أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اتخاذ القراربحثريادة أعمالشركات

لماذا يمكن للتعمية أن تساعدنا على رؤية أكثر وضوحاً

حتى إذا لم تكن مؤسستكم تتبع سياسة ”تعمية“ في التوظيف وتقييم الآخرين، فمن الممكن أن تجني بعض الفوائد.

هل تقررون أي مرشحين لوظيفة يجب أن تقابلوهم استناداً إلى أسمائهم– أو أي مشروعات يجب أن تمولوها استناداً إلى جنس رواد الأعمال أو جاذبيتهم البدنية؟ الواقع أن قلة من المديرين قد يعترفون بهذا، حتى لأنفسهم. لكن الأبحاث تُظهِر أن متخذي القرار عُرضة لهذا النوع من التحيز على وجه التحديد في واقع الأمر. فمن غير المرجَّح أن تولِّد السيرُ الذاتية المماثلة، التي أُرسلت استجابةً لإعلانات وظائف، معاودةَ اتصالٍ لإجراء مقابلة، إذا كان الاسم في أعلى الطلب يشير إلى أن المرشح أسود.1M. Bertrand and S. Mullainathan, “Are Emily and Greg More Employable Than Lakisha and Jamal? A Field Experiment on Labor Market Discrimination,” American Economic Review 94, no. 4 (September 2004): 991-1013; and M. Bertrand and E. Duflo, “Field Experiments on Discrimination,” in “Handbook of Economic Field Experiments,” vol. 1, ed. A. Banerjee and E. Duflo (Amsterdam: North-Holland, 2017), 309-393. وتواجه رائدات الأعمال أسئلة أقسى من المستثمرين المحتمَلين، ويكون تمويل أفكارهن أقل ترجيحاً مقارنة بالرجال (الرجال الجذابين بنحو خاص).2D. Kanze, L. Huang, M.A. Conley, et al., “We Ask Men to Win and Women Not to Lose: Closing the Gender Gap in Startup Funding,” Academy of Management Journal 61, no. 2 (April 2018): 586-614; and A.W. Brooks, L. Huang, S.W. Kearney, et al., “Investors Prefer Entrepreneurial Ventures Pitched by Attractive Men,” Proceedings of the National Academy of Sciences 111, no. 12 (March 2014): 4427-4431.

عموماً يُظهِر هذا النوع من الأبحاث أن إنصاف التقييمات الاجتماعية Fairness of social evaluations– مثل من ينبغي توظيفه أو الاستثمار فيه أو ترقيته– من الممكن أن يتأثر سلباً بسمات غير ذات صلة وغير حميدة ظاهرياً، مثل الاسم أو المظهر، بسبب التحيُّزات التي تستثيرها. فكيف يمكن أن تكون هذه الأحكام أكثر عدالة؟ من بين الطرق التي يمكن بها تقليل احتمال التحيز وزيادة الموضوعية تبني استراتيجية لاتخاذ القرار تُسمَّى التعمية Blinding– أي الحد من المعلومات التي يمكن أخذها في الاعتبار في التقييم. والمنطق في هذا مباشر جداً: لا يمكن للمقيِّم أن يكون متحيزاً بمعلومات غير ذات صلة حول المُستهدَف بالتقييم (مثلاً، اسم مرشح الوظيفة) إذا كانت هذه المعلومات مُخفاةً عن الأنظار. ولهذا السبب تُصوَّر العدالة عادة وهي ترتدي عِصابة عينين: فعصابة العينين تضمن حياد اتخاذها القرارات.

وعلى مدى السنوات العديدة الماضية درسنا الفوائد والحواجز التي تحول دون التعمية في سياق التقييمات Organizational evaluations مثل قرارات التوظيف Hiring ومراجعات الأداء Performance reviews. وبنحو أكثر تحديداً، استكشفنا العوامل التي قد تؤثر فيما إذا كان المقيِّمون سيختارون بأنفسهم استخدام استراتيجية التعمية في تقييماتهم. وفي غياب سياسات التعمية على مستوى المؤسسة، والتي تحد بنحو صارم من المعلومات التي يمكن للأفراد تضمينها في قراراتهم– وهي سياسات نادرة بل ويصعب تنفيذها في بعض الأحيان– فإن المهم فهم هذه التفضيلات الشخصية. ووجدنا أن المديرين وغيرهم من المقيِّمين في المؤسسات يمكنهم إجراء تقييمات أكثر إنصافاً ودقة من خلال تعمية أنفسهم بنحو استباقي عن معلومات حول المستهدف بالتقييم، معلومات يُحتمَل أن تؤدي إلى التحيز. وفي هذا الموضوع نلخّص بإيجاز بعض الأدلة التي تشير إلى أن التعمية تنجح، وننظر إلى القوى التحفيزية والإدراكية Cognitive التي يمكنها تحديد ما إذا كان متخذو القرار على استعداد لاستخدام هذه الاستراتيجية، ونقترح بعض الطرق التي يمكن أن يطبِّق بها القادة استنتاجاتنا لتشجيع التعمية في مؤسساتهم.

الدليل على نجاح التعمية

بضمان توفير المعلومات ذات الصلة فقط للمقيِّم، تقلل التعمية من احتمال تلوث حكم المقيم أو تشويهه بفعل القوالب النمطية Stereotypes، وغير ذلك من أشكال التحيز اللاواعي Unconscious bias.3T.D. Wilson and N. Brekke, “Mental Contamination and Mental Correction: Unwanted Influences on Judgments and Evaluations,” Psychological Bulletin 116, no. 1 (July 1994): 117-142. ففي مثال كلاسيكي، استخدمت الفرق الأوركسترالية السيمفونية الكبرى في الولايات المتحدة التعمية في التصدي للقوالب النمطية السلبية السائدة عن النساء في عالم الموسيقى، وزيادة التنوع من الجنسين. فحتى نهاية خمسينات القرن العشرين، كان أعضاء الفرق الأوركسترالية جميعاً تقريباً من الرجال. ثم بدايةً من الستينات، تبنت أغلب الفرق الأوركسترالية السيمفونية إجراءات اختبار جديدة: كان لزاماً على الأفراد الخاضعين لاختبارات للحصول على مناصب أن يفعلوا ذلك من خلف شاشة، ما حجب هويتهم وجنسهم. ونتيجة لهذا لم تعد الصور النمطية السلبية عن النساء تلوِّث كيف يحكم بها المستمع (المتحيز) على جودة الموسيقى، وباطراد ارتفعت النسبة المئوية للنساء اللاتي وُظِّفن في مناصب جديدة. وبحلول التسعينات، كانت النساء يشكلن ما يقرب من 25% من أعضاء هذه الفرق الأوركسترالية (بعدما كانت النسبة 5% تقريباً في الخمسينات)، ومثلن نحو 50% من الموظفين الجدد.4C. Goldin and C. Rouse, “Orchestrating Impartiality: The Impact of ‘Blind’ Auditions on Female Musicians,” American Economic Review 90, no. 4 (September 2000): 715-741.

ويمكن أيضاً استخدام استراتيجيات التعمية في سياقات مؤسسية أخرى لزيادة الإنصاف والموضوعية في التقييمات التي قد تكون بخلاف ذلك عرضة للتحيز Bias Distortion. مثلاً قيمت بعض التجارب تأثير التوظيف المجهول Anonymous hiring – وهو سياسة تخفي أسماء المرشحين عن مديري التعيين– في نتائج التوظيف. ويبين هذا البحث أنه بعد تجريد طلبات العمل من معلومات محددة، يصبح أعضاءُ المجموعات الاجتماعية الممثلة تمثيلاً ناقصاً (الأقليات الإثنية والنساء) هم أكثرَ احتمالاً للتقدم إلى مرحلة المقابلة، وفي بعض الحالات يتلقون في نهاية المطاف عروض عمل.5O. Åslund and O.N. Skans, “Do Anonymous Job Application Procedures Level the Playing Field?” ILR Review 65, no. 1 (January 2012): 82-107; A. Krause, U. Rinne, and K.F. Zimmermann, “Anonymous Job Applications in Europe,” IZA Journal of European Labor Studies 1, no. 1 (December 2012): 1-20; and M. Bøg and E. Kranendonk, “Labor Market Discrimination of Minorities? Yes, but Not in Job Offers,” Munich Personal RePEc Archive, paper no. 33332 (Munich: Munich University Library, 2011). وباستلهام هذه الاستنتاجات ظهرت بعض الشركات الصغيرة المتخصصة التي تعرض خدمات لمساعدة المؤسسات على تنفيذ ممارسات التوظيف المعمّاة.6GapJumpers (www.gapjumpers.me) is one such company; Applied (www.beapplied.com) is another.

التعمية بوصفها خياراً شخصياً

تُظهِر الأبحاث التي تبين فوائد التعمية ما يحدث عندما تبنيها باعتبارها سياسة. لكن كما لاحظنا فإن سياسات التعمية في المؤسسات نادرة نسبيا.7D. Bortz, “Can Blind Hiring Improve Workplace iversity?” HR Magazine, March 20, 2018, www.shrm.org. وقد يكون هذا راجعاً إلى حد كبير إلى مقاومة المديرين والمقيَّمين لأي قيود تتحكم بعملية اتخاذ القرار لديهم. ويمكن أن توجد حواجز أخرى في عناصر التصميم المؤسسي: مثلاً إذا كانت وظيفة الموارد البشرية في مؤسسة لا مركزية، كما قد يكون منطقياً بالنسبة إلى شركة ذات وحدات أو مواقع متنوعة على نطاق واسع، قد تكون الإدارة مترددة في وضع سياسة واحدة تناسب الجميع.8J. Dooney, “Huh? We’re Switching Back Again? How Centralized and Decentralized HR Department Structures Influence HR Metrics” (Alexandria, Virginia: Society for Human Resource Management, 2016), www.shrm.org. لذلك، في بحثنا، أطَّرنا التعمية بوصفها خياراً شخصياً، وسألنا: ”متى يختار المديرون وغيرهم من المقيِّمين في المؤسسات التغاضي عن حكمهم الشخصي؟“.

لكن قبل استكشاف ذلك السؤال كنا راغبين في تطوير فهم أكثر وضوحاً لمدى ندرة سياسات التعمية. واستطلعنا 828 شخصاً من اختصاصيي الموارد البشرية من مجموعة من السياقات المؤسسية في الولايات المتحدة لقياس مدى معرفتهم وتجربتهم بسياسات التعمية في التوظيف والمجالات الأخرى. وفي المتوسط، عمل المستجيبون 13.72 سنة في الموارد البشرية وأفادوا عن اتخاذ أكثر من 300 قرار توظيف في حياتهم المهنية. وأكثر من 95% منهم كانت لديهم تجربة مباشرة في اتخاذ قرارات التوظيف، وأكثر من 58% منهم أشاروا إلى أن التوظيف كان من بين المهام المركزية في وظائفهم الحالية. وبما أن الأبحاث أثبتت بوضوح الفوائد المترتبة على سياسات التعمية، كنا نبحث عن رؤى ثاقبة حول الأسباب التي أدت إلى عدم ارتقاء سياسات التعمية إلى مستوى الممارسات الأفضل Best practices. واعتقدنا أن عيِّنتنا من المشاركين المتميزين بخلفياتهم العميقة في قسم الموارد البشرية والتوظيف من المرجح أن تكون لديهم- أكثر من معظم المشاركين -على الأقل بعض التجربة في مجال التعمية. لكننا فوجئنا بمدى ضآلة تعرضهم لها.

عرضنا على كل مشارك أولاً وصفاً موجزاً لسياسات التعمية في التوظيف. وأوضحنا كيف تعمد المؤسسات التي تنفذها إلى حجب بعض المعلومات حول المتقدمين إلى الوظائف عن المديرين الموظِّفين حتى بعد إجراء دعوة لإجراء مقابلة أو اتخاذ أي قرار من قرارات التوظيف، بهدف الحد من خطر التحيز، وزيادة الموضوعية. بعد ذلك سألنا المشاركين عن معرفتهم بهذه السياسات في التوظيف ومجالات التقييم الأخرى: وبوجه عام أشار 59% منهم إلى أنهم على دراية بسياسات التعمية. ومع ذلك يعمل 19% فقط حالياً في مؤسسات تستخدم سياسات التعمية في التوظيف، وأشار 18% فقط إلى أنهم عملوا في السابق في مؤسسات كهذه. فضلاً عن ذلك أشار 20% فقط من المشاركين إلى أنهم تلقوا تدريباً على التعمية. وكانت تجربة وتطبيق سياسات التعمية منخفضة باستمرار بين المشاركين في الدراسة الذين يعملون في شركات وفي مؤسسات غير ربحية؛ وكانت أعلى قليلاً بين المشاركين العاملين في القطاع الحكومي.9S. Fath and S. Zhu, “Preferences for, and Familiarity With, Blinding Among HR Practitioners,” Social Science Research Network, Jan. 17, 2021, https://papers.ssrn.com.

وتشير هذه البيانات إلى أن سياسات التعمية لا يجري تبنيها عادة في المؤسسات الأمريكية، الأمر الذي يؤكد أهمية فهم تفضيلات الأفراد فيما يتصل بالتعمية. وللعودة إلى مثال التوظيف، يتمتع المقيِّمون بوجه عام بحرية كبيرة في المعلومات التي يدرجونها في عمليات اتخاذ القرار (ويفضلون أن تكون لديهم مثل هذه الحرية).10K.I. van der Zee, A.B. Bakker, and P. Bakker, “WhyAre Structured Interviews so Rarely Used in Personnel Selection?” Journal of Applied Psychology 87, no. 1 (March 2002): 176-184; and J. Dana, R. Dawes, and N. Peterson, “Belief in the Unstructured Interview: The Persistence of an Illusion,” Judgment and Decision Making 8, no. 5 (September 2013): 512-520. وأظهرت الدراسات أن قرارات التوظيف يمكن أن تكون متحيزة بسبب المعلومات التي يسعى المديرون إلى الحصول عليها بما يتجاوز المؤهلات المضمَّنة في الطلب، مثل ملفات التعريف Profile في وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الشبكية الشخصية.11A. Acquisti and C. Fong, “An Experiment in Hiring Discrimination via Online Social Networks,” Management Science 66, no. 3 (March 2020): 1005-1024; and V. Bartoš, M. Bauer, J. Chytilová, et al., “Attention Discrimination: Theory and Field Experiments With Monitoring Information Acquisition,” American Economic Review 106, no. 6 (June 2016): 1437-1475. لذلك تفحصنا الظروف التي قد يختار فيها المقيِّمون تعمية أنفسهم– أو لا– عن هذه المعلومات التي يحتمل أن تكون مسببة للتحيز ضد المُستهدَف بالتقييم.

وتشير أبحاثنا إلى أن الفضول Curiosity هو أحد العوامل الرئيسة الدافعة لعدم اللجوء إلى تعمية عملية اتخاذ القرار. ويعمل الفضول كدافع قوي في لحظتها وكدافعٍ قوي موجِّه للسلوك.12G. Loewenstein, “The Psychology of Curiosity: A Review and Reinterpretation,” Psychological Bulletin 116,  no. 1 (July 1994): 75-98. في إحدى الدراسات طلبنا إلى المشاركين أن يقيِّموا الأداء: فقد طُلبت إليهم مشاهدة فيديو لشخص يضطلع بمهمة تعرُّف على نمط Pattern recognition، ومن ثم تقدير جودة ذلك الأداء. وعرضنا على المشاركين فرصة مشاهدة ”ملف تعريف“ خاص بالمُؤدي– يحتوي على معلومات خلفية غير ذات صلة، ومن المحتمل أن تكون مسببة للتحيز، مثل الاسم والصورة والبلد– قبل مشاهدة الفيديو ووضع تقديراتهم. ووجدنا أن ما يقرب من 50% من المشاركين اختاروا أن يشاهدوا الملف الشخصي. وعندما سُئِلوا عن السبب، صنفوا الفضول كحافز قوي. وعلى النقيض من ذلك سألنا مجموعة أخرى من المشاركين عما إذا كانوا يعتقدون وجوبَ أن يروا ملف التعريف نفسه إذا كان هدفهم هو تقديمَ تقدير غير متحيز. وأشار نحو 90% من هؤلاء المشاركين إلى أنهم لا يعتقدون أن عليهم رؤيته. وعلى أساس عامل الفضول، أبلغ هؤلاء المشاركون عن انخفاض كبير في الواقع، وارتفاع في الدوافع المتعلقة بالرغبة في تحقيق الإنصاف والدقة. ومن الواضح أن الأفراد يدركون أنه من الأفضل تجنُّب بعض المعلومات، لكنهم يحتاجون إلى تحفيز هذا الإدراك بالتأمل فيما ينبغي لهم أن يفعلوه.13S. Fath, R.P. Larrick, and J.B. Soll, “Blinding Curiosity: Exploring Preferences for ‘Blinding’ One’s Own Judgment,” Academy of Management Proceedings 2020, no. 1 (August 2020).

واستكشفت دراسة أخرى من دراساتنا دور الفضول في تفضيلات التعمية المرتبطة بقرار توظيف وهمي. فقد كُلِّف مشاركون بالحكم على ملاءمة مرشح وهمي لوظيفة ما، وكان لديهم الخيار لتلقي اسم المرشح وصورته فضلاً عن ملخص عن خبرته العملية وسجله التعليمي للمساعدة على التوصل إلى الحكم. وعلى عكس دراساتنا الأخرى، التي فرضت الاختيار– إما الاطلاع على معلومات من المحتمل أن تسبب التحيز ضد مستهدف ما قبل التقييم، وإما عدم الاطلاع على ذلك على الإطلاق– في هذه الدراسة أعطينا مجموعة فرعية من المشاركين خياراً ثالثاً: الحكم أولاً على المرشح للوظيفة استناداً إلى المؤهلات فقط، ثم مراجعة اسم ذلك الشخص وصورته (مع خيار مراجعة الحكم الأولي). ووجدنا أن أولئك الذين قُدِّم هذا الخيار الثالث إليهم– أي رؤية الاسم والصورة في وقت لاحق في عملية اتخاذ القرار– كانوا أكثر ميلاً إلى تكوين حكم أولي معمَّى مقارنة بالمشاركين الذين أُجبِروا على الاختيار الواضح بين الاطلاع على الاسم والصورة قبل صدور الحكم الأولي أو عدم الاطلاع على ذلك على الإطلاق.14Fath, Larrick, and Soll, “Blinding Curiosity.” وباختصار أظهرت هذه الدراسة أن العرض الخاص بإرضاء فضول المقيِّمين في مرحلة ما (بعد إجراء تقييم أولي معمَّى) يمكن أن يقلل من الدافع الفوري إلى الاستسلام للفضول. ومن الجدير بالذكر أن قلة من المشاركين– أقل من 20%- اختاروا في نهاية المطاف مراجعة حكمهم الأولي المعمى بعد الاطلاع على اسم المرشح وصورته. وبعبارة أخرى، بعد إرضاء فضول أغلب المشاركين، اختاروا عدم تعديل تقييماتهم استناداً إلى المعلومات التي قد تكون مسببة للتحيز.

قد يختار الأفراد أيضاً عدم التعمية الذاتية، لأنهم يعتقدون بصدق، لكن بنحو غير صحيح، أن جمع المعلومات مفيد. ويُضفي المديرون قدراً أكبر مما يجب من المصداقية على قدرتهم “الحدسية”-وقدراً أقل مما ينبغي لإمكانية تغلغل التحيز في قرارات التوظيف.

وإضافةً إلى الفضول قد يختار الأفراد أيضاً عدم التعمية الذاتية لأنهم يعتقدون بصدق، لكن بنحو غير صحيح، أن جمع المعلومات مفيد أو مساعد. والأمثلة في العالم الحقيقي وفيرة. مثلاً يتعنت المديرون بالتمسك بفائدة المقابلات غير المُهيكلة Unstructured interviews– المفتوحة لطرح أسئلة متحيزة وأفكار عشوائية غير ذات صلة – على الرغم من أن المقابلات المهيكلة تقدم مؤشرات أفضل على الأداء الوظيفي.15van der Zee et al., “Why Are Structured Interviews So Rarely Used.” ويُضفي المديرون قدراً أكبر مما يجب من المصداقية إلى قدرتهم ”الحدسية“ Gut على تقدير القيمة المحتملة لمرشح للوظيفة، وقدراً أقل مما ينبغي لإمكانية تغلغل التحيز في قرارات التوظيف.16L.A. Rivera, “Hiring as Cultural Matching: The Case of Elite Professional Service Firms,” American Sociological Review 77, no. 6 (December 2012): 999-1022. وفي دراسة من دراساتنا شارك المديرون في مهمة توظيف وهمية مماثلة لتلك الموضحة أعلاه. وكان من بين المهام المتضمَّنة اختيار ما إذا كان من الواجب معرفة عِرق المرشح للوظيفة وجنسه مقدماً. كذلك أشار المديرون بنحو منفصل إلى ما إذا كانوا يعتقدون أن معرفة المعلومات مفيدة عند اتخاذ قرارات التوظيف. وأشارت الأغلبية العظمى من مشاركينا الإداريين– نحو 85%– إلى أنهم لا يعتقدون أن عِرق المرشح وجنسه من المعلومات المفيدة التي ينبغي الحصول عليها عند اتخاذ قرار التوظيف. لكن من بين الـ15% المتبقين الذين اعتقدوا أن هذه المعلومات مفيدة، اختار ما يقرب من ثلاثة أرباعهم الاطلاع على هذه المعلومات بدلاً من تعميتها. وعلى نحو مماثل، سألْنا المشاركين الإداريين عما إذا كانت معرفة عِرق المرشح أو جنسه من الممكن أن تؤدي إلى تحيز في قرارات التوظيف. ولم يعتبر الذين اختاروا الاطلاع على المعلومات في مهمة التوظيف الوهمية تلك مفيدةً في قرارهم فحسب، بل لم يوافقوا أيضاً على أنها يمكن أن تؤدي إلى تحيز في أحكامهم.17S. Fath, R.P. Larrick, and J.B. Soll, “Encouraging Self-Blinding in Hiring,” unpublished manuscript.

ومن المحتمل أن بعض المشاركين في هذه الدراسة يعتقدون أن الاطلاع على معلومات حول العِرق والجنس قبل تقييم المرشح للوظيفة سيساعدهم على تحقيق أهداف التنوع، وهو موضوع سنعود إليه قريباً. ومع ذلك من المُقلق أنهم شعروا أيضاً بأن المعلومات لم تكن من المرجح أن تشوه أحكامهم في شأن التوظيف– وأنهم كانوا على نحو ما منيعين ضد الآثار المترتبة على التحيز اللاواعي. وفي الواقع هناك مجموعة كبيرة من الدراسات الدقيقة التي تشير إلى العكس من ذلك الاعتقاد والتي تبرهن على تأثير التحيزات- التي يمكن توقعها- في معاودة الاتصال بالأفراد المتقدمين للوظيفة بعد المقابلة الأولى Interview callbacks، وفي تقديم عروض الوظائف Job offers، وفي عروض الرواتب Salary offers، والمرتبطة بمعرفة أسماء المرشحين والفئات الاجتماعية مثل العرق والجنس.18Bertrand and Duflo, “Field Experiments on Discrimination.”

ولكن قد يختار الأفراد أيضاً عدم التعمية الذاتية ببساطة، لأنهم لا يعترفون بالمحتوى المسبب للتحيز المتأتي من معلومات تبدو بريئة. ففي إحدى الدراسات زودنا بعض المشاركين الإداريين بخيار رؤية صورة الوجه المهنية للمرشح للوظيفة (إلى جانب المؤهلات)، وأعطينا آخرين خيار معرفة عِرق المرشح وجنسه. وعلى الرغم من أن الصورة الفوتوغرافية لأي شخص من المرجح أن تكشف عن هذه المعلومات، تصوَّرنا أن الخيار الصريح لمعرفة ”العرق والجنس“ لأي مرشح لمنصب ما سيكون أكثر ميلاً إلى تحفيز التأمل في التحيز المحتمل للقرار من خيار رؤية ”صورة وجه مهنية“ Professional headshot لأي مرشح. وفي حين اختار 45% من المديرين أن يروا صورة الوجه عند إتاحة هذا الخيار، اختار 20% فقط أن يروا معلومات العرق والجنس.19Fath, Larrick, and Soll, “Encouraging Self-Blinding in Hiring.” وبعض المعلومات، مثل اسم المرشح أو صورة وجهه أو سنة تخرجه في الجامعة، قد تفشل في تحفيز الرغبة في التعمية الذاتية، لأن المحتوى الأساسي، المحتمل أن يسبب التحيز– أي العرق، والجنس، والعمر، وما إلى ذلك– لا يحضر في الذهن على الفور.

وخلاصة القول أن أبحاثنا تشير إلى أن المُقيِّمين الذين يمكنهم التغلب على دافع يوجهه الفضول أو تأخير مثل هذا الدافع من حيث الاطلاع على معلومات يحتمل أن يسبب تحيزاً حول مستهدف ما– والذين يدركون أن الحصول على معلومات كهذه يميلون إلى الإضرار بعملية اتخاذ القرار بدلاً من مساعدتها– من الأرجح أن يختاروا تعمية تقييماتهم الخاصة. ويمكن أن تتخذ التعمية الذاتية أشكالاً عديدة في الممارسة العملية. إليكم مثالاً: كان آرون وينبيرغ Aaron Weyenberg، في دوره السابق مديراً للبحث والتطوير R&D في مؤتمرات تيد (التكنولوجيا والترفيه والتصميم) TED Conferences (شركة تيد تالكس TED Talks)، مهتماً بأن التحيزات الضمنية قد تلوث تقييمات المرشحين للوظيفة الذين شاهدهم على لينكد إن LinkedIn. وكان قلقاً بنحو خاص من أن رؤية صور ملف التعريف قد تشوه تقييمه للمؤهلات المُدرَجة. ولتجاوز هذه المشكلة انهمك وينبيرغ في ممارسة رائعة للتعمية الذاتية: فقد طور برنامجاً إضافياً Extension لمتصفح غوغل كروم Google Chrome يُحِلُّ تلقائياً صور كلاب محل صور الأفراد على لينكد إن.20The Profile of Dogs browser extension is available on the Google Chrome web store. We are agnostic about the possibility that people may be biased in favor of or against certain dog breeds.

لا يمكن للجميع تطوير برنامجهم الإضافي الخاص بمتصفح الإنترنت، لكن هناك خيارات أبسط. مثلاً يمكن لمديري التوظيف الالتزام بعدم البحث عن ملفات التعريف في وسائل التواصل الاجتماعي لمقدمي طلبات الوظائف أو البحث عن أسمائهم على غوغل. والأفضل من ذلك أن يطلبوا من أحد المساعدين إزالة أسماء المرشحين من الطلبات، والسير الذاتية، وما إلى ذلك. والواقع أن خيارات صغيرة كهذه قد تعرض مكافآت ضخمة فيما يتصل بدقة القرار ودرجة الإنصاف.

ساعدوا الآخرين على تعمية قراراتهم

نحن لا نشجع الأفراد على تعمية أحكامهم فحسب؛ بل نحض أيضاً قادة المؤسسات على حث الموظفين على السير في هذا الاتجاه. وفي غياب السياسات المنهجية للتعمية فإننا نرى أن أعظم الفوائد المتحققة للمؤسسات هي جعل التقييمات أكثر عدالة إجمالاً،– وهو ما سيؤدي إلى قوة عمل أكثر تنوعاً وشمولاً، ويهيئ الفرص المتكافئة للتعلم والتقدم.

لكن كيف يمكنكم الاضطلاع بذلك؟ لدينا اقتراحان لتطبيق استنتاجاتنا ولجني فوائد التعمية من دون الحاجة إلى تبني سياسة منهجية.

حفِّزوا التفكير التداولي Nudge deliberative thinking. يستطيع القادة تعزيز التفكير التداولي من خلال تدريب الموظفين– ثم حضهم في الممارسة العملية– على التوقف والتفكير عند إجراء أي تقييم. وكما ذكرنا يكون الفضول الخامل حافزاً ثابتاً وقوياً للمقيِّمين الذين يسعون إلى الحصول مسبقاً على معلومات غير ذات صلة، وربما مسببة للتحيز. لكنه دافع مؤقت وليس عاملاً دائماً.21Loewenstein, “The Psychology of Curiosity.” وعلى هذا فإن دفع المقيِّمين إلى التعامل مع قراراتهم بطريقة حذرة وبطيئة وتداولية قد يساعد على معالجة المشكلة.

ولاختبار هذه الفكرة أجرينا تجربة، قدمنا للمديرين مهمة توظيف وهمية أخرى. وسُئِل بعض المشاركين ببساطة عما إذا كانوا يرغبون في الاطلاع على اسم المرشَّح للوظيفة وصورته فضلاً عن مؤهلاته. وطُلِب إلى آخرين أولاً أن يشيروا إلى ما إذا كانوا يتصورون أنهم يجب أن يطلعوا على الاسم والصورة إذا كان هدفهم يتلخص في وضع تقدير غير متحيز لقيمة المرشح. ثم جعلناهم يضطلعون بالاختيار نفسه كالمجموعة الأولى– سواء كان ذلك بالاطلاع على اسم المرشح وصورته أو تجاهلهما. واختار نحو نصف المجموعة الأولى من المديرين، الذين اختاروا خيار التعمية الصريح فقط، أن يطلعوا على الاسم والصورة. وفي المجموعة الثانية لم يخترْ ذلك سوى 15% فقط.22Fath, Larrick, and Soll, “Blinding Curiosity.” أو بعبارة أخرى: من خلال مطالبة المديرين بالتفكير أولاً فيما ينبغي لهم أن يفعلوا، دفعناهم إلى الاقتراب من قرارهم الثاني– ما إذا كان عليهم أن يطلعوا على الاسم والصورة- بذهنية تداولية أكثر حذراً. وأدى هذا إلى الحد من تأثير الفضول في تفضيلات المديرين حول التعمية وتشجيعهم على التعمية الذاتية.

لحماية بعض استقلالية القرارات لدى المديرين مع الاستفادة من فوائد التعمية، غيِّروا ترتيب تلقي المعلومات وتقييمها بدلاً من تقييد كمية المعلومات التي يحصل عليها الأفراد.

وحقيقة أن السؤال البسيط ”ما الذي ينبغي أن تروه؟“ يكفي لتشجيع التعمية الذاتية هو علامة إيجابية ومفيدة لإحداث تغيير في المؤسسات. وبروح من تشجيع التفكير التأملي Reflective أو التداولي، يصبح من الممكن تدريب المديرين على التعامل مع التقييمات من خلال سؤال أنفسهم أولاً: ”ما المعلومات التي ينبغي أن تتوافر لديَّ إذا كان هدفي أن أكون منصفاً ودقيقاً؟“. ويحوِّل هذا السؤال تركيزهم بعيداً عن الفضول، ونحو المخاوف بشأن الموضوعية، ومن ثم يشجع التعمية الذاتية. ومن بين الفوائد المترتبة على هذا النوع من التدخل أنه لا يقلل من استقلالية المديرين، كما قد تفعل سياسة منهجية متبعة للتعمية؛ فالمديرون يُدفَعون فقط إلى التعامل مع التقييمات بطريقة مختلفة.

لكن لن تؤثر التدخلات التي تشجع التفكير التداولي في قرارات التعمية التي يحركها اعتقاد خاطئ مُفاده أن جمع المعلومات من المحتمل أن يكون مفيداً إلى حد ما. غيرَ أن معتقدات كهذه يمكن تصحيحها من خلال التدريب. وكما ذكرنا سابقاً، قد لا يعرف عديد من مديري التوظيف لماذا قد تسبب معرفة اسم مرشَّح لوظيفة مثلاً تحيزاً في قراراتهم، وذلك لأن الأسماء تبدو كمعلومات بريئة. وعلى نحو مماثل قد لا يدركون المجموعة الكاملة من التحيزات التي قد تحدث نتيجة لرؤية صورة أحد المرشحين- والتي تتراوح بين التحيزات الأكثر وضوحاً المرتبطة بالعرق والجنس إلى التحيزات الأقل وضوحاً المرتبطة بالسن، والجاذبية، والوزن، وغير ذلك من العوامل. وقد يغير التدريب القائم على الأدلة الذي يوضح هذه الفخاخ وجهات نظرهم بشأن مدى تأثُّرهم، ويزيد رغبتهم في التعمية الذاتية.

ومن الجدير بالملاحظة أيضاً أن الأفراد يمكن أن يحكموا بنحو ضعيف على مدى تأثرهم العام بالتحيز، وكثيراً ما يعتقدون أن الآخرين أكثر عرضة للتحيز مقارنة بهم.23Wilson and Brekke, “Mental Contamination and Mental Correction”; and E. Pronin, D.Y. Lin, and L. Ross, “The Bias Blind Spot: Perceptions of Bias in Self Versus Others,” Personality and Social Psychology Bulletin 28, no. 3 (March 2002): 369-381.  وقد يختار الأفراد أن يتلقوا معلومات عن مستهدف بالتقييم يمكن أن تُسبِّب التحيز، حتى عندما يحددون على النحو الصحيح أنها قد تسبب التحيز، وذلك بسبب الانطباع الخاطئ بأن هذه المعلومات قد تسبب التحيز لدى الآخرين، لكنها لن تؤثر تأثيراً سلبياً في أحكامهم. والواقع أننا في إحدى دراساتنا سألْنا مجموعة من المديرين عما إذا كانوا قد يختارون تقديم عِرق مرشح أو جنسه إلى شخص آخر، إذا كان على الشخص الآخر هذا أن يتخذ قرار التوظيف. وسألنا مجموعة منفصلة من المديرين عما إذا كانوا يرغبون في الاطلاع على عِرق المرشح وجنسه هم أنفسهم. وعلى الرغم من أن 5% فقط اختاروا تزويد شخص آخر بمعلومات حول العِرق والجنس، اختار 19% تزويدهم بالمعلومات.24Fath, Larrick, and Soll, “Encouraging Self-Blinding in Hiring.” وتشير هذه النتيجة إلى أن برامج التدريب التي تهدف إلى تسليط الضوء على المحتوى المسبب للتحيز في المعلومات– التي تبدو بريئة– يجب أن تُذكِّر المتدربين بأنهم ليسوا أقل عُرضة للتحيز اللاواعي من أي شخص آخر. فهو جزءٌ من كون المرء إنساناً.

غيِّروا ترتيب المعلومات Change the order of information. تؤكد الأبحاث أن الأفراد يشعرون برغبة قوية في حماية استقلاليتهم في اتخاذ القرار. مثلاً يقاوم المديرون مبادرات التنوع في المؤسسات عندما يشعرون بأنها تُفرَض عليهم وتقيد قرارات التوظيف التي يتخذونها.25F. Dobbin and A. Kalev, “Why Diversity Programs Fail,” Harvard Business Review 94, no. 7 (July-August 2016): 1-20.

لكن من الممكن على الرغم من ذلك حماية بعض استقلالية القرار لدى المديرين مع الاستفادة من الفوائد المترتبة على التعمية. ويمكنكم ذلك من خلال تغيير ترتيب تلقي المعلومات وتقييمها، بدلاً من تقييد كمية المعلومات التي يحصل عليها الأفراد. مثلاً يمكن مطالبة المديرين بإجراء تقييم معمَّى أولاً (مثل تقييم سيرة ذاتية مجهولة الهوية Anonymized)، ثم تلقي المعلومات التي كانت محجوبة عن الرؤية (اسم المرشح للوظيفة، وسنة التخرج في الكلية، والهوايات، وما إلى ذلك)، مع خيار مراجعة تقييماتهم المعماة الأولية. ومع تنظيم ترتيب تقييم المعلومات على هذا النحو، يجب أن تقلِّل الضغوط الإدراكية التي لا بد من أن تتسق مع التقييم الأولي مدى تشوه التقييمات النهائية للمديرين (والتي تتضمن أي تنقيحات) من خلال معلومات من المحتمل أن تسبب تحيُّزاً.26I. Bohnet, A. van Geen, and M. Bazerman, “When Performance Trumps Gender Bias: Joint vs. Separate Evaluation,” Management Science 62, no. 5 (May 2016): 1225-1234. في سلسلة من الدراسات، وجدنا بعض الأدلة التي تشير إلى أن التقييمات التي تُجرَى على هذا النحو أقل عُرضة للتحيز من التقييمات التي قد تتضمن معلومات يمكن أن تسبب التحيز منذ البداية. وكما ورد وصفه أعلاه، اختار أقل من 20% من المشاركين في هذه الدراسات مراجعة تقييم أولي معمَّى بعد اطلاعهم على صورة وجه وهمية لمرشح.27Fath, Larrick, and Soll, “Blinding Curiosity.”

قد ينظر المديرون وغيرهم من أصحاب الأدوار التقييمية إلى القرارات المهيكلة بهذه الطريقة (والتي نسميها نظاماً مُنصفاً Fair) بنحو أكثر إيجابية من تلك التي تعميها السياسة تماماً، لأن حريتهم في رؤية المعلومات المتاحة كلها– وإدراجها في التقييمات في حال الرغبة في ذلك– يُحافَظ عليها. وقد يكون هذا النهج مفيداً في كثير من مجالات التقييم. مثلاً من الممكن تقديم الرسالة الترويجية لمقترحات الأعمال الريادية Entrepreneurial pitches في جزأين: أولاً، وصف مكتوب للفكرة التي يُروَّج لها (من دون أي معلومات محددة عن رائد الأعمال)، ثم عرض تقديمي عن طريق الفيديو أو عرض تقديمي شخصي للترويج الفعلي. وقد يكون المستثمرون الذين يقرؤون النسخة المعماة من الفكرة– الوصف المكتوب– ويقيمونها ثم يرون الترويج مع خيار تحديث تقييمهم أقل ميلاً إلى تغيير رأيهم في تقييمهم النهائي بسبب جنس رائد الأعمال أو جاذبيته مقارنةً بأولئك الذين يطلعون على الفكرة من الترويج وحده.

ومن الممكن أيضاً أن تساعد استراتيجية النظام المُنصِف في حل بعض التوترات الواضحة بين سياسات التعمية وغايات التوظيف المتنوع Diverse-hiring goals. مثلاً، لا يستطيع القائمون على تعيين المديرين أو شركات التوظيف الساعين إلى دفع الأفراد من المجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصاً إلى مرحلة المقابلة إذا كانوا معمَّين تماماً عن التعرف على خصائص مثل الأسماء والخصائص الديموغرافية. لكنهم قادرون على إجراء تقييمات معماة للمؤهلات، وتشكيل انطباع أولي، ثم النظر في الأسماء والخصائص الديموغرافية، مع خيار مراجعة الانطباعات الأولية. وبهذه الطريقة يمكن جني فوائد التقييمات المعماة التي تقلل من التحيز إلى جانب فوائد النظر إلى أعضاء الفئات الاجتماعية المحرومة نظرة غير معماة.

لا شك في أن التعمية ليست علاجاً سحرياً، ونريد أن نلاحظ بضعة تعقيدات فيما يتصل بتحقيق أهداف التنوع. تحوِّل التقييمات المعماة وحدها التركيزَ كله إلى المؤهلات، ما قد لا يعكس بنحو كامل إمكانات المرشحين. وهي أيضاً تمنح المتقدمين من الفئات الاجتماعية المهيمنة وضعاً متفوقاً، لأن السير الذاتية لهؤلاء المرشحين أكثر ميلاً لأن تكون أفضل من أعضاء المجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصاً وأن تكون مشفوعة برسائل توصية باهرة، نظراً إلى عدم المساواة الشاملة في القدرة على الوصول إلى الموارد والتعليم. وبعبارة أخرى: في حين قد تساعد التعمية في حد ذاتها مقدمي طلبات العمل من الأقليات عن طريق إخفاء هويتهم في أثناء تقييم مؤهلاتهم، قد تلحق الضرر أيضاً بأولئك المتقدمين أنفسهم عن طريق إخفاء الدور الذي أداه التمييز في تشكيل مؤهلاتهم. وهذه المخاوف وثيقة الصلة بوجه خاص بالمناصب التي تتطلب مؤهلات عالية، مثل تلك التي تتطلب درجة أكاديمية متقدمة. وفي حالات كهذه، قد لا تتجلى معظم فوائد التعمية في التوظيف حقاً من دون الاهتمام الدقيق بتوسيع مجموعة طالبي التوظيف من الأقليات ذوي المؤهلات أو توسيع نطاق المؤهلات المقبولة (توسيع نطاق الجامعات “المستهدفة”، ربما، أو أنواع الخبرات التي تُعتبَر قيمة).

على الرغم من أن استراتيجيات التعمية يمكن أن تحسِّن من النزاهة والدقة في أي تقييم يشارك فيه الأفراد في مكان العمل– بما في ذلك مراجعات الأداء، ومقترحات المشروعات، والرسالة الترويجية لمقترحات الأعمال – يُعَد التوظيف مكاناً معقولاً ومثمراً للبدء. وبدأت بضع من شركات التكنولوجيا في تبني التوظيف المعمَّى للحد من تأثير التحيز.28R. Feintzeig, “The Boss Doesn’t Want Your Resume,” The Wall Street Journal, Jan. 5, 2016, www.wsj.com. ومع اكتساب هذه الجهود زخْماً واهتماماً، قد يتبع ذلك أصحابُ عمل آخرون.

لكن في الوقت الحالي، وعلى الرغم من أن استراتيجيات التعمية وسياساتها على مستوى الشركات لا تزال نادرة، وعلى الرغم من حرص متخذي القرار على الحفاظ على استقلاليتهم، يتلخص النهج الأكثر عملية في تشجيع التعمية الذاتية. ومن خلال دفع التفكير التداولي وتغيير ترتيب المعلومات المقدَّمة، يصبح في وسع المؤسسات أن تساعد المديرين وغيرهم من المقيِّمين في التغلب على فضولهم الأولي بشأن البيانات غير ذات الصلة والصاخبة بالضجيج Noise، وأن يدركوا مدى تأثرهم بالتحيز، وأن يقدِّروا الأفراد بفعالية أكبر.

شون فاث Sean Fath

شون فاث Sean Fath

أستاذ مساعد في السلوك المؤسسي في كلية آي إل آر ILR School بجامعة كورنيل.

ريتشارد بي. لاريك Richard P. Larrick

ريتشارد بي. لاريك Richard P. Larrick

أستاذ كرسي مؤسسة هانيس Hanes Corporation Foundation لإدارة الأعمال بمدرسة فوكوا للأعمال Fuqua School of Business في جامعة ديوك Duke University.

جاك بي. سول Jack B. Soll

جاك بي. سول Jack B. Soll

أستاذ في الإدارة والمؤسسات في مدرسة فوكوا.

سوزان زو Susan Zhu

سوزان زو Susan Zhu

أستاذة مساعدة في الإدارة في كلية غاتون للأعمال والاقتصاد Gatton College of Business and Economics بجامعة كنتاكي University of Kentucky. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62411.

المراجع

المراجع
1 M. Bertrand and S. Mullainathan, “Are Emily and Greg More Employable Than Lakisha and Jamal? A Field Experiment on Labor Market Discrimination,” American Economic Review 94, no. 4 (September 2004): 991-1013; and M. Bertrand and E. Duflo, “Field Experiments on Discrimination,” in “Handbook of Economic Field Experiments,” vol. 1, ed. A. Banerjee and E. Duflo (Amsterdam: North-Holland, 2017), 309-393.
2 D. Kanze, L. Huang, M.A. Conley, et al., “We Ask Men to Win and Women Not to Lose: Closing the Gender Gap in Startup Funding,” Academy of Management Journal 61, no. 2 (April 2018): 586-614; and A.W. Brooks, L. Huang, S.W. Kearney, et al., “Investors Prefer Entrepreneurial Ventures Pitched by Attractive Men,” Proceedings of the National Academy of Sciences 111, no. 12 (March 2014): 4427-4431.
3 T.D. Wilson and N. Brekke, “Mental Contamination and Mental Correction: Unwanted Influences on Judgments and Evaluations,” Psychological Bulletin 116, no. 1 (July 1994): 117-142.
4 C. Goldin and C. Rouse, “Orchestrating Impartiality: The Impact of ‘Blind’ Auditions on Female Musicians,” American Economic Review 90, no. 4 (September 2000): 715-741.
5 O. Åslund and O.N. Skans, “Do Anonymous Job Application Procedures Level the Playing Field?” ILR Review 65, no. 1 (January 2012): 82-107; A. Krause, U. Rinne, and K.F. Zimmermann, “Anonymous Job Applications in Europe,” IZA Journal of European Labor Studies 1, no. 1 (December 2012): 1-20; and M. Bøg and E. Kranendonk, “Labor Market Discrimination of Minorities? Yes, but Not in Job Offers,” Munich Personal RePEc Archive, paper no. 33332 (Munich: Munich University Library, 2011).
6 GapJumpers (www.gapjumpers.me) is one such company; Applied (www.beapplied.com) is another.
7 D. Bortz, “Can Blind Hiring Improve Workplace iversity?” HR Magazine, March 20, 2018, www.shrm.org.
8 J. Dooney, “Huh? We’re Switching Back Again? How Centralized and Decentralized HR Department Structures Influence HR Metrics” (Alexandria, Virginia: Society for Human Resource Management, 2016), www.shrm.org.
9 S. Fath and S. Zhu, “Preferences for, and Familiarity With, Blinding Among HR Practitioners,” Social Science Research Network, Jan. 17, 2021, https://papers.ssrn.com.
10 K.I. van der Zee, A.B. Bakker, and P. Bakker, “WhyAre Structured Interviews so Rarely Used in Personnel Selection?” Journal of Applied Psychology 87, no. 1 (March 2002): 176-184; and J. Dana, R. Dawes, and N. Peterson, “Belief in the Unstructured Interview: The Persistence of an Illusion,” Judgment and Decision Making 8, no. 5 (September 2013): 512-520.
11 A. Acquisti and C. Fong, “An Experiment in Hiring Discrimination via Online Social Networks,” Management Science 66, no. 3 (March 2020): 1005-1024; and V. Bartoš, M. Bauer, J. Chytilová, et al., “Attention Discrimination: Theory and Field Experiments With Monitoring Information Acquisition,” American Economic Review 106, no. 6 (June 2016): 1437-1475.
12 G. Loewenstein, “The Psychology of Curiosity: A Review and Reinterpretation,” Psychological Bulletin 116,  no. 1 (July 1994): 75-98.
13 S. Fath, R.P. Larrick, and J.B. Soll, “Blinding Curiosity: Exploring Preferences for ‘Blinding’ One’s Own Judgment,” Academy of Management Proceedings 2020, no. 1 (August 2020).
14, 22, 27 Fath, Larrick, and Soll, “Blinding Curiosity.”
15 van der Zee et al., “Why Are Structured Interviews So Rarely Used.”
16 L.A. Rivera, “Hiring as Cultural Matching: The Case of Elite Professional Service Firms,” American Sociological Review 77, no. 6 (December 2012): 999-1022.
17 S. Fath, R.P. Larrick, and J.B. Soll, “Encouraging Self-Blinding in Hiring,” unpublished manuscript.
18 Bertrand and Duflo, “Field Experiments on Discrimination.”
19, 24 Fath, Larrick, and Soll, “Encouraging Self-Blinding in Hiring.”
20 The Profile of Dogs browser extension is available on the Google Chrome web store. We are agnostic about the possibility that people may be biased in favor of or against certain dog breeds.
21 Loewenstein, “The Psychology of Curiosity.”
23 Wilson and Brekke, “Mental Contamination and Mental Correction”; and E. Pronin, D.Y. Lin, and L. Ross, “The Bias Blind Spot: Perceptions of Bias in Self Versus Others,” Personality and Social Psychology Bulletin 28, no. 3 (March 2002): 369-381. 
25 F. Dobbin and A. Kalev, “Why Diversity Programs Fail,” Harvard Business Review 94, no. 7 (July-August 2016): 1-20.
26 I. Bohnet, A. van Geen, and M. Bazerman, “When Performance Trumps Gender Bias: Joint vs. Separate Evaluation,” Management Science 62, no. 5 (May 2016): 1225-1234.
28 R. Feintzeig, “The Boss Doesn’t Want Your Resume,” The Wall Street Journal, Jan. 5, 2016, www.wsj.com.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى