أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اخترنا لكبحثثقافة

الأفضل أداءً يمتازون بقوة عظمى: السعادة

توصلتْ دراسة واسعة النطاق إلى أن الرفاه يتوقع أداءً متميزاً في الوظيفة

كانت الخسائر التي ألحقها العمل في أثناء الجائحة العالمية في رضا الموظفين Job satisfaction عن وظائفهم ورفاههم العاطفي Emotional well-being سبباً في تركيز كبار قادة الأعمال على تعزيز سعادة القوة العاملة بنحو لم يحدث من قبل قط. وفي حين أن كثيرين منا– إن لم يكن أغلبنا– يحفزهم اهتمامنا الحقيقي بالأشخاص الذين يمدون مؤسساتنا بالطاقة، ونعرف أيضاً بحدسنا أن سعادة الموظفين ينبغي أن تعزز من أداء الوظيفة. لكن يظل هناك سؤالان مُلحان: أيهما يأتي أولاً، النجاح ثم السعادة أو السعادة ثم النجاح؟ وما مقدار أهمية السعادة المبدئية؟

لقد نجحت نتائج بحثنا الأخير، الذي نُشر في مجلة دراسات السعادة Journal of Happiness Studies، في تقريبنا كثيراً من الإجابة عن هذين السؤالين. في دراستنا، تابعنا نحو مليون جندي من الجيش الأمريكي مدة خمس سنوات تقريباً. وطلبنا إليهم أولاً تقييم مدى رفاههم– سعادتهم، إذا أردتم– إلى جانب تفاؤلهم، ثم تابعنا الجنود أيٌّ منهم حظُوا فيما بعد بتكريمٍ استناداً إلى أدائهم الوظيفي. وجمعنا بياناتنا في خضم الحربين في العراق وأفغانستان، لذلك كانت المخاطر كبيرة: كان بعض هذا التكريم مخصصاً لأداء وظيفي مثالي، في حين كُرِّم آخرون على أداء استثنائي في أعمال بطولية. إن التكريم في الجيش، سواء عن الأداء الوظيفي المثالي أو عن البطولة، هو حدث نادر نسبياً. فمن بين ما يقرب من مليون جندي في العينة، كُرِّم 12% فقط بجوائز من أي من النوعين خلال السنوات الخمس التي أجرينا فيها الدراسة.

وعلى الرغم من أننا توقعنا أن يشكل الأداء الجيد والتفاؤل أهمية كبرى، فوجئنا بمدى أهميتهما. رأينا أن الجنود الأكثر سعادة في البداية (الربع العلوي Upper quartile) يمثلون أربعة أضعاف المُكرَّمين مقارنة بأولئك الذين كانوا غير سعداء في البداية (الربع السفلي Lower quartile)– وهو فارق كبير في الأداء بين كلتا المجموعتين. وظلت هذه الفجوة ماثلة حتى مع أخذنا بعين الاعتبار الرتبة (الضباط في مقابل الجنود المجندين)، والنوع الجنسي (الجنوسة) Gender، والعرق، والتعليم، والخصائص الديموغرافية الأخرى.1P.B. Lester, E.P. Stewart, L.L. Vie, et al., “Happy Soldiers Are Highest Performers,” Journal of Happiness Studies, Aug. 25, 2021, https://doi.org/10.1007/s10902-021-00441-x. والواقع أن السعادة– وإلى حد أقل نوعاً ما التفاؤل– كانت أفضل توقعاً للتكريم من أي عامل ديموغرافي نظرنا فيه.

البحث

تابع الباحثون نحو مليون
عضو في الخدمة في الجيش
الأمريكي على مدى خمس
سنوات، وقاسوا سعادتهم
وتفاؤلهم النسبيَّين
باستخدام 25 سؤالاً
مستخرجة من جدول
التأثير الإيجابي والسلبي
Positive and Negative
Affect Schedule
(PANAS) واختبار التوجه
الحياتي Life Orientation
Test. وضُمِّنت الأسئلة في
استطلاع أكبر شارك فيه
كل جندي في الجيش كل عام.

ويجمع قياس الرفاه هذا بين
التقييمات الذاتية للأفراد
والتقارير التي يُعِدونها عن
مدى تكرار المشاعر الإيجابية
والسلبية المختبرة، من أجل
إنتاج قياس السعادة الذي
طوره الباحثون.

وحتى بعدما أدخل الباحثون
عوامل لضبط الأداء السابق
ومجموعة من العوامل
الديموغرافية، استمر الجنود
الذين كانوا الأكثر سعادة
والأكثر تفاؤلاً في تلقِّي
مزيد من التكريم على الأداء
الوظيفي خلال السنوات
الخمس المقبلة مقارنةً بأولئك
الذين كانوا في البداية غير
سعداء أو متشائمين.

وقد لا تأبهون بهذه النتائج إذا كنتم تعتقدون أن البيانات العسكرية لا تنطبق على عالم الأعمال بنحو أو آخر، لكن من الخطأ أن تفعلوا ذلك. لكن، تُعَد وزارة الدفاع الأمريكية أكبر صاحب عمل في العالم، ما يُقزِّم وولمارت Walmart بما يقرب من مليون موظف. ولديها إجمالي أصول Total assets يعادل نحو 3 تريليونات دولار (مقارنةً بنحو 236 بليون دولار لدى وولمارت)، وتحتفظ بأكثر من 290 بليون دولار من المخزون Inventory (مقارنةً بنحو 44 بليون دولار لدى وولمارت). وليست المؤسسة العسكرية الأمريكية مجرد ”أعمال كبيرة“؛ هي في واقع الأمر أكبر الأعمال حجماً، لذلك في الأغلب ينطبق ما نتعلمه من المؤسسة العسكرية على عالم الأعمال. وهناك أكثر من 190 فئة وظيفية في الجيش– من موظف إلى طيار، ومن طباخ إلى قائد– ومعظم الفئات كانت مدرجة في بياناتنا.

باختصارٍ ليست السعادة والتفاؤل مهمَّين فيما يتصل بأداء الموظفين فحسب، بل إن لهما أهمية كبرى، وكل منهما يتوقع مدى كفاءة الموظفين في الاضطلاع بمهامهم. وتُسلِّط أبحاثنا العسكرية، إلى جانب أبحاث أخرى في مجال العلوم السلوكية Behavioral science على مدى السنوات الـ40 الماضية، الضوءَ على الميزة التنافسية التي تُقدمها سعادة الموظفين إلى الشركات. هناك بعض الأمور المتعلقة بسعادة الموظفين التي يجب أن يعرفها كل قائد أعمال، وأن يكون قادراً على تطبيقها. وبينما نخرج من جائحة عالمية محبطة يكون من الضروري أن نقيِّم كيف نؤثر في سعادة المحيطين بنا في محل العمل وتفاؤلهم.

وهذا يثير السؤال: ما السعادة حقاً؟ في الأغلب تشير الأدبيات العلمية السلوكية إلى السعادة باعتبارها رفاهاً ذاتياً Subjective well-being لأن معنى السعادة يختلف في السياقات المختلفة. وكما هي الحال مع معظم المفاهيم التي تنشأ من علم النفس، تختلف التعريفات لكن عندما يتعلق الأمر بالسعادة تتجمع التعريفات عادة حول ثلاثة مجالات: تقييم الشخص لشعوره بالرضا عن الحياة؛ ومدى المشاعر الإيجابية (مثل الاستمتاع أو الحماسة أو الإلهام أو الفخر) التي يختبرها الشخص؛ ومدى انخفاض العاطفة السلبية (مثل العداء، أو الغضب، أو الخوف، أو العصبية) التي يختبرها.2E. Diener, “Subjective Well-Being: The Science of Happiness and a Proposal for a National Index,” American Psychologist 55, no. 1 (January 2000): 34-43. ودمجنا هذه المشاعر الثلاثة معاً لنولد مقياسنا للسعادة.

ماذا نعرف عن السعادة؟

منذ ظهور علم النفس الإيجابي Positive psychology في العام 2000، كان هناك قدر هائل من الأبحاث في هذا المجال، وقد ورد ذكر الرفاه في أكثر من 170,000 مادة أكاديمية.3E. Diener, R.E. Lucas, S. Oishi, et al., “Advances and Open Questions in the Science of Subjective Well-Being,” Collabra: Psychology 4, no. 1 (May 2018): 1-15. ووجد بعض هذا العمل أن هناك حقيقة في التصور بأن بعض الناس يبدون أكثر سعادة، ونظر الباحثون من كثب في الوراثية (العوامل التي نولد معها) وكيف تساهم بيئتنا في تشكيل سعادتنا. وإذا كنا ننظر إلى السعادة العامة باعتبارها فطيرة Pie، تشير الأبحاث إلى أن الوراثية تشكل نحو 40% من هذه الفطيرة في حين يرجع 60% منها إلى عوامل أخرى، ولاسيما تجارب الحياة. ويمكن قول الشيء نفسه تقريباً عن مكان العمل: في دراسة حديثة بعيدة المدى وجد الباحثون أنه في حين كانت الوراثية تمثل نحو 30% من الرضا عن العمل في سن الـ 21 سنة، انخفضت أهمية الوراثية إلى أقل من 20% عند قياسها مرة أخرى في سن الـ 25 إلى 30 سنة. ومن ثم تصبح العوامل البيئية داخل مكان العمل أكثر أهمية بمرور الوقت.4W. Li, K.C. Stanek, Z. Zhang, et al., “Are Genetic and Environmental Influences on Job Satisfaction Stable Over Time? A Three-Wave Longitudinal Twin Study,” Journal of Applied Psychology 101, no. 11 (November 2016): 1598-1619.

وتغيرتْ أخيراً الأهمية النسبية لبعض هذه العوامل البيئية. أشار ”تقرير السعادة العالمي للعام 2021“ World Happiness Report 2021 إلى أن السعادة في أماكن العمل قبل انتشار الجائحة كانت راجعةً، إلى حد كبير، إلى شعور الموظفين بالانتماء داخل مؤسسة ما وبين زملاء العمل، والمرونة التي توافرت للعاملين، والشمول، والإحساس بالهدف من عملهم (بترتيب تنازلي للأهمية).5J.F. Helliwell, H. Huang, S. Wang, et al., “Happiness, Trust, and Deaths Under COVID-19,” in “World Happiness Report 2021,” eds. J.F. Helliwell, R. Layard, J.D. Sachs, et al. (New York: Sustainable Development Solutions Network, 2021): 13-56. وتغيرت الأمور تغيراً جذرياً في أثناء الجائحة: وأصبح وجود مدير داعم أكبرَ مؤشر للسعادة– له ضعف أهمية عامل السعادة التالي في مكان العمل المصنف، وهو الغرض.

وليس من المستغرَب أن يكون المال مهماً لسعادة الموظفين أيضاً– لكن البحث أظهر أن هذا يصح في الأساس للموظفين الذين أشاروا إلى أن المال مهم لهم. وفي دراسة حديثة كانت العلاقة بين الدخل والسعادة أعظم بأربعة أضعاف للأشخاص الذين أفادوا بأن المال مهم بالنسبة إليهم مقارنةً بأولئك الذين كانوا يهتمون أقل كثيراً بالمال.6M.A. Killingsworth, “Experienced Well-Being Rises With Income, Even Above $75,000 Per Year,” Proceedings of the National Academy of Sciences 118, no. 4 (January 2021): 1-6. ولذلك قد يكون الدخل مجرد وسيلة جوفاء لتسجيل النقاط.

في مكان العمل نعرف أن الموظفين الأكثر سعادة هم الأكثر عرضة للظهور كقادة، ويحصلون على نتائج أعلى في تقييم الأداء، ويميلون إلى أن يكونوا زملاء أفضل.7E. Diener and W. Tov, “National Accounts of Well-Being,” in “Handbook of Social Indicators and Quality of Life Research,” eds. K.C. Land, A.C. Michalos, and M.J. Sirgy (London: Springer, 2012): 137-157. كذلك نعلم، استناداً إلى بحث واسع النطاق، أن الموظفين الأكثر سعادة أكثر صحة، ولديهم أقل معدلات تغيُّب، ويكونون أكثر تحفيزاً للنجاح، وأكثر إبداعاً، وذوي علاقات أفضل مع أقرانهم، وأقل احتمالاً لترك الشركة.8E.R. Tenney, J.M. Poole, and E. Diener, “Does Positivity Enhance Work Performance? Why, When, and What We Don’t Know,” Research in Organizational Behavior 36 (2016): 27-46. وتؤثر كل هذه الروابط المتعلقة بالسعادة بقدر كبير في صافي أرباح الشركة.

وتشير البيانات مجتمعةً إلى أن هناك مجالاً كبيراً للقادة والمؤسسات للتأثير في السعادة داخل مكان العمل. وبينما تتأثر السعادة بالوراثية وعوامل مثل إيجاد فهم للمعاني، قد ينشأ جزء أكبر من فطيرة السعادة عن عوامل مثل مرونة مكان العمل، والأجر المعقول، ونوع العمل، والمديرين الداعمين. وهذا يعني أن من الممكن أن يشكل القادة مكان العمل لجعل الموظفين أكثر سعادة.

ما الذي يمكن أن يفعله قادة الأعمال بشأن سعادة الموظفين؟

في البداية، نقترح أن يتبع القادة العلم ويتخذوا نهجاً مُهيكلاً في التوظيف والترقية والتطوير بهدف سعادة الموظفين. وعلى الرغم من أن هذا النهج سيتفاوت استناداً إلى الاحتياجات المؤسسية، يتعين على القادة أن يلتزموا بثلاثة إجراءات.

1. قياس السعادة في كل من الموظفين والمرشحين للوظائف Measure happiness in both employees and job candidates. من نواحٍ كثيرة يتطلب ”توظيف السعداء“ أن يكون جزءاً من المنظور. وعلى الرغم من أننا لا نعتقد أن السعادة لا بد من أن توضع قبل المعرفة، أو المهارات، أو المواهب اللازمة لوظيفة ما، فإننا ندعو بنحوٍ متحفظ إلى استخدام مقاييس السعادة والتفاؤل كعوامل تمييز، أو عوامل تفضيل بين متساوِين، لأن المخاطر منخفضة والمنافع قد تكون مهمة. ومن المهم أيضاً استخدام أدوات التقييم المثبتة وعدم الاعتماد على حدس الإدارة المستند إلى عاطفة الموظف. وتَستخدم عديدٌ من المؤسسات بالفعل مجموعةً متنوعة من الاستطلاعات لتقييم المرشحين للوظائف. وحتى لو أسفرت إضافة هذه التساؤلات حول السعادة والتفاؤل إلى نتائج استطلاع المتقدمين إلى وظيفة عن زيادة طفيفة في الإنتاجية والربحية، سيستغل أغلب القادة هذه الفرصة، لأنها لا تكلف شيئا تقريباً. وعلى الرغم من أن هذه الإرادة تختلف بطبيعة الحال بين المؤسسات والقطاعات، من المرجح أن تكون أغلب المؤسسات أفضل حالاً عندما توظف شخصاً سعيداً ومتفائلاً نسبياً بالفعل، لأن ذلك سيؤثر في الأداء الاستثنائي، ويقلل من الدوران الوظيفي Turnover. وإذا استقرأتم الاستنتاجات التي توصلنا إليها من الدراسة العسكرية إلى سياق في القطاع الخاص، حيث من المقرر توظيف 1,000 موظف، فلا بد لاستخدام الرفاه كمعيار للتوظيف من أن يؤدي إلى نحو 11 شخصاً إضافياً من ذوي الأداء الاستثنائي مقارنة بما إذا كانت الشركة ببساطة وظفت موظفين من دون التفكير في الرفاه على الإطلاق.

وبعيداً عن التوظيف، لا بد أيضاً من أخذ سعادة الموظفين في الاعتبار عند قياس الأداء المؤسسي. نعم، لا يزال الأداء الموضوعي يشكل أهمية كبيرة. لكن في حين قد يحقق قسم عالي الأداء داخل أي شركة أرباحاً قريبة المدى، إذا كان ذلك الأداء مدفوعاً بقيادة وممارسات إدارية سامة، قد تتبخر هذه الأرباح بسرعة إذا غادر الموظفون عملهم رداً على ذلك. فالاستنزاف غير المبرر مكلف. فقد فهمت القوات المسلحة الأمريكية، مثلاً، هذا الأمر وطردت الضباط الذين كانوا قد رعوا مناخات مؤسسية ضعيفة، وفي بعض الأحيان فعلت ذلك بطريقة استباقية قبل أن يقع حدث كارثي. ذلك أن الأمر يكلف عدة مئات من الآلاف من الدولارات وسنوات من الجهد المبذول لتوظيف مهندس مفاعلات نووية وتدريبه، وأكثر من ذلك لتوظيف طيار. وذلك أنه حتى خسارة قلة من الموظفين بسبب التعاسة من جرّاء قيادة سامة Toxic leadership هي أمر مكلف ويؤدي إلى خلق عجز في الموظفين من شأنه أن يزيد من المخاطر التي يتحملها أولئك الذين يبقَون. وللاستنزاف والنقص في المواهب في شركةٍ تأثيراتٌ سلبية مماثلة. وعلى هذا ندعو إلى التعامل مع السعادة باعتبارها نتيجة موضوعية للأداء في المؤسسة، فضلاً عن الإشارة إلى نجاح القيادة. وفي دراستنا، استخدمنا أحد المقاييس المعيارية للرفاه، وهو جدول التأثير الإيجابي والسلبي، الذي استُخدِم في آلاف الدراسات المنشورة لفحص السعادة في مجموعة متنوعة من السياقات. ويستغرق استكماله نحو 10 دقائق.9The PANAS, along with the Optimism Test, Satisfaction With Life Questionnaire, VIA Survey of Character Strengths, and many other assessments, can be found at www.authentichappiness.org.

لماذا تُهِم استنتاجات الدراسة العسكرية أصحابَ العمل جميعاً
إن الاستنتاجات التي توصلت إليها دراستنا قابلةٌ للتطبيق على نطاق واسع؛ لأن العينة التي استخدمناها لم تُستخلَص من مجال وظيفي معين، مثل مندوبي المبيعات أو المتخصصين بتكنولوجيا المعلومات، كما هي الحال في الأغلب في الأبحاث المنشورة حول السعادة في مكان العمل. بل على العكس من ذلك، في حين كان بعض الجنود في دراستنا يعملون في وظائف الجيش النموذجية، مثل أولئك العاملين في سلاح المشاة، كان عدد أكبر بكثير من العاملين في المكاتب، ومن سائقي الشاحنات، وضباط الشرطة، والمهنيين الطبيين، وخبراء الخدمات اللوجستية، وطيارين، ومهندسين، وخبراء استراتيجيين، من بين آخرين. ومن ثم، يُعَد قياسنا لعديد من المهن بهذا الحجم، وفي دراسة واحدة، فريداً ويجعل نتائجنا قابلة للتطبيق بدرجة كبيرة على عالم الأعمال. وباختصارٍ كانت السعادة تشكل أهمية بالغة في مختلف طيف الوظائف. وللعينة أهمية لأسباب أخرى أيضاً. فلأنها كبيرة وأجريت في خمس سنوات– بمليون شخص تقريباً، هي أكبر دراسة بعيدة المدى للرفاه أجريت على الإطلاق– أمكننا إجراء تحليل أكثر تفصيلاً للبيانات وإظهار أن الاستنتاجات كانت صحيحة بغض النظر عن الخصائص الديموغرافية، وفق ما سبق وصفه.

وخلافاً لأغلب الدراسات البحثية، لم تختبر دراستُنا الأداء في الإجمال ببساطة. بدلاً من ذلك، فحصنا تأثير السعادة في الأداء الاستثنائي، نظراً إلى أننا ركزنا على 12% فقط من إجمالي العينة لدينا– أي أولئك الذين حصلوا على تكريم لأدائهم المثالي في العمل. فقد حصل الجنود التعساء على تكريم الأداء والبطولة، لكن عددهم ساوى ربع هؤلاء الذين كانوا سعداء في البداية. والمغزى الضمني للأعمال هو أن الموظفين الأكثر سعادة يحصلون على قدر غير متناسب من التقدير للأداء الاستثنائي Exceptional performance، ويتحولون إلى نجوم المؤسسة. ويؤكد مبدأ باريتو Pareto principle أن 80% من النتائج تنشأ من 20% من الأسباب. وإذا طبقنا هذا على بحثنا، فبوسعنا أن نرى أن استخدام السعادة والتفاؤل (الذي توقع الجوائز بقدر ما فعلت السعادة) للمساعدة في التعرف على الموظفين وتوظيفهم والاحتفاظ بهم من المرجح أن يؤدي إلى ظهور بعض النجوم الإضافيين– ومن المرجح أن يخلف تأثيراً كبيراً في صافي الأرباح.

وأخيراً تباينت أشكال التكريم التي تضمنتها الدراسة لجهة النوع، والمعنى المؤسسي، ومستوى التأثير، ما يدل على أن الصلة بين السعادة والأداء ترتبط بعديد من أنواع الإنجازات المختلفة. ومن شأن التدقيق والتوثيق الصارمين اللذين يسبقان منح أي تكريم عسكري أن يعززا من قوة الحجة لمصلحة هذا التكريم باعتباره مؤشر أداء جديراً بالثقة إلى حد كبير. والأهم، ربما، أن أياً من التكريم لم يُربَط بتعويض نقدي. وفي الجيش الأمريكي إذا حاز المرء نجمة فضية لبطولته في القتال أو ميدالية الخدمة الجديرة بالتقدير للنجاح في قيادة كتيبة تدريب، لا يحصل على علاوة بقيمة 10,000 دولار. بعبارة أخرى، يعكس تكريم الأداء الموجه بتحفيز داخلي، وليس بمكافآت مالية خارجية صريحة.

وعلى الرغم من أن الإنجاز الأكبر لهذه الدراسة ربما يكون الربط بين السعادة والأداء المثالي، هي تكرر أيضاً عديداً من الاستنتاجات من أبحاث سابقة. وعلى الرغم من أن التكرار قد لا يحتل العناوين الرئيسة ونادراً ما يُكافَأ في الأوساط الأكاديمية، هو يشكل أساساً للعلم. وفي هذه اللحظة يواجه مجال العلوم السلوكية أزمة في التكرار، ما يشكك في صحة عديد من النظريات القديمة القيادية والإدارية والسلوكية التي تُدرَّس في أغلب برامج الماجستير في إدارة الأعمال. والواقع أن التعاون المفتوح في العلوم Open Science Collaboration وَجد في العام 2015 أن أقل من 40% من تجارب العلوم السلوكية الرائدة يمكن تكرارها.10Open Science Collaboration, “Estimating the Reproducibility of Psychological Science,” Science 349, no. 6251 (Aug. 28, 2015). وفي المقابل فإن استنتاجاتنا دقيقة جداً، وتمثل نتائج بعيدة المدى، وتشمل عديداً من الوظائف.

2. تطوير السعادة في قوتكم العاملة Develop happiness in your workforce. ونظراً إلى متطلبات التدريب والتطوير كلها المفروضة على معظم المؤسسات، قد يبدو التفكير في محاولة فاعلة لتطوير موظفين أكثر سعادة في البداية شاقاً، ومستهلكاً للوقت، ومكلفاً. ومع ذلك تُظهر الكتابات الأكاديمية مراراً وتكراراً أن مبادرات التدريب التي تستهدف رفاه الموظفين لا تتطلب استثماراً كبيراً في الوقت، وهي فاعلة لجهة التكلفة، كما أنها تحمل عائداً مرتفعاً على الاستثمار.

وفيما يلي ثلاثة أمثلة للتمارين البسيطة، كل منها مدعوم بأدلة صارمة على الفاعلية. في الأول زيارة الامتنان Gratitude Visit؛ يستعد المشاركون لتقديم شهادة امتنان من 300 كلمة إلى شخص غيَّر حياتهم إلى الأفضل. وفي الثاني ثلاثة أشياء جيدة Three Good Things؛ يكتب المشاركون ثلاثة أشياء جرت مجرًى جيداً كل يوم والأسباب التي جعلت هذه الأشياء تجري مجرًى جيداً، على مدى أسبوع. والثالث استخدام نقاط قوة مميزة بطريقة جديدة Using Signature Strengths in a New Way، يدعو المشاركين إلى استكمال استطلاع عبر الإنترنت لنقاط القوة، ثم استخدام إحدى نقاط قوتهم بطريقة جديدة كل يوم لأسبوع على الأقل. وتوصل اختبار هذه النُهُج بحثياً إلى أن تمرينَي ثلاثة أشياء جيدة ونقاط القوة المميزة عمِلا بقدر كبير على زيادة السعادة وتقليل الاكتئاب خلال ستة أشهر، في حين فعل تمرين زيارة الامتنان الأمر نفسه خلال شهر.11M.E.P. Seligman, T.A. Steen, N. Park, et al., “Positive Psychology Progress: Empirical Validation of Interventions,” American Psychologist 60, no. 5 (July-August 2005): 410-421. وبالطبع تنجح مبادرات كهذه بشأن السعادة في مكان العمل بنحو أفضل حين يريد الموظفون أن يصبحوا أكثر سعادة، وعلى استعداد لبذل بعض الجهد في هذه العملية، ويعتقدون أن هذه الجهود ستؤتي ثمارها.12E. Diener, S.J. Heintzelman, K. Kushlev, et al., “Findings All Psychologists Should Know From the New Science on Subjective Well-Being,” Canadian Psychology 58, no. 2 (May 2017): 87-104. وإذا نحينا ذلك جانباً، فإن التكلفة منخفضة جداً، والتدخلات قد تحدث على أي مستوى من مستويات المؤسسة، وهي لا تتطلب الاستعانة باستشاريين من الخارج.

وبالنسبة إلى المؤسسات التي ترغب في استثمار أكبر، هناك بالطبع برامج جاهزة ومتحقَّق من صحتها لتحسين رفاه الموظفين. وخلال ذروة الحروب في العراق وأفغانستان، مثلاً، استثمر الجيش الأمريكي كثيراً في مبادرات المرونة مثل اللياقة الشاملة للجندي Comprehensive Soldier Fitness، التي أثبتت أنها تحسن الصحة النفسية لأعضاء الخدمة.13P. B. Lester, P. D. Harms, M.N. Herian, et al., “The Comprehensive Soldier Fitness Program Evaluation. Report #3: Longitudinal Analysis of the Impact of Master Resilience Training on Self-Reported Resilience and Psychological Health Data,” PDF file (Lincoln, Nebraska: Public Policy Center, University of Nebraska, December 2021), https://digitalcommons.unl.edu. وشمل البرنامج تدريباً مكثفاً على مجموعة كبيرة من المعلمين، وأدى ذلك إلى نسبة إجمالية تبلغ نحو مدرب واحد لكل 100 فرد من أعضاء الخدمة.14R. Cornum, M.D. Matthews, and M.E.P. Seligman, “Comprehensive Soldier Fitness: Building Resilience in a Challenging Institutional Context,” The American Psychologist 66, no. 1 (January 2011): 4-9. وبالمثل تبين أن برنامج السعادة الدائمة والتحسين الذاتي المستمر Enduring Happiness and Continued Self-Enhancement (ENHANCE) يحسن السعادة، مع دوام التأثيرات أكثر من ستة أشهر. والبرنامج عبارة عن حزمة تدريب مدتها 24 ساعة يمكن تقديمها شخصياً أو عبر الإنترنت وتركز على تحديد القيم الأساسية وتعزيز الوعي وتكوين علاقات اجتماعية إيجابية والتعامل مع السلبية والمحن ومجالات أخرى.15S.J. Heintzelman, K. Kushlev, L.D. Lutes, et al., “ENHANCE: Evidence for the Efficacy of a Comprehensive Intervention Program to Promote Subjective Well-Being,” Journal of Experimental Psychology: Applied 26, no. 2 (June 2020): 360-383.

توصيتُنا: أولاً قيسوا الرفاه. ومن ثم، ابدؤوا بالتمارين السهلة لإظهار أن الشركة تُقيِّم عالياً رفاه الموظفين. ثم ابدؤوا بالاستثمار في البرامج الأكثر رسمية بمرور الوقت مع زيادة السعادة.

3. احتفِظوا بالموظفين السعداء Retain employees who are happy. تذكرنا هذه الجائحة ببعض الحقائق الصعبة، والتي تتلخص بأن المؤسسات من الممكن أن تتقلص في الأوقات العصيبة بالسرعة نفسها التي تتوسع بها عندما يزدهر الاقتصاد. ومن الواضح أن دراستنا العسكرية تُظهر أن المؤسسات لا بد من أن تكون راغبة في موظفين سعداء، لأنهم يؤدون بنحو أفضل كثيراً من أولئك غير الراضين. لكن تبين أن المؤسسات تحتاج أيضاً إلى موظفين سعداء، لأن السعادة في واقع الأمر مُعدِية. مثلاً فحَص الباحثون 20 سنةً من البيانات من 4,700 مشارك في دراسة فارمنغهام القلبية Framingham Heart Study التي طال أمدها، واكتشفوا ليس فقط أن السعادة من الممكن أن تنتشر عبر شبكة اجتماعية، بل أيضاً أن الأشخاص السعداء أكثر ارتباطاً بأشخاص سعداء آخرين داخل الشبكة. ولعل الاستنتاج الأكثر لفتاً للنظر في هذه الدراسة هو أن تأثير السعادة يمتد إلى ثلاث درجات من الانفصال عن الشخص قيد التركيز (وكذلك أصدقاء أصدقاء أصدقائه).16J.H. Fowler and N.A. Christakis, “Dynamic Spread of Happiness in a Large Social Network: Longitudinal Analysis Over 20 Years in the Framingham Heart Study,” The BMJ 337, no. a2338 (2008): 1-9. وهناك نتيجة أخرى مهمة لهذه الدراسة تتلخص في أن التعاسة هي، كالسعادة، أيضاً مُعدية. وتأثير العدوى هذا يضع القادة في موقف غير مستقر، ولاسيما إذا عرض عليهم السيناريو الصعب المتمثل في قدرتهم على الاحتفاظ بواحد فقط من اثنين من الموظفين. ومع ثبات الأداء وعوامل أخرى، يجب أن يحتفظوا بالشخص الأكثر سعادة.

القيادة بالمثال

كشف عملُنا مع الجيش على مدى العقد الماضي باستمرار عن حقيقة أساسية: تنجح مبادرات رفاه الموظفين أكثر ما تنجح حين يقدم قادة واثقون المواد، وحين يضع القادة الكبار تأكيداً مهماً على الجهد ككل.17Lester, Harms, Herian, et al., “The Comprehensive Soldier Fitness Program Evaluation.” ومن ثم يجب أن يكون القادة على استعداد لاستثمار جهودهم لإنجاح المبادرات من خلال عدم الاكتفاء بمناصرتها– مثلاً من خلال تأمين الموارد لبرنامج ما، والترويج للمراسلة الاستراتيجية الإيجابية– بل كذلك بالمشاركة في التدريب وإدماجه في سلوكياتهم الخاصة. وإذا كان القادة راغبين في تحسين سعادة الموظفين، يتعين عليهم أن ينمذجوا ما يُدرَّس لكي يصبح جزءاً لا يتجزأ من معجم المؤسسة وثقافتها. فنحن نتعلم بنحو أفضل من خلال مشاهدة الآخرين، لذلك دعوا موظفيكم يتعلموا أن يكونوا سعداء من خلال مشاهدتكم. 

بول بي. ليستر Paul B. Lester

بول بي. ليستر Paul B. Lester

أستاذ مساعد في الإدارة في مدرسة الدراسات العليا البحرية Naval Postgraduate School.

مارتن سيليغمان Martin Seligman

مارتن سيليغمان Martin Seligman

أستاذ كرسي عائلة زيلرباخ لعلم النفس Zellerbach Family Professor of Psychology في جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania، ومدير مركز الدراسات النفسية الإيجابية Positive Psychology Center بالجامعة، ورئيس سابق للجمعية الأمريكية لعلم النفس American Psychological Association. وأسمته النفوذ الأكاديمي Academic Influence عالم النفس الأكثر نفوذاً على مستوى العالم خلال العقد الماضي.

إد داينر Ed Diener

إد داينر Ed Diener

توفي في أبريل 2021. كان أستاذا لعلم النفس في جامعة يوتا University of Utah وجامعة فرجينيا University of Virginia، وأستاذ كرسي جوزيف آر. سمايلي المميز المتقاعد Joseph R. Smiley Distinguished Professor Emeritus في جامعة إيلينوي University of Illinois، وعالماً أولَ في منظمة غالوب Gallup Organization. وحصل على جائزة الجمعية الأمريكية لعلم النفس عن المساهمات العلمية المتميزة في العام 2012، واستُشهِد بعمله أكثر من 250,000 مرة. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63305.

المراجع

المراجع
1 P.B. Lester, E.P. Stewart, L.L. Vie, et al., “Happy Soldiers Are Highest Performers,” Journal of Happiness Studies, Aug. 25, 2021, https://doi.org/10.1007/s10902-021-00441-x.
2 E. Diener, “Subjective Well-Being: The Science of Happiness and a Proposal for a National Index,” American Psychologist 55, no. 1 (January 2000): 34-43.
3 E. Diener, R.E. Lucas, S. Oishi, et al., “Advances and Open Questions in the Science of Subjective Well-Being,” Collabra: Psychology 4, no. 1 (May 2018): 1-15.
4 W. Li, K.C. Stanek, Z. Zhang, et al., “Are Genetic and Environmental Influences on Job Satisfaction Stable Over Time? A Three-Wave Longitudinal Twin Study,” Journal of Applied Psychology 101, no. 11 (November 2016): 1598-1619.
5 J.F. Helliwell, H. Huang, S. Wang, et al., “Happiness, Trust, and Deaths Under COVID-19,” in “World Happiness Report 2021,” eds. J.F. Helliwell, R. Layard, J.D. Sachs, et al. (New York: Sustainable Development Solutions Network, 2021): 13-56.
6 M.A. Killingsworth, “Experienced Well-Being Rises With Income, Even Above $75,000 Per Year,” Proceedings of the National Academy of Sciences 118, no. 4 (January 2021): 1-6.
7 E. Diener and W. Tov, “National Accounts of Well-Being,” in “Handbook of Social Indicators and Quality of Life Research,” eds. K.C. Land, A.C. Michalos, and M.J. Sirgy (London: Springer, 2012): 137-157.
8 E.R. Tenney, J.M. Poole, and E. Diener, “Does Positivity Enhance Work Performance? Why, When, and What We Don’t Know,” Research in Organizational Behavior 36 (2016): 27-46.
9 The PANAS, along with the Optimism Test, Satisfaction With Life Questionnaire, VIA Survey of Character Strengths, and many other assessments, can be found at www.authentichappiness.org.
10 Open Science Collaboration, “Estimating the Reproducibility of Psychological Science,” Science 349, no. 6251 (Aug. 28, 2015).
11 M.E.P. Seligman, T.A. Steen, N. Park, et al., “Positive Psychology Progress: Empirical Validation of Interventions,” American Psychologist 60, no. 5 (July-August 2005): 410-421.
12 E. Diener, S.J. Heintzelman, K. Kushlev, et al., “Findings All Psychologists Should Know From the New Science on Subjective Well-Being,” Canadian Psychology 58, no. 2 (May 2017): 87-104.
13 P. B. Lester, P. D. Harms, M.N. Herian, et al., “The Comprehensive Soldier Fitness Program Evaluation. Report #3: Longitudinal Analysis of the Impact of Master Resilience Training on Self-Reported Resilience and Psychological Health Data,” PDF file (Lincoln, Nebraska: Public Policy Center, University of Nebraska, December 2021), https://digitalcommons.unl.edu.
14 R. Cornum, M.D. Matthews, and M.E.P. Seligman, “Comprehensive Soldier Fitness: Building Resilience in a Challenging Institutional Context,” The American Psychologist 66, no. 1 (January 2011): 4-9.
15 S.J. Heintzelman, K. Kushlev, L.D. Lutes, et al., “ENHANCE: Evidence for the Efficacy of a Comprehensive Intervention Program to Promote Subjective Well-Being,” Journal of Experimental Psychology: Applied 26, no. 2 (June 2020): 360-383.
16 J.H. Fowler and N.A. Christakis, “Dynamic Spread of Happiness in a Large Social Network: Longitudinal Analysis Over 20 Years in the Framingham Heart Study,” The BMJ 337, no. a2338 (2008): 1-9.
17 Lester, Harms, Herian, et al., “The Comprehensive Soldier Fitness Program Evaluation.”
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى