أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
إبداعإعادة هيكلةاستراتيجياتزعزعةشركات

وضع استراتيجية في عالم ديناميكي

لم يعد بوسع الشركات الاعتمادُ على مجرد الإجراءات التقليدية لاستخلاص التوقعات، وذلك بهدف اكتشاف التهديدات والفرص الناشئة والاستفادة منها.

لكي تظل الشركة قادرة على المنافسة مع مرور الوقت، لا بد أن تكون قادرة على التحرك بسرعة استجابة للتغيرات الكبرى في المجتمع والتكنولوجيا والمنافسة والتشريعات التنظيمية وأسواق العمل وعدد لا يحصى من المجالات الأخرى. ومع ذلك، فإن إمكانية حدوث تغييرات كهذه تنشئ حالة من عدم اليقين العميق؛ مما يصعب معه تحديد المسار الأكثر ربحية للمضي قدماً فيه. وعلى الرغم من أن المؤسسات لا يمكن أبداً أن تكون مستعدة تماماً لصدمة غير متوقعة، تتعلم أكثر المؤسسات مرونة أن تتوقع ما هو غير متوقع، وتنتعش بسرعة عندما يقع ما هو غير متوقع، وأن تستفيد من الفرص غير المتوقعة التي تظهر فجأة.

ولدعم تلك الجهود، وضعنا إطاراً يتجاوز الإجراءات التقليدية لاستخلاص التوقعات وتقييم المخاطر. وهو يتألف من أربع مجموعات من الأنشطة: أولاً، تطوير مجموعة شاملة من إجراءات الاستشعار Sense الفاعل لأي تبصرات جديدة (سواء كانت داخلية أم خارجية) قد تؤثر في الأعمال، ومن ثم تحديد التهديدات أو الفرص بأسرع ما يمكن. ثانياً، التنظيم Organize استجابة لتلك التهديدات أو الفرص؛ ومن المرجح أن يشمل ذلك إعادة تخصيص الموارد، وتجديد الإجراءات، وسد الفجوات في القدرات، ومواءمة هيكل الشركة وحوكمتها. ثالثاً، الاحتفاظ بالقيمة Capture value من خلال مراجعة نماذج الأعمال وإعادة هيكلة العلاقات مع الأطراف الفاعلة الأخرى في مختلف المنظومات الإيكولوجية. رابعاً، تجديد Renew القدرات التنظيمية اللازمة لإنشاء القيمة والاحتفاظ بها من خلال الاستمرار بمراقبة النتائج وتقييمها وإجراء تعديلات صغيرة مع مرور الوقت – مع الاستعداد أيضاً للتعطلات الرئيسية التي تتطلب تعديلات أكثر شمولية.

ويستند هذا النهج إلى مبدأ القدرات الديناميكية Dynamic capabilities، والذي يعتبر أن الشركات تحتاج إلى تكييف مواردها باستمرار للاستجابة لبيئات سريعة التغير ولا يمكن التنبؤ بأحداثها. والنماذج القائمة على القدرات الديناميكية هي موضوع مجموعة كبيرة ومتنامية من المؤلفات الإدارية الاستراتيجية.1For instance, see G. Albort-Morant, A.L. Leal-Rodríguez, V. Fernández-Rodríguez, et al., “Assessing the Origins, Evolution, and Prospects of the Literature on Dynamic Capabilities: A Bibliometric Analysis,” European Research on Management and Business Economics 24, no. 1 (January-April 2018): 42-52. ويجمع إطارنا الدروس الرئيسية من هذه الأدبيات ويوفر للمديرين طريقا للمرحلة المقبلة يساعدهم على تنشيط عمليات الشركة وهياكلها ونماذج أعمالها – والمنافسة بفاعلية – في بيئة أعمال ديناميكية جدا.

اقتصاد الابتكار المتغير

قبل بضعة عقود من الزمن كان بإمكان الشركات إعداد نموذج أعمال متين وتطبيقه من دون تغيير لسنوات. وفي تلك الحقبة كانت المرونة قائمة على الاستقرار والحواجز التنافسية أمام الدخول إلى سوق من الأسواق. مثلا، ما يقرب من 80% من الشركات الأكثر ربحية المتداولة في البورصات – في سبعينات القرن العشرين – ظلت في الربع الأول من مؤشر الأداء Top quartile of performance لست سنوات على الأقل من أصل السنوات العشر السابقة. وحاليا، لم يعد هذا صحيحاً، إذ يهدد الابتكار والتعطيل المستمران نماذج الأعمال الراسخة؛ ما يؤدي إلى زيادة التغيير في قائمة الشركات الأفضل أداء في الصناعات كلها تقريباً.2M. Reeves, K. Whitaker, and T. Deegan, “Fighting the Gravity of Average Performance,” MIT Sloan Management Review, Jan. 9, 2020, https://sloanreview.mit.edu. وتعتمد المرونة الآن على التكيف السريع والفاعل مع التغيير.

ونوكيا Nokia مثالٌ جيدٌ على كيف أن التغيير والمنافسة غير المتوقعة يمكن أن يقوضا حتى الشركات الناجحة جدا. فقد أسست الشركة في فنلندا عام 1865 كمصنع للورق، ثم تنوعت في نهاية المطاف وصارت واحدة من شركات الإلكترونيات الرائدة في أوروبا في سبعينات القرن العشرين. وأدخلت أول هاتف محمول عام 1987، وبحلول نهاية تسعينات القرن العشرين صارت أكبر شركة مُصنِّعة للهواتف المحمولة في العالم. ولكن الشركة تجاوزتها المنافسة الجديدة من الآيفون iPhone من أبل Apple ونظام التشغيل للهاتف المحمول أندرويد Android من غوغل Google. وبحلول عام 2016 كانت نوكيا خارج قطاع الهاتف تماماً، وهو انقلاب سريع جدا لشركة رائدة في السوق. وحاليا، هي شركة أصغر بكثير تبيع معدات البنية التحتية للاتصالات.

قارنوا ذلك بنتفليكس Netflix، والتي توقعت تحولاً كبيراً في التكنولوجيا، ومن ثم تمكنت من تعديل استراتيجيتها للاستفادة منه. ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين التزم مؤسس نتفليكس ومديرها التنفيذي ريد هاستينغز Reed Hastings بتوفير الموارد الضرورية لتحويل الشركة المقتصر عملها على إرسال أقراص الفيديو الرقمية بالبريد لبناء خدمة بث، قبل أن توفر خدمات الإنترنت المنزلية نطاقاً ترددياً كافياً لدعمها. و في عام 2007 عرضت نتفليكس البثَّ، للمرة الأولى، كمكافأة مجانية لمستأجري أقراص الفيديو الرقمية، ثم فصلت عام 2011 عرضي أقراص الفيديو الرقمية والبث. وهجرتها مجاميع كبيرة من المشتركين بالطلبات البريدية، ومع ذلك كان الأمر عبارة عن إعادة مواءمة صحيحة استجابة للتغيرات في كيفية استهلاك الناس للوسائط. وأدى ذلك إلى نجاح هائل لـنتفليكس – فقد نمت أعمال البث من عشرة ملايين مشترك عام 2010 إلى أكثر من 160 مليون مشترك عام 2020.

إطار للمرونة الاستراتيجية

إن اتخاذ خطوات نافذة البصيرة كهذه يتطلب طريقة نظامية للنظر إلى الآفاق وتوقع ما هو مقبل. واستناداً إلى السياق الغني لأسلوب القدرات الديناميكية Dynamic-capabilities، نقترح النموذج التالي.

1. استشعر SENSE. لا يمكن لفرق الإدارة الاستجابة لمشكلة ما إذا لم تكتشف أنها موجودة – ولا يمكنها اقتناص الفرص الجديدة التي لم تدركها بعد. وعلى الرغم من أن معظم المؤسسات تضطلع ببعض أنشطة الاستشعار Sensing activities، إلا أنها تفتقر في كثير من الأحيان إلى طريقة منهجية Systematic approach لجمع المعلومات المهمة ومشاركتها. ولتوقع التغيير بنجاح يجب تصميم المؤسسات لجمع المعلومات ومشاركتها من مجموعة واسعة من المصادر، مثل العملاء الحاليين والسابقين، والشركاء الاستراتيجيين، وموظفي البحث والتطوير الداخليين، والموظفين الذين يواجهون العملاء، والموردين، والأطراف المعنية المحلية والإقليمية، والمختبرات الجامعية، ومجالس الإدارة والمستشارين، ووسائط الإعلام التجارية، والمنافسين الحاليين والمتوقعين. ويمكن استخدام تقنيات البيانات الكبيرة Big datat وتعلم الآلة Machine learning للاستفادة من الأفكار من مجموعات من تدفقات البيانات الداخلية والخارجية.

ولعل أحد أكبر التحديات هو إيصال المعلومات إلى الأماكن الصحيحة في المؤسسة. ولذلك، يجب أن يعزز التصميم الهيكلي Organizational design التدفق الحر للمعلومات من نقاط التجميع إلى أي مكان قد يكون مناسباً – مثلاً، من خلال ضمان أن تشجع الإجراءات المرئية بوضوح visible processes وأنظمة الحوافز Incentive systems على التعاون والتفاعل.3F. Becker, “Organizational Ecology and Knowledge Networks,” California Management Review 49, no. 2 (winter 2007): 42-61. وعندما يكون من الصعب بشكل خاص قراءة المستقبل، فإنه يجب على القادة استخلاص التبصرات من خلال النظر في مجموعة من السيناريوهات، ومن ثم تطوير الفرضيات واختبارها وإعادة اختبارها.4R. Ramírez, R. Österman, and D. Grönquist, “Scenarios and Early Warnings as Dynamic Capabilities to Frame Managerial Attention,” Technological Forecasting and Social Change 80, no. 4 (May 2013): 825-838; and A. Dong, M. Garbuio, and D. Lovallo, “Generative Sensing: A Design Perspective on the Microfoundations of Sensing Capabilities,” California Management Review 58, no. 4 (summer 2016): 97-117.

يجب أن يعزز التصميمُ الهيكليُّ التدفقَ الحرَّ للمعلومات من نقاط التجميع إلى أي مكان قد يكون مناسباً – مثلاً، من خلال ضمان أن تشجع العمليات المرئية وأنظمة الحوافز على التعاون والتفاعل.

ويمكن رؤية تطبيق مبادئ الاستشعار هذه في شركة بروغريسيف Progressive، وهي واحدة من أكبر شركات التأمين على السيارات في الولايات المتحدة. وتقدم بروغريسيف إلى العملاء تطبيقاً App للهاتف المحمول يسمى سنابشوت Snapshot يسمح للشركة برصد بلايين الأميال من بيانات قيادة السيارات حتى تتمكن من توفير أسعار مجزأة بدقة تستند إلى حجم الاستخدام. ويجمع التطبيق بين تلك المعلومات والبيانات من أقسام التسويق والمطالبات وخدمات السياسات في مستودع Repository يمكن الوصول إليه من قبل المحللين والمديرين من معظم أنحاء المؤسسة كلها من خلال لوحة معلومات Dashboard.5T. Griffith, “Reimagining Mobility: A CEO’s Guide,” McKinsey Quarterly, Feb. 25, 2019, www.mckinsey.com; see also “Progressive Insurance: Fast Experimentation and Low Risk With Hadoop,” Tableau, accessed May 28, 2020, www.tableau.com. وأنشأت بروغريسيف أيضاً مرآب ابتكار الأعمال Business Innovation Garage، وهو مساحة آمنة حيث يمكن لأي موظف أن يطور بسرعة نموذجاً أولياً Prototype ويختبر العروض الجديدة.

2. نظِّم ORGANIZE. يتعين كذلك على القادة بناء هياكل structures وإجراءات Processes مرنة تمكن المؤسسة من الابتكار وتبني التغيير. وأحد الجوانب الرئيسية للتنظيم هو سد الفجوات في القدرات Capability gaps التي تنشأ عندما تدخل الشركة سوقاً جديدة أو تجدد نموذج أعمالها.

وفي منتصف تسعينات القرن العشرين التزمت سامسونغ Samsung ببناء قدراتها في التصميم الصناعي Industrial design، وهو جهد استغرق عدة سنوات وشمل افتتاح معهدٍ داخليِّ متعدد التخصصات للتصميم إلى جانب مكاتب التصميم في أوروبا والولايات المتحدة واليابان.6The Samsung case is compiled from various news articles and other sources. Significant sources include
D. Rocks and M. Ihlwan, “Samsung Design,” BusinessWeek, Dec. 6, 2004, 88-96; Y. Yoo and K. Kim, “How Samsung Became a Design Powerhouse,” Harvard Business Review 93, no. 9 (September 2015): 73-78; and J. Song, K. Lee, and T. Khanna, “Dynamic Capabilities at Samsung: Optimizing Internal Co-opetition,” California Management Review 58, no. 4 (summer 2016): 118-140.
 وللحفاظ على المرونة أثناء تطوير المنتجات، غالبا ما يكون لدى سامسونغ العديد من فرق التصميم والهندسة التي تعمل على منتجات مماثلة وتطلق في نهاية المطاف تلك الأنسب لظروف السوق الحالية. وكانت قدرة سامسونغ التصميمية المطورة عن قصد ومهارتها في إعادة تخصيص الموارد عند الحاجة أمراً حاسماً لتوسع الشركة في الهواتف الذكية من قاعدتها التقليدية في الأجهزة المنزلية والإلكترونيات الاستهلاكية. وعلى الرغم من البداية البطيئة في قطاع الهواتف الذكية (انطلقت أول أجهزة تعمل بنظام أندرويد من سامسونغ للمرة الأولى في منتصف عام 2010، بعد ثلاث سنوات من إطلاق أبل للآيفون)، سرعان ما نمت الشركة لتهيمن على سوق الهواتف الذكية في معظم أنحاء العالم.

وستختلف أفضل طريقة للتنظيم تبعاً لظروف الشركة، لكن هناك العديد من المبادئ المطبقة على نطاق واسع. فمثلاً، يمكن للشركات أن تكون في كثير من الأحيان أكثر استجابة وابتكاراً عن طريق تسطيح التسلسل الهرمي للإدارة Flattening management hierarchies وتحقيق اللامركزية في سلطة اتخاذ القرار. ومع ذلك، عندما تكون لامركزية، فإنها تحتاج إلى إيجاد سبل للحفاظ على تحرك الموظفين نحو الأهداف المشتركة لمنع الفوضى.7M.Y. Lee and A.C. Edmondson, “Self-Managing Organizations: Exploring the Limits of Less-Hierarchical Organizing,” Research in Organizational Behavior 37 (January 2017): 35-58. أما ثقافة Culture الشركة بما في ذلك رسالتها، والقيم، وأسلوب الإدارة؛ فيمكن أن توفر الاستشعار المطلوب لتحديد الاتجاه. ولكن ينبغي أن تكون هذه الثقافة ريادية وليس بيروقراطية – بأن تضمن، مثلاً، أن تؤدي الإخفاقات الصغيرة والمبكرة إلى التعلّم بدلاً من إلقاء اللوم.8E. Danneels and A. Vestal, “Normalizing vs. Analyzing: Drawing the Lessons From Failure to Enhance Firm Innovativeness,” Journal of Business Venturing 35, no. 1 (January 2020): 1-18. وكما رأينا مراراً وتكراراً، فإن المؤسسات الأكثر ابتكاراً منفتحة أيضاً على النقد المدروس الذي يجبر أصحاب الرأي التوافقي Consensus view على شحذ تفكيرهم (أو التخلي عنه في بعض الحالات).9C.J. Nemeth, “Managing Innovation: When Less Is More,” California Management Review 40, no. 1 (fall 1997): 59-74.

3. احتفظ CAPTURE. يتطلب الاحتفاظ بالقيمة Capturing value أن ينفذ القادةُ الأولوياتِ الاستراتيجية من خلال تنظيم الأصول الملموسة وغير الملموسة Tangible and intangible assets لشركتهم، مثل رأس المال والشراكات الاستراتيجية والملكية الفكرية، فضلاً عن إجراء تغييرات على نماذج الأعمال على النحو المطلوب. مثلاً، طورت أمازون Amazon بنية تحتية تكنولوجية خاصة لتمكين ميزتها في حجم العمليات غير المسبوقة مقارنة بجهات البيع بالتجزئة المنافسة عبر الإنترنت. وبعد ذلك استفادت من بنية تكنولوجيا المعلومات هذه من أجل إنشاء أعمال الحوسبة السحابية Cloud computing المربحة جدا، وهي عملية تمول الآن العديد من مبادراتها الاستراتيجية الأخرى.

وزيادة الاحتفاظ بالقيمة إلى الحد الأقصى Maximizing value capture تستلزم أيضاً تحديد الأنشطة التي يمكن إسنادها خارجياً بأمان وتلك التي يجب الاحتفاظ بها داخلياً لأنها حاسمة بالنسبة إلى خريطة طريق منتجات الشركة أو نظامها لتقديم القيمة Value delivery system (أو كلتيهما).10The key concept is the bottleneck asset — any input that is scarce and costly (or impossible) to
replicate. See, for instance, D.J. Teece, “Profiting From Innovation in the Digital Economy: Enabling
Technologies, Standards, and Licensing Models in the Wireless World,” Research Policy 47, no. 8 (October 2018): 1367-1387. A competitively supplied input may nonetheless be worth producing in-house if its evolution needs to be closely coordinated with that of other inputs. See J.M. de Figueiredo and D.J. Teece, “Mitigating Procurement Hazards in the Context of Innovation,” Industrial and Corporate Change 5, no. 2 (June 1996): 537-559.
 وأخيراً، فإن الانضباط التشغيلي مساهمٌ مهمٌ في الاحتفاظ بالقيمة والإبقاء عليها في المؤسسة. ويجب أن تحدد الإدارة أولويات وأهدافاً واضحة، إلى جانب مقاييس لقياس التقدم المحرز.

4. جدِّد RENEW. أنشطة الاستشعار ستعيد حتماً النظر في الوضع الراهن الأعم، بل ستتطلب في بعض الأحيان أن تعمل الشركات على تعديل هويتها بالكامل.11For an analysis of the dimensions of corporate identity, and the tensions that can arise between them, see J.M.T. Balmer and S.A. Greyser, “Managing the Multiple Identities of the Corporation,” California Management Review 44, no. 3 (spring 2002): 72-86. For a literature review of the triggers of identity change, see R. Abratt and M. Mingione, “Corporate Identity, Strategy, and Change,” Journal of Brand Management 24, no. 2 (January 2017): 129-139. ومع ذلك، بالنسبة إلى كل تجديد ناجح مذكور أعلاه، فقد فشلت العديد من الشركات الأخرى في رؤية نفسها ووضعها بعيون جديدة، بما في ذلك كوداك Kodak، وبلوكباستر Blockbuster، وياهو Yahoo، على سبيل المثال لا الحصر. ويجب ألا تخشى الإدارة العليا مراجعة افتراض ما أو التخلي عنه في ضوء الأدلة الجديدة، مهما كان ذلك صعباً. وكما أشار رون هايفيتز Ron Heifetz من مدرسة كنيدي للحكم Kennedy School of Government في جامعة هارفارد Harvard University، فإن ”حشد الشجاعة لمراجعة الواقع هو مهمة محورية من مهام القائد“.12W.C. Taylor, “The Leader of the Future,” Fast Company, June 1999, 130-138.

ويجب أن يُنظَر إلى التجديد على أنه مسعى مستمر. وفيما بين التحولات الرئيسية، غالبا ما تكون هناك قيمة في ”إعادة التضبيط“ Tuning up ثقافة الشركة، وتنظيمها، وأنشطتها الروتينية. ويشمل ذلك النظر في إدخال تغييرات على أنظمة الحوافز، وهياكل الإبلاغ Reporting structures، واتخاذ القرار، وإجراءات الأعمال Business processes.

وإضافة إلى ذلك، تتولد بيانات جديدة أثناء إجراء هذه التغييرات. ويجب على القادة استخدام تلك المعلومات لقياس دقة أي افتراضات افترضوها في تخطيطهم الاستراتيجي وتعديلها وفق ذلك.13This involves the classic exercise of “double-loop learning that confronts the basic assumptions behind ideas or present views and that publicly tests hypotheses,” as described on p. 34 in C. Argyris, “Leadership, Learning, and Changing the Status Quo,” Organizational Dynamics 4, no. 3 (winter 1976): 29-43. وبهذا المعنى، فإن هذا العنصر الرابع من الإطار يشمل التقييم المستمر للنتائج وتنقيح العناصر الثلاثة الأولى.

التوقيت المرن

ليس المقصود من المجموعات الأربع من الأنشطة والقدرات المحددة أعلاه – الاستشعار، والتنظيم، والاحتفاظ، والتجديد – أن تنفذ بالتتابع. بل إن هذه الإجراءات مترابطة ترابطاً وثيقاً؛ في حين تتدفق المعلومات باستمرار ذهاباً وإياباً، يجب أن تتغير السلوكيات والعمليات الأساسية وفق ذلك. وأكثر من أي نشاط فردي، فإن إدارة الروابط في المجالات الأربعة معظمها تُمكِّن المؤسسة من أن تكون أكثر مرونة. مثلاً، وقد تؤدي الملاحظات الواردة من أنشطة تحتفظ بالقيمة، مثل تقرير للمبيعات الشهرية جاء ضعيفاً في شكل غير متوقع، إلى زيادة التركيز على أنشطة الاستشعار؛ ما يؤدي إلى إعادة هيكلة موظفي المبيعات أو موظفي الهندسة لتفاعلاتهم مع الشركاء الخارجيين والعملاء لتجميع الملاحظات، واختبار صحة الافتراضات القائمة، ومراجعة خطط التشغيل.

وهناك نقطة أخرى رئيسية هي أن هذه العمليات لا تعمل وفق جدول زمني محدد. وفي العديد من المؤسسات تجري عمليات التخطيط الاستراتيجي وفق جدول زمني صارم، وهو ما يحدث عادة بالاقتران مع إعداد الميزانية السنوية. وهذه وصفة للصلابة بدلاً من المرونة. ففي أي شركة ذات قدرات ديناميكية ناضجة، تولّد أنشطة الفهم باستمرار، مثلاً، تبصرات جديدة، يجب معالجتها بسرعة من قبل القادة عند مستوى الأقسام أو الشركة. وإذ يجري اختبار التخمينات الجديدة وقبولها أو رفضها، ينبغي أن تبدأ مجموعات لاحقة من الأنشطة لفهم القيمة، وتنظيمها، والاحتفاظ بها، و/أو التجديد بمجرد أن تشير الأدلة إلى أنه مطلوب، وليس عندما تتيح دورة الميزانية مجالاً.

تطبيق النموذج في صناعة مضطربة

صناعة السيارات هي من بين الصناعات التي تواجه قدراً كبيراً من عدم اليقين. إذ تتعامل شركات تصنيع السيارات مع التغيرات التكنولوجية مثل المركبات الكهربائية والذاتية القيادة، وأشكالاً جديدة من المنافسة من تشارك المركبات، والتغييرات في التشريعات التنظيمية. وبالنظر إلى هذه المتغيرات، يمكن استخدام نموذج القدرات الديناميكية من قبل شركة حالية لتصنيع السيارات تواجه ظهور تكنولوجيات المركبات الذاتية القيادة. ويستثمر بالفعل العديد من المنافسين وكذلك الوافدين الجدد إلى السوق (بما في ذلك صانعي الأجهزة ومطوري البرمجيات) استثمارات واسعة النطاق في هذا المجال، على الرغم من عدم وجود مسار واضح للربح. وتبشر العديد من التكنولوجيات النامية بإمكانات كبيرة لكنها أيضاً محاطة بقدر كبير من عدم اليقين، وغالباً بسبب تساؤلات حول قدرة الجهات التشريعية على مواكبة التطورات الجديدة وكم من الوقت قد يستغرق المستهلكون ليشعروا بالراحة ليُقْبِلوا على استخدام مركبات من دون سائق.

من الأفضل أن يُنظَر إلى التجديد على أنه مسعى مستمر. وفيما بين التحولات الرئيسية كثيراً ما تكون هناك قيمة في ”إعادة التضبيط“؛ أي النظر في التغييرات في أنظمة الحوافز، وهياكل الإبلاغ، واتخاذ القرار، وإجراءات الأعمال.

والطبيعة الديناميكية وغير المؤكدة للمنظومات الإيكولوجية للمركبات الذاتية القيادة تتطلب أنشطةَ استشعار منظمة لمراقبة التغيرات في المشهد. ويراجع استراتيجيو السوق من معظم المؤسسات مصادر الأخبار ذات الصلة، ويحضرون المؤتمرات، ويُشركون خبراء خارجيين. ولكن السؤال الرئيسي هو مدى قدرة هذه الشركات على إدارة هذه المجموعة المعرفية الجماعية والاستفادة منها في شكل منهجي. فإذا صارت تكنولوجيا القيادة الذاتية موحدة وعالمية، مثلاً، فربما لا تتنافس شركات تصنيع السيارات على التعامل مع الخصائص بل على وسائل الراحة الداخلية مثل حُزم المعلومات والترفيه أو غيرها من الميزات المخصصة. ويجب تقييم مصادر المعلومات المتباينة حول التكنولوجيات الجديدة، ونماذج الأعمال الناشئة، والتكتيكات التي يتبعها منافسون جدد وموجودون، ومعايرتها، ودمجها – ثم توزيعها على الأماكن المناسبة، حيث يمكن للقادة استخدام تلك المعلومات في اتخاذ قرارات تساعد عند تطوير نماذج الأعمال وتخصيصات الموارد.

واستناداً إلى هذه المدخلات التي لا تعد ولا تحصى، يجب على الشركات المصنعة للمعدات الأصلية تقييم قدراتها وتنظيم نفسها لضمان حصول المشروعات الجديدة على موارد كافية ورعاية مناسبة تتيح لها أن تُجرَّب تجربة عادلة. وإضافة إلى ذلك، يجب حماية الأنشطة الجديدة من محاولات الأقسام القائمة لتقويضها والقضاء عليها، ويجب على الإدارة أن تضع أنظمة حوافز للاحتفاظ بالمواهب الرئيسية. ومن الضروري مواءمة كلٍّ من الأعمال الجديدة والأعمال القائمة ضمن استراتيجية الشركة وهيكلها ونماذج الحوكمة فيها وإجراءاتها الحيوية.

ولعل أكبر مشكلة تواجه مصنعي السيارات هي الحاجة إلى صياغة نماذج أعمال جديدة محتملة للاحتفاظ بالقيمة – مثلاً، النظر فيما إذا كان ينبغي الاستمرار بالعمل في المقام الأول كجهة مُصنعة للمعدات الأصلية أو التوسع في التنقل كخدمة، أو التأجير القريب الأمد، أو إدارة الأساطيل، أو غيرها من الخدمات. أما القرار الحاسم الآخر؛ فيدور حول توقيت دخول السوق. وقد تؤدي استراتيجية الشركة وأصولها وقدراتها إلى تموضعها كرائدة في السوق، أو قد توحي بنهج ”التابع السريع“ Fast follower الأقل مخاطرة. وفي حين أن تكنولوجيات المركبات الذاتية القيادة ومنظوماتها الإيكولوجية لا تزال في مراحل جنينية جداً بالنسبة إلى أي شيء يتجاوز التجارب المحدودة، فإن فرضيات العمل حول طرحها وحول الأصول الخانقة الرئيسية تُمكِّن شركة ما من تحديد القدرات اللازمة لاختبار توقعاتها بخصوص المستقبل. وينطوي جزء من هذا على تحديد القدرات التي ينبغي امتلاكها أو التعاقد عليها أو الاستفادة منها من خلال التحالفات، وهو توزيع قد يتغير مع تطور المنظومة الإيكولوجية للأعمال.

وأخيراً، فإن لتجديد الهياكل والإجراءات القائمة أهمية ٌخاصةٌ في سياق تكنولوجيات المرحلة المبكرة مثل المركبات الذاتية القيادة. ويجب على القادة تحديث السيناريوهات المستقبلية باستمرار، والنظر في الآثار المترتبة على هوية المؤسسة ورسالتها، وتحديد أفضل السبل لاستكمال مجموعات المهارات غير الموجودة لديها ولكن المطلوبة، واتخاذ خطوات استباقية لتشكيل المنظومات الإيكولوجية الجديدة فور ظهورها. وإذا استنتجت جهة مصنعة للمعدات الأصلية أن المركبات الذاتية القيادة مهمة جدا لمستقبل صناعتها، فيجب على الإدارة العليا أن تشك باستمرار في مدى جاهزيتها لذلك –إضافة إلى مراقبة تواؤُم افتراضاتها الأساسية باستمرار مع الإشارات المتولدة عن أنشطة مثل تجارب السوق والنماذج الأولية.

وباختصار، بما أن المستقبل هدفٌ متحرك، فيجب على فِرق القيادة في هذه الصناعة أن تتوقع سيناريوهات متعددة وأن تطور وسائل اختبارها على نطاق محدود، مع التركيز على القدرات التنظيمية والفجوات في المهارات. ويجب على المشاركين أن يحدِّثوا بانتظام الجداولَ الزمنية التقديرية للتكنولوجيات الرئيسية التي يتعين صقلها وإدخالها على نطاق واسع من أجل توفير مدخلات موثوق بها عند صياغة الاستراتيجيات؛ بما أن الوصول المبكر إلى السوق أكثر مما يجب كثيرا ما يكون مكلفاً بقدر الوصول المتأخر أكثر مما ينبغي. مثلاً، إذا رفضت العديد من الأسواق الحضرية تنفيذ البنية التحتية المطلوبة لكي تعمل المركبات الذاتية القيادة بأمان، فإن الثقافة الحالية للسيارات القائمة على السائقين قد تستمر لعقود مقبلة من الزمن.

يجب تقييم مصادر المعلومات المتباينة حول التكنولوجيات الجديدة، ونماذج الأعمال الناشئة، والتكتيكات التي يتبعها منافسون جدد وموجودون، ومعايرتها، ودمجها – ثم توزيعها بحيث يمكن للقادة استخدامها.

إن العناصر المطلوبة لمؤسسة ما لتكريس مرونة استراتيجية ليست غامضة أو سحرية أو تقتصر على الشركات الناشئة في وادي السليكون. فالمرونة تتطلب التزاماً بعيد الأمد من جانب الفريق التنفيذي بتنمية ثقافة تنظيمية ابتكارية ومجموعة ناضجة من القدرات التنظيمية الديناميكية. ومن خلال البقاء فضولين دون هوادة، وتوقع حدوث تعطل، وإعداد المؤسسة للتكيف بسرعة؛ يمكن لفرق الإدارة تطوير استراتيجيات أكثر فاعلية على الرغم من عدم اليقين الكبير – واضعةً شركاتهم للمنافسة بشكل أفضل بغض النظر عما يخبئه المستقبل.

ديفيد جاي. تيس David J. Teece

ديفيد جاي. تيس David J. Teece

أستاذ كرسي توماسدبليو توشير Thomas W. Tusher في الأعمال العالمية من مدرسة هاس للأعمال Haas School of Business بجامعة كاليفورنيا، بيركلي University of California, Berkeley. بول جي. راسبين Paul G. Raspin مدير مفوض من سترايتفولف Stratevolve وزميل زائر ومحاضر أول في مدرسة كرانفيلد للإدارة Cranfield School of Management بجامعة كرانفيلد Cranfield University. ديفيد آر. كوكس David R. Cox مدير مفوض في مجموعة بيركلي للأبحاث Berkeley Research Group. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62105.

المراجع

المراجع
1 For instance, see G. Albort-Morant, A.L. Leal-Rodríguez, V. Fernández-Rodríguez, et al., “Assessing the Origins, Evolution, and Prospects of the Literature on Dynamic Capabilities: A Bibliometric Analysis,” European Research on Management and Business Economics 24, no. 1 (January-April 2018): 42-52.
2 M. Reeves, K. Whitaker, and T. Deegan, “Fighting the Gravity of Average Performance,” MIT Sloan Management Review, Jan. 9, 2020, https://sloanreview.mit.edu.
3 F. Becker, “Organizational Ecology and Knowledge Networks,” California Management Review 49, no. 2 (winter 2007): 42-61.
4 R. Ramírez, R. Österman, and D. Grönquist, “Scenarios and Early Warnings as Dynamic Capabilities to Frame Managerial Attention,” Technological Forecasting and Social Change 80, no. 4 (May 2013): 825-838; and A. Dong, M. Garbuio, and D. Lovallo, “Generative Sensing: A Design Perspective on the Microfoundations of Sensing Capabilities,” California Management Review 58, no. 4 (summer 2016): 97-117.
5 T. Griffith, “Reimagining Mobility: A CEO’s Guide,” McKinsey Quarterly, Feb. 25, 2019, www.mckinsey.com; see also “Progressive Insurance: Fast Experimentation and Low Risk With Hadoop,” Tableau, accessed May 28, 2020, www.tableau.com.
6 The Samsung case is compiled from various news articles and other sources. Significant sources include
D. Rocks and M. Ihlwan, “Samsung Design,” BusinessWeek, Dec. 6, 2004, 88-96; Y. Yoo and K. Kim, “How Samsung Became a Design Powerhouse,” Harvard Business Review 93, no. 9 (September 2015): 73-78; and J. Song, K. Lee, and T. Khanna, “Dynamic Capabilities at Samsung: Optimizing Internal Co-opetition,” California Management Review 58, no. 4 (summer 2016): 118-140.
7 M.Y. Lee and A.C. Edmondson, “Self-Managing Organizations: Exploring the Limits of Less-Hierarchical Organizing,” Research in Organizational Behavior 37 (January 2017): 35-58.
8 E. Danneels and A. Vestal, “Normalizing vs. Analyzing: Drawing the Lessons From Failure to Enhance Firm Innovativeness,” Journal of Business Venturing 35, no. 1 (January 2020): 1-18.
9 C.J. Nemeth, “Managing Innovation: When Less Is More,” California Management Review 40, no. 1 (fall 1997): 59-74.
10 The key concept is the bottleneck asset — any input that is scarce and costly (or impossible) to
replicate. See, for instance, D.J. Teece, “Profiting From Innovation in the Digital Economy: Enabling
Technologies, Standards, and Licensing Models in the Wireless World,” Research Policy 47, no. 8 (October 2018): 1367-1387. A competitively supplied input may nonetheless be worth producing in-house if its evolution needs to be closely coordinated with that of other inputs. See J.M. de Figueiredo and D.J. Teece, “Mitigating Procurement Hazards in the Context of Innovation,” Industrial and Corporate Change 5, no. 2 (June 1996): 537-559.
11 For an analysis of the dimensions of corporate identity, and the tensions that can arise between them, see J.M.T. Balmer and S.A. Greyser, “Managing the Multiple Identities of the Corporation,” California Management Review 44, no. 3 (spring 2002): 72-86. For a literature review of the triggers of identity change, see R. Abratt and M. Mingione, “Corporate Identity, Strategy, and Change,” Journal of Brand Management 24, no. 2 (January 2017): 129-139.
12 W.C. Taylor, “The Leader of the Future,” Fast Company, June 1999, 130-138.
13 This involves the classic exercise of “double-loop learning that confronts the basic assumptions behind ideas or present views and that publicly tests hypotheses,” as described on p. 34 in C. Argyris, “Leadership, Learning, and Changing the Status Quo,” Organizational Dynamics 4, no. 3 (winter 1976): 29-43.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى