أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ابتكارتكنولوجيامهارات

كيف يمكن لمعدات الصنَّاع تسريعُ ابتكار الأفكار

انسَوا العصف الذهني التقليدي– الأدوات المستخدمة في الصنع السريع للنماذج الأولية قد تسرِّع تطوير المنتجات عند استخدامها لابتكار الأفكار.

في يومنا هذا يواجه المبتكرون ضغوطاً زمنية هائلة، سواء كانوا يعالجون مسائل مُلحة، مثل الصحة العامة وتغير المناخ، أو يصممون منتجات جديدة للبقاء متقدمين في سوق تنافسية سريعة الحركة. ولمواجهة هذا التحدي تستثمر الشركات في عدد من التكنولوجيات التي تسرع الابتكار، لكن بالنسبة إلى كثيرين لا تزال العملية بطيئة بنحو محبط. ماذا ينبغي أن تفعل المؤسسات؟ إجابتنا القصيرة: لا تستخدموا التكنولوجيات المسرِّعة Accelerating technologies فقط لصنع النماذج الأولية Prototype بسرعة؛ استخدموها في وقت أبكر بكثير وبطريقة مختلفة، بغرض الابتكار السريع للأفكار Rapid ideating.

في السنوات الأخيرة، ساعدت مجموعة جديدة من ”التكنولوجيات المُسرِّعة“ مثل الطابعات الثلاثية الأبعاد وإلكترونيات أردوينو Arduino وراسبيري باي Raspberry Pi على تسريع تطوير المنتجات بقدر كبير. تُستخدَم الطباعة الثلاثية الأبعاد لإنتاج أشياء فعلية بسرعة، باستخدام مناهج رصف الطبقات Layering methods التي تسترشد بملفات مدخلات رقمية Digital input files، وأحدثت ثورة في القدرة على صنع النماذج الأولية. ويستخدم المطورون حواسيب صغيرة وبأسعار معقولة من أردوينو وراسبيري باي لبناء مجموعة واسعة من التطبيقات والأجهزة. وطُبِّقت هذه التكنولوجيات إلى حد كبير في مرحلة الصنع السريع للنماذج الأولية.1R.L. Martin, “The Unexpected Benefits of Rapid Prototyping,” Harvard Business Review, Feb. 11, 2014, https://hbr.org. لكن دراسة أجريناها على تسريع الابتكار تكشف أنها توفر قوة أكثر تسارعاً عندما تستخدمها الفرق بنحو مختلف، وفي وقت أبكر بكثير، لابتكار الأفكار Ideation.

وأجرينا دراسة ميدانية متعمقة لتسريع الابتكار لمصلحة التكنولوجيات المساعدة في مجالات تصنيعية في الولايات المتحدة.2H. Lifshitz-Assaf, S. Lebovitz, and L. Zalmanson, “Minimal and Adaptive Coordination: How Hackathons’ Projects Accelerate Innovation Without Killing It,” Academy of Management Journal 64, no. 3 (June 2021): 684-715. في دراستنا هدفت الفرق إلى حل تحديات التكنولوجيا المساعدة Assistive technology في العالم الحقيقي، مثل كيفية تشغيل مصعد بالصوت، أو كيفية تمكين الأفراد الضعاف السمع من ”رؤية“ الأصوات لعبور الشوارع في أمان. ويتطلب هذا النوع من الابتكار عادة أسابيع أو شهوراً، لكن هذه الفرق كانت أمامها 72 ساعة فقط لتصنع منتجات جديدة وعاملة، وتسليمها إلى المستخدمين المنتظرين لها.

وأُعطِي المشاركون جميعاً هذه الأهداف الطموحة، وواجهوا الضغط الزمني نفسه، وأُتيح لهم استخدام التكنولوجيات المُسرِّعة المتطورة نفسها، بما في ذلك الطابعات الثلاثية الأبعاد، وإلكترونيات أردوينو وراسبيري باي، وقواطع الليزر Laser cutters المتقدمة، وغيرها من الأدوات الموجهة للصناع Maker-oriented مثل المحركات Motors، وأدوات النجارة Carpentry tools، ومعدات اللحام Welding equipment. ولم يعرف أحد من المشاركين الآخر لدى دخول التحدي، وسرعان ما أنشؤوا فرقاً للمشاركة في التحدي. وكنا نتوقع أن يكون هذا تحدياً صعباً؛ استناداً إلى الأبحاث السابقة حول الابتكار تحت ضغط الوقت، يمكن توقع فشل معظم الابتكارات، نظراً إلى أن الإبداع يموت في الأغلب تحت ضغط الوقت.3T.M. Amabile, C.N. Hadley, and S.J. Kramer, “Creativity Under the Gun,” Harvard Business Review 80, no. 8 (August 2002): 52-61. وعلى الرغم من ذلك، تمكن عديد من الفرق – خلال 72 ساعة فقط- من تطوير منتجات جديدة تعمل، لذلك نظرنا من كثب في كيفية حدوث ذلك.

ودرسنا بعنايةٍ عملية كل فريق، ساعة بساعة. واتبعت عديد من الفرق أفضل الممارسات المقبولة على نطاق واسع في مجال الصنع السريع للنماذج الأولية، بدءاً بتطوير فكرة محددة بوضوح ثم إنشاء نموذج أولي بسرعة لبلورة هذه الفكرة. ولتطوير فكرتها بدأت هذه الفرق بالعصف الذهني Brainstorming المألوف، والرسومات التخطيطية Whiteboard sketches على اللوح الأبيض، وحشد جهود الفريق للاتفاق على المواد والآليات والقياسات المحددة للنموذج الأولي المطلوب. وقد بذلوا قصارى جهدهم- ببساطة- للاضطلاع بكل ذلك بنمط أسرع بكثير. وبمجرد أن توصلوا إلى وضوح حول تصميم المنتج المطلوب، وسرعان ما قسموا العمل واستخدموا التكنولوجيات المسرعة لإنشاء نموذجهم الأولي.كانت هذه الفرق منظمة ومتزامنة جيداً. ومع ذلك، في نهاية الـ72 ساعة، لم تتمكن من إنتاج أجهزة وظيفية وشعروا بإحباط عميق.

أما الفرق التي تمكنت من إنشاء منتج عامل في 72 ساعة فقط فقد استخدمت التكنولوجيات المسرعة نفسها، لكن بطريقة مختلفة. فبدلاً من مناقشة الأفكار من خلال العصف الذهني أولاً، والاتفاق على النهج الذي يجب اتباعه، ومن ثم استخدام التكنولوجيات المسرعة لصنع النموذج الأولي، استخدمت هذه الفرق التكنولوجيات للتوصل إلى الأفكار نفسها. ونصِفُ الطريقة التي استخدمت بها التكنولوجيات المسرعة لعملية ابتكار الأفكار بأنها ابتكار سريع للأفكار Rapid ideating. في الجوهر تمكنت هذه الفرق من استخدام التكنولوجيات المسرعة لتوجيه تفكيرها الإبداعي لتوليد إمكانيات جديدة متعددة وتجربتها بدلاً من اختيار فكرة ممكنة والتركيز عليها أولاً.

وبدلاً من مناقشة الأفكار من خلال العصف الذهني التقليدي، سارعت فرق الابتكار السريع للأفكار إلى حشد جهودها حول مخطط تقريبي للاتجاه المحتمل– رسم تخطيطي عالٍ High-level sketch لم يكن واضحاً أو محدداً بقدر كبير مثل الذي طورته فرق الصنع السريع للنماذج الأولية. مثلاً كتب أحد فرق الابتكار السريع للأفكار بعض العبارات الرئيسة على أوراق الملاحظات اللاصقة لتوجيه عمله. ثم انقسم أعضاؤه على الفور للعمل كأفراد أو فرق فرعية، وشغلوا الطابعات الثلاثية الأبعاد، وبدؤوا في الابتكار السريع للأفكار. وفي الوقت نفسه، وفي تحدٍّ مماثل، كان فريق الصنع السريع للنماذج الأولية يستخدم الألواح البيضاء لإنتاج رسوم تفصيلية تتضمن قياسات دقيقة (أبعاد التصميم، وكيف ستتلاءم المكونات معاً، ونوع المحرك ومصدر الطاقة المطلوب). ومع ذلك كانت فرق الابتكار السريع للأفكار تجرب بالفعل: بعد عدد من المحاولات، عاد أعضاؤها إلى زملائهم ليشاطروهم أفكار مسارات التصميم Design paths الناشئة والمحتملة، وتوجيه الأفكار نحو التصميم والاتفاق عليه، والانتقال إلى مرحلة صنع النماذج الأولية. ومنحتهم القدرةُ على ابتكار الأفكار بسرعة مع التكنولوجيات المسرعة ميزةً ملحوظة.

التجريب والرشاقة تحت ضغط الوقت

نعلم جميعاً أن التجريب مهم، لكن عندما نكون تحت ضغط زمني شديد، كثيراً ما نتخلى عن هذا النهج.4S.H. Thomke, “Experimentation Works: The Surprising Power of Business Experiments” (Boston: Harvard Business Review Press, 2020). وبدلاً من ذلك يزيد ضغط الوقت والإجهاد من الرغبة في شعورٍ بالسيطرة Sense of control وعملية عمل Work process واضحة ومنظمة تنظيماً جيداً. ومع ذلك رأينا أن الابتكار السريع للأفكار مكَّن الفرق من التجربة حتى تحت ضغط الوقت. وجربت تلك الفرق- بنحو مكثف- منذ البداية من أجل استكشاف المسارات المتعددة لتصميم المنتجات ومتابعتها في وقت واحد. وعلى الرغم من أن التمسك بنهج تجريبي في ظل ضيق الوقت قد يكون صعباً ومحفوفاً بالمخاطر، مكَّن استخدام التكنولوجيات المسرعة من ذلك، على الرغم من الميل الطبيعي إلى محاولة الحد من الغموض في ظل ضغط الوقت.

هذه الميزة الحاسمة للابتكار السريع للأفكار بالنسبة إلى تسريع الابتكار اتضحت أكثر فأكثر مع مرور الوقت، إذ واجه الفريق تحدياتٍ غير متوقعة. ومن المحتم- كما هي الحال في عمليات تطوير المنتجات الجديدة كلها- أن الفرق كلها واجهت تحديات تقنية وإخفاقات تشكك في جدوى النهج الذي يتبعه كل منها. واستمرت فرق الصنع السريع للنماذج الأولية في إعادة تصميم حلها الأصلي المتفق عليه وتعديله؛ وعزز نهجُها في العصف الذهني التزامَها به. وأظهرت فرق الابتكار السريع للأفكار مرونة ورشاقة أكبر بكثير، حتى تحت ضغط الوقت المكثف. وسرعان ما تكيفت هذه الفرق وغيَّرت مسارها متمحورة بارتكاز Pivoting، لأنها كانت تستخدم- في الوقت نفسه- التكنولوجيات المسرعة مجرِّبةً مسارات حلول متعددة ومتنوعة. فالتجريب الفائق والتمحور السريع اللذان يوفرهما الابتكار السريع للأفكار هما بالضبط ما هو مطلوب لتسريع الابتكار.

عادةً ما يجري ابتكار الأفكار في أثناء النقاش الدائر بين الفريق، والذي يصعب تسريعه من دون تسبيب مشكلات في ديناميكيات الفريق أو إجهاض فكرة ما قبل أن تنضج. وبينما تجنبت فرق الابتكار السريع للأفكار هذه التحديات التقليدية للعصف الذهني كان لنهجها ثمن. إذ كانت فرق الابتكار السريع للأفكار أكثر فوضى وأقل تنسيقاً، وكان العمل كمجموعة أكثر صعوبة. ولأن هذه الفرق لم تُولِ الأولوية للوضوح وتوافق الآراء مقدماً، واجهت لحظات متعددة من النزاع أو عدم التوافق. مثلاً من دون مسار محدد بوضوح يوجه أنشطة العمل المستقلة لكلٍّ من زملاء الفريق، كثيراً ما اكتشفوا أن مكوناً كانوا يعملون عليه هو غير قابل للاستخدام ولا يتناسب مع مسار التصميم الناشئ، أو أن زميلاً آخر في الفريق كان يعمل على شيء مشابه جداً. ومع مرور الوقت طورت هذه الفرق نوعاً متكيفاً من التنسيق سمح لها بالتحديث السريع ودفع بعضها بعضاً نحو مسار مشترك مع المحافظة على فوائد نهجها التجريبي والمتباين.

الابتكار السريع للأفكار يسمح لنا بالتحرر من نهج العصف الذهني التقليدي الذي يعطي الأولوية للتوصل إلى توافق في الآراء حول فكرة محددة بوضوح ومتفق عليها قبل المضي قُدُماً. وتفشل هذه النُهُج في ظل ضغط الوقت الشديد، ويمكن اعتبارها حالياً من مخلفات زمن كان فيه التجريب مكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً. وبدلاً من استخدام التكنولوجيات المسرعة لتسريع العملية التقليدية، نحتاج إلى إعادة تصور كيفية مقاربتنا الابتكار وتغيير عمليتنا لإطلاق العنان حقاً لقوة هذه التكنولوجيات– وأن نكون في وضع أفضل لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.

هيلا ليفشيتز-أساف Hila Lifshitz-Assaf

هيلا ليفشيتز-أساف Hila Lifshitz-Assaf

(@h_diginnovation) أستاذة مشاركة في التكنولوجيا والعمليات والإحصاءات في كلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك NYU Stern School of Business.

سارة ليبوفيتز Sarah Lebovitz

سارة ليبوفيتز Sarah Lebovitz

(@sarahlebovitz) أستاذة مساعدة للتجارة في كلية ماكنتاير للتجارة بجامعة فرجينيا University of Virginia’s McIntire School of Commerce. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63230.

المراجع

المراجع
1 R.L. Martin, “The Unexpected Benefits of Rapid Prototyping,” Harvard Business Review, Feb. 11, 2014, https://hbr.org.
2 H. Lifshitz-Assaf, S. Lebovitz, and L. Zalmanson, “Minimal and Adaptive Coordination: How Hackathons’ Projects Accelerate Innovation Without Killing It,” Academy of Management Journal 64, no. 3 (June 2021): 684-715.
3 T.M. Amabile, C.N. Hadley, and S.J. Kramer, “Creativity Under the Gun,” Harvard Business Review 80, no. 8 (August 2002): 52-61.
4 S.H. Thomke, “Experimentation Works: The Surprising Power of Business Experiments” (Boston: Harvard Business Review Press, 2020).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى