أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الحدود

الإصلاح الضريبي الدولي الذي لا يمكن للمسؤولين التنفيذيين تجاهله

على مدى عقود تنافست البلدان لجذب الشركات بالإعفاءات الضريبية. هناك اتفاقية جديدة بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على وشك تغيير ذلك.

الأعمال العالمية

بحلول نهاية هذا العام، سيشهد النظام الضريبي العالمي تحولاً تاريخياً ستكون له آثار في الشركات المتعددة الجنسيات Multinational enterprises (اختصاراً: الشركات MNEs) تتجاوز إدارات الضرائب الخاصة بها. وستفرض التغييرات التنظيمية المقبلة أعباء امتثال Compliance burdens كبيرة على الشركات MNEs، ينبغي أن تدفع المسؤولين التنفيذيين C-suites إلى إعادة النظر فيما إذا كانت نماذج التشغيل العالمية Global operating models الخاصة بها لا تزال صالحة للغرض الذي طوِّرت من أجله.

على مدى عقود تنافست البلدان بنمط مكثف لجذب عمليات الشركات MNEs إليها، وذلك من خلال خفض معدلات الضرائب على الشركات وتضييق قاعدتها الضريبية. لكن هذه المنافسة على وشك أن تتغير بقدر كبير، الآن بعدما توصلت 138 جهة سيادية Jurisdictions، تمثل ما يقرب من 95% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي Global gross domestic product، إلى اتفاقية لوضع حد للمنافسة الضريبية العالمية. وتنص الاتفاقية – وهي جزء من مبادرة تقودها دول مجموعة العشرين G20 countries (اختصاراً: G20) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية Organization for Economic Cooperation and Development (اختصاراً: المنظمة OECD) – على أن تخضع الشركات الكبيرة MNEs كلها لضريبة دنيا تبلغ 15% في كل بلد أجنبي تعمل فيه. ومن المتوقع أن تطبق الجهات السيادية الرئيسة، بما في ذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كلها، القواعد الجديدة في العام 2024.

تاريخ موجز للضرائب العالمية على الشركات
تمثل الاتفاقية الضريبية الجديدة لحظةً فاصلة لتنظيم الأعمال العالمية. فلنتأملْ هنا أن متوسط معدل ضريبة دخل الشركات بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كان 47% في العام 1980، وانخفض إلى 23% في العام 2021، فيما أشار إليه خبراء السياسات المختلفة إما بأنه ”سباق نحو القاع“، وإما أنه نتيجة منافسة صحية.

إضافة إلى الاتجاه التنازلي في معدلات الضريبة على الشركات، كان تعقيد فرض الضرائب على الدخل عبر الحدود، إلى جانب الجهود المتعمدة التي تبذلها بعض البلدان لجذب الدخل المحمول Mobile income (يعني الدخل الذي يمكن تحويله بسهولة إلى جهات سيادية منخفضة الضرائب، مثل العوائد على الممتلكات غير الملموسة Intangible property والتمويل ما بين الشركات Intercompany financing)، يعني منذ فترة طويلة أن بعض أرباح الشركات MNEs يمكنه أن يتهرّب من الضرائب بطريق قانوني تماماً أو يخضع لضريبة منخفضة جداً فقط. لطالما استخدمت الشركات هياكل ضريبية معقدة بأسماء مثل ”الأيرلندية المزدوجة“ Double Irish و”الشطيرة الهولندية“ Dutch sandwich، لاستغلال الاختلافات في توصيف البلدان للدفعات Payments والجهات لخلق دخل عديم الجنسية Stateless income. وغذى هذا تصوراً بين بعض المشرعين والجمهور بأن الشركات MNEs كانت تتلاعب بالنظام لتجنب دفع حصتها المنصفة. وأدى هذا الشعور، وحاجة عديد من البلدان إلى الإيرادات في أعقاب الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009، إلى زخْم سياسي كبير للتوصل إلى اتفاق لمعالجة قدرة الشركات MNEs على تطوير استراتيجيات تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح Tax-base erosion and profit shifting (اختصاراً: استراتيجيات BEPS).

وُلِد مشروع G-20/OECD BEPS project لمكافحة تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح من هذا الحَراك Movement. وانبثقت أول خطة عمل للمشروع في العام 2015: وكانت خطة عمل المرحلة الأولى BEPS 1.0 تستهدف التقنيات التي تستخدمها الشركات MNEs لتحويل الأرباح إلى البلدان ذات الضرائب المنخفضة. وقد تمكنت إلى حد كبير من منع الشركات MNEs من استخدام جهات ودفعات هجينة Hybrid entities and payments لتوليد دخل عديم الجنسية، وصار من الصعب بفضل خطة العمل هذه فصل أرباح شركة متعددة الجنسيات عن أنشطتها الأساسية لتوليد القيمة Value-creating activities. وعلى الرغم من أن هذا التغيير الأخير كان يهدف إلى جعل الشركات تُبلِّغ عن أرباح أكبر في البلدان ذات الضرائب المرتفعة حيث يوجد موظفوها ومقارها الرئيسة، استجابت بعض الشركات MNEs بنقل مزيد من الأنشطة المدرة للقيمة إلى الجهات السيادية المنخفضة الضرائب. وهكذا لم تنه المرحلة BEPS 1.0 فوائد التخطيط الضريبي الاستراتيجي، لكنها تطلبت من الشركات النظر في مزيد من الاعتبارات التشغيلية، مثل تقليل معدل الضريبة الفعلي الذي تدفعه شركة عموماً فإن ذلك يتطلب من إدارة الضرائب في الشركة إدراج نفسها في القرارات حول المكان الذي تضع فيه الشركة متخذي القرار الرئيسين والوظائف الرئيسة. وهذا عنى أن الوفور الضريبية أتت في الأغلب على حساب الكفاءة التشغيلية.

وبالنظر إلى أن الشركات كانت لا تزال قادرة على الحفاظ على مستويات منخفضة نسبياً من الضرائب من خلال نماذج أعمالها Business models وتوزيعها في الجهات السيادية ذات الضرائب المنخفضة، نشأ تفويض جديد لمجموعة العشرين G20 في العام 2017 بغرض أن تعالج المنظمة OECD المسائل المتبقية المتعلقة بتآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح. تسمى هذه المرحلة الجديدة BEPS 2.0، وتشمل خطة الركيزة الأولى Pillar One، التي تهدف إلى إعادة تخصيص جزء من أرباح الشركات MNEs إلى الجهات السيادية في السوق حيث يوجد عملاؤها، وخطة الركيزة الثانية Pillar Two التي تحدد الحد الأدنى العالمي من الضرائب على دخل الشركات MNEs الناشئة في كل جهة سيادية تعمل فيها.

وتستهدف الركيزة الثانية Pillar Two مباشرة ما يسمى بالسباق نحو القاع Race to the bottom في معدلات الضرائب على الشركات، مع قواعد Rules تفصيلية تضع نظاماً منسقاً للضرائب العالمية. وتتطلب هذه القواعد من الشركات MNES التي تتجاوز إيراداتها 750 مليون يورو (815 مليون دولار) دفع ضريبة دخل على الشركات لا تقل عن 15% في كل بلد تعمل فيه. ويجري ضمان الامتثال Compliance من خلال منح الدول الأخرى الحق في فرض ضريبة ”إضافية“ Top-up tax على أرباح الشركات MNEs في أي بلد بمعدل ضريبة فاعل أقل من 15%.

فكروا في شركة MNE تعمل في عديد من البلدان، بما في ذلك بلد ذو معدل ضريبي بنسبة 10%. من الذي يحصل على الـ5% من الضريبة الإضافية؟ الأولوية الأولى تذهب إلى الجهة السيادية للشركة الأم. إذا لم تعتمد تلك الجهة السيادية القواعد، تذهب الأولوية الأعلى بعد ذلك إلى الجهة (الجهات) السيادية التي توجد فيها الشركات القابضة الوسيطة Intermediate holding companies للشركة MNEs. إذا لم تكن الشركة MNEs مملوكة بنحو مباشر أو غير مباشر من قبل شركة تقع في جهة سيادية طبَّقت هذه القواعد، يجري تقسيم الضريبة الإضافية بين الجهات السيادية كلها التي تعمل فيها الشركة والتي طبَّقت هذه القواعد، استناداً إلى حصة كل جهة سيادية من الأصول العالمية للشركة وكشف المرتبات Payroll. ومن ثم لا يمكن، من حيث التخطيط، أن تتجنب شركة MNEs الضرائب بوضع مقرها في بلد لا يطبق هذه القواعد. وبسبب التصميم العالمي الصارم للقواعد، تتوقع المنظمة OECD أن تزيد الإيرادات الضريبية العالمية من ضرائب دخل الشركات بمقدار 220 بليون دولار سنوياً.

في ديسمبر 2022، توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاقية لجعل الحد الأدنى من القواعد الضريبية سارية المفعول في الدول الأعضاء كلها البالغ عددها 27 دولة بحلول الأول من يناير 2024. كذلك أصدرت كوريا الجنوبية أخيراً تشريعات مماثلة، وأشارت أستراليا وكندا وهونغ كونغ واليابان ونيوزيلندا وسنغافورة وسويسرا والمملكة المتحدة وغيرها علناً إلى أنها ستبدأ تطبيق هذه القواعد. ويعني الكونغرس الأمريكي المنقسم أن الولايات المتحدة من المرجح أن تغرد خارج السرب وألا تطبق القواعد الجديدة في أي وقت قريب. ومع ذلك، كما ذكرنا، لن يمنع هذا التقاعس البلدان الأخرى من فرض الضريبة الإضافية على عمليات شركة MNE منخفضة الضرائب تتخذ من الولايات المتحدة مقراً أينما كانت. ومن المحتمل أن يقوض هذا الوضع فاعلية عديد من الإعفاءات الضريبية الحالية في الولايات المتحدة، مثل الائتمان الضريبي للبحث والتطوير R&D tax credit، ما لم تُعَدْ هيكلتها.

كيف يجب على الشركات أن تستعد
يجب أن يستجيب المسؤولون التنفيذيون لهذا المشهد الضريبي العالمي الجديد بأربع طرق، بدءاً من فهم مقدار الضرائب التي ستدفعها شركتهم وإدارة علاقات المستثمرين وفق ذلك. وبالنسبة إلى بعض الشركات MNEs، ستأتي التكلفة الأكبر في المقام الأول من الأعباء الإدارية الإضافية للامتثال. ومع ذلك قد تشهد شركات MNEs أخرى أيضاً زيادة كبيرة في معدلات الضرائب الفاعلة Effective tax rates وستحتاج إلى إدارة توقعات المستثمرين بعناية.

ثانيا، ينبغي للمسؤولين التنفيذيين أن يعيدوا النظر في سلاسل التوريد Supply chains الحالية والهياكل المؤسسية العالمية Global organizational structures التي صممت في الأصل لتقليل الضرائب. يقلل الحد الأدنى بنسبة 15% على معدل الضريبة بقدر كبير من عوائد التخطيط الضريبي عبر الحدود Cross-border tax planning. وكثيراً ما تطلب هذا التخطيط من الشركات MNEs اعتماد هياكل قانونية Legal structures معقدة وتدفقات منتجات Product flows لوضع موقع الأرباح في الجهات السيادية ذات الضرائب المنخفضة، على الرغم من أن دوافع قيمتها Value drivers وعملائها الرئيسين موجودون في أماكن أخرى. مثلاً يمكن للتخطيط الضريبي الذي يتطلب بيع حق ملكية البضائع الملموسة Title to tangible goods من خلال سلسلة من الكيانات القانونية المتعددة أن يضيف تعقيداً كبيراً لأنظمة تخطيط الموارد المؤسسية Enterprise resource planning (اختصاراً: الأنظمة ERP) في المؤسسة، فضلاً عن ضرائب القيمة المضافة Value-added taxes والامتثال الجمركي Customs compliance. كذلك سيرغب كبار المديرين في النظر من كثب في إزالة أوجه القصور Inefficiencies التي قد تكون نشأت عندما ولَّدت الاعتبارات الضريبية ضغوطاً لتحديد مواقع أنشطة توليد القيمة ونقلها إلى الجهات السيادية المنخفضة الضرائب.

عند تطبيق الضريبة الدنيا العالمية بالكامل، قد لا يكون هناك مبرر لهذه الأنواع من الهياكل المؤسسية المعقدة. بعض الهياكل ستظل مفيدة: تتجاوز معدلات الضرائب الفاعلة في عديد من البلدان بقدر كبير حدَّ الـ 15%، مما يترك مجالاً للتحكيم Arbitrage. النقطة المهمة هي أن الشركات MNEs يجب أن تعيد تقييم ما إذا كانت خياراتها المؤسسية السابقة الموجهة نحو الضرائب لا تزال تستحق تعقيدها التشغيلي وعدم كفاءتها، مع الأخذ في الاعتبار أن الفوائد الضريبية من المرجح أن تنخفض. وقد تكون هذه العملية بارزة بحدة أكبر بنحو خاص في الشركات MNEs التي تمر بالفعل بمرحلة تحوُّل، بما في ذلك تلك التي تهدف إلى تبسيط سلاسل التوريد والعمليات الأخرى.

وينبغي للإدارة أن تنظر فيما يلي: كيف كان يمكن أن تنظم شركة متعددة الجنسيات نفسها من دون النظر إلى الضرائب؟ وما التكلفة الحقيقية لهذه الهياكل القائمة – من حيث الحفاظ على إدارات قانونية إضافية، والتعقيد وعدم الكفاءة التشغيلية، والمخاطر المتعلقة بالسمعة، وخطر الطعن فيها من قِبل السلطات الضريبية؟

الطريقة الثالثة التي يجب أن يستجيب بها المسؤولون التنفيذيون لهذه التغييرات الضريبية هي النظر في كيفية تخفيف عبء الامتثال الذي قد يحمِّل إدارات الضرائب والمحاسبة أعباء كبيرة. وأعربت عديد من إدارات الضرائب – بما في ذلك تلك الموجودة في الشركات MNEs التي تعمل في المقام الأول في جهات سيادية ذات ضرائب مرتفعة – عن امتعاضها من صعوبة الوصول إلى البيانات الداخلية التي ستكون مطلوبة للامتثال للقواعد العالمية الجديدة. وهي لا ترى كيف ستتمكن من الامتثال بأعداد موظفيها الحاليين. يجب على الشركات التي تضطلع بإصلاح أنظمة تخطيط الموارد المؤسسية الخاصة بها النظر في مشروعات إضافية لأتمتة بعض الامتثال. والحصول على ذلك بسرعة يتطلب تأييداً من الإدارة العليا.

وأخيراً يجب على الشركات النظر في تكثيف جهود الضغط Lobbying efforts. نتوقع ”سباقاً جديداً نحو القاع“ في أنواع أخرى من الحوافز الحكومية لجذب نشاط الأعمال إلى الجهات السيادية التي لن تفرض الضريبة الأعلى بموجب القواعد الجديدة للمنظمة OECD. ويمكن للشركات MNEs اغتنام هذه اللحظة للضغط من أجل سياسات داعمة أخرى للتعويض جزئياً عن التغييرات الضريبية. مثلاً تفكر الحكومات بالفعل في إعادة تصميم نوع وحجم المنح Grants والدعوم Subsidies المباشرة، وآليات الضمان Guarantee mechanisms، وتدابير دعم رأس المال المخاطر Risk capital support measures التي تقدمها لدعم أنشطة البحث والتطوير المحلية. كذلك تعيد تصميم حوافزها الضريبية من أجل تسويق الأبحاث التي تجرى محلياً. يمكن أن يعني الضغط الإضافي من الشركات MNEs الآن الفارق بين تطبيق سياسات مواتية أو سياسات محدودة أو لا سياسات في هذا المجال.

دانييل رولفس Danielle Rolfes

دانييل رولفس Danielle Rolfes

تشارك في قيادة مجموعة الضرائب الدولية من ضمن ممارسات الضرائب الوطنية في واشنطن Washington National Tax لدى شركة KPMG LLP.

دان برودوم Dan Prud’homme

دان برودوم Dan Prud’homme

أستاذ مساعد في كلية الأعمال بجامعة فلوريدا الدولية Florida International University’s College of Business. فـينود كالو Florida International University’s College of Business هو مسؤول السياسة الضريبية في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا لدى شركة KPMG LLP ومقره في هولندا.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى