أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اتخاذ القرار

التحوُّل إلى حلَّال أفضل للمشكلات بسرْد قصص أفضل

واحدة من أكبر العقبات أمام اتخاذ القرارات الفاعلة هي الفشل في تحديد المشكلة بنحو جيد. ويمكن أن يساعد التذرُّع بقوة السرد وبنية القصة البسيطة على ضمان حل الفرق المشكلة الصحيحة.

مثل عديد من الشركات في نهاية العام 2021، كانت صانعة أدوات أوروبية صغيرة تعاني مشكلة في توظيف المواهب والاحتفاظ بها. وكان لدى الفريق التنفيذي حل: إنشاء مساحة اجتماعية Social space أكثر جاذبية لتشجيع التعاون غير الرسمي. لكن عندما قدم مدير الموارد البشرية الخطة إلى مجلس الإدارة (الذي تضمَّن أحد المؤلفين المشاركين في هذه المقالة)، وقع المديرون في حِيرة. لم يعرفوا ما المشكلة التي كان من المفترض أن تحلها إعادة التصميم Redesign.

في وقت لاحق، اتضحت أسباب حيرتهم. لم يوضح الفريقُ التنفيذي حجم التحديات التي تواجهها الشركة في التوظيف، أو يوضح العلاقةَ بين المجال الاجتماعي وجذب المواهب. وبدلاً من السعي إلى الحصول على الموافقة على المساحة الجديدة، كان ينبغي لهم مناقشة أفضل طريقة لجعل الشركة مكاناً أكثر جاذبية للعمل، أو على نطاق أوسع، كيفية تجميع المواهب التي يحتاجون إليها، نظراً إلى المنافسة المتزايدة على المواهب بين الصناعات. 

هذا نمط مألوف واجهناه في التدريس والاستشارات التنفيذية. في مواجهة المشكلات المعقدة والقرارات الاستراتيجية، في الأغلب يختار المديرون التنفيذيون المشكلة الخاطئة لحلها. هم يركزون على الأعراض بدلاً من الأسباب، ويبنون تفكيرهم على افتراضات خاطئة وقيود مصطنعة، ويتجاهلون أصحاب المصلحة الرئيسين. ووجدنا الإجابة في تغيير الطريقة التي يجري بها تعريف المشكلة. من خلال الاضطلاع بذلك، يمكن لقادة الأعمال توسيع عالم البدائل لديهم بقدر كبير، وتحديد حلول أفضل بنحو جذري.

البحث عن حلَّالين للمشكلات
للعثور على إجابات أفضل من الضروري طرح أسئلة أفضل. وهذا هو ما يسمى تأطير المشكلات Problem framing. في الأغلب تُهمَل هذه الخطوة الأولية في تسلسل اتخاذ القرار التي تحدد مسار توليد خيارات بديلة. وتُعتبَر أمراً حاسماً لسببين: يمكن أن تكشف عن حلول جديدة ممكنة، وتتجنب إضاعة الوقت والمال والجهد على الأفكار غير المنجزة.

في دراستنا – التي شملت أكثر من 700 من المديرين التنفيذيين الدوليين – حدد 60% الصياغة السيئة للمشكلات باعتبارها واحدة من أكثر الحواجز انتشاراً أمام الحل الفاعل للمشكلات في مؤسساتهم. (الثاني هو: عدم كفاية مشاركة أصحاب المصلحة Stakeholder).

إن المشكلة المؤطرة تأطيراً فاعلاً هي سهلة على الفهم، مما قد يفسر لماذا لا يدر المديرون التنفيذيون في كثير من الأحيان الجهد الذي تتطلبه صياغة المشكلة صياغة جيدة. وكما هي الحال مع أي نشاط عالي المستوى، يتطلب الأمر إتقاناً لجعله يبدو بسيطاً. لا يدرك المديرون التنفيذيون مدى صعوبة التأطير حتى يجربوه. ولتعقيد التحدي، كتب كثير عن أهمية التأطير، لكن لم يكن هناك سوى قليل من الإرشادات الملموسة حول كيفية الاضطلاع بذلك. وكبار المديرين التنفيذيين عرضة بنحو خاص للمبالغة في تقدير قيمة الخبرة كدليل لحل التحديات الجديدة. يأتون إلى فصولنا ظناً منهم أنهم مؤطرون مهَرَة للمشكلات، فقط ليكتشفوا أوجه قصورهم عند تقديم أفكارهم إلى أقرانهم. ذلك أن جهودهم التأطيرية تنحرف بأشكال متوقعة.

البحث

■ استطلع المؤلفون أكثر من 700 مشارك في البرنامج التنفيذي في كلية آي إم دي للأعمال IMD Business School، حدَّدوا أكبر التحديات التي تواجههم في اتخاذ القرارات بأنه التركيز على المشكلة الخاطئة وعدم أخذ وجهات نظر أصحاب المصلحة في الاعتبار.

■ طبَّق المؤلفون نهجهم المسمى إطار القصص Story framework approach مع المشاركين في البرنامج، ثم تحققوا من صحة المنهجية في مؤسسات ربحية وغير ربحية معاً.

إخفاقات التأطير
عندما يَعْلَق المديرون التنفيذيون في مشكلة معقدة، في الأغلب يجري حضهم على ”التفكير بنحو مختلف“ وإعادة تعريف الافتراضات والقيود التي تعيقهم – باختصار، بغرض تغيير تأطيرهم. على الرغم من أن المديرين التنفيذيين على دراية بمفهوم التأطير، لاحظنا في عملنا معهم ثلاثة أخطاء متكررة.

1. افتراض أن الجميع يرون المشكلة نفسها Assuming everyone sees the same problem. أكبر مأزق هو عندما يظن المديرون التنفيذيون أن أصحاب المصلحة جميعاً لديهم الفهم البديهي نفسه للمشكلة. والأمر ليس كذلك أبداً.

في مثالنا الافتتاحي قال مدير الموارد البشرية إن إنشاء مساحة اجتماعية جديدة سيجعل الشركة مكاناً أكثر جاذبية للعمل. لكن هذا لم يكن سوى جانب واحد من التحدي المتمثل في جذب المواهب والاحتفاظ بها. لم يقترح بدائل أخرى – مثل الاستثمار أكثر في تطوير الموظفين، أو تحسين تسويق الموارد البشرية في الشركة، أو ابتكار سلم رواتب ومزايا أفضل – لإثارة النقاش حول النهج الذي سيعرض أفضل عائد على الاستثمار.

افتراضياً نؤطر المشكلات من دون قدر كبير من التفكير، باستخدام الإجراءات الروتينية والاستدلال والخبرة لتجاوز التحليل المسهب. نحن ندرك غريزياً نوع المشكلة الماثلة أمامنا ونتوصل إلى حلول مألوفة. وهذا أمر منطقي بالنسبة إلى المشكلات الملحة والمتكررة والمنخفضة المخاطر، إذ من المرجح أن تفضي التجربة إلى إجابة جيدة.1D. Kahneman, “Thinking, Fast and Slow” (New York: Farrar, Straus and Giroux, 2011), 79. تبدأ المشكلة عندما نحاول تطبيق النهج نفسه على المشكلات المعقدة أو الجديدة أو العالية المخاطر.

عند الاعتماد على الحدس، يمكن أن تؤدي التحيزات المعرفية Cognitive biases (مثل الثقة المفرطة Overconfidence والتحيز التأكيدي Confirmation bias) إلى تشويش عملية اتخاذ القرار. ذلك أن الذكاء العميق الذي يمكن الأفراد من تمييز المشكلات واقتراح العلاجات الفورية في مجالات خبراتهم سرعان ما يغدو عائقاً في مجالات غير مجالات خبرتهم.2S. Finkelstein, “Don’t Be Blinded by Your Own Expertise,” Harvard Business Review 97, no. 3 (May-June 2019): 153-158. ويطلق الفرنسيون على هذا تسمية التشوه المهني Déformation professionnelle – الميل إلى رؤية أي مشكلة من خلال العدسة المشوهة للتجربة المهنية. نحن نبالغ في تقدير أهمية تجربتنا ونقلل من تقدير ما لا نعرفه. ومع ذلك تتطلب المشكلات الاستراتيجية المعقدة وجهات نظر وخيارات جديدة، وليس فقط ما نجح في الماضي.

بطبيعة الحال لا يستطيع المديرون التنفيذيون تحويل كل قرار إلى مشروع، لذلك يحتاجون إلى أن يميزوا أنواع القرارات التي تبرر استثماراً كهذا، مع تركيز على القرارات التي لا يمكن التراجع عنها بسهولة.

2. استهداف المشكلة الخاطئة Targeting the wrong problem. حتى عندما يبذل شخص ما جهداً واعياً للتعبير عن المشكلة وعدم الاعتماد على الغريزة، قد يؤطره في إطار ضيق جداً أو واسع جداً. في الفصل الدراسي نعرض على المشاركين رسماً كاريكاتورياً لمبنى مواقف سيارات مغطى تابعٍ لشركة يعج بالسيارات إلى درجة أنه لا يمكن لأحد الدخول إليه أو الخروج منه بعد الآن، ونسأل: ”ما مشكلة الشركة؟“.

يأتي عديد من المشاركين في التجربة بأطر منحرفة أو ضيقة: كيف يمكننا زيادة سعة موقف السيارات؟ كيف نخفض الطلب على مواقف السيارات؟ كيف نشجع الناس على عدم المجيء بالسيارة؟ هذه ليست مجرد تعريفات للمشكلة؛ إنها أيضا حلول مقنعة: يشير الإطار بالفعل إلى مجموعة مفضلة من الحلول، ويسد الطريق أمام المعالجات البديلة للوضع.

ويقترح آخرون أطراً واسعة جداً: كيف تُحَل مشكلة موقف السيارات؟ (هل مواقف السيارات الأخرى غير آمنة، بعيدة جداً، قذرة؟) كيف نوصل الناس إلى العمل؟ (هذا يمتد إلى مجالات أخرى غير ذات صلة). أو حتى، كيف نجعل الموظفين جميعاً يؤدون أعمالهم؟ (هذا عام جداً ويثير مسائل عرضية مثل الدافع التحفيزي Motivation والعمل من المنزل).

يرصد الإطار الفاعل جوهر المشكلة. إذا كان ضيقاً جداً، يخاطر بعدم الفاعلية من خلال التركيز على واحد فقط من العوامل، مثل الطلب على أماكن وقوف السيارات، ويفوت تماماً المسائل المهمة أو الناشئة. وإذا كان واسعاً جداً، يخاطر بتشتيت الانتباه والموارد بالنظر في عديد من المخاوف، بما في ذلك تلك التي لها صلة ضئيلة أو معدومة.

في مشكلة موقف السيارات، قد تكون صياغة جيدة شيئاً مثل: كيف يمكننا تخفيف ازدحام موقف السيارات؟ أو كيف يمكننا مواءمة مواقف السيارات المتاحة واحتياجات وقوف السيارات؟ تتيح هذه الأطر الفرصة لبدائل تعالج كلاً من مسائل العرض والطلب والحلول الهجينة التي تجمع بين عناصر من كليهما.

3. الدفع بمنظور واحد Pushing a single perspective. فخ آخر شائع هو التأطير الأحادي Another common trap is unilateral framing. بعد تحديد حلَّالي المشكلات التحدي بمفردهم أو مع زملاء متشابهين في التفكير، يتلقون في الأغلب ضربة مفاجئة من اعتراضات أصحاب المصلحة الأساسيين – ولاسيما أولئك الذين اعتبروا دعمهم أمراً مفروغاً منه.

يقودنا التحيُّز المعرفي المعروف باسم تأثير الإجماع الخاطئ False consensus effect إلى المبالغة في تقدير مدى إدراك الآخرين للموقف بالطريقة نفسها التي نتعامل بها.3L. Ross, D. Greene, and P. House, “The ‘False Consensus Effect’: An Egocentric Bias in Social Perception and Attribution Processes,” Journal of Experimental Social Psychology 13, no. 3 (May 1977 ): 279-301. ونتيجة لذلك لا نستثمر في إشراك الآخرين أو اختبار أطرنا.

هذا هو الوضع في مثالنا الافتتاحي. عندما قدَّم مدير الموارد البشرية مشروعاً لإنشاء مساحة تجمُّع جديدة، توقع مناقشة الميزانية التي سيوافق عليها المجلس وليس الأساس المنطقي للمشروع، الذي افترض أنه بديهي.

أوضح مدير الموارد البشرية ماذا كان الفريق التنفيذي يناقش لكن ليس لماذا. وعكست التحديات غير المتوقعة التي واجهها مجلس الإدارة فشل مدير الموارد البشرية في إعداد أعضاء مجلس الإدارة للمبادرة أو التعبير عن مخاوفهم في الحل المعروض عليهم. وفي حين لم تكن لدى مجلس الإدارة وجهة نظر مسبقة حول مشكلة التوظيف، اعتقد أعضاؤه أن المجال الاجتماعي لم يعالج المشكلة إلا بنحو غير مباشر، وأن هناك حلولاً أكثر استهدافاً وربما أقل تكلفة. ولو كان منظور مجلس الإدارة متكاملاً في تحديد المشكلة، لكان في إمكان الفريق التنفيذي النظر في مجموعة أوسع من الحلول التي تعكس مخاوف المجلس.

هناك فخاخ أخرى في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، مثل الفشل في النظر في الحلول المبتكرة، أو ببساطة اختيار حل سيئ. وجهة نظرنا هي أن التأطير الفاعل هو أكثر أهمية وأكثر صعوبة مما يبدو. ومن الضروري وجود منهجية. نقترح حلاً من جزأين: التأطير وإعادة التأطير.

إنشاء إطار أولي
تُظهر الأبحاث وخبرتنا مع المديرين التنفيذيين أن استخدام إطار القصص الأساسي يمكن أن يساعد الناس على فهم المعلومات المعقدة. ليس سرد القصص Storytelling مفيداً فقط لإقناع الآخرين، بل هو أيضاً قيِّم للتفكير في المعلومات الغامضة.

في كثير من الأحيان يأتي المديرون التنفيذيون إلينا بمجموعة من الأفكار لكن ليس لديهم فهم واضح للمشكلة التي يحاولون حلها. على الطرف الآخر يقدمون مجموعة من المسائل المختلفة التي ترتبط بعضُها ببعض بطريقة ما، لكن من دون توضيح كيفية اتصالها بعضِها ببعض، أو تناقضها، أو أوجه التكامل بينها.

ومن الممكن هيكلة هذا التعقيد بسرد القصص الذي يلخِّص المشكلة في شكل سؤال شامل واحد – سعي A quest – سيؤدي إلى الحل. للسعي الفاعل ثلاثة عناصر فقط:

■ البطل A hero – بطل الرواية الرئيس. اعتماداً على التحدي، يمكن أن يكون شخصاً واحداً أو فريقاً أو مجموعةً مخصصة لمشروعات أو وحدةً أو حتى المؤسسةَ بكاملها.

■ الكَنز A treasure – طموح البطل. هذا يجسد الهدف الرئيس، سواء كان ذلك تحويل الشركة، أو التوسع في أسواق جديدة، أو ترقية فريق، أو تغيير مهن.

■ التنين A dragon – العقبة الرئيسة. هذا هو التعقيد الذي يمنع البطل من الحصول على الكنز. يُنشئ التنينُ المقنع وضعاً قوياً وفهماً مشتركاً للتحدي الذي يجب مواجهتُه.

تحدد هذه العناصر الثلاثة مجتمعةً السعيَ، الذي يأخذ شكل: كيف يمكن [للبطل] الحصول على [الكنز]، مع وجود [التنين]؟ يعمل السعي بنحو أفضل مع بطل واحد، وكنز واحد، وتنين واحد – وإلا فالأمر ينطوي على أكثر من قصة واحدة. عندما يتعامل شخص ما مع تنانين متعددة، من الأفضل أن نسأل ما إذا كان هناك تحدٍّ واحد أو ما إذا كان من المنطقي وضع التنانين المختلفة في أطر مشكلات منفصلة. (انظر: أوامر التأطير ونواهيه)


أوامر التأطير ونواهيه

السعي QUEST هو تقنية سرد القصص الكلاسيكية للمساعدة في هيكلة مشكلة. عادة ما يرتكب المديرون التنفيذيون عديداً من الأخطاء في أثناء اضطلاعهم ببناء مساعيهم الخاصة. فيما يلي خمسة أمور يجب مراعاتها.

■ تذكروا التنين. البطل والكَنز يكرسان بطل الرواية والهدف. لكنّ هناك عنصراً رئيساً واحداً مفقوداً: التوتر. لتحديد الحاجز الرئيس للهدف، قدِّموا التنين بـ”مع ذلك…“ أو ”لكن…“.

■ لا تستخدموا ”و“. يجب أن يحتوي كل جزء على عنصر واحد، عنصر واحد فقط. في حال وجود عناصر أكثر، ينبغي إما التوفيق بينها تحت مصطلح شامل أو تقسيمها إلى تحديات منفصلة. إذا كان هناك عديد من التنانين المحتملة، اختاروا التنين الذي يولد التوتر الأكثر صلة.

■ استبعدوا التفاصيل غير الضرورية. الإطار المختصر أكثر فائدة من إطار تفصيلي. ضمِّنوا ما هو مطلوب فقط لسرد قصة متماسكة، مع استثناء كل شيء آخر.

■ كونوا متسقين. استخدموا المصطلحات نفسها عند الانتقال من العناصر الفردية إلى السعي العام. لا تسبب المرادفات والصياغة الغامضة سوى الارتباك. يجب أن يكون السعي قائماً بذاته ويمكن فهمه بسهولة، حتى من قِبل المبتدئ.

■ لا تهدفوا إلى الكمال. إن المحاولة الأولى في التأطير هي مجرد أداة تواصل. لا يوجد شيء اسمه الإطار ”الصحيح“ – هناك إطار أفضل فقط. هناك احتمالات أن تكشف مشاركةُ الإطار مع الآخرين عن زوايا جديدة وافتراضات خاطئة تساعد على تحسينه.


لكن، من المهم أن تكون العناصر كلها موجودةً عند تحديد المشكلة. في مشكلة موقف السيارات، لم نذكر أي قيود تخص التحدي (التنين) من حيث جهة المساحة أو المال أو الوقت أو الأجندات المتضاربة. قد يبدو تأطير أكثر واقعية لهذا السعي مثل هذا: كيف يمكننا كمؤسسةٍ توفيرُ مواقف كافية لموظفينا، نظراً إلى تمويلنا المحدود؟

يُسلط إطار القصص الضوءَ على التضحيات الحرجة ويكشف الافتراضات.

يساعد إطار القصص هذا في الوصول إلى قلب التحدي. هو يسلط الضوء على التضحيات الحرجة ويكشف الافتراضات. يفرد تحديد البطل والكنز والتنين بنحو صريح النظر في كل ما هو ضروري، لكن فقط ما هو ضروري. وهو يحمِّل متخذي القرار المسؤولية عن الخيارات، ويعقِد محادثات أكثر جدوى مع أصحاب المصلحة.

طبقنا هذا المنهج على مئات المشكلات في مجموعة واسعة من التخصصات، بما في ذلك الأعمال والهندسة المعمارية والفيزياء والهندسة، ولم تواجهنا بعدُ مشكلةٌ لا يمكن تلخيصها بهذه الطريقة. فهذا يساعد على شرح حتى المشكلات الأكثر تعقيداً بعبارات بسيطة، لكن هذه البساطة يمكن أن تكون خادعة. سيتطلب الوصول إلى سعي بسيط كهذا جهداً كبيراً، ولاسيما بالنسبة إلى المشكلات الأكثر تعقيداً.

إن وضع إطار أولي أمر جيد، لكن القيمة الحقيقية تأتي من مشاركته مع أصحاب المصلحة الآخرين في وقت مبكر.

تأطير سعي أفضل
وهناك فخ يجب تجنُّبه عند استخدام هذه الطريقة، ألا وهو إغراء التمسك بالسعي الأول الذي يتبادر إلى الذهن. إن تطوير السعي السليم عملية تكرارية، ويتطلب التعمق في فهم مشكلة ما إخضاع السعي لاختبار الإجهاد Stress-testing.

تكمن قوة نموذج القصة في أنه يصوغ المشكلة بطريقة موجزة يسهُل فهمها من قِبل الآخرين – متخذي القرار الذين يفتقرون إلى المعرفة التفصيلية، والزملاءِ في الإدارات الأخرى، وأصحابِ المصلحة الخارجيين مثل الشركاء أو الموردين – من دون إغراقهم بالتفاصيل أو السياق. يمكنهم إضافة وجهات نظر وأسئلة حول أماكن العمل والقيود والغوامض. ومشاركتهم في الحوار مرحلة التأطير توفر فرصة الاستماع إليهم قبل أن يصبح أي شخص مرتبطاً بنحو مفرط بمجموعة معينة من البدائل أو بحل معين. وتشير الأبحاث أيضاً إلى أن تنوع وجهات النظر يشجع على استكشاف أكثر شمولاً للحلول البديلة، ويؤثر تأثيراً إيجابياً في جودة القرارات.4S.F.C. Schulz-Hardt, A. Brodbeck, A. Mojzisch, et al., “Group Decision-Making in Hidden Profile Situations: Dissent as a Facilitator for Decision Quality,” Journal of Personality and Social Psychology 91, no. 6 (January 2007): 1080-1093.

يمكن أن تبدأ إعادة الصياغة بالنظر في النهج الأولي للمشكلة والسؤال: ”لماذا لا يكون هذا أفضلَ سعي يمكننا الاضطلاعُ به؟“. قد تكون الإجابة أنكم حددتم البطل أو الكنز أو التنين الخطأ.

اختيار البطل الخطأ يمكن أن يؤدي إلى جهود تفشل في حشد الزخْم Picking the wrong hero can result in efforts that fail to gain traction. هذا هو الوضع الذي لاحظناه في أكبر شركة لصناعة الورق والورق المقوى في أوروبا، ستورا إنسو Stora Enso. مع انخفاض الطلب على الورق أراد الفريق التنفيذي تجديد الأعمال والتنويع إلى أعمال جديدة على أساس منتجات الألياف الخشبية. لكن كبار المديرين التنفيذيين – قدامى المحاربين في الصناعة في منتصف العمر، وجميعهم من الذكور، وجميعهم من الإسكندنافيين – وجدوا أن من المستحيل التوصل إلى أفكار مختلفة.

أدرك جوكو كارفينن Jouko Karvinen، المدير التنفيذي آنذاك، أن الفريق التنفيذي كان البطل الخطأ. لم يكن مجهزاً لتحديد فرص الأعمال الناشئة أو استكشافها في القطاعات المجاورة. استثمر الأعضاء أيضاً في خيارات الأعمال القائمة وممارساتها. لقد افتقروا إلى الانفتاح الفردي والتنوع الجماعي اللازمين لمواجهة التحدي.

وسلمت الشركة المسؤولية عن هذا الجهد إلى فريق جديد أكثر تنوعاً يضم عشرات الموظفين الجدد، من بينهم نساء وغير إسكندنافيين وأشخاص من ذوي الخبرة في صناعات أخرى. وأعطي هذا الفريق الحرية لتحدي الوضع الراهن. وحدد كارفينن تفويضه: ”لا أريد أي عروض باور بوينت PowerPoint تقديمية توفر نصائح حول ما كان يمكننا الاضطلاع به Could do. أريد [منكم] أن تعودوا بأفكار يمكننا تنفيذها وطلب بدء أعمال جديدة“.

في إطارنا السردي كان الفريق الثاني الأكثر تنوعاً هو البطل، وكان تحويل المؤسسة إلى شركة للمواد المتجددة هو الكَنز، وأثبت افتقارُ الفريق التنفيذي الأصلي إلى الخبرة والمهارات في هذه المجالات الجديدة أنه التنين. بمجرد النظر إلى التحدي بهذه الطريقة، مكنت توصيات الفريق الجديد، إلى جانب التغييرات المهمة في النظام والعملية، ستورا إنسو من تحويل نفسها إلى جهة مزودة رائدة للمنتجات المتجددة في التعبئة والتغليف والمواد الحيوية ومواد البناء الخشبية – فضلاً عن جهة مطورة لألياف النسيج الجديدة التي تستخدم سليلوز الشجر، في مشروع مشترك مع إتش أند إم H&M وآيكيا Ikea.

التركيز على الكَنز الخطأ يمكن أن يعني أن الجهود لن تسفر عن النتائج المرجوة Focusing on the wrong treasure can mean that efforts won’t yield the desired results. انظروا في لوجيتك التي تتخذ من سويسرا مقراً. بناء على ثورة الحاسوب الشخصي، حققت الجهة المطورة للأجهزة الطرفية المتقدمة – بما في ذلك الفأرات ولوحات المفاتيح ومكبرات الصوت وكاميرات الويب – 39 رُبعَ سنةٍ متتالية من النمو المكوَّن من رقمين.

في العام 2008، تقلد جيرالد كويندلين Gerald Quindlen منصب المدير التنفيذي تماماً مع بدء الهواتف الذكية (وفي وقت لاحق، الأجهزة اللوحية) في زعزعة Disrupt سوق سطوح المكتب التي تمثل 89% من إيرادات لوجيتك. في سرد سعيه كان البطل الذي يتعين عليه التغلب على تنين سوق الحاسوب المتضائل لتحقيق كنزه – العودة إلى نمو للمبيعات بصفرين.5“Logitech International Q3 FY08 Earnings Conference Call Transcript,” Seeking Alpha, Jan. 20, 2008, https://seekingalpha.com. للاضطلاع بذلك راهن بقدر كبير على استحواذ في سوق مؤتمرات الفيديو وشراكة مع غوغل Google في تلفزيونها الذكي، لكن أياً من الصفقتين لم تنجح كما كان متوقعاً. وتوسعت الشركة توسعاً مفرطاً، وفقدت تركيزها على قدرتها الأساسية: الابتكار.

في هذه العملية فوتت لوجيتك الاتجاهات الواضحة في الأجهزة الطرفية Peripherals – ولاسيما الجنون الذي أحاط بالكاميرا غو برو GoPro – وفقدت حصتها في السوق في الملحقات المتخصصة الموجهة إلى اللاعبين. كذلك كانت بطيئة في الاستجابة للفرص المتاحة في سوق الأجهزة المحمولة. المنتجات الجديدة التي أصدرتها بالفعل لم تكن رائعة أو مثيرة. وفي الأغلب عَنى التركيز على أهداف المبيعات التركيز على ميزات جديدة للمنتجات الحالية من دون النظر إلى ما كانت السوق تريده. وأصبح المهندسون منشغلين بإنشاء منتجات تحقق اشتراطات المستويات السعرية لكنها لا تلبي احتياجاتِ المستهلكين أو أذواقَهم.6M. Wilson, “Logitech Quadrupled Its Profits — With One Big Design Idea,” Fast Company, Sept. 20, 2017, www.fastcompany.com.

في يناير 2013 حلّ براكن داريل Bracken Darrell – الآتي من خارج الصناعة الذي كان يفكر في كنز مختلف – محل كويندلين كرئيس تنفيذي. قال للموظفين: ”نحن متوجهون لنصبح شركة تصميم“، ووضع المستخدم في قلب أنشطة الابتكار لدى لوجيتك.

وقال داريل للمستثمرين: ”لم نفقد القدرة، فقدنا التوقعات. توقفنا عن توقع امتلاك منتجات رائعة“.7“Logitech International SA CEO Hosts Annual Investor Conference (Transcript),” Seeking Alpha, May 24, 2013, https://seekingalpha.com. بعد التغلب على بعض المقاومة الأولية من المهندسين الذين كانوا يخشون من أن لوجيتك قد تصبح شركة ”أزياء“، فتحت الاستراتيجية التي يقودها التصميم الطريق أمام مجموعة من الابتكارات في فئات مختلفة للمنتجات. 

في حين أن نمو المبيعات يمتاز بأنه أمر ملموس وقابل للقياس، فهو أقل فاعلية ككَنز. فليس قوياً بما يكفي ليكون هدفاً طموحاً، كما لا يوفر التوجيه أو التركيز أو الإلهام حول كيفية المضي قدماً. في المقابل يوفر الهدف المتمثل في أن تصبح الشركة شركة تصميم، مع تركيزها على احتياجات المستخدم، فهماً أقوى للاتجاه الذي ينبغي أن تتوجه إليه الشركة.

منذ تعيين داريل أصبحت لوجيتك أكثر رشاقة واستجابة وابتكاراً. أحد مقاييس التغيير هو مجموعتها السنوية من جوائز التصميم المرموقة: فازت بأكثر من 250 جائزة منذ العام 2015. وفي الفترة نفسها زادت الإيرادات بأكثر من الضعفين، في حين زادت الأرباح 13 ضعفاً، وارتفعت أسعار الأسهم تسعة أضعاف.

مُتفكراً في ميل بعض المديرين التنفيذيين إلى التركيز على الأداء المالي Financial performance قال داريل: ”إذا بدأتم في المكان الخطأ، تصلون أحياناً إلى المكان الخطأ“.8M. Stettner, “Why Logitech’s CEO Fires, Rehires Himself,” Investor’s Business Daily, Dec. 30, 2020, www.investors.com

اختيار التنين الخطأ يعني إهدار الطاقة في معارك لا طائل منها. هذا ما حدث لكريستين كريستيان Christine Christian، المديرة التنفيذية لعمليات دان أند برادستريت Dun & Bradstreet في أستراليا. رصد فريقها، بوصفه البطل، فرصةً لتقديم حلول إضافية لإدارة المخاطر استجابة للتغيير المرتقب في التنظيمات الضريبية الأسترالية، وهو كنز كان عبارة عن فرصة غير متوقعة تتاح مرة واحدة في العمر. كانت الشركة التابعة في وضع جيد للاستفادة من الفرصة، لكن الاضطلاع بذلك تطلب تمويلاً لإجراء استثمار كبير في مركز للاتصال.

وكان التنين، كما رأت كريستيان، هو إقناعَ رئيس منطقة آسيا والمحيط الهادئ بتخصيص أموال من ميزانيته المحدودة لمبادرة ليست لها قيمة استراتيجية بالنسبة إلى الشركات الفرعية الأخرى في المنطقة. عندما رفض رئيسها الطلب كانت محبطةً جداً إلى درجة أنها أرادت الاستقالة. لكن فريقها أقنعها بالتفكير في نُهُج بديلة، مثل السعي إلى الحصول على تمويل من خارج المجموعة الإقليمية. وحدثت الموافقة على هذا الاقتراح، ووجد الفريق أن عديداً من الشركاء حريصون على اغتنام هذه الفرصة.

لقد اتخذت كريستيان وفريقها نظرةً مُقيِّئة جداً حول العقبة التي يواجهونها. فالحاجة إلى التمويل الداخلي Internal هي في الواقع تنين لا يمكن التغلب عليه، لكن تأمين التمويل العام هو أمر يسهل التغلب عليه. ودفع التأطير الضيق كريستيان إلى طرح سؤال خاطئ على رئيسها. لقد أدى التعامل مع التنين الحقيقي إلى العثور على شريك خارجي له مصلحة مشتركة في السوق الأسترالية، ما أثبت أنه خطوة استراتيجية مربحة جداً للشركة الفرعية.

في كل حالة من هذه الحالات، مكن التشكيك في المنطق والافتراضات أبطالَ الرواية من إعادة صياغة التحدي، مما فتح مجالاً كاملاً من الفرص الاستراتيجية الجديدة. ويشكل شكل السعي عملاً رئيساً لصياغة المشكلات التي يمكن للمؤسسة حلها في الواقع.

العامل المهم لتطوير نموذج مفيد هو تضمين كل ما يهم، لكن فقط ما يهم.

لماذا تساعد القصص
قال الخبير الإحصائي جورج بوكس George Box بتعبير شهير: ”النماذج كلها خاطئة، لكن بعضها مفيد“. العامل المهم لتطوير نموذج مفيد هو تضمين كل ما يهم، لكن فقط ما يهم. هذه هي الطريقة التي يساعد بها نهج القصص على حل المشكلات: من خلال توفير طريقة مباشرة لتحديد المشكلة التي يجب حلها وتوضيحها. ويمكن أن يؤدي وصف موجز للسعي إلى وضع استراتيجية واضحة للمضي قُدماً.

ويُعَد قصرُ سرد السعي جزءاً من قوته. فالتبسيط يكشف التحدي الرئيس، والغوامض والقيود، والافتراضات حول السببية. وهو يجعل من السهل المشاركة وتحدي المنطق.

كذلك تجعل بساطة النموذج منه أمراً يسهل على قادة الأعمال تذكره ومفيداً في تحديد ما هو مفقود أو مربك في العروض التقديمية من أعضاء الفريق. وهو يجعل من السهل تحديد ما إذا كانت الأدلة الجديدة تتطلب تغيير الأطراف الفاعلة الرائدة أو الأهداف أو العقبات. باختصار، يساعد هذا المنهج القادة على فرز المعلومات الأساسية حتى يتمكنوا من التركيز على المكونات الأساسية للمشكلة. في الواقع يمكن للمديرين التنفيذيين استخدام سرد السعي لتثقيف الفرق حول كيفية تقديم المشكلات.

ومكونات القصة تحول دون شخصانية الانتقاد عندما يشكك الناس في الافتراضات والغوامض والقيود الاصطناعية. أسئلة صعبة مثل ”لماذا أنتم؟ لماذا هذا؟ لماذا الآن؟ لماذا لم تضطلعوا بـ…؟ ألم تفوتوا…؟ من سيقاوم؟“ من الأسهل التعبير عنها – وبطريقة أقل احتمالاً لاستثارة موقف الدفاع – عندما تُصاغ على صعيد البطل أو الكنز أو التنين.

وأخيراً تستفيد القصص من ميلنا إلى اللهو. لغة القصص تجعل المناقشات أكثر جاذبية. وهي تساهم في إنشاء بيئة آمنة. إنها محرِّرة، إذ تضع أعضاء الفريق في إطار ذهني أكثر اتساعاً وتفاؤلاً عند مناقشة المشكلات. إنها توقظ إبداعنا. بالطبع يمكننا قتل التنين، لكن ماذا يمكننا أن نفعل غير ذلك؟ هل يمكن أن نتحايل عليه، أو نُحيِّده، أو نُحوِّله إلى حليف؟

إلى جانب كون حل المشكلات المعقد تحدياً تحليلياً، هو أيضاً تحدٍّ يتعلق بالأفراد. فهو يتطلب مدخلات ووجهات نظر مختلفة ومشاركة وتأييداً من أصحاب المصلحة الآخرين. من الواضح أن دمج وجهات النظر الخارجية أمر مهم عند تقديم توصيات لمسار عمل محدد، لكنه أمر بالغ الأهمية عند تحديد الطريقة المناسبة لتأطير المشكلة. عندما يتفق الجمهور مع تأطيركم، يصبح من الأسهل بكثير إقناعُهم بحلولكم.

أرنو شيفالييه Arnaud Chevallier

أرنو شيفالييه Arnaud Chevallier

أستاذ في الاستراتيجية،

ألبريخت إندرز Albrecht Enders

ألبريخت إندرز Albrecht Enders

أستاذ الاستراتيجية والابتكار في المعهد الدولي للتنمية الإدارية International Institute for Management Development (IMD) في لوزان بسويسرا. وهما مؤلفا كتاب قابل للحل: حل بسيط للمشكلات المعقدة Solvable: A Simple Solution to Complex Problems (منشورات: FT Publishin, 2022).

جان-لوي بارسو Jean-Louis Barsoux

جان-لوي بارسو Jean-Louis Barsoux

أستاذ أبحاث المصطلحات في المعهد الدولي للتنمية الإدارية في لوزان.

المراجع

المراجع
1 D. Kahneman, “Thinking, Fast and Slow” (New York: Farrar, Straus and Giroux, 2011), 79.
2 S. Finkelstein, “Don’t Be Blinded by Your Own Expertise,” Harvard Business Review 97, no. 3 (May-June 2019): 153-158.
3 L. Ross, D. Greene, and P. House, “The ‘False Consensus Effect’: An Egocentric Bias in Social Perception and Attribution Processes,” Journal of Experimental Social Psychology 13, no. 3 (May 1977 ): 279-301.
4 S.F.C. Schulz-Hardt, A. Brodbeck, A. Mojzisch, et al., “Group Decision-Making in Hidden Profile Situations: Dissent as a Facilitator for Decision Quality,” Journal of Personality and Social Psychology 91, no. 6 (January 2007): 1080-1093.
5 “Logitech International Q3 FY08 Earnings Conference Call Transcript,” Seeking Alpha, Jan. 20, 2008, https://seekingalpha.com.
6 M. Wilson, “Logitech Quadrupled Its Profits — With One Big Design Idea,” Fast Company, Sept. 20, 2017, www.fastcompany.com.
7 “Logitech International SA CEO Hosts Annual Investor Conference (Transcript),” Seeking Alpha, May 24, 2013, https://seekingalpha.com.
8 M. Stettner, “Why Logitech’s CEO Fires, Rehires Himself,” Investor’s Business Daily, Dec. 30, 2020, www.investors.com
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى