أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أداء الموظفين

كيفية تقييم تأثير الغرض المؤسسي

يتعين على الشركات أن تُطور القدرة على التقييم الدقيق لما إذا كانت تُحرز تقدماً نحو تحقيق الأهداف الاجتماعية والبيئية.

في مواجهة الموظفين الذين يبحثون عن عمل ذي مغزى، والعملاء الذين يطلبون منتجات مستدامة وقابلة للتتبع، والمستثمرين الذين يريدون أن تضطلع الشركات بعمل جيد وخيّر على حد سواء – في حين يتزايد اتساع فجوة التفاوت ويصبح تغير المناخ تهديداً خطيراً بقدر متزايد – يعيدُ كبار رجال الأعمال تعريفَ الغرض Purpose من مؤسساتهم. في أيامنا هذه أصبح من الصعب على المرء أن يجد شركة كبرى لم تُدرج المصلحة العامة في بيان يحدد السبب وراء وجود المؤسسة.

لكن إذا قُيض للغرض المؤسسي أن يكون أكثر من مجرد واجهة زائفة، وأن يفي بوعد القوة العاملة المنخرطة المحفزة والعملاء الأكثر ولاء، يتعين على الشركات أن تطور القدرة التي لا تزال متأخرة في أغلب الأحيان: يجب أن تكون الشركات قادرة على إجراء تقييم دقيق لنتائج تنفيذ استراتيجيتها الموجهة بالغرض، ولاسيما عندما تدَّعي تلك الاستراتيجية إحداثَ تأثير اجتماعي وبيئي إيجابي. وإذا كانت الشركات تقيس ذلك بالفعل، فإنها تُسنده خارجياً في الأغلب إلى استشاريين، أو تحصره في وظيفة المسؤولية الاجتماعية للشركة، أو حتى تفوضه إلى متدرب. وأدى هذا الموقف إلى اتباع نُهُج دون المستوى الأمثل لا تنظر إلى الأعمال الرئيسة نظرة شاملة، أو لا تؤخذ على محمل الجد من جانب أصحاب المصلحة Stakeholders الرئيسين، أو تنتج بيانات ضعيفة لا يمكن اتخاذ إجراءات بشأنها.

وحتى الشركات التي تبذل جهداً مخلصاً لتنفيذ الغرض كثيراً ما تركز إلى حد كبير على التوفيق بين الموظفين ومبرر وجود المؤسسة. ومن ثم قد تميل الجهود التي تبذلها هذه الشركات لمتابعة تأثير الغرض نحو قياس فهم الموظفين للغرض الذي تسعى إليه وتأثيره في تحفيز المشاركة Engagement واستبقاء الموظفين Retention. لكن لكي يكون الغرض المعلن من أي مؤسسة مستداماً، يتعين على الشركات أن تبدأ المشاركةَ في العمل الجاد من أجل تقييم مدى وضوحه (أو عدمه) في أنشطة الأعمال كلها من حيث أهداف Objectives ومخرجات Outputs ونتائج Outcomes. في الشركات التي تعتمد على الغرض الحقيقي، لا يمكن فصل الغرض الإداري عن إدارة الأعمال.1V.K. Rangan, L. Chase, and S. Karim, “The Truth About CSR,” Harvard Business Review 93, no. 1-2 (January-February 2015): 41-49. وهي تتطور إلى ما نسميه مؤسسات التأثير Impact organizations التي تحدد أهدافها المالية والاجتماعية والبيئية وتقيسها وتديرها بنحو استراتيجي.

ابدؤُوا بفهم التأثير الحالي
مع تحديد الشركات لأهداف محددة موجهة بالغرض Purpose-driven objectives وطرق تحقيقهم لغرضها، من المغري تركيزُ الاهتمام على المبادرات الجديدة ومتابعة تأثير تلك الأنشطة فقط. ومع ذلك من المهم التفكير في المؤسسة بكاملها والكشف عن التأثيرات السلبية المحتملة للعمليات الحالية.

مثلاً قد تبدأ شركة توفيرَ منصةٍ لخدمات تسليم الطعام – الغرض منها هو إطعام المجتمعات المحلية كلها – بإطلاق برنامج يجمع فيه موظفو التسليم الطعام الذي كانت المطاعم قد ترميه بخلاف ذلك وتسليمه إلى المحتاجين. وسيكون من قبيل الخداع قياس التأثير الإيجابي لذلك المشروع، وعدم النظر في احتمال انعدام الأمن الغذائي للعاملين في مجال التسليم أنفسهم الذين يكسبون الحد الأدنى للأجور، أو انعدام الأمن الوظيفي للعاملين المؤقتين.

حدِّدُوا مؤشرات الأداء التي تتابع نواتج التعلم، وليس فقط المدخلات
عديد من المؤسسات تعتاد قياسَ مساهماتها الإيجابية في المجتمع من حيث حجم الأموال التي تستثمرها في ”الأعمال الخيرة“. والتحول من مجرد قياس المدخلات Inputs (الموارد المستثمرة Resources invested) إلى المخرجات أو النتائج أمر ضروري لكن ليس من السهل تحقيقه. كلما كان نطاق النشاط أصغر وأكثر تركيزاً، كان من الأسهل قياس المخرجات والنتائج. فالبدء بالمخرجات (مثل عدد الأشخاص المستفيدين من الطعام) قد يكون مفيداً، لأنها تكون في الأغلب مرتبطة ارتباطاً مباشراً بجهود المؤسسة، والبيانات متاحة بسهولة أكبر.2L. Hehenberger, A. Harling, and P. Scholten, “A Practical Guide to Measuring and Managing Impact” (Brussels: European Venture Philanthropy Association, April 2013); also see C. Busch and H.G. Barkema, “Align or Perish: Dynamic Social Enterprise Network Orchestration in Sub-Saharan Africa,” Journal of Business Venturing 37, no. 2 (March 2022): 1-26. وقياس النتائج، بدوره، يتطلب في الأغلب معلومات خارجية. مثلاً من الممكن قياس “تحسين الأمن الغذائي” من خلال إجراء استبانة تشمل أعضاء المجتمع المستفيد.

وإضافةً إلى ذلك يتعين على أي مؤسسة أن تحدد إلى أي مدى ساهمت جهودها في تحقيق هذه النتائج.3M.K. Gugerty and D. Karlan, “Ten Reasons Not to Measure Impact — and What to Do Instead,” Stanford Social Innovation Review 16, no. 3 (summer 2018): 41-47. وبنحو خاص بالنسبة إلى النتائج الأبعد أمداً، قد يكون من الصعب في الأغلب فصل العلاقة السببية Causal relationship بين نشاط المؤسسة والتأثير البعيد الأمد. في الأغلب يتطلب فهمُ ما إذا كانت التغيرات في النتائج ناجمةً عن تصرفات المؤسسة أو تصرفات شخص/شيء آخر إلقاءَ نظرة على الوقائع المضادة – وهو لم يكن ليحدث لو لم تبذل المؤسسة هذا الجهد بعينه. وفي وسع الشركات أن تكتسب هذه الرؤية من خلال الاستفادة من أنشطة الأطراف الفاعلة الأخرى في المجال، فضلاً عن أنشطة الشركاء الذين ساهموا في جهود المؤسسة – قياس التأثير على مستوى أي نظام، مثل المجتمع المحلي.4J. Mair and C. Seelos, “Organizations, Social Problems, and System Change: Invigorating the Third Mandate of Organizational Research,” Organization Theory 2, no. 4 (October 2021): 1-22.

وينبغي اختيار مؤشر Indicator يقيِّم النطاق ومؤشرٍ آخر يقيس العمق لكل مجال من مجالات النتائج. إذا وضعت مؤسسةٌ ما برنامجَ تعليم لإعداد الشباب للعمل في قطاعها، مثلاً، فمن المرجح أن يرغب قادة البرامج في فهم عدد الطلبة الذين أكملوا البرنامج (النطاق Scale)، وكيف ساعدهم البرنامج في الحصول على وظائف (العمق Depth).

ولا بد من متابعة مقاييس المخرجات Output measures الخاضعة للسيطرة المباشرة لأي مؤسسة كل ثلاثة أشهر على الأقل. والنتائج – التغييرات التي تهدف المؤسسة إلى تحقيقها – قد تُتابَع بنحو أقل تكراراً، نظراً إلى أن التغيير يتطلب وقتاً.

وتضيف البيانات النوعية Qualitative data التي تربط المخرجات بالواقع المعيش للمشاركين في البرنامج عمقاً، ويمكن أن يستنير بها تصميم الأنشطة المقبلة. مثلاً قد يبلغ الطلبة الذين أتموا بنجاحٍ برنامجَ التلمذة الصناعية عن حصولهم على وظيفة، لكنهم يصفون أيضاً كيف أيقظ البرنامج الاهتماماتِ الأوسعَ نطاقاً، وألهمهم الالتحاق بدورة من دورات التعليم العالي.

ينبغي أن تستوفي الأنظمةُ الرسمية لجمع بيانات التأثير ومتابعتها معاييرَ نوعية البيانات نفسها التي تفي بها المعلومات المالية.

جمِّعوا البيانات وحلِّلُوها ضِمن إطار منهجي
مع جدية الشركات في قياس تأثير الغرض، تحتاج أيضاً إلى تطوير أنظمة رسمية لجمع بيانات التأثير ومتابعتها – وتطبيق معايير جودة البيانات نفسها التي تطبقها على معلوماتها المالية. وينبغي لقادة الأعمال أن يُدمجوا البيانات في أنظمة الإبلاغ Reporting والحوكمة Governance التي تتبناها الشركة لكي تصبح شفافة وفي المتناول، وينبغي لهم أن يعرضوا النتائج إلى أصحاب المصلحة الرئيسين. لن يقبل كبار القادة الذين يلتزمون بإخلاصٍ بالغرض بما هو أقل من ذلك – ويتعين على البيانات أن تصمد أمام تدقيق أصحاب المصلحة الذين يسعون إلى تحميل الشركة المسؤوليةَ عن تحقيق الغرض منها، مثل الموظفين والعملاء الناشطين، والمستثمرين المؤثرين.

لا تقتصر البيانات الجيدة عن المخرجات والنتائج على التحقق من القيمة التي أنشأتها المؤسسة فحسب؛ فعند إدخالها إلى لوحات معلومات تحليلات الإدارة Management analytics dashboards وأنظمة دعم القرار Decision support systems يمكنها الكشف عن فرص التكرار والتعلم والتحسين عند تنفيذ استراتيجية تستند إلى الغرض. وستكون بيانات التأثير الصحيحة ذاتَ صلة بالأنشطة اليومية. مثلاً البيانات التي تجمعها الشركة حول كفاءة استخدام الطاقة في مصانعها لمتابعة تقدُّمها نحو التزامات الاستدامة هي مادة ضرورية للقرارات المتعلقة بكيفية إدارة سلسلة القيمة Value chain الخاصة بها بالكامل.

لوضع استراتيجيات وأنظمة تُتابع بيانات التأثير والإبلاغ عنها، وتُحمل المؤسسة المسؤولية، وتُزود متخذي القرارات ببيانات تشغيلية قابلة للتنفيذ وفي الوقت المناسب أهميةٌ كبرى لجعل بيان الغرض رسالةً وليس مجرد شعار. وفي عالم سريع التغير يمكن للبيانات أن تقدم أيضاً روابط مصادفة قد تؤدي إلى حلول جديدة – ولاسيما عندما تتصدى الشركات للتحدي الأكثر تعقيداً المتمثل في تحقيق غرض يحتضن الاحتياجات المتعددة لأصحاب المصلحة.5C. Busch, “The Serendipity Mindset: The Art and Science of Creating Good Luck” (New York: Penguin Random House, 2020). وهذا يمكن أن يجعل الشركات مؤسسات مؤثرة، وأن يُحول الخطابة إلى واقع.

كريستيان بوش Christian Busch

كريستيان بوش Christian Busch

(@chrisserendip) يُدير برنامج الاقتصاد العالمي Global Economy في مركز الشؤون العالمية Center for Global Affairs التابع لجامعة نيويورك، وهو مؤلف كتاب عقلية المصادفة: فن وعلم إنشاء الحظ الجيد The Serendipity Mindset: The Art and Science of Creating Good Luck (Penguin Random House، 2020).

ليزا هيهينبرغر Lisa Hehenberger

ليزا هيهينبرغر Lisa Hehenberger

(@lhhenberger) أستاذة مشاركة في كلية إيساد للأعمال Esade Business School ومديرة مركز إيساد للتأثير الاجتماعي Esade Center for Social Impact.

المراجع

المراجع
1 V.K. Rangan, L. Chase, and S. Karim, “The Truth About CSR,” Harvard Business Review 93, no. 1-2 (January-February 2015): 41-49.
2 L. Hehenberger, A. Harling, and P. Scholten, “A Practical Guide to Measuring and Managing Impact” (Brussels: European Venture Philanthropy Association, April 2013); also see C. Busch and H.G. Barkema, “Align or Perish: Dynamic Social Enterprise Network Orchestration in Sub-Saharan Africa,” Journal of Business Venturing 37, no. 2 (March 2022): 1-26.
3 M.K. Gugerty and D. Karlan, “Ten Reasons Not to Measure Impact — and What to Do Instead,” Stanford Social Innovation Review 16, no. 3 (summer 2018): 41-47.
4 J. Mair and C. Seelos, “Organizations, Social Problems, and System Change: Invigorating the Third Mandate of Organizational Research,” Organization Theory 2, no. 4 (October 2021): 1-22.
5 C. Busch, “The Serendipity Mindset: The Art and Science of Creating Good Luck” (New York: Penguin Random House, 2020).
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى