يُنفق الأمريكيون وقتاً أطول في العمل أكثر من معظم الأنشطة الأخرى مجتمعةً. وعديد من ساعات العمل هذه تُنفق في التعاون مع الزملاء. إننا نفكر معاً في الاجتماعات. ونعمل معاً في فرق المشروعات. ندير الأمور صعوداً وندير الأمور نزولاً. في القطاعات والمستويات، يكون التعاون هو العنوان.
في ربيع 2022، أجرينا – ديف كراستا Dev Crasta وأنا – استطلاع التعاون في مكان العمل Workplace Collaboration Survey لفهم العلاقات التعاونية بنحو أفضل في مكان العمل الحديث. وكان الـ 1,100 شخص الذين شاركوا في الاستطلاع موظفين بدوام كامل في الولايات المتحدة؛ وللتأهل للمشاركة في البحث، تعين عليهم العمل مع آخرين على الأقل بعض الوقت.
وسألنا المستجيبين عن نسبة عملهم التي تستلزم التعاون مع الآخرين لتحقيق الأهداف المشتركة. وأفاد ما يقرب من ثلاثة أرباع (71%) العينة عن التعاون فيما لا يقل عن 41% من وقت عملهم. وهذا يعني أن الناس يقضون في أسبوع عمل مدته 40 ساعة وخمسة أيام في المتوسط 3.2 ساعة يومياً في التعاون مع آخرين.
ونظراً إلى الوقت الذي يقضيه الناس في العمل والعمل مع الآخرين في العمل، ليس من المستغرب أن تولد التحديات الارتباطية رياحاً معاكسة متصلبة ومستمرة في مكان العمل. وقال 72% من المستجيبين للاستطلاع إنهم شاركوا في تعاون واحد على الأقل في مكان العمل كان “شنيعاً تماماً”. وتنشئ عمليات التعاون هذه ضغوطاً تشغيلية، وترهق الجداول الزمنية والميزانيات، وتثير الصداع الإداري، وتشغل موظفي الموارد البشرية المثقلين بالأعباء بالفعل.
والأمر المثير للدهشة، ولاسيما في ضوء هذه التكاليف بالنسبة إلى صافي الإيرادات في المؤسسات، هو مدى ضآلة ما أبلغ الأشخاص أنهم تلقوه كتطوير مهني حول كيفية بناء علاقات تعاونية صحية ومنتجة في العمل. (انظر: وقت التدريب على التطوير المهني في مهارات التعاون، الصفحة 18). وعندما سُئل 31% من المستجيبين عن حجم التطوير المهني الذي تلقوه في هذا المجال إجمالاً، قالوا: ”لا شيء“. وقال 6% منهم ”بضع دقائق“، وهو ما يقرب من طول مقطع فيديو من نوع تيك توك TikTok أو الوقت الذي قد تستغرقه قراءة شريط مصور من نوع ديلبرت Dilbert. وقال 14% آخرون: ”نحو ساعة واحدة“، و23% قالوا: ”بضع ساعات“، وقال 26% فقط إنهم تلقوا تدريباً مكثفاً – ”أكثر من ساعتين“ – في هذه المهارة المهمة في مكان العمل. ومع ذلك يرتبط التطوير المهني على كيفية بناء علاقات تعاونية ارتباطاً إيجابياً بمجموعة من الذهنيات المرغوب فيها التي تعود بالفائدة على كل من المؤسسات والأفراد.
الإمكانات غير المستغلة للتطوير المهني
مع التنبيه إلى أن هذه بيانات ارتباطية Correlational data ومن ثم لا يمكن التعرف على الروابط السببية Causal links بين المتغيرات، يشير نمط النتائج إلى القيمة المحتملة للتطوير المهني.
ومع تزايد التطور المهني لدى المستجيبين للاستطلاع، ازداد أيضاً مستوى رضاهم عن وظائفهم. كذلك يتخذون مواقف أكثر إيجابية إزاء التعاون في مكان العمل، ويهتمون بإنفاق نسبة أعلى من حياتهم العملية وهم منخرطون في التعاون. وبعبارة أخرى: يميل أولئك الذين قضوا وقتاً أطول في تعلم كيفية بناء علاقات تعاونية أكثر إلى استخدام هذه المهارات في خدمة المؤسسة.
وتشكل العلاقات الإيجابية في مكان العمل أيضاً أهمية كبرى فيما يتصل برفاه الأفراد. وبصرف النظر عن مدى إعجاب المستجيبين بالمتعاونين أو اعتبارهم إياهم مؤثرين، كانت جودة علاقاتهم التعاونية تتوقع بنحو إيجابيٍّ الرضا عن العمل والصحة النفسية الجيدة والمواقف الإيجابية حول التعاون في مكان العمل. ذلك أن وجود علاقة تعاونية واحدة منخفضة الجودة قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها، بما في ذلك سوء الصحة النفسية الذي يساهم في الإرهاق وعدم الرضا الوظيفي الذي يساهم في ارتفاع معدل الدوران Turneover.
ولأن جودة العلاقات التعاونية تشكل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الأفراد وصافي الدخل، ما الذي يمنع الشركات من توفير مزيد من الفرص للموظفين لتطوير المهارات التعاونية؟ قد يكون السبب، في الحقيقة، أن الشركات تتيح فرصاً للتطوير، لكن الأفراد لا يرون أن تلك الفرص متاحة أو ذات صلة بالتعاون. أو ربما تكون عروض كهذه مستبعدةً بسبب افتراضات أساسية تزعم أن الموظفين يلتقون مهارات العلاقات من خلال التناضح وليس التدريب المباشر، أو أنهم مجرد ”جيدين“ أو ”غير جيدين“ بطبيعتهم في العلاقات، أو أن هذه المهارات لا يمكن تعلُّمها. أو ربما لم يكن القادة المؤسسيون على يقين من أفضل طريقة لمساعدة الأفراد والفرق في تطوير علاقات تعاونية عالية الجودة.
عزِّزُوا مهارات التعاون لدى فريقكم
فيما يلي ستة اقتراحات مترابطة لمساعدة الأفراد والفرق والمؤسسات على تطوير قدراتها التعاونية.
ضعوا إطاراً للمحادثة Frame the conversation. بالتعاون مع فرقكم، عليكم أولاً معالجة أهمية العلاقات التعاونية الإيجابية بالنسبة إلى تجارب الأفراد ورفاههم، ثم تسليط الضوء على الدور الذي تؤديه هذه العلاقات في نجاح المؤسسة. وإذا كانت هذه المهارات ترتبط بنحو واضح بالقيم Values المعلنة للمؤسسة، فوضِّحوا صدى ذلك. أكدوا أن العلاقات القوية تجعل عالم العمل أكثر إيجابية للجميع.
قيِّموا الأفكار والمشاعر والسلوكيات Assess thoughts, feelings, and behaviors. بدلاً من العمل وفق الحدس أو الشائعات، أجرُوا استطلاعاً لتقييم الثقافة التعاونية وجودة العلاقة بنحو مباشر. اسألوا الأفراد عن مواقفهم تجاه التعاون، ومشاعرهم تجاه المتعاونين ”المتمتعين بالإعجاب الأقل“ و”المتمتعين بالإعجاب الأكبر“ من قِبَلهم، والسلوكيات التعاونية المحددة التي يرونها (أو لا يرونها) بين أعضاء فريقهم.
وإضافةً إلى توفير مقاييس المواقف وقوائم السلوك، ضمِّنوا أسئلة مفتوحة مثل:
● ”ما الطرق التي تأثرتم بها أنتم وعملكم – بنحو إيجابي أو سلبي – من قِبَل المتعاونين معكم أو علاقاتكم التعاونية أو الثقافة التعاونية في مؤسستنا؟“.
● ”ما الكلمات أو العبارات الثلاث الأفضل التي تصف الثقافة التعاونية هنا؟“.
● ”من وجهة نظركم المختلفة، ما الطرق التي تأثرت بها قدرةُ مؤسستنا على الوفاء بمهمتها – إيجاباً أو سلباً – بثقافتها التعاونية؟“.
شجِّعُوا التأمل في تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف والاحتياجات Encourage reflection to identify strengths, vulnerabilities, and needs. ادعوا المساهمين الأفراد إلى حضور محادثات محفوفة، وسهلوا التوصل إلى استنتاجات تقييم، واستخلاص تبصرات رئيسة حول نقاط القوة ونقاط الضعف التعاونية، وحدِّدوا تدخلات محددة من الممكن أن تعزز العلاقات التعاونية والثقافة داخل المؤسسة. إذا كان لديكم سبب للاعتقاد أن الأشخاص قد لا يرغبون في التحدث بحرية في جلسات كهذه، أو لا يستطيعون ذلك، ففكروا في تقديم موجز على شكل فيلم فيديو لنتائج الاستطلاع، ثم ادعوا إلى تقديم مدخلات مجهولة حول المشكلات المذكورة أعلاه.
وفِّروا فرص التطوير Offer development opportunities. بالاشتراك مع المسؤول الرئيس عن شؤون الموظفين لديكم، حدِّدوا ما إذا كنتم تريدون توفير فرص تطوير على نطاق واسع في المؤسسة أو تركيز الموارد على أقسام أو فرق أو أفراد معينين. يمكن أن تتضمن فرص التطوير مراجعات شاملة لأشخاص محدَّدين، أو تدريب أفراد أو فريق، أو ورش عمل، أو دورات، أو تدقيقات لكيفية تنظيم العمل التعاوني وقياسه ومكافأته. في الحالات التي يُشوِّش فيها فرد ما، بنمط منتظم، على الديناميكيات الشخصية في فريقه، فكِّروا في خطة لتحسين الأداء ترتبط صراحة بمهارات التعاون غير الاختيارية هذه.
نمذِجُوا مهارات التعاون باستمرار Model collaboration skills consistently. في عملكم الخاص نمذِجُوا توجهاً تعاونياً، مثلاً، من خلال طلب مدخلات في المسودات المبكرة للعمل أو أفكار نصف جاهزة، مع إعطاء التقدير لأولئك الذين أدوا أدواراً وراء المشهد في نتيجة ناجحة، وتوفير مدخلات سريعة الاستجابة، وفي الوقت المناسب للعمل المشترك، وتعزيز التوقعات حول المشاركة خلال الاجتماعات الافتراضية، وتقديم أكثر مما هو مطلوب لدعم زميل يمكنه استخدام مثل ذلك التعزيز.
ادمجوا رسالة التعاون على نطاق واسع Integrate the collaboration message broadly. أخيراً ادمجوا المناقشات المتعلقة بالدراية العملية التعاونية في آراء الأفراد مع أعضاء الفريق، وفي مراجعات الموظفين، وفي الاعتراف العام بالإنجازات والنمو. سيساعد الاهتمام المستمر بشكل التعاون ووظيفته داخل المؤسسة على تحديد ذلك كقيمةٍ مَعيشة.
التحسين والتكرار
مثلها كمثل كل العلاقات، تتطلب العلاقات التعاونية في مكان العمل استثمارات مستمرة وصيانة مستمرة. قيسوا هذه العلاقات لزيادة احتمال أن تلبي احتياجات مؤسستكم.
ففي خضم التعديل العظيم Great Reshuffle، والدوران الوظيفي ذي الصلة، وسوق المواهب الضيقة، لم يعد في وسع الشركات أن تتحمل الانفصال عن الموضوع الحاسم للتعاون في محل العمل. وسواء كانوا يسعَون إلى الحد من عدد الموظفين، أو سرعة ضم الوافدين الجدد إلى ثقافة راسخة، أو الاستفادة من الميزة التنافسية للتعاون، من الحكمة أن يركز قادة المؤسسة على مساعدة الأشخاص على بناء مهارات التعاون. إن العلاقات التعاونية القوية ليست جيدة في مكان العمل فحسب. بل هي أساسية.