أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ابتكار

لماذا يبقى المبتكرون في الصين قريبين من السوق

تستمد الشركات في الصين، على نحو متزايد، ابتكاراتِها من العملاء والمنافسين والموظفين الذين هم على تماسٍّ مع العملاء، ما يخالف الاتجاهات التي تُشاهَد في أماكن أخرى من العالم.

ألقُوا نظرةً على آلات الحلاقة الكهربائية المعروضة من فيليبس Philips في المتاجر في نيويورك أو لندن أو طوكيو، وستبدو كل منها كأنها الأخرى. لكن اذهبوا إلى شنغهاي، أو مدينة صينية أصغر حجماً مثل يانتاي، وستَرون شيئاً مختلفاً. هناك، لدى فيليبس منتجات ناشئة عن ابتكارات محلية ومخصصة للمستهلكين الصينيين.

وليس من المستغرَب أن تكون أي شركة متعددة الجنسيات على استعداد لتكييف عروضها بحيث تخدم سوقا ضخمة – كما علق أحد المسؤولين التنفيذيين لدى فيليبس – فإن مدينة من الدرجة الثانية في الصين قد تكون سوقاً أكبر من أغلب البلدان الأوروبية. والأمر المثير للدهشة هنا هو أن فيليبس لا تشعر بالحاجة إلى الاضطلاع بهذا الابتكار الخاص بسوق ما في عديد من الدول الكبرى، لكنها تشعر بالحاجة إلى ذلك في الصين. فما الأمر المختلف فيما يخص التنافس في السوق الصينية إلى الحد الذي يتطلب نهجاً مختلفاً تماماً عن النهج السائد في أماكن أخرى من العالم؟

على مدى السنوات الثلاث الماضية، أجرينا استطلاعين تمثيليين Representative surveys كبيرين للابتكار المؤسسي. ونظر الأول في ممارسات الابتكار في ثمانية بلدان، أغلبيتها متطورة إلى حد كبير. وركز الثاني بنحو خاص على ممارسات الابتكار في الشركات المحلية والأجنبية العاملة في الصين. ووجدنا أن الابتكار في الصين مختلف. وفي كل مكان آخر كنا ننظر إليه، وجدنا أن الشركات تتبنى نهجاً مماثلاً في التعامل مع الابتكار المؤسسي.1N.C. Thompson, D. Bonnet, and Y. Ye, “Why Innovation’s Future Isn’t (Just) Open,” MIT Sloan Management Review 61, no. 4 (summer 2020): 55-60. لكن الشركات في الصين – سواء كانت محلية أو أجنبية – اختارت مساراً مختلفاً في سوق ينتج فيها النمو السريع حصة كبيرة بقدر غير متناسب من العملاء الجدد لعديد من الصناعات، وتوفر فيها بنيةٌ تحتية رقمية متقدمة، بما في ذلك المنصات الرقمية الواسعة الانتشار، الوسائلَ اللازمة للوصول إليها.

مسارات مختلفة نحو الابتكار المؤسسي
تُظهر أبحاثنا أن الشركات الكبرى، خارج الصين، تتقارب في نمط الحصول على الابتكار. وعلى المستوى الداخلي تركز هذه الشركات على الابتكار. وإذا لم تكن لديها وحدات مركزية للبحث والتطوير R&D، فإنها تُنشئ مثل هذه الوحدات. كذلك تُنشئ هذه الشركات – على نحو متزايد – مختبرات للابتكار خاضعة لسيطرة مركزية، وتندرج ضمن منظومات إيكولوجية ابتكارية Innovation ecosystems ثرية، مثل وادي السليكون Silicon Valley. ومن ناحية أخرى تتناقص الرغبة في البحث عن الابتكار من داخل وحدات الأعمال الفردية، مع تضاؤل عدد الابتكارات المهمة المنبثقة من هذه المصادر.

وعلى المستوى الخارجي تُوسع الشركات بسرعة محافظها الاستثمارية الابتكارية للحصول على الخبرة، ولاسيما في مجال التكنولوجيات الرقمية. وتتحول مزيد من الشركات إلى الإسناد الجماعي Crowdsourcing، والعمل مع الجامعات والشركات الناشئة وخبراء يمثلون أطرافاً ثالثة. وفي الوقت نفسه أصبحت بعض المصادر الخارجية، مثل العملاء والموردين، أقلَّ أهمية.

تختلف الاتجاهات التي حددناها في الصين اختلافاً ملحوظاً عما سواها، وتعكس توجهاً نحو توليد أفكار أقرب إلى العملاء، بهدف الدفع نحو مزيد من الابتكار المُوجَّه بالسوق. (انظر: مصادر الابتكار المؤسسي في الصين مقارنةً ببقية العالم). تميل الشركات الصينية – بمعدل الضعف تقريباً مقارنةً بالشركات في أماكن أخرى من العالم – إلى استخدام العملاء، أو المنافسين، أو موظفي تشغيل وحدات الأعمال Business units كمصدر للابتكار. كذلك تميل إلى استخدام موظفي وحدات أعمال مخصصين للابتكار بدوام كامل (بدلاً من هؤلاء الذين يساهمون في الابتكار إلى جانب وظائفهم اليومية) بمعدل إضافي يعادل 27% عما سواها. وهذا لا يحدث في مجال التصنيع والمنتجات الاستهلاكية فحسب، بل أيضاً في عديد من الصناعات الأخرى.

وتشير أبحاثنا إلى أن اختيار هذا النهج في التعامل مع الابتكار هو في حد ذاته مُوجَّه بالسوق. وحتى داخل الصين تُجري الشركات قدراً أعظم من الابتكار المُوجَّه بالسوق عندما تُنتج للسوق الداخلية مقارنة بإنتاجها حين تُصدر للسوق العالمية، إذ تستخدم مصادر ابتكار مُوجَّه بالسوق بزيادةٍ نسبتُها 46% في المتوسط عندما تنتج للاستهلاك الداخلي بالكامل، وذلك مقارنة بما هو للتصدير بالكامل. وحتى بين الشركات الصينية، فالشركات التي تحاول استقطاب العملاء المحليين هي التي تركز على الابتكار المُوجَّه بالسوق. 

كيف تبقى الشركات الصينية قريبةً من احتياجات السوق
تبرُز في هذا المجال ثلاثة مكونات من الوصفة الصينية للابتكار المؤسسي: إشراك العملاء في الابتكار، والاستفادة من ابتكار المنافسين، والحصول على تبصرات من الموظفين في وحدات الأعمال التي هي على خط التماس مع السوق. فلنُلقِ نظرة فاحصة على الطريقة التي تستخدم بها الشركات في الصين هذه الاستراتيجيات.

1 أشرِكوا العملاء في الابتكار Involve customers in innovation. في ظل هذا العدد الكبير من العملاء الفعليين في الصين، فإن المنافسة شرسة؛ وتريد الشركات الأجنبية الدخول إلى الأسواق الصينية، وتريد الشركات المحلية الدفاع عن مجالاتها. ويُعَد تخصيص العروض Tailoring offerings لمجالات استهلاكية معينة وسيلة للهروب بعيداً عن سرب المنافسين. لكن إنشاء عروض Offerings جديدة تلبي مجالات معينة ليس بالأمر السهل: هو يتطلب التعرف على هؤلاء العملاء والابتكار معهم. تشير أبحاثنا إلى أن المنصات الرقمية الواسعة الانتشار في الصين تشكل العامل الرئيس في الطريقة التي تبتكر بها الشركات مع عملائها. تستخدم شركة هاير Haier المتعددة الجنسيات التي تتخذ من الصين مقراً منصةَ منظومة هاير الإيكولوجية المفتوحة Haier Open Partnership Ecosystem لتوليد أفكار من مجتمع عبر الإنترنت يضم آلاف الخبراء الخارجيين ومئات الآلاف من العملاء.

واتخذت شياومي Xiaomi لتصنيع الهواتف الذكية نهجاً يركز على العملاء فيما يتعلق بالابتكار من أجل تغذية نموها. ووسعت نطاق منتجاتها إلى أكثر من 100 منتج ذكي من المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية، تتراوح بين مواقد طهو الأرز الذكية وأجهزة تنقية الهواء والأجهزة الصحية القابلة للارتداء. وتركز عملية تطوير المنتجات لدى شياومي على طرح النماذج الأولية Prototypes في السوق في أقرب وقت ممكن، وإشراك المستخدمين بنحو فاعل في تحديث التكنولوجيا والتصميم. ويستطيع المستخدمون، الذين يطلق عليهم ”المشجعون“ Fans في شياومي، تقديم التوصيات والأسئلة عبر عديد من المنصات بواسطة الإنترنت، وتوزع خوارزمية هذه المدخلات على الموظفين المعنيين في شياومي. والنتيجة هي منتجات يتشارك في تطويرها المجتمع، وتناسب احتياجات السوق على نحو أفضل.2M.J. Greeven, G.S. Yip, and W. Wei, “Pioneers, Hidden Champions, Changemakers, and Underdogs: Lessons From China’s Innovators” (Cambridge, Massachusetts: MIT Press, 2019).

2 استفيدوا من ابتكار المنافسين Leverage competitor innovation. في ظل النمو السريع ومجالات الأسواق التي تساوي حجماً عديداً من البلدان، تتسم المنافسة في الاقتصاد الصيني بالمتانة. (يصنف مقياس شائع للمنافسة في السوق، وهو مؤشر هيرفنهال-هيرشمان Herfindahl-Hirschman Index، الصين باعتبارها أكثر شبهاً بالبلدان المتقدمة منها بالأسواق الناشئة في هذا الصدد). وكما نوقش كثيراً في مكان آخر، أدى ذلك إلى المنتجات المقلدة: تُهندَس ابتكارات إحدى الشركات عكسياً Reverse-engineeres، وتصنع من قِبل شركات أخرى. لكن هذا لا يشكل سوى جزء واحد من الطريقة التي تبتكر بها الشركات في الصين مع منافسيها. على نحو متزايد، فإن التحسن في القدرات التكنولوجية لدى الشركات الصينية فتح الأبواب للتعاون المباشر في عملية الابتكار.

تُعَد دايملر Daimler مثالاً. فالصين إلى حد كبير هي السوق الأسرع نمواً لهذه العلامة التجارية الألمانية للسيارات، وهي سوق تمتاز بشدة الطلب على السيارات الكهربائية من الجيل المقبل. في العام 2019، بيع نحو 1.2 مليون سيارة كهربائية في الصين، أي ضعفي ما بيع في أوروبا، وأربعة أضعاف ما بيع في الولايات المتحدة. أدركت دايملر هذا التحول، وأعلنت في يناير 2020 مشروعاً مشتركاً عالمياً مع شركة السيارات الصينية جيلي Geely لإنتاج سيارة كهربائية بالكامل بحلول العام 2022، وذلك كجزء من إعادة اختراع العلامة التجارية للسيارات سمارت Smart.

3 احصلوا على تبصرات من الموظفين في وحدات الأعمال التي تواجه السوق Source insights from employees in market-facing business units. تحولت عديد من الشركات خارج الصين على نحو متزايد إلى مختبرات للبحث والتطوير والابتكار مشغلة مركزياً، ونجحت هذه الشركات في إنتاج ابتكارات مهمة. وتُظهر أبحاثنا أن الشركات – في الوقت نفسه – تُولي أهمية أقل للمبتكرين الذين يقربهم عملهم من العملاء. لكن في الصين لم يحدث هذا التحول. بل إن الأمر على العكس من ذلك، فممارسة استخدام المبتكرين الداخليين الذين هم على تماسٍّ مع السوق تنمو بسرعة وتنتج بعض أهم العروض الجديدة التي تقدمها بعض الشركات.

مثلاً، تحصل هاير على عديد من أفكار المنتجات من تقنيي الإصلاح وممثلي المبيعات، الذين هم في وضع يمكنهم من أن يراقبوا بنحو مباشر كيفيةَ استخدام العملاء – أو الراغبين في استخدامها – لمنتجات الشركة فعلياً. قد يعني هذا تغيير خصائص الغسالة في سلسلة كريستال Crystal بناء على ملاحظات المستخدم، أو تصميم ثلاجات مزودة بطاولات قابلة للفتح مضمنة لاستهداف الطلبة الذين يستخدمونها كمكاتب في غرف مساكن الطلبة الضيقة.

التأثيرات المترتبة على الجهات المبتكرة العالمية
تبنت عديد من الشركات الأجنبية العاملة في الصين النهج المحلي في التعامل مع الابتكار. والواقع أن بياناتنا تُظهر أنها أقرب إلى الشركات الصينية في هذا الصدد من الشركات القائمة في بلدانها الأصلية.

تاريخياً، اعتمدت فيليبس Philips على تبصرات السوق من الولايات المتحدة وألمانيا وبولندا بغرض الابتكار العالمي. لكن بعد التزامها بالسوق الصينية، قررت الاستثمار في الابتكار الذي يستهدف الصين على وجه التحديد. بالنسبة إلى خدماتها الصحية الاحترافية، طورت فيليبس استراتيجيةً رباعية الأبعاد: تصميماً للصين، واتخاذ القرار في الصين، والتسليم بسرعة في الصين، ورقمنة الأعمال في الصين. ومنذ العام 2016 فصاعداً، انتقلت فيليبس من بيع المعدات إلى بيع الحلول الشاملة Total solutions للعملاء، ومن ثم هدفت إلى العمل بنحو أوثق مع العملاء المحليين. ومنذ العام 2018، شرعت فيليبس في عديد من الشراكات المحلية لتطوير المنتجات، مثل الشراكات مع ديجيتال هيلث تشاينا Digital Health China وبينغ غود دكتور Ping Good Doctor، للحصول على تبصرات حول التفضيلات المحلية. وتُعَد منصة الرعاية الصحية شاينفلاي Shinefly الخاصة بالصين، والتي أُطلِقت حديثاً، والتي تتضمن وحدات تصوير، وأشعة، ونظاماً لأرشفة الصور والتواصل Picture archiving and communication system (PACS) بأسعار أقل، واحدة من نتائج هذا الابتكار. كذلك بدأت فيليبس في الاستثمار النشط في شركات منافسة محلية رائدة، وإبرام شراكات معها، مثل ساينو يونايتد SinoUnited Health وشنتشن غولدواي Shenzhen Goldway، بهدف ابتكار حلول جديدة للتصوير الطبي ومراقبة المرضى. والآن أصبحت الصين واحدة من أكبر أربعة مراكز للابتكار لدى فيليبس. وتطور الشركة الآن أيضاً منتجات موجهة بنحو خاص إلى المستهلكين في المدن الصينية من الدرجتين الثانية والثالثة، بهدف الاستفادة من هذه الابتكارات في تنمية أسواق جديدة في جنوب شرق آسيا.

ولا تقل تجربة هانيويل Honeywell دلالةً. فمنذ العام 2013، أصبحت الصين أكبر سوق لدى هانيويل خارج الولايات المتحدة. وأدت وجهة نظر الشركة على المدى البعيد، ورهانها الكبير على إضفاء صفة محلية على الابتكار دوراً مهماً. وإلى جانب بناء عدد كبير من قدرات البحث والتطوير على مدى العَقدين الماضيين، مع مختبر كبير في شنغهاي منذ العام 2003 وعديد من المختبرات الجديدة في ووهان ونانجينغ وتشيشان في السنوات الخمس الماضية، أصلحت الشركة عملية الابتكار لديها في الصين. وكان الهدف من ذلك بناءَ مؤسسة ابتكار شاملة، تقرب الابتكارات من العملاء. فمثلاً هي تسمح لفريق الابتكار بكامله بالاتصال بالعميل وإقامة فروع قريبة منه. كذلك أصبحت أكثر مرونة في استخدام المعايير الصينية – بدلاً من المعايير الدولية – لمنتجات مثل وحدات التنقية المائية Hydro-purification units. وإضافةً إلى ذلك أدركت هذه الشركة أن فريق المبيعات كان لزاماً عليه أن يصبح أقرب إلى فريق لعلاقات العملاء، مع الانتباه بنمط مستمر للمتطلبات المتغيرة للترقيات Upgrades. وأكد شين تيجاراتي Shane Tedjarati، مهندس استراتيجية الشركة في الصين الذي أمضى عقدين في تحويل هانيويل قائلاً: “شيئاً فشيئاً، باتت هذه الصفة الصينية جزءاً منا”.3T. Moss, “Honeywell’s Formula for Success in China,” The Wall Street Journal, Oct. 22, 2021, www.wsj.com.

وكما توضِّح هذه الأمثلة، لم يعد إنشاء مراكز الابتكار المحلية أو مراكز الابتكار الكاملة في الصين أمراً غير مسموع به بالنسبة إلى الشركات الأجنبية. وتشير دراستنا إلى أن الشركات التي تبتكر في الصين لا بد من أن تستفيد من العاملين المبتكرين التشغيليين والمخصصين في وحدات أعمالها Business units، حتى لو كان هذا يتعارض مع تجربة بلدانها الأصلية.

ويتعين على الشركات الأجنبية أيضاً أن تستفيد من المشهد الغني للمنصات الرقمية في الصين – هي من بين الأكثر تقدماً على مستوى العالم. حتى الشركة الوافدة الجديدة في السوق، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً، شركة بيسيل Bissell، التي تُعَد أكبر جهة منتجة لمنتجات العناية بالأرضية Floor-care على مستوى العالم، ظلت صامدة في أثناء جائحة كوفيد-19 من خلال الاستفادة من منصة البث المباشر تاوباو لايف Taobao Live للبقاء على اطلاع على رغبات العملاء واحتياجاتهم. ومن خلال مركز تيمول للابتكار Tmall Innovation Center التابع لعلي بابا Alibaba، تستطيع الشركات الوصول إلى بيانات المستهلكين في الوقت الفعلي Real time من أجل تسريع الابتكار.

توضح أبحاثنا أن معظم العالم يتلاقى على وصفة ابتكار مشتركة – وصفة تسهل إدارة الابتكار، إذ يمكن توحيد العمليات وتكرارها بين المناطق الجغرافية. لكن الصين تشكل استثناء لهذه القاعدة. فسوقها تختلف عن غيرها من الأسواق في أي مكان آخر من العالم، وكذلك الابتكار المطلوب. وهذا يعني أن الشركات العالمية التي تريد أن تستثمر فوائد وجودها في الصين لا بد أن تتقبل حقيقة وجوب أن تتبنى نموذجاً مزدوجاً: نموذجاً للصين، ونموذجاً آخر لبقية العالم.

ثلاث مغالطات تتعلق بالابتكار الصيني

تفند أبحاثنا بعض الآراء الواسعة الانتشار حول الأسباب التي تجعل الابتكار في الصين أكثر توجيهاً بالسوق.

1. يعود ذلك إلى ثقافة الشركات المُوجَّهة إلى العملاء. بينما توجد اختلافات بين الثقافة المؤسسية في الشركات في الصين وفي الشركات في بقية العالم، هي لا تفسر نمط الابتكار المُوجَّه بالسوق والذي نراه في بياناتنا. عندما تدخل الشركات الأجنبية الصين تتبع الطريقة الصينية في الابتكار. وإذا كانت الثقافة هي التي تدفع سلوكَ الابتكار، كنا سنتوقع أن تبدو هذه الشركات الأجنبية أشبه بتلك التي في بلدانها الأصلية.

2. يرجع هذا إلى أن الابتكار الصيني أكثر تدرجاً من كونه تحويلياً. لا يوجد ما يشير إلى صحة هذه الفرضية – الدارجة منذ فترة طويلة – حول كون الابتكار الصيني أكثر تدرجاً Incremental، وذلك سواء من خلال الأدبيات أو بياناتنا4G.S. Yip and B. McKern, “China’s Next Strategic Advantage: From Imitation to Innovation” (Cambridge, Massachusetts: MIT Press, 2016)..

مثلاً عملت بي أو إي تكنولوجي BOE Technology لصناعة ألواح الصمامات الثنائية العضوية الباعثة للضوء Organic light-emitting diodes (OLED) للمرة الأولى مع شركات يابانية وتايوانية وكورية لتطوير تكنولوجيا العرض Display technology. ثم تطورت لبناء خطوط إنتاج الأغشية الرقيقة الترانزستور شاشات الكريستال السائل Thin-film-transistor liquid-crystal displays (TFT-LCD)، ثم إلى بناء قدرات البحث والتطوير R&D التي جعلتها واحدة من أبرز 10 جهات تقدم طلبات لبراءات اختراع دولية بين العامين 2015 و2019.

كذلك تدحض بياناتنا هذه الفكرة عن تدرج الابتكار الصيني من حيث الاستثمارات، ومهارات الابتكار، والنتائج. مثلها كمثل الشركات في بقية العالم، تستثمر الشركات الصينية نحو ربع ميزانيات الابتكار لديها في مشروعات ذات أهداف تحويلية Transformational (العكس التام للمشروعات المتدرجةIncremental ). فضلاً عن ذلك، تشير 17% من الشركات الصينية إلى أن مبتكريها يتمتعون بقدرات رائدة على مستوى الصناعة، في حين أن 8% فقط من الشركات في بقية العالم تشعر بهذا الشكل إزاء المبتكرين الخاصين بها. والأمر البالغ الأهمية هو أن بيانات الشركات الصينية تشير إلى أن حصة مماثلة من مشروعات الابتكار لديها قادرة على تحقيق ميزة تنافسية ثابتة.

3. لا يشجِّع نظام الملكية الفكرية الصارم الابتكارَ الذي تقوده التكنولوجيا لمصلحة الابتكار المُوجَّه بالسوق. تخلُص أبحاثنا إلى أن الطريقة التي تنظر بها كل من الشركات المحلية والأجنبية العاملة في الصين إلى حماية الملكية الفكرية في البلاد تشبه إلى حد كبير وجهات النظر التي تتبناها الشركات في بقية العالم بشأن مثل هذه الحمايات في بلدانها الأصلية. لا شك في أن استطلاعنا لا يغطي سوى الشركات التي اختارت البقاء في الصين. وقد تكون هناك شركات أقل قدرة اختارت الخروج من السوق.

ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن بياناتنا لا تُظهر أن الشركات الصينية تبذل قدراً أقل كثيراً من الجهد في الحصول على الابتكار الذي تقوده التكنولوجيا، هي فقط تبذل جهداً أكبر في الحصول على الابتكار المُوجَّه بالسوق. كما يظهر الشكل ”مصادر الابتكار المؤسسي في الصين في مقابل بقية العالم“، فإن مصادر الابتكار الأكثر ارتباطاً بالابتكار الذي تقوده التكنولوجيا (مثل البحث والتطوير المركزي، والجامعات، ومختبرات الابتكار، والشركات الناشئة) قريبةٌ من الخط القُطري – وهذا يعني أن الشركات الصينية تستخدمها بنمط متكرر تقريباً على غرار الشركات في أماكن أخرى من العالم.

نيل سي. تومبسون Neil C. Thompson

نيل سي. تومبسون Neil C. Thompson

مدير مشروع أبحاث فيوتشر تك FutureTech في مختبر علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Computer Science & AI Lab.

ديدييه بونيه Didier Bonnet

ديدييه بونيه Didier Bonnet

أستاذ الاستراتيجية والابتكار في كلية آي إم دي للأعمال IMD Business School.

مارك جاي. غريفـين Mark J. Greeven

مارك جاي. غريفـين Mark J. Greeven

أستاذ الابتكار والاستراتيجية في كلية آي إم دي للأعمال.

وينجينغ ليو Wenjing Lyu

وينجينغ ليو Wenjing Lyu

زميل في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مبادرة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا للاقتصاد الرقمي MIT Initiative on the Digital Economy.

سارة جاب الله Sarah Jaballah

سارة جاب الله Sarah Jaballah

مستشارة إدارة في كابجيميني إنفنت Capgemini Invent.

المراجع

المراجع
1 N.C. Thompson, D. Bonnet, and Y. Ye, “Why Innovation’s Future Isn’t (Just) Open,” MIT Sloan Management Review 61, no. 4 (summer 2020): 55-60.
2 M.J. Greeven, G.S. Yip, and W. Wei, “Pioneers, Hidden Champions, Changemakers, and Underdogs: Lessons From China’s Innovators” (Cambridge, Massachusetts: MIT Press, 2019).
3 T. Moss, “Honeywell’s Formula for Success in China,” The Wall Street Journal, Oct. 22, 2021, www.wsj.com.
4 G.S. Yip and B. McKern, “China’s Next Strategic Advantage: From Imitation to Innovation” (Cambridge, Massachusetts: MIT Press, 2016).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى