزايد تعقيد سلاسل التوريد، وصار المدافعون عن حقوق الإنسان يستغلون قوة وسائل الإعلام الرقمية Digital media لتسليط الضوء على الانتهاكات التي تقع تحت أعيننا في مناطق لم يُسلَّط عليها الضوء من قبل. وفي بعض الأحيان قد يبدو العمل– كقطف الطماطم أو خياطة الملابس أو العمل في موقع بِناء– عادياً. وما قد لا نشاهده هو الطريقة التي تجري بها السيطرة على الناس بالتخويف، أو تحت أغلال الديون التي لا يمكن سدادها، أو حجز جوازات السفر، أو التهديد بالطرد. كشف تحقيق أُجري في العام 2019 في المملكة المتحدة عن وجود عصابة استعبدت أكثر من 400 عامل بولندي، جرى الاتجار بهم، كانوا محتجَزين في ظروف مروعة. وكان العاملون يحصلون على أجر زهيد للعمل في المزارع والمصانع التي زودت محال السوبرماركت وسلاسل توريد مواد البناء، بما في ذلك تيسكو Tesco، ووايتروز Waitrose، وساينسبريز Sainsbury’s، وهومبايس Homebase، وترافيس بيركينز Travis Perkins، وأرغوس Argos، وويكس Wickes.4G. Arbuthnott, D. Collins, and J. Calvert, “Britain’s Biggest Trafficking Gang Used Slaves to Supply Top Supermarkets,” The Sunday Times, July 7, 2019, www.thetimes.co.uk.

ومن غير المستغرب أن الشركات كانت غير مدركة للظروف التي يتعرض لها العاملون لدى مورديها. والواقع أن أغلب الشركات حالياً تصدع بالتصريح عن سياسات للتخلص من العمالة القسرية عبر معظم مراحل سلاسل القيمة. غير أن انتشار العبودية الحديثة في سلاسل التوريد العالمية أصبح شديد الرسوخ، ومعظم الشركات المتعددة الجنسيات تستنفع من ذلك في مكان ما عبر سلسلة القيمة، ويكون ذلك في الأغلب بعيداً جداً في بدايات السلسلة، حيث لا يكون في مدى رؤية Visibility أو تأثير Leverage كبيرين.5K. Steiner-Dicks, “‘We Know Most Global Companies Have Modern Slavery in Their Supply Chains,’” Reuters, Aug. 6, 2019, www.reutersevents.com; A. Crane, “Modern Slavery as a Management Practice: Exploring the Conditions and Capabilities for Human Exploitation,” Academy of Management Review 38, no. 1 (January 2013): 49-69; and A. Crane, G. LeBaron, K. Phung, et al., “Confronting the Business Models of Modern Slavery,” Journal of Management Inquiry, Feb. 25, 2021.

2. انتهاكات في طريقة استخدام منتجات الشركة أو خدماتها Abuse in the way a company’s products or services are used. على الرغم من أن الشركات قد لا تتعمد تطوير منتجات تنتهك حقوق الإنسان، فإنها قد تجد نفسها متواطئة عندما يستخدم العملاء منتجاتها أو خدماتها للاضطلاع بذلك– إن لم تكن متواطئة قانوناً، فقد تكون على الأقل مذنبة في محكمة الرأي العام. مثلاً وجدت كاتربيلر Caterpillar- وهي مُورد ذو تاريخ طويل في توريد الآلات الثقيلة إلى الجيش الإسرائيلي- أن سمعتها في خطر عندما ظهرت أدلة على استخدام معداتها في هدم المنازل والبساتين الفلسطينية.6“Caterpillar Group Boycotted for Selling Bulldozers to Israel,” New Zealand Herald, April 15, 2005, www.nzherald.co.nz. واكتسبت التظاهرات ضد الشركة زخْماً بعدما سحقت جرافة من كاتربيلر يقودها الجيش ناشطة السلام الأمريكية راشيل كوري Rachel Corrie وقتلتها. وفي الآونة الأخيرة احتلت أبحاث منظمة العفو الدولية العناوين الرئيسة مستعرضة النتائج التي توصلت إليها: بأن أنظمة المراقبة الرقمية Digital surveillance systems التي صنَّعتها شركات أوروبية تُبَاع لوكالات الأمن الصينية، وتُستخدَم لتنفيذ برنامج مراقبة جماعية ضد الأقليات.7“EU Companies Selling Surveillance Tools to China’s Human Rights Abusers,” Amnesty International, Sept. 21, 2020, www.amnesty.org.

3. انتهاكات الأنظمة حيث تعمل الشركة Abuse by regimes where the company operates. من الصعب العثور على بلد لا تحدث فيه انتهاكات لحقوق الإنسان من نوع أو آخر، سواء في شكل عمل قسري؛ أو قمع حرية التعبير؛ أو تمييز عنصري أو ثقافي أو جنوسي (جندري) Gender؛ أو سجن غير قانوني. وهذه المسألة مسألة حساسة بعض الشيء، والبلدان تختلف في آرائها حول ما يشكل حقوق إنسان أساسية. وأخيراً اتُّهِمت روسيا باستخدام غاز أعصاب Nerve agent عسكري لتسميم زعيم المعارضة والناشط المناهض للفساد ألكسندر نافالني Alexander Navalny. وفي العام 2017، شجبت منظمة العفو الدولية موقف الولايات المتحدة بشأن تسليم السجناء وتعذيبهم واحتجازهم لأجل غير مسمى في خليج غوانتانامو، من دون محاكمة بعد هجمات 11/9. كذلك، تعرَّض احتجاز أستراليا الإلزامي وتعاملها مع طالبي اللجوء لانتقادات شديدة.88. A. Navalny, “Labs Found Novichok in and on My Body, Says Alexei Navalny,” The Guardian, Sept. 22, 2020, www.theguardian.com; “Action Brief: ‘The Report’ and CIA Torture,” PDF file (New York: Amnesty International, 2017), www.amnestyuse.org; L. Millar, “Australia’s Asylum Seeker Policies Heavily Criticised at UN Human Rights Council Review,” ABC, Nov. 10, 2015, www.abc.net.au; and N. Gaouette and J. Herb, “US Intelligence Report Finds Saudi Crown Prince Responsible for Approving Operation That Killed Khashoggi,” CNN, Feb. 26, 2021, www.cnn.com.

وفي وسع الشركات أن تستفيد من العمل بنحو وثيق مع الحكومات، لكن عندما ينتهك نظام ما حقوق الإنسان من الممكن أن تتورط في الفضيحة. ووجدت ماكنزي أند كو McKinsey & Co الاستشارية الدولية نفسها في موقع مماثل، بسبب عقدها للمساعدة على التحول المؤسسي لوكالة الهجرة والجمارك Immigration and Customs Enforcement agency الأمريكية. وتشير تقارير صحافية إلى أن الاستشارات أُعِيد توجيهها لمساعدة الرئيس السابق دونالد ترامب على تضييق الخناق على الهجرة غير القانونية، وكانت مسؤولة عن توصيات لتخفيض الإنفاق تضمنت تخفيضات في دعم الغذاء والرعاية الطبية، والإشراف على المحتجزين.9I. MacDougall, “How McKinsey Helped the Trump Administration Carry Out Its Immigration Policies,” The New York Times, Dec. 4, 2019, www.nytimes.com. وأصر الشريك الإداري العالمي لماكينزي كيفن سنيدر Kevin Sneader على أن الشركة لن تنخرط ”تحت أي ظرف من الظروف في عمل… من شأنه أن يعزز- أو يساعد-سياسات تتعارض مع قيمنا “. غير أن الحادثة دعمت أقوال المعلقين الذين اتهموا الشركة بتطوير علاقات حميمية مع مختلف الأنظمة التي يجري فيها الإبلاغ بانتظام عن انتهاكات لحقوق الإنسان.10M. Posner, “How McKinsey & Co. Fails as a Global Leader,” Forbes, Dec. 18, 2018, www.forbes.com.

تاريخياً كانت المسؤولية عن حماية حقوق الإنسان تقع في المقام الأول على عاتق الحكومات– لكن عندما تعجز الحكومات عن الاضطلاع بذلك أو لا ترغب في الاضطلاع به، تستطيع الشركات أن تشارك كمواطنين مؤسسيين يتمتعون بنفوذ كبير في كثير من الأحيان.

انتهاكات حقوق الإنسان - مدى التعرض لقضايا حقوق الإنسان

الالتزامات الأخلاقية والقانونية لمعالجة حقوق الإنسان

تاريخياً كانت المسؤولية عن حماية حقوق الإنسان تقع في المقام الأول على عاتق الحكومات– لكن هناك حالات تعجز فيها الحكومات عن الاضطلاع بذلك، أو لا ترغب في الاضطلاع به. وفي هذه البيئة تستطيع الشركات أن تتحمل المسؤولية عن المشاركة كمواطنين مؤسسيين يتمتعون بنفوذ كبير في كثير من الأحيان. هناك أربعة أسباب تجعل الشركة تعتبر حقوق الإنسان أولوية، وتوفر تعليلاً لأهمية تصرف الشركة حيال ذلك:

1. الأسباب الأخلاقية Moral reasons. يتعين على الشركات أن تتقبل حقيقة أنها لم تعد قادرة على البقاء كمتفرجين مؤسسيين؛ فهناك واجبات أخلاقية تدعوها إلى اتخاذ موقف. ويمكن اعتبار عدم اتخاذ أي إجراء تواطؤاً صامتاً.11F. Wettstein, “CSR and the Debate on Business and Human Rights: Bridging the Great Divide,” Business Ethics Quarterly 22, no. 4 (October 2012): 739-770.

2. الاعتبارات القانونية Legal considerations. وضعت بلدان كثيرة قوانين تلزم المؤسسات بالعمل على نحو يحمي حقوق الإنسان ويعزز هذه الحقوق.

3. الالتزام بالقوانين غير ذات التبعات القضائية Compliance with soft laws. عندما لا تكون حقوق الإنسان مدعومة بنحو مباشر بالقوانين، قد تُطبَّق معايير أخرى، مثل المبادئ التوجيهية التي وضعتها الأمم المتحدة بشأن الأعمال وحقوق الإنسان. وتقدم هذه الوثيقة مجموعة من المبادئ التوجيهية استناداً إلى إطار الأمم المتحدة المسمى ”الحماية، والاحترام، والعلاج“. واعتمدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والاتحاد الأوروبي، والمنظمة الدولية لتوحيد المقاييس (في ISO 26000)، ومؤسسة التمويل الدولية جميعها عناصر رئيسة من هذه الوثيقة.

4. السمعة Reputation. مع تركيز وسائل التواصل الاجتماعي الانتباه بوجه خاص على المجالات التي كانت غير واضحة في الماضي، أصبحت الشركات أكثر عرضة للتهم بالاشتراك في انتهاكات حقوق الإنسان.

ما مدى تعرُّض مؤسستكم؟

يتعين على قادة المؤسسات الساعين إلى صياغة خطة واضحة للتعامل مع هذه المسائل الصعبة أن يبدؤوا بتحسين فهمهم للالتزام الأخلاقي لمؤسساتهم باتخاذ موقف، فضلاً عن نقاط ضعفهم المحتملة. وتحقيقاً لهذه الغاية، حددنا بعض العوامل الرئيسة التي توجه استراتيجيات حقوق الإنسان في الشركات واستخدمناها لوضع مصفوفة للتعرض. (انظر: مدى التعرض لقضايا حقوق الإنسان). هذه الأداة تعبر عن القوة الأخلاقية والتأثير المحتمل للشركة في موقف معين. ومن الممكن أن تساعد معرفة موقع الشركة في هذه المصفوفة على تركيز المناقشة الإدارية واتخاذ القرارات من حيث كيفية استجابتها.

الزخْم الأخلاقي

الزخم الأخلاقي Moral intensity الذي وصفه توماس إم. جونز Thomas M. Jones أولَ مرة في العام 1991، يرصد الدرجة التي يعتبر فيها الناس وضعاً ما غيرَ أخلاقي، ويطالبون باتخاذ موقف تجاهه.12T.M. Jones, “Ethical Decision-Making by Individuals in Organizations: An Issue-Contingent Model,” The Academy of Management Review 16, no. 2 (April 1991): 366-395. وأكدت الأبحاث التجريبية أنه عندما تتسم الظروف بزخم أخلاقي عالٍ، يكون الأفراد أكثر ميلاً إلى العمل بنحو أخلاقي.13J.J. Kish-Gephart, D.A. Harrison, and L.K. Trevino, “Bad Apples, Bad Cases, and Bad Barrels: Meta-Analytic Evidence About Sources of Unethical Decisions at Work,” Journal of Applied Psychology 95, no. 1 (January 2010): 1-31. ووفق جونز، تؤثر العوامل التالية في الزخم المعنوي لمسألة معينة:

حجم العواقب The magnitude of consequences. ما مدى الضرر الناتج المحتمل؟ هل ستكون الحياة على المحك، أو أن حرية التعبير هي المُعرضة للخطر، مثلاً؟

الإجماع الاجتماعي Social consensus. ما مدى اتفاق الأفراد في المجتمع على الصواب والخطأ الأخلاقيين لمسألة ما؟ في الغالب تُعَد المعايير المقبولة دولياً والمدرجة في المبادئ التوجيهية التي وضعتها الأمم المتحدة بشأن الأعمال وحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته من المصادر الرئيسة للتوجيه (ولكن تجدر الإشارة إلى أن معظم الدول لم توقع على الإعلان، ويؤكد بعضها أنه ذو تحيز غربي).

احتمال التأثير Probability of effect. ما مدى احتمال وقوع ضرر؟

الفورية الزمنية Temporal immediacy. ما مدى إلحاح هذه المسألة؟ هل يلزم اتخاذ إجراء سريع لمنع وقوع الضرر؟

القرب Proximity. ما مدى قرب مؤسستكم من المشكلة؟

تركيز التأثير Concentration of effect. ما نسبة الأشخاص المتأثرين بهذه المسألة في مجتمع معين؟

لنأخذ، مثلاً، سلاسل محال السوبرماركت، مثل وولمارت Walmart، وكارفور Carrefour، وتيسكو Tesco، التي تعرضت لانتقادات بسبب شرائها روبياناً (قريدس) مجمداً من تايلاند، ثالثة أكبر دولة مصدرة للمأكولات البحرية في العالم.14K. Hodal, C. Kelly, and F. Lawrence, “Revealed: Asian Slave Labour Producing Prawns for Supermarkets in US, UK,” The Guardian, June 10, 2014, www.theguardian.com. فقد وجدت أبحاث أجرتها هيومن رايتس ووتش أن استخدام العمالة القسرية في صناعة صيد الأسماك في تايلاند “منتشر”. ووجدت أن القوارب تُملأ بالرجال البورميين والكمبوديين الذين بيعوا كرقيق، وأُجبروا على العمل سنواتٍ في البحر من دون أن يروا الشاطئ على الإطلاق.15B. Palmstrom, “Forced to Fish: Slavery on Thailand’s Trawlers,” BBC, Jan. 23, 2014, bbc.com.

باستخدام أدلتنا يستطيع المديرون في سلاسل محال السوبرماركت أن يستنتجوا أن مستوى الزخْم الأخلاقي كان مرتفعاً استناداً إلى خمسة من العوامل الستة: (1) كانت هناك عواقب وخيمة بسبب الانتهاكات، مع وجود أدلة على معاناة كبيرة؛ (2) كان هناك توافق واسع النطاق على الصعيد الاجتماعي يدفع باتجاه إلغاء السخرة؛ (3) كان الاعتداء يحدث بالفعل ويبدو أن من المرجح أن يستمر؛ (4) ظل إلحاح المسألة عالياً للصيادين المتضررين؛ وأخيراً (5) كان الضرر مُركَّزاً إلى حد كبير على الصيادين المستعبَدين. ومع ذلك، وبالنظر إلى أن الانتهاكات حدثت بعيداً عن أسواق محال السوبرماركت، ولأن محال السوبرماركت كانت مصدر المنتج من خلال أطراف ثالثة Third parties، فمن المرجح أن يقيِّم المديرون مدى قربهم من المشكلة على أنه منخفض. وهذا سيؤدي إلى تخفيف حدة الموقف الأخلاقي بالنسبة إلى محال السوبرماركت– وإن لم يكن الأمر كذلك بالنسبة إلى مورديها.

التأثير

ليس من السهل دائماً قياس تأثير أي مؤسسة. وقد لا يكون لشركة كبيرة تبدو قوية تأثير كبير في مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان. ولنأخذ، مثلاً، عمليات شل Shell النفطية في دلتا النيجر في تسعينات القرن العشرين.16“The Ogoni Issue,” Shell Nigeria, accessed Oct. 1, 2021, www.shell.com.ng. لأن شل كانت أكبر شركة متعددة الجنسيات في البلاد وشريكة مشتركة في إنتاج النفط مع الحكومة، ربما كان من المفترض أن الشركة تتمتع بنفوذ كبير في الحكومة النيجيرية. لكن حين تورطت الشركة في خضم مطالبات بالحقوق السياسية وإيرادات النفط من قـِبل شعب أوغوني المحلي، وأسفرت الاحتجاجات عن اعتقال 9 من الناشطين وإدانتهم وإعدامهم، لم تكن دعوات شل إلى محاكمة عادلة والطعون المطالبة بالرأفة ذات وزن كبير. وحقيقة أن حرص شركات نفط أخرى على أن تتخذ من دلتا النيجر مكاناً لها كانت سبباً في إضعاف نفوذ شل. وعلى الرغم من الإدانة العالمية لشل، فمن غير الواضح على الإطلاق ما إذا كان في وسع الشركة أن تمنع تنفيذ عمليات الإعدام.17P. Lewis, “Blood and Oil: A Special Report; After Nigeria Represses, Shell Defends Its Record,” The New York Times, Feb. 13, 1996, www.nytimes.com. ومع ذلك تأثرت سمعة الشركة، وفي العام 2009 دفعت شركة شل 15.5 مليون دولار لتسوية قضية قضائية بسبب تواطئها المزعوم في انتهاكات حقوق الإنسان.18E. Pilkington, “Shell Pays Out $15.5M Over Saro-Wiwa Killing,” The Guardian, June 9, 2009, www.theguardian.com.

ولمراعاة هذه الفوارق الدقيقة عند التفكير في نفوذ المؤسسة، نقترح أن يقيم قادة الأعمال ما يلي:

قد يعتمد تأثير الشركة في مسائل حقوق الإنسان على عوامل مثل تعقيد سلاسل التوريد، أو الموقع الجغرافي الذي تُستخدَم فيه المنتجات الحيوية، أو درجة تركيز الصناعة أو تجزئتها.

العوامل المؤسسية Institutional factors. ما القواعد والقيم الرسمية وغير الرسمية التي تشكل البيئة، بما في ذلك الاستعداد– أو الضغط – للامثتال Conform؟

السمات الخاصة بالصناعة Industry specifics. كيف يتأثر التأثير بعوامل مثل تعقيد سلاسل التوريد، أو الموقع الجغرافي الذي تُستخدَم فيه المنتجات الحيوية، أو مدى تركُّز Concentration الصناعة أو تجزئتها Fragmentation؟ مثلاً، نظراً إلى صعوبة اقتفاء أثر حبوب الكاكاو إلى منتجين محددين فإنه يصعب على شركات الشوكولاتة والكاكاو- مثل باري كاليباوت Barry Callebaut- القضاءَ على عمالة الأطفال.

موارد الشركة Firm resources. ما الذي ينبغي أن تتحمله المؤسسة للتأثير في المسألة؟ يشمل ذلك بذل موارد ملموسة مثل الأموال والمخزون Inventory والأراضي والمباني؛ وغير ملموسة مثل الشبكات والمهارات والمعرفة.

التضمين Embeddedness. ما مدى ارتباط الشركة بمرتكبي الانتهاكات، أو ما عدد المستويات التي تتورط فيها بمثل هذه الانتهاكات؟

وبالعودة إلى مثال المأكولات البحرية التايلاندية، يكون لمحال السوبرماركت تأثير محتمل بفضل موارد الشركة– حجمها وقوتها الشرائية– والعامل المؤسسي للممارسات الراسخة التي تستخدم بموجبها مبادرات أصحاب المصلحة المتعددين Multistakeholder initiatives لتحسين ممارسات الموردين Supplier practices (مثل مجلس الإشراف البحري Marine Stewardship Council). لكن عندما يتعلق الأمر ”بالتضمين“، فإنها غير متورطة بنحو مباشر في استخدام عمال مُستعبدين Slave labor، كما أن ”السمات الخاصة بالصناعة“ لسلسلة التوريد المبهمة تعني تضاؤل نفوذها لأن القدرة على التعقب Traceability ضئيلة. وبالنظر إلى عوامل التأثير هذه مقترنة مع تقييمنا للزخْم الأخلاقي، من المرجح أن تضع محال السوبرماركت نفسها في موضع في الوسط على مصفوفة مدى التعرض. وعلى النقيض من ذلك تتمتع مجموعة الاتحاد التايلاندي Thai Union Group، وهي شركة عالمية تعمل في مجال المأكولات البحرية ولها علامات تجارية مألوفة مثل جون ويست John West، بقدر أكبر من التأثير بفضل تضميناتها، ومواردها، وسيطرتها في سلسلة التوريد.19N. Wongsamuth, “Titans of Thai Fishing Collaborate to Tackle Slavery,” Reuters, Oct. 10, 2019, www.reuters.com ومن المرجح أن يحكم عليها بأنها في الربع العلوي الأيمن من مصفوفة مدى التعرض.

ثلاثة قرارات رئيسة لاستراتيجية حقوق الإنسان الخاصة بكم

من الممكن أيضاً استخدام التبصرات (الرؤى) Insights التي جُمِعت في أثناء تقييم مدى تعرض أي شركة لمسائل حقوق الإنسان في أثناء تطوير استراتيجية الاستجابة Response strategy وتنفيذها. ولمساعدة قادة الأعمال على العمل من خلال ذلك، أنشأنا شجرة قراراتٍ تسلط الضوء على الخيارات الرئيسة التي يمكن الاضطلاع بها والنتائج المحتملة المترتبة عليها. (انظر: اختيار أفضل مسار عمل).

القرار 1: الخروج أو التعبير أو الصمت Exit, Voice, or Silence؟ القرار الأول الذي يجب أن تتخذه الشركة هو ما إذا كانت ستتورط. واستناداً إلى الاستنتاجات التي جرى التوصل إليها باستخدام مصفوفة مدى التعرض، يتعين على قادة الأعمال أن يقرروا ما إذا كانت المشكلة تتطلب مزيداً من الاهتمام، وربما اتخاذ بعض الإجراءات Actions. هل الأمر من الخطورة بما يكفي لتبرير تصفية العمليات و/أو ربما مغادرة البلد؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فما الخيارات الأخرى المتاحة؟

انتهاكات حقوق الإنسان - اختيار مسارات العمل البديلة

للاقتراض من أطروحة ألبرت هيرشمان Albert Hirschman الشهيرة، الخروج والتعبير والولاء Exit, Voice, and Loyalty، لدى الشركات خيارات لترك البيئة التي تُرتكَب فيها الانتهاكات، أو اتخاذ إجراءات للمساعدة على تغيير الوضع، أو الاستمرار في العمل كالمعتاد مع الاستمرار في مراقبة الموقف ومدى تعرض الشركة.20A.O. Hirschman, “Exit, Voice, and Loyalty” (Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press, 1970). ولا يكون اتخاذ القرار بشأن الخيار الأفضل دائماً أمراً سهلاً، كما أن الفرار ليس دائماً الإجراء الأنسب: فالانسحاب من أي بلد لن يؤثر بنحو خطير على صافي أرباح أي شركة فحسب، بل إنه قد يُلحق الضرر أيضاً بالمجتمعات الصغيرة التي تعمل فيها، مثل ضياع الوظائف المحلية، أو إنهاء المبادرات الاجتماعية التي أقامتها الشركة. وكانت هذه هي الحجة التي كثيراً ما قدمتها الشركات ضد الخروج من نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا: أنه ينبغي لها أن تبقى وأن تسعى إلى تحقيق مشاركة بناءة.21N. Craig Smith, “Morality and the Market: Consumer Pressure for Corporate Accountability” (London: Routledge, 2014).

وإذا قررت أي شركة أن تستمر في العمل، وأن تعمل على معالجة انتهاكات حقوق الإنسان الشاملة داخل بيئتها، يتعين عليها أن تضع استراتيجية دقيقة، وأن تدرس جيداً كيفية تفاعلها مع من تتعامل معهم.

القرار 2: نهج جماعي أو فردي A Collective or Individual Approach؟ هذا يقودنا إلى القرار الثاني فيما يتعلق بالنهج المتبع. إذا اختارت شركة ما البقاء واتخاذ إجراء ما، فيجب عليها أن تقرر ما إذا كان من الأفضل معالجة المشكلة من قِبل الشركة بنحو فردي، أو بنحو جماعي مع المؤسسات أو أصحاب المصلحة الآخرين.

وقد يكون النهج الفردي أكثر فاعلية عندما تكون الشركات مؤثرة وعندما يكون عامل الوقت حيوياً. في العام 2010، أدركت مايكروسوفت Microsoft أن الوكالات الحكومية الروسية كانت تستخدم مزاعم بقرصنة البرمجيات كذريعة لتفتيش مكاتب المنظمات غير الحكومية، ومضايقة النشطاء السياسيين والصحافيين. فأبطلت مايكروسوفت هذه الحجة بتقديم برمجيات مجانية للمنظمات غير الحكومية والصحافيين المستقلين.22C.J. Levy, “Microsoft Changes Policy Over Russian Crackdown,” The New York Times, Sept. 13, 2010, www.nytimes.com.

كشركة كبيرة ذات موارد هائلة، تمتلك مايكروسوفت القدرة على اتخاذ إجراء فردي. وقد تختار الشركات الأقل قوة- أو تلك التي تتفاعل مع حالة تنتشر فيها الانتهاكات، أو عندما يكون مرتكب الانتهاكات شديد الهيمنة على الوضع، أو عندما يكون الشعور بضرورة اتخاذ إجراء ما منخفضاً- العملَ بنمط جماعي، أو التعاون مع مؤسسات و/أو أصحاب مصلحة آخرين.

يعرض رد فعل الشركات في قطاع الملابس بعد مأساة رانا بلازا في بنغلاديش في العام 2012 مثالاً على العمل الجماعي.23F. Hossain, “Search Ends in Bangladesh; Death Toll Put at 1,127,” Associated Press, May 13, 2013, www.apnews.com. لقد مات أكثر من 1,100 من عاملي المصنع- عندما انهار المبنى المكون من ثمانية طوابق. وسلطت الكارثة الضوء على مشكلة بيئات العمل غير الآمنة التي كانت منتشرة بنحو منهجي في مختلف أنحاء البلاد. وعملت الشركات في هذا القطاع معاً لإبرام اتفاقية بشأن السلامة من الحرائق وسلامة المباني في بنغلاديش، وهي اتفاقية مستقلة وملزمة قانوناً وُضِعت بين العلامات التجارية العالمية، وشركات البيع بالتجزئة، والنقابات العمالية. ومنذ وضع الاتفاق، فتش مهندسون أكثرَ من 2,000 مصنع للملابس، وعالجوا أكثر من 150 ألفاً من مخاطر السلامة، وساعدوا على إعداد برامج تدريب على السلامة درّبت أكثر من 1.4 مليون عامل على ممارسات السلامة الضرورية في مكان العمل.

القرار 3: ما الإجراءات والتكتيكات التي يجب اختيارها Which Actions and Tactics Should Be Chosen؟ بعدما تقرر الشركات اتباع نهج جماعي أو فردي، ستواجه مسألة اتخاذ إجراءات مباشرة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، أو ما إذا كان يمكن الاضطلاع بمزيد من خلال التأثير بنحو غير مباشر في المواقع المؤسسية التي تعمل فيها.

ففي بنغلاديش كان اعتماد الاتفاقية بشأن السلامة من الحرائق وسلامة المباني استراتيجية غير مباشرة تمكنت الشركات من خلالها من وضع معايير جديدة للصناعة. ومع ذلك، إذا كان الموقف مختلفاً– مثلاً إذا أدركت العلامات التجارية للملابس الجاهزة أن مصنعاً معيناً يشكل تهديداً خطيراً وعاجلاً على حياة العمال– ربما اختارت بدلاً من ذلك اتخاذ إجراء مباشر، مثل ممارسة الضغط على السياسيين أو وكالات إنفاذ القانون لإغلاق المبنى، أو إجباره على إجراء إصلاحات فيه.

وبعدما تتخذ المؤسسات خياراً بشأن التصرف بنحو مباشر أو غير مباشر، تكون لديها مجموعة من التكتيكات المتاحة لها. والأساليب التي تختارها، ويجب أن تأخذ في الاعتبار عوامل التأثير المحددة في مصفوفة مدى التعرض.

التكتيكات المباشرة

عرض مساعدة مباشرة Offering direct aid. في هذه الحالة تستخدم أي شركة أعمالها الأساسية لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، كما فعلت مايكروسوفت عندما قدمت برمجيات إلى المنظمات غير الحكومية الروسية.

توفير المعلومات Providing information. ينطبق هذا على الشركات التي تستخدم مواردها المخصصة للأبحاث والتواصل Communication لتوفير تحليلات للخلفية أساسية Background analyses، أو إعداد أوراق موقف Position papers، أو الإدلاء بشهادتها كشاهدة خبيرة، أو حتى ممارسة ضغط مباشر من أجل حقوق الإنسان. احتجت سلسلة محال السوبرماركت الألمانية إديكا Edeka على كراهية الأجانب Xenophobia بإزالة منتجات مصنوعة خارج ألمانيا من فوق رفوف متاجرها، واستبدلت بها لافتات تحمل رسائل مناهضة للعنصرية.

منح المساعدات المالية أو سحبها Granting or withdrawing financial aid. قد تختار الشركات تقديم الدعم المالي إلى المنظمات أو الساسة أو الأحزاب السياسية التي تروج لحقوق الإنسان. في أعقاب الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد George Floyd وحركة حياة السود مهمة Black Lives Matter في الولايات المتحدة، أيدت عديد من الشركات الكبرى، بما في ذلك أبل Apple وأمازون Amazon وفيسبوك Facebook، الحركة وتعهدت بملايين الدولارات لمكافحة العنصرية. وبدلاً من ذلك، قد تسحب الشركات المساعدات المالية إذا شعرت بأن حقوق الإنسان تتعرض للإساءة. مثلاً لدى بنك دانسكي Danske Bank قائمة استثناء تحدد علناً 27 شركة يرفض التعامل معها لأسباب أخلاقية.

قد يتضمن فك الارتباط مع نظام إشكالي وقفَ بعض عمليات الأعمال، مثل رفض غوغل Google منح الحكومة الصينية القدرة على الوصول إلى بيانات المستخدمين وانسحابها الجزئي من البلاد.

فك الارتباط بالقوانين الظالمة أو رفضها Disengaging or rejecting unjust rules. قد يشمل ذلك رفض المشاركة في المناسبات التجارية، أو المشاركة في عصيان مدني، أو، في الحالات القصوى، وقفَ بعض عمليات الأعمال في بلد معين. ويندرج رفض غوغل منحَ الحكومة الصينية القدرة على الوصول إلى بيانات المستخدمين وانسحابها الجزئي من البلاد في هذه الفئة. وأصرَّت الشركات التي احتجت على الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أن توفر مساكن مشتركة لعمال من مختلف الأعراق، في تحدٍّ لأحكام قانون مناطق المجموعات Group Areas Act. واستخدم الرئيس التنفيذي لميرك Merck كين فرازيير Ken Frazier هذا التكتيك عندما انفصل علناً عن الرئيس ترامب. فقد استقال فرازيير من مجلس التصنيع التابع للإدارة الأمريكية بعدما ثبت عدم رغبة الرئيس السابق في تحميل أنصار تفوق الجنس الأبيض المسؤولية عن العنف الذي صاحب احتجاجات أغسطس 2017 في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا.

التكتيكات غير المباشرة

عندما تشعر الشركات بأنها صغيرة أكثر مما ينبغي، أو ليست في وضع يمكنها من إحداث فارق من خلال العمل المباشر، أو إذا كانت الانتهاكات واسعة النطاق، فقد تختار اتباع استراتيجيات مشاركة غير مباشرة تؤثر في البيئة المؤسسية التي يعمل فيها مرتكبو الانتهاكات. وهذا مجال يمكن أن تكون فيه الشراكة مع المؤسسات الأخرى فاعلة بنحو خاص.

وتتضمن استراتيجيات المشاركة غير المباشرة تكتيكاتٍ مثل ما يلي:

حماية المؤسسات وتعزيزها Protecting and enhancing institutions. يركز هذا التكتيك على دعم المؤسسات جيدة الإدارة أو إنشائها أو فرضها. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك شركة النفط النرويجية شتات أويل Stateoil (التي أصبحت الآن إكينور Equinor)، التي وفرت التدريب في مجال قانون حقوق الإنسان للقضاة في فنزويلا في الفترة بين العامين 1999 و2004.24T. Webb, “Essay: Governance and Institutions — Big Brands’ Capacity-Building Success,” Reuters, June 16, 2008, www.reutersevents.com.

اتباع المعايير Norm-taking. قد تُوقِّع المؤسسات طوعاً على معايير غير ملزمة قانونياً تتجاوز المتطلبات القانونية والامتثال لها، مثل الميثاق العالمي للأمم المتحدة U.N. Global Compact أو ISO 26000. وهو تكتيك قوي بنحو خاص عندما يتبناه أحد رواد الصناعة ممن يتمتع بالنفوذ، وذلك لتشجيع أطراف فاعلة قوية أخرى في القطاع.

وضع المعايير Norm-making. هذا من شأنه أن يأخذ تكتيك الالتزام بالمعايير خطوة أبعد، وذلك بتطوير- أو تطوير مشترك- لمعايير جديدة تستكمل القانون الفعلي. ومن خلال العمل بنحو جماعي أو إلى جانب مبادرات أصحاب المصلحة المتعددين، تستطيع المؤسسات أن تضع- بنحو فردي- قواعد اللعبة التي تحدد ضوابط السلوك المؤسسي. ومن الأمثلة على ذلك رابطة العمل العادل Fair Labor Association، وهي مبادرة تعاونية عُقِدت في العام 1996 لتحسين ظروف العمل في صناعات الملابس والأحذية.

في كثير من الأحيان لا يكون اتخاذ القرار بشأن استخدام أي من التكتيكات واضحاً بقدر ما قد يبدو من الأمثلة المقدمة. وينبغي على الشركات استكشاف هذه الخيارات. لكن يجب أن تُقدِّر مدى انطباقها على تفاصيل أوضاعها الخاصة.

وفي بعض الحالات تكون أفضل طريقة للمضي قُدماً هي وضع نهج ابتكاري. كانت فيرفون Fairphone المصنعة للهواتف الذكية ومقرها أمستردام تواجه معضلة في مجال حقوق الإنسان عندما تعلق الأمر بتوريد الكوبالت (وهو معدن حيوي لإنتاج بطاريات الهاتف). يأتي نحو 60% من كوبالت العالم من جمهورية الكونغو الديموقراطية، حيث يَفرِض عمل الأطفال وظروف العمل السيئة تحديات ضخمة فيما يتصل بحقوق الإنسان. وبدلاً من البحث في مكان آخر عن مصدر للكوبالت (أي ترك عمال المناجم الصغار في البلاد بلا مصدر للدخل)، أنشأت فيرفون تحالفاً يربط عمليات التعدين الصغيرة النطاق بسلسلة الإلكترونيات العالمية وسلاسل توريد قطع غيار السيارات. وفي الوقت نفسه أنشأت آليات للمراقبة والرصد لضمان إبعاد الأطفال عن المناجم والتحاقهم بالمدارس المحلية.25“Launch of the Fair Cobalt Alliance,” Fairphone, Aug. 24, 2020, www.fairphone.com.

عندما تكون المغادرة الخيارَ الأفضل

في محاولة لإيجاد التوازن بين التوتر القائم بين الضرورة الأخلاقية وحتمية الأعمال، في بعض الأحيان قد يشعر القادة بأن الخيار الأفضل – أو الوحيد– هو أن تترك الشركة، سواء كانت سلسلة إمداد مثيرة للمشكلات، سوقاً حيث تتورط منتجاتها في انتهاكات لحقوق الإنسان، أو حتى بلداً بكامله. بعد ذلك سيكون على الشركة أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تسلك الطريق الأخلاقي، وأن تخرج بضجة للإشارة علناً إلى سبب المغادرة. عوضاً عن ذلك، لكن بتأثير محتمل أقل في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، قد تقرر قيادة أي شركة الانسحاب التدريجي بهدوء، وحماية أصول الشركات وتصوير الخروج باعتباره تغييراً في توجهات المؤسسة.

في الحالات حيث يشير التقييم على مصفوفة التعرض إلى وجود زخْم أخلاقي عالٍ، وتمتلك فيها الشركة بعض القوة للتأثير في الوضع، يشير تحليلنا إلى أن عدم المبالاة وعدم الاستجابة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان لم يعودا خياراً.

وأياً كان النهج الذي تختاره الشركة وشكل الانتماء المعنوي الذي تختاره، إذا كان التقييم على مصفوفة التعرُّض يشير إلى وجود زخم أخلاقي عالٍ، كما تمتلك الشركة بعض القوة للتأثير في الوضع، يشير تحليلنا إلى أن عدم المبالاة وعدم الاستجابة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان لم يعودا خياراً.

ومن المتوقع على نحو متزايد أن تتحمل الشركات المسؤوليات السياسية. فعدم الاضطلاع بأي شيء عندما تتوافر مجموعة من الخيارات يمكن تفسيره بسهولة على أنه، على الاقل، تواطؤ صامت مع انتهاكات حقوق الإنسان.

إن. كرايغ سميث N. Craig Smith

إن. كرايغ سميث N. Craig Smith

رئيس إنسياد للدراسات الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية INSEAD Chair in Ethics and Social Responsibility، ومدير مبادرة الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية Ethics and Social Responsibility Initiative في معهد إنسياد هوفمان للأعمال والمجتمع INSEAD Hoffmann Global Institute for Business and Society، وأستاذ متخصص في مركز إنسياد للحوكمة المؤسسية INSEAD Corporate Governance Centre.

ماركوس شولز Markus Scholz

ماركوس شولز Markus Scholz

(@scholz101) الرئيس المتميز حوكمة الشركات وأخلاقيات الأعمال Endowed Chair of Corporate Governance & Business Ethics، ورئيس معهد أخلاقيات الأعمال والاستراتيجية المستدامة Institute for Business Ethics and Sustainable Strategy في جامعة العلوم التطبيقية للإدارة والتواصل University of Applied Sciences for Management & Communication بفـيينا. وهو أيضا باحث زائر في مبادرة الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية لدى إنسياد.

جاين ويليامز Jane Williams

جاين ويليامز Jane Williams

كاتبة ومحررة أجرت أبحاثاً بالتعاون مع مبادرة الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية لدى إنسياد. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63225.

المراجع

المراجع
1 “H&M Stores Shut by Chinese Landlords as Xinjiang Fallout Grows,” Bloomberg, March 29, 2021, www.bloomberg.com; and S. Ray, “China Accuses Nike, H&M and Others of Selling Goods That Could Be ‘Harmful to Children’ Months After Xinjiang Cotton Backlash,” Forbes, June 3, 2021, www.forbes.com.
2 S. Woo, “H&M Pays Price of Upsetting Beijing as China Sales Drop,” The Wall Street Journal, July 1, 2021, www.wsj.com.
3 “H&M: Fashion Giant Sees China Sales Slump After Xinjiang Boycott,” BBC, July 2, 2021, bbc.com.
4 G. Arbuthnott, D. Collins, and J. Calvert, “Britain’s Biggest Trafficking Gang Used Slaves to Supply Top Supermarkets,” The Sunday Times, July 7, 2019, www.thetimes.co.uk.
5 K. Steiner-Dicks, “‘We Know Most Global Companies Have Modern Slavery in Their Supply Chains,’” Reuters, Aug. 6, 2019, www.reutersevents.com; A. Crane, “Modern Slavery as a Management Practice: Exploring the Conditions and Capabilities for Human Exploitation,” Academy of Management Review 38, no. 1 (January 2013): 49-69; and A. Crane, G. LeBaron, K. Phung, et al., “Confronting the Business Models of Modern Slavery,” Journal of Management Inquiry, Feb. 25, 2021.
6 “Caterpillar Group Boycotted for Selling Bulldozers to Israel,” New Zealand Herald, April 15, 2005, www.nzherald.co.nz.
7 “EU Companies Selling Surveillance Tools to China’s Human Rights Abusers,” Amnesty International, Sept. 21, 2020, www.amnesty.org.
8 8. A. Navalny, “Labs Found Novichok in and on My Body, Says Alexei Navalny,” The Guardian, Sept. 22, 2020, www.theguardian.com; “Action Brief: ‘The Report’ and CIA Torture,” PDF file (New York: Amnesty International, 2017), www.amnestyuse.org; L. Millar, “Australia’s Asylum Seeker Policies Heavily Criticised at UN Human Rights Council Review,” ABC, Nov. 10, 2015, www.abc.net.au; and N. Gaouette and J. Herb, “US Intelligence Report Finds Saudi Crown Prince Responsible for Approving Operation That Killed Khashoggi,” CNN, Feb. 26, 2021, www.cnn.com.
9 I. MacDougall, “How McKinsey Helped the Trump Administration Carry Out Its Immigration Policies,” The New York Times, Dec. 4, 2019, www.nytimes.com.
10 M. Posner, “How McKinsey & Co. Fails as a Global Leader,” Forbes, Dec. 18, 2018, www.forbes.com.
11 F. Wettstein, “CSR and the Debate on Business and Human Rights: Bridging the Great Divide,” Business Ethics Quarterly 22, no. 4 (October 2012): 739-770.
12 T.M. Jones, “Ethical Decision-Making by Individuals in Organizations: An Issue-Contingent Model,” The Academy of Management Review 16, no. 2 (April 1991): 366-395.
13 J.J. Kish-Gephart, D.A. Harrison, and L.K. Trevino, “Bad Apples, Bad Cases, and Bad Barrels: Meta-Analytic Evidence About Sources of Unethical Decisions at Work,” Journal of Applied Psychology 95, no. 1 (January 2010): 1-31.
14 K. Hodal, C. Kelly, and F. Lawrence, “Revealed: Asian Slave Labour Producing Prawns for Supermarkets in US, UK,” The Guardian, June 10, 2014, www.theguardian.com.
15 B. Palmstrom, “Forced to Fish: Slavery on Thailand’s Trawlers,” BBC, Jan. 23, 2014, bbc.com.
16 “The Ogoni Issue,” Shell Nigeria, accessed Oct. 1, 2021, www.shell.com.ng.
17 P. Lewis, “Blood and Oil: A Special Report; After Nigeria Represses, Shell Defends Its Record,” The New York Times, Feb. 13, 1996, www.nytimes.com.
18 E. Pilkington, “Shell Pays Out $15.5M Over Saro-Wiwa Killing,” The Guardian, June 9, 2009, www.theguardian.com.
19 N. Wongsamuth, “Titans of Thai Fishing Collaborate to Tackle Slavery,” Reuters, Oct. 10, 2019, www.reuters.com
20 A.O. Hirschman, “Exit, Voice, and Loyalty” (Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press, 1970).
21 N. Craig Smith, “Morality and the Market: Consumer Pressure for Corporate Accountability” (London: Routledge, 2014).
22 C.J. Levy, “Microsoft Changes Policy Over Russian Crackdown,” The New York Times, Sept. 13, 2010, www.nytimes.com.
23 F. Hossain, “Search Ends in Bangladesh; Death Toll Put at 1,127,” Associated Press, May 13, 2013, www.apnews.com.
24 T. Webb, “Essay: Governance and Institutions — Big Brands’ Capacity-Building Success,” Reuters, June 16, 2008, www.reutersevents.com.
25 “Launch of the Fair Cobalt Alliance,” Fairphone, Aug. 24, 2020, www.fairphone.com.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى