أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الحدود

ما يمكن أن يعنيه حظر ”لجنة التجارة الفِدرالية لاتفاقيات عدم المنافسة“ للعاملين والشركات

تُظهر الأبحاث أن اتفاقيات عدم المنافسة تُقلل من أجور العاملين والتنقل، وتجعل من الصعب على الشركات الجديدة البدءَ وتوسيع النطاق وتوظيف المواهب. لماذا هي شائعة إذن؟

في يناير، اقترحت لجنة التجارة الفِدرالية الأمريكية فرضَ حظر على بنود عدم المنافسة Noncompete في عقود العمل. وبالإضافة إلى منع إبرام اتفاقيات عدم منافسة جديدة مع الموظفين والمتعاقدين المستقلين، ستلزم القاعدة أصحاب العمل بإلغاء الاتفاقيات القائمة. لفهم ما يمكن أن يعنيه ”الحظر الفِدرالي“ للعاملين والشركات، ولماذا يواجه معارضة، وكيف يمكن لأصحاب العمل الاستعداد، تحدثنا مع إيفان ستار Evan Starr، الأستاذ المشارك في الإدارة الذي يُجري دراسات على اتفاقيات عدم المنافسة في كلية روبرت سميث للأعمال Robert H. Smith School of Business بجامعة ميريلاند University of Maryland.

حُرِّرت هذه المقابلة لضبط الطول والوضوح.

إم آي تي سلون مانجمنت ريفيو: ما مدى انتشار بنود عدم المنافسة، ومن يخضع لها؟
إيفان ستار: تُظهر الاستطلاعات أن ما بين 50% و60% من الشركات تستخدم اتفاقيات عدم المنافسة على الأقل لبعض العاملين، ونحو 30% من الشركات تستخدمها لجميع العاملين. وما يقدر بنحو 18% إلى 30% من العاملين مُلزمون باتفاقيات عدم المنافسة.

الأدوار التنفيذية Executive roles هي إلى حدٍّ بعيد الأدوار الأكثر شيوعاً التي نرى فيها اتفاقيات عدم المنافسة. بالنسبة إلى المهنيين الآخرين، مثل العاملين التقنيين كالمهندسين والأطباء، تبلغ النسبة نحو 50%. لكنكم ترونها في كل ركن من أركان سوق العمل. ويُدفَع للعامل العادي الملتزم بواحدة بالساعة، ويبلغ متوسط دخله نحو 14 دولاراً في الساعة. هذا وقد رأيت اتفاقيات عدم المنافسة في عقود المتطوعين والمنظمات غير الربحية Nonprofit organizations أيضاً.

متى وكيف أصبحت اتفاقيات عدم المنافسة شائعةً في الولايات المتحدة؟
يعود تاريخ اتفاقيات عدم المنافسة إلى القرن الخامس عشر، عندما كان الحرفيون الأساتذة يدربون المتدربين، الذين وقَّعوا اتفاقيات بأنهم لن يصبحوا منافسين. وأصبح ذلك في نهاية المطاف القانونَ العام الإنجليزي، الذي تعامل مع هذه الأمور على أساس كل حالة على حدة، ووازن الحاجة إلى هذا التقييد مع الضرر الذي ألحقه بالعامل والمجتمع.

واتبعت معظم الولايات الأمريكية هذا النموذج، باستثناء كاليفورنيا وأوكلاهوما ونورث داكوتا، وكلها جعلت اتفاقيات عدم المنافسة غير قابلة للإنفاذ في أواخر العقد الأول من القرن التاسع عشر. ومنذ ذلك الحين، تجري في الأغلب تعديلات في الولايات حتى وقت قريب. في السنوات القليلة الماضية، كانت هناك مجموعة من التشريعات التي تهدف إلى إصلاح قانون اتفاقيات عدم المنافسة على مستوى الولايات، ومعظمها لاستثناء العاملين ذوي الأجور المنخفضة الذين قد يخضعون لهذه الاتفاقيات.

تصنيف من يُعتبر عاملاً منخفض الأجر هو تمييز تعسفي في الأغلب. لقد اتخذ واضعو السياسات نُهُجاً مختلفة بقدر كبير، فمنعوا اتفاقيات عدم المنافسة عن العاملين الذين يجنون أقل من 13 دولاراً في الساعة، وأخيراً في واشنطن العاصمة، شمل المنع أولئك الذين يجنون أقل من 150,000 دولار في السنة.

وماذا تقول عن تأثير اتفاقيات عدم المنافسة هذه في العاملين؟
أفضل دليل لدينا يأتي من عديد من التجارب الطبيعية.

في العام 2008 أصبحت ولاية أوريغون أول ولاية تحظر اتفاقيات عدم المنافسة للعاملين بالساعة والعاملين الذين يكسبون تحت متوسط الدخل لعائلة مكونة من أربعة أفراد. لدي ورقة علمية منشورة حول هذا، ووجدنا أن أجور العاملين بالساعة في ولاية أوريغون كانت أعلى بنسبة 5% تقريباً من العاملين بالساعة في ولايات أخرى بعد خمس سنوات، كما زاد تنقلهم الوظيفي نحو 11% مع مرور الوقت. هذه القوانين ليس لها تأثير فوري لأنها عادةً لا تكون بأثر رجعي؛ هي تنطبق فقط على العقود الجديدة.

حظرت هاواي اتفاقيات عدم المنافسة في العام 2015 على عاملي التكنولوجيا فقط. وأُعِد ذلك تجربة طبيعية أخرى، ما سمح لنا بمقارنة عاملي التكنولوجيا بالعاملين الآخرين في هاواي وعاملي التكنولوجيا في هاواي مع عاملي التكنولوجيا في ولايات أخرى. ووجدنا نتائج مماثلة: ارتفعت الأجور بين الموظفين الجدد بنحو %4، وارتفع التنقل الوظيفي بنحو 11%.

تشير كلتا الحالتين إلى أن هذه الاتفاقيات تخفض أجور العاملين وتمنعهم من الحصول على وظائف أفضل.

هل هناك أي بحث حول كيفية تأثير اتفاقيات عدم المنافسة في أصحاب العمل؟
هناك عديد من الدراسات التي توثق أننا، عند إنفاذ اتفاقيات عدم المنافسة أو حين يكون من المرجح إنفاذُها، نرى انخفاضاً في ريادة الأعمال Entrepreneurship، ولاسيما بين النساء، وتميل الشركات الجديدة إلى النمو ببطء قليلاً، إذ من المحتمل أن تواجه صعوبة في التوظيف.

هناك ورقة كتبها هيو كانغ Hyo Kang ولي فليمينغ Lee Fleming حول سياسة العام 1996 في فلوريدا، التي أصبحت ورقة طليعية حول إنفاذ اتفاقيات عدم المنافسة. ينص نظامها الأساسي على أن الولاية عندما تفكر في إنفاذ اتفاقية عدم منافسة، لن تنظر في الضرر الذي لحق بالعامل. وجد كانغ وفليمنغ أن الشركات الكبيرة استفادت من هذه السياسة. فقد دخل عدد أقل من الشركات الصغيرة إلى سوق الأعمال في الولاية، وكانت للشركات الصغيرة حصة أقل من العمالة. لذلك يبدو أن اتفاقيات عدم المنافسة تميل إلى نفع الشركات الكبيرة القائمة على حساب الشركات الصغيرة وتلك الداخلة حديثاً.

هل نعرف ما إذا كان العاملون الذين يلتزمون باتفاقيات عدم المنافسة في ولايةٍ ما ينتقلون إلى ولاية أخرى للتخلص منها؟
بالتأكيد. في العام 1980، غيرت ميشيغان قانونها لبدء إنفاذ اتفاقيات عدم المنافسة. ونظرت دراسة أجراها مات ماركس وآخرون Matt Marx et al في كيف تؤدي سياسات مثل هذه إلى تحرُّك العاملين عبر حدود الولايات. على وجه الخصوص وجدت هذه الدراسات أن قدرة المخترعين على الانتقال في ميشيغان تباطأت مقارنة بالولايات الأخرى، وأنهم كانوا أكثر عرضة لمغادرة الولاية.

لدينا ورقة بحثية تالية وجدت بالمثل أنه في الولايات التي أنفذت بقوةٍ أكبر اتفاقيات عدم المنافسة، كان عاملو التكنولوجيا أكثر عرضة لمغادرة الولاية للحصول على وظائف في أماكن أخرى في الصناعة نفسها.

ما الذي تتوقعه لتأثير حظر اتفاقيات عدم المنافسة في المستوى الفِدرالي، كما تقترح لجنة التجارة الفِدرالية؟
تشير الأدلة إلى أن العاملين سيستفيدون إلى حدٍّ كبير من خلال قدرتهم على نقل مهاراتهم إلى أصحاب عمل آخرين والحصول على أجور أعلى. سيستفيد أصحاب العمل إلى الحد الذي يمكنهم فيه توظيف العاملين الذين لم يتمكنوا من توظيفهم من قبل. بدلاً من الاضطرار إلى أن يوظفوا، مثلاً، شخصاً تخرج حديثاً في الجامعة يحتاج إلى تدريب، قد يكونون قادرين على توظيف شخص أكثر خبرة. وستكون الشركات الجديدة قادرة على التوظيف بسهولة أكثر.

من الصعب القول ماذا سيحدث للابتكار في الشركات الكبرى. تشعر هذه الشركات بقلق من أن العاملين قد يأخذون الأسرار التجارية Trade secrets التي أنفقت كثيراً من المال على تطويرها، ويذهبون إلى الجهة المقابلة من الشارع ويبيعونها لمنافسين، أو يطلقون شركات منافسة بأنفسهم. قد تقلقون من أن هذا يضر بحوافز الشركات لتطوير هذه الأسرار التجارية.

لكن هذه الحجة قد تكون مبالغاً فيها إلى حدٍّ ما. فقد كان لدى عديد من الشركات التي أُسست في وادي السيليكون كثير من المعرفة الخاصة بالصناعة، كانت بوجهٍ عام سبباً لإنفاذ اتفاقيات عدم المنافسة، لكن الحظر الطويل المدى الذي فرضته كاليفورنيا عليها سمح للمؤسسين بإنشاء شركات جديدة، وتوظيف العاملين، ومشاركة الأفكار. يعارض مثال وادي السيليكون الحجة القائلة بأنكم تحتاجون إلى إنفاذ اتفاقيات عدم المنافسة للحصول على الابتكار. في الواقع قد يكون ما يحفز الابتكار حقاً هو أن العاملين لديهم حوافز لتطوير معرفة قيّمة لأنفسهم مع القدرة على استغلالها، وهو ما تقترحه الورقة البحثية الحديثة من تأليف تشاوتشاو هي Zhaozhao He والتي تستند إليها لجنة التجارة الفِدرالية FTC.

السبب الرئيس الثاني الذي أعتقد في ضوئه أن القلق مبالَغ فيه هو أن هناك أدوات أخرى لدى الشركات إلى جانب اتفاقيات عدم المنافسة، مثل قوانين الأسرار التجارية، واتفاقيات عدم الإفصاح Nondisclosure agreements (اختصاراً: الاتفاقيات NDA) والاتفاقيات حول عدم السعي إلى الاستحواذ على العملاء أو زملاء العمل.

هل هناك قلق من أن الشركات قد تستثمر أقل في تدريب موظفيها إذا حُظِرت اتفاقيات عدم المنافسة؟
هذا ممكن. أحد الأسباب التي تجعل الشركات تستثمر في التدريب هو أنها غير قادرة على توظيف عاملين ذوي خبرة يكونون مقيدين باتفاقيات عدم منافسة، لذلك يتعين عليها توظيف عاملين من خارج الصناعة ثم تدريبهم. ليس من الواضح ما هو القدر الأمثل للتدريب، لكن الهدف ليس زيادة نفقات التدريب إلى أقصى حد. الهدف هو تحقيق أقصى قدر من الرفاه. هناك سبب لعدم امتلاكنا براءات اختراع تدوم 100 سنة. أنت تريد أن تنتشر المعلومات إلى حد ما.

هل ظهر انتشار اتفاقيات عدم المنافسة كنوع من سباق التسلح، حيث قد تبدأ شركة واحدة في وضع هذه القيود على موظفيها ومن ثم تريد الشركات الأخرى في الصناعة أن تفعل الشيء نفسه للدفاع عن نفسها؟
بالتأكيد. بمجرد محاولة توظيف شخص يعمل لدى منافس والتورط في دعوى قضائية بشأن اتفاقية عدم منافسة، أو مداهمتكم من قِبل منافس، تدركون أنكم إذا كنتم لا تستخدمون اتفاقيات عدم المنافسة بالفعل، يجب عليكم التفكير في ذلك. هناك مقال كتبه رونالد غيلسون Ronald Gilson نُشر في مجلة جامعة نيويورك القانونية New York University Law Review في العام 1999 يقول فيه إنه من الأفضل للشركة نفسها استخدام اتفاقيات عدم المنافسة، لكن إذا اضطلعت كل شركة بذلك، فستنشأ سوق عمل راكدة حيث لا يتحرك أحد، ولا تتدفق الأفكار، ولا تُشكَّل شركات جديدة، وتسود منافسة أقل، وهو أمر غير جيد للعاملين أو المستهلكين.

ويجادل غيلسون بأن هذه هي معضلة السجين Prisoner’s dilemma، حيث يعمل الجميع الشيء الأمثل شخصياً، لكنه ليس الأمثل للمجتمع. لذلك ما لم يكن هناك حظرٌ على اتفاقيات عدم المنافسة، فستنخرط الشركات في هذا السلوك.

بينما كثير من الأدلة يشير إلى فوائد حظر اتفاقيات عدم المنافسة، لا تزال هناك بعض المقاومة لفكرة حظرها على المستوى الفِدرالي. لقد أفادت غرفة التجارة الأمريكية بأنها ستكافح حظراً كهذا في المحكمة. ما المنطق من وراء المعارضة؟

أرى سببين: الأول هو أن اتفاقيات عدم المنافسة تحت سلطة الولايات منذ نحو 200 سنة، لذلك لن ترغب الولايات في أن تُغتصَب سلطتها. لكن على الرغم من أن الحظر الفِدرالي قد يبدو كأنه يلغي سابقة، كان في إمكان لجنة التجارة الفِدرالية تنظيمُ اتفاقيات عدم المنافسة بعدما ظهرت في العام 1914. لكن أياً كان السبب، هي تركت الأمر للولايات حتى الآن.

أحد التحديات التي تواجه الولايات التي تضع سياساتها الخاصة هنا هو أنه يصعب على الشركات متعددة الولايات Multistate التعامل مع قوانين الولايات هذه كلها ذات الاستثناءات المختلفة على صعيد اتفاقيات عدم المنافسة. بالنسبة إلى العاملين، إذا كنتم تنتقلون عبر حدود الولايات، كيف تعرفون قانون الولاية الذي سينطبق؟ إذن هناك قيمة لتوحيد القوانين. أما مسألة ما إذا كانت لجنة التجارة الفِدرالية هي الأداة المناسبة لذلك التوحيد فهي مسألة مختلفة.

السبب الثاني هو أن الأدوات الأخرى التي يتعين على الشركات استخدامها لحماية مصالحها المشروعة يصعب إنفاذها. لإنفاذ اتفاقية عدم إفصاح NDA، مثلاً، تحتاجون إلى أن تثبتوا في المحكمة أن شخصاً ما انتهك شروط الاتفاقية، وقد يصعب ذلك إذا كان هذا الشخص يعمل سراً. في المقابل من السهل إثبات أن شخصاً ما انتهك اتفاقية عدم منافسة. تلاحظون فقط أنهم ذهبوا من الشركة أ إلى الشركة ب.

ما التدابير التي ينبغي أن تتخذها الشركات قبل الحظر المتوقع على اتفاقيات عدم المنافسة؟ هل لديك أي اقتراحات؟
أحد الاقتراحات هو أنكم إذا كنتم تستخدمون اتفاقيات عدم المنافسة لكل عامل في شركتكم – ونحن نعلم أن كثيراً من الشركات تفعل ذلك – أعيدوا مِن ثم النظر في ذلك، لأن لجنة التجارة الفِدرالية من المحتمل أن تحظرها لبعض العاملين على الأقل.

سيطبق الحظر المقترح حالياً على جميع العاملين. لكنّ هناك دفعاً لاستثناء العاملين ذوي الأجور المرتفعة. في هذه الحالة، ابدؤوا في التفكير في العاملين ذوي الأجور المنخفضة واعرفوا من منهم لا يحتاجون إلى اتفاقية عدم منافسة، لأنكم من المرجح أن تكونوا ملزمين بقوانين حظر معينة.

إذا دخل هذا الحظر حيز التنفيذ، فالشيء الآخر الذي يجب البدء في التفكير فيه هو: مَن هؤلاء العاملون الذين سيكونون مناسبين لتطبيق مثَل عليهم في شركتكم؟ إذا كنتم شركة ناشئة Startup أو شركة ذات فكرة جديدة لكنكم لا تستطيعون حالياً توظيف أشخاص لديهم الخبرة التي تحتاجون إليها، لأنهم ملزمون باتفاقيات عدم منافسة، قد ترغبون في البدء في تحديد العاملين الذين قد تريدون محاولة توظيفهم بمجرد دخول هذا الحظر حيز التنفيذ.

إيفان ستار Evan Starr

إيفان ستار Evan Starr

أستاذ مشارك في الإدارة والتنظيم في كلية روبرت إتش. سميث للأعمال Robert H. Smith School of Business بجامعة ميريلاند University of Maryland. تتناول أبحاثه المسائل الواقعة عند تقاطع تراكم رأس المال البشري، وتنقل الموظـفـين، وريادة الأعمال، والابتكار. كوشيك فيسواناث Vaushik Viswanath محرر المقالات التفصيلية في MIT Sloan Management Review.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى