أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
المُضلِّلة

الاختصارات الإدراكية التي تشوش اتخاذ القرار

إن مجرد تكرار المزاعم الزائفة يزيد من قدرتها على أن تعزز تصديقها، الأمر الذي يجعل قادة الأعمال عُرضة لاتخاذ القرارات استناداً إلى معلومات مُضلِّلة. إليكم أربع استراتيجيات للحيلولة دون ذلك.

سواء كانت الاجتماعات عبر زوم Zoom أو وجهاً لوجه فإنها تكون بالفاعلية نفسها. ويزيد أسبوع عمل مؤلفٌ من أربعة أيام إنتاجيةَ الموظفين. وتعني قلة الشكاوى أن العملاء سعداء. ويتطلب الابتكار قدراً من الزعزعة.

يواجه قادة الأعمال هذه المزاعم وما يماثلها بنمط منتظم. لكن ما الذي يجعل الناس يعتقدون أنها صحيحة؟ وبنحوٍ حاسم أكثر: كيف تؤثر مزاعم كهذه في القرارات الاستراتيجية؟

نعيش في زمن من القدرة غير المسبوقة على الوصول إلى معلومات متاحة في أي وقت وفي أي مكان. وحتى حين لا نسعى إلى الحصول على الآراء والمراجعات ومنشورات Posts على وسائل التواصل الاجتماعي، فإننا نتعرض لها بنمط مستمر. وببساطةٍ تصعب معالجة كل هذه المعلومات، لكن هناك مشكلة أخرى أكثر خطورة: ليست المعلومات كلها دقيقة، وبعضها خاطئ تماماً. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن تكرار المعلومات غير الدقيقة أو الخاطئة يُنشئ وهماً بصحتها: يعتقد الناس أن المعلومات المكررة صحيحة – حتى لو لم تكن صحيحة.

والواقع أن المعلومات المضللة Misinformation والمعلومات المضللة عمداً Disinformation ليست جديدة على الإطلاق. ويقال إنها تُضعف عملية اتخاذ القرار منذ أن نشأت المؤسسات. ومع ذلك يتعامل المديرون حالياً مع معلومات غير صحيحة وغير موثوق بها على نطاق لا مثيل له. وتزداد حدة المشكلة خاصةً بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل فيسبوك Facebook وغوغل Google وتويتر Twitter، بسبب الآثار الاجتماعية الواسعة النطاق المترتبة على المعلومات المضللة المنشورة على منصاتها. فقد توصلت دراسة حديثة لمقاطع الفيديو الأكثر اجتذاباً للمشاهدة على يوتيوب YouTube حول جائحة كوفيد19- إلى أن 19 من 69 مقطع فيديو تتضمن معلومات لا تمت إلى الوقائع بصلة، وشوهدت مقاطع الفيديو التي تضمنت معلومات مضللة أكثر من 62 مليون مرة.1H.O. Li, A. Bailey, D. Huynh, et al., “YouTube as a Source of Information on COVID-19: A Pandemic of Misinformation?” BMJ Global Health 5, no. 5 (May 2020): 1-6.

وفي عالم اتخاذ القرار في الشركات، يُلحق انتشارُ المعلومات المضللة الضررَ بالمؤسسات على أكثر من نحو، بما في ذلك التأثير في العلاقات العامة، والمراجعات الزائفة، ونشر الإشاعات بين الموظفين الحاليين والمستقبليين. وقد يجد المسؤولون التنفيذيون أنفسهم على الطرف المتلقي للبيانات والحقائق والأرقام المزيفة – وهي معلومات معيبة إلى حد يجعلها غير صالحة لأن تُتخَذ القرارات الحاسمة بناء عليها. فالمعلومات المضللة، بصرف النظر عما إذا حدث تناقلُها عن طريق الخطأ أو عُمد إلى تشاركها بنيةٍ سيئة، إنما تُعيق عملية اتخاذ القرار السليمة.

ويواجه الموظفون جميعاً – من المديرين التنفيذيين CEOs إلى الموظفين الذين هم على تماسٍّ مع العملاء – تحدي تحديد ما إذا كانت المعلومات صحيحة أو لا. وهذه ليست دوماً مهمة سهلةً، بل هي تزداد تعقيداً – إلى حد لافت للنظر – بفعل التحيزات Biases الشائعة لكن القوية، والتي تؤثر في الطريقة التي نفهم بها المعلومات. إنه خلل في العقل البشري: نميل إلى النظر إلى المعلومات المكررة على أنها أكثر قابلية للتصديق من المعلومات التي نسمعها أول مرة، بغض النظر عما إذا كانت المعلومات صحيحة في الواقع. ولا تتأثر أحكامنا بشأن حقيقة بيان ما بالمضمون الفعلي للمعلومات فحسب، بل أيضاً بميلنا إلى تصديق المعلومات المكررة أكثر من المعلومات الجديدة.

لماذا تبدو المعلومات المضللة المكررة صحيحة؟
في العام 1939، حذر الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت Franklin D. Roosevelt من أن “التكرار لا يحول الكذبة إلى حقيقة”. ومما يدعو إلى الأسف أن عقوداً من الأبحاث أثبتت أن تكرار المعلومات الزائفة من الممكن أن يؤدي إلى وهم Illusion الحقيقة على الأقل. ويشير علماء النفس إلى هذه الظاهرة بـ“تأثير الحقيقة القائم على التكرار”، أو باختصارٍ تأثير الحقيقة الوهمية Illusory truth effect.2C. Unkelbach, A. Koch, R.R. Silva, et al., “Truth by Repetition: Explanations and Implications,” Current Directions in Psychological Science 28, no. 3 (June 2019): 247-253. فالمعلومات التي نسمعها مرة تلو الأخرى تكتسب “ثباتاً” Stickiness يؤثر في حكمنا. وليست مثلُ هذه التأثيرات عابرة ولا هامشية. والواقع أن تأثير الحقيقة الوهمية بالغ القوة، وأظهر قوته مراراً وتكراراً في مجموعة من المجالات، من الخطب السياسية إلى المزاعم الخاصة بالمنتجات. ومن بين النتائج المقلقة أن الناس يقعون فريسة لهذا التأثير ليس فقط عندما تكون المعلومات الأصلية لا تزال طازجة في ذاكرتهم، بل أيضاً بعد أشهر من التعرُّض لها. وإضافةً إلى ذلك يحكم الناس على المعلومات المكررة بأنها أكثر صدقاً حتى إن لم يكن في وسعهم أن يتذكروا أنهم صادفوا المعلومات من قبل.

وقد تكون المعلومات المكررة مقنعة حتى عندما ”نعرف أفضل“– حين تتعارض المزاعم الكاذبة مع الحقائق المعروفة أو تأتي من مصدر غير جدير بالثقة. مثلاً قد يعرف المدير أن موظفاً ما نمامٌ سيئ السمعة، لكن يمكنه أن يتأثر بإشاعة ينشرها الموظف. هذا لأن المحتوى (الإشاعة) كثيراً ما ينفصل في الذاكرة عن مصدره (الموظف غير الموثوق به) بمرور الوقت. إنه الشعور المعروف جيداً بالتأكد من أنكم سمعتم أو قرأتم جزءاً من المعلومات من قبل، لكن لا تستطيعون أن تتذكروا من أين أتى. وتشير بعض أبحاثنا إلى أن تأثير الحقيقة الوهمية يستمر حتى عندما تُعرَض على الناس حوافز نقدية لإصدار أحكام دقيقة، كما يحدث عندما تُعرَض مكافآت على الموظفين. ولا يساعد أيضاً تجنيد خبير موثوق به لمكافحة المعلومات الخاطئة؛ تُظهر الدراسات أن الناس يصدقون المعلومات المضللة المكررة حتى عندما يزعم مصدر موثوق به أن المعلومات غير صحيحة.

وعلى الرغم من أن الإجراءات المؤسسية المهمة تستند عادةً إلى تقييم دقيق للحقائق المتاحة، يظل تأثير الحقيقة الوهمية قادراً على التأثير في الناس عندما يجمعون المعلومات ويناقشون القرار. مثلاً قد يزعم أحد أعضاء الفريق، على نحو متكرر لكن غير صحيح، أن نقل الإنتاج إلى دولة أخرى لن يضر بصورة الشركة. قد لا يكون هذا وحده القوةَ التي تحرك القرار، لكنه قد يكون واحداً من عديد من المعلومات التي تساهم في الاختيار. لا يمكن التثبت من كل حقيقة، ولاسيما في الحالات التي تكون فيها درجة ما من عدم اليقين.

لماذا يميل الأشخاص إلى تصديق المعلومات المكررة أكثر من المعلومات الجديدة؟ يوضح السيناريو التالي كيفية حدوث ذلك بوجه عام.

● مديرٌ يسعى إلى توظيف عضو جديد في فريق المبيعات يتوصل إلى قائمة قصيرة من مرشَّحَتين لهما سمات (ملفات تعريف) Profile متشابهة، جين وسوزان، ومن المقرر إجراء مقابلات يوم الجمعة.

● الإثنين يصرح أحد أعضاء الفريق بأن جين على دراية كبيرة بخطوط منتجات الشركة. هذه معلومات جديدة، وينشئ عقل المدير رابطاً بين المرشحة “جين” ومفهوم “الدراية”.

● الأربعاء يذكر عضو الفريق نفسه، مرة أخرى، أن جين على دراية بمنتجات الشركة، ما يعزز الرابط القائمَ بين ”جين“ و”الدراية“.

● الجمعة تقول جين وسوزان إنهما تعرفان كثيراً عن منتجات الشركة. ولأن المعلومات عن سوزان جديدة والمعلومات عن جين ليست كذلك، لا يكون الرابط بين ”سوزان“ ومفهوم ”الدراية“ قوياً مثل الرابط بين ”جين“ و”الدراية“. ولأن المعلومات المكررة حول ”جين“ تبدو أكثر أُلفة من المعلومات الجديدة حول ”سوزان“، فإن المدير يفكر فيها بسهولة أكبر. تسمى هذه السهولة التي نهضم بها المعلومات المكررة الطلاقة في المعالجة Processing fluency، ونستخدمها كدليل على الحقيقة. وهكذا فإن المدير أمْيَل إلى تعيين جين.

تشوش اتخاذ القرارونظراً إلى قدرات العقل البشري، يبدو من اللافت للنظر أن الناس يتقبلون المعلومات بكل سهولة وببساطة استناداً إلى تعرضهم المتكرر لها. لكن فكِّروا فيما يلي: كيف يعرف معظم الأشخاص أن تيم كوك هو الرئيس التنفيذي لأبل Apple؟ أو أن البيتكوين متقلبة؟ يرجع ذلك إلى أنهم صادفوا هذه المعلومات عدة مرات في الماضي. فالتكرار يشكل أهمية مركزية في كيفية تعلُّم الناس واكتسابهم المعرفة، ومن المنطقي أن تكون المعلومات التي تُصادَف مراراً وتكراراً أكثر مصداقية. والتجربة تعلمنا أن أغلب المعلومات التي نتعرض لها يومياً صحيحة على الأرجح بنحو واقعي، ولاسيما إذا صادفناها أكثر من مرة. ويساعدنا قبول المعلومات المكررة على أنها صحيحة على عبور مشهد معلومات معقد. لقد تعلم العقل اختصاراً وظيفياً يستخدم الطلاقة في المعالجة كعلامة على أن المعلومات صحيحة ودقيقة.

ولأن هذا الاختصار يتسم بالكفاءة العالية، نميل إلى الإفراط في الاعتماد عليه. لكن حالياً في المنظومة الإيكولوجية المعقدة للمعلومات وغير المؤكدة، لا تكفي المعالجة السريعة والتكرار للحكم على الحقيقة، ولا يفيدان في ذلك. وينبغي للقادة ليس أن يكونوا قادرين على تمييز الحقائق من الأكاذيب فحسب، بل يتعين عليهم أيضاً – وبنحو حاسم – أن يحموا أنفسهم، وفرقهم، ومؤسساتهم، ضد تضليلهم عمداً أو عن غير قصد.

أربع استراتيجيات لمكافحة تأثير الحقيقة الوهمية
يحدُث أثرُ الحقيقة الوهمية بلا جهد يذكر، لكن الجهود ضرورية لمكافحته. وعلى الرغم من أن تداعياته السلبية لا يمكن أبداً تجنبها بنحو كامل، يمكن أن يكون تأثيره محدوداً من خلال العناية والتركيز على الدقة. وهذا حاسم بنحو خاص بالنسبة إلى عملية اتخاذ القرار الإداري، حيث قد تقود المعلومات غير الدقيقة أو الزائفة المؤمنين بها إلى اتخاذ قرارات متحيزة فيما يتصل بالتوظيف والفصل والترقية؛ أو تضييع فرص النمو؛ أو اختيارات معيبة عند الخوض في أسواق جديدة.

كيف يمكن للمديرين أن يحتاطوا من هذه العواقب السلبية؟ حددنا أربع استراتيجيات من شأنها أن تحسن من احتمالات اتخاذ القادة وفرقهم قراراتِهم على أساس معلومات جديرة بالثقة.

الاستراتيجية 1:
تجنبوا البقع العمياء للتحيز AVOID THE BIAS BLIND SPOT
تُظهر أبحاث حديثة أن الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء أو مهارات تحليلية متفوقة هم عرضة لتأثير الحقيقة الوهمية مثلهم في ذلك كمثل غيرهم.3J. De keersmaecker, D. Dunning, G. Pennycook, et al., “Investigating the Robustness of the Illusory Truth Effect Across Individual Differences in Cognitive Ability, Need for Cognitive Closure, and Cognitive Style,” Personality and Social Psychology Bulletin 46, no. 2 (February 2020): 204-215. لذلك يُعَد أول ما يستطيع المديرون الاضطلاعَ به هو أن يقبلوا أنهم ليسوا محصَّنين.

يقع عديد من متخذي القرار فريسة للبقع العمياء للتحيز Bias blind spot، وهي ظاهرة نفسية موثقة بنحو جيد، حيث يعتقد الناس أن التحيزات تُشوِّش تصرفات الآخرين لكنها لا تؤثر في تصرفاتهم هم شخصياً.4E. Pronin, D.Y. Lin, and L. Ross, “The Bias Blind Spot: Perceptions of Bias in Self Versus Others,” Personality and Social Psychology Bulletin 28, no. 3 (March 2002): 369-381. ويدرِّس أحد كتاب هذه المقالة، على نحو منتظم، دورات عن الزعامة وتحيزات القرارات لطلبة ماجستير إدارة الأعمال والمديرين من ذوي التجربة، وكل عام يزعم عديد من الحضور علناً أنهم لن يقعوا أبداً في فخاخ للقرار كهذه. ومع ذلك، عند وضع الأفراد أنفسهم موضع الاختبار في محاكاة مصممة لتوضيح التحيزات وأثرها في القرارات الحاسمة التي تتخذها القيادة، فإنهم يُظهرون التحيزات نفسها التي يدعون أنهم يتمتعون بحصانة ضدها.

يقول دانييل كانيمان Daniel Kahneman الحائز جائزة نوبل إنه إذا كان يمتلك عصا سحرية قادرة على إزالة تحيز حكمي منفرد Single judgmental bias، فسيزيل بها فرط الثقة Overconfidence، لأن هذا هو ما يجعل الناس يقاومون، بنحو خاص، فكرةَ وقوعهم فريسة لتحيزات أخرى. يشكل فهم تأثير الحقيقة الوهمية، وقبولكم أنكم عرضة له كأي شخص آخر، خطوة أولى بناءة نحو الحد من المخاطر التي قد تتعرضون لها.

الاستراتيجية 2:
تجنبوا الفقاعات المعرفية AVOID EPISTEMIC BUBBLES
تعتمد القرارات الاستراتيجية في الأغلب على المعلومات التي يتشاركُها أعضاء الفريق وغيرهم من أصحاب المصلحة Stakeholders الرئيسين. من الأهمية بمكان ألا تشكل هذه الشبكة فقاعة معرفية Epistemic bubble، حيث لا يصادف الأعضاء سوى آراء مماثلة، ولا يفكرون في وجهات نظر بديلة. تُظهر الدراسات أن الفرق التي تعكس وجهات نظر متنوعة تفوق أداء المجموعات الأكثر تجانساً حتى عندما يكون لدى الأخيرة أعضاء يتمتعون بقدرات فردية أعلى في المتوسط.5L. Hong and S.E. Page, “Groups of Diverse Problem Solvers Can Outperform Groups of High-Ability Problem Solvers,” Proceedings of the National Academy of Sciences 101, no. 46 (Nov. 16, 2004): 16385-16389.

انظروا فيما يلي: يسمع مدير الموارد البشرية من أحد أعضاء الفريق يقول إن الأبحاث تُظهر أن الموظفين أكثر إنتاجية مع أسبوع عمل مدته أربعة أيام، وبعد أسبوع، يقول عضو آخر في الفريق الشيء نفسه. وعلى الرغم من أن قرار تبني أسبوع عمل أقصر سيتطلب تحليلاً وبحثاً واجتماعات استراتيجية مكثفة، بقيت الفكرة القائلة بأن تغييراً كهذا من شأنه أن يحسن الإنتاجية في رأس المدير، وستصبح جزءاً من حساباته في اتخاذ القرار.

ويتعين على مدير الموارد البشرية أن يسأل عما إذا كانت مصادر المعلومات مستقلة حقاً وليست مجرد تكرار أحد الطرفين حججَ الآخر. من المعروف أن أعضاء الفريق يقضون وقتاً طويلاً في مناقشة المعلومات التي لدى عديد من أعضاء الفريق الآخرين بالفعل، بدلاً من التفكير في معلومات جديدة لا يحتفظ بها سوى البعض. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى عواقب سلبية إذا كانت المعلومات الجديدة حاسمة للتوصل إلى حل مثالي.6L. Lu, Y.C. Yuan, and P.L. McLeod, “Twenty-Five Years of Hidden Profiles in Group Decision Making: A Meta-Analysis,” Personality and Social Psychology Review 16, no. 1 (February 2012): 54-75.

ولتجنُّب الفقاعات المعرفية، يتعين على المديرين أن يرعوا بيئة حيث يمكن توليد وجهات نظر متعارضة ومختلفة وحيث تُناقَش بنمط نشط وعلني. هل الفريق في وضع يسمح له بالتفكير النقدي في الأفكار المتعارضة والمقترحات المضادة؟ عندما يعرب شخص ما عن رأي، هل يجرؤ الآخرون على التحدث بصراحة إذا اختلفوا؟ ومن الجدير بالذكر أن تكرار الحجة من قِبل عديد من الناس من ذوي التفكير المماثل قد يجعلها أكثر إقناعاً من الناحية النفسية، لكنها ليست بالضرورة أكثر دقة أو أكثر صحة.

الاستراتيجية 3:
شكِّكوا في الحقائق والافتراضات QUESTION FACTS AND ASSUMPTIONS
نتقبل في كثير من الأوقات معلومات جديدة قد نرفضها إذا فكرنا فيها بعمق. من الممكن أن تساعد عقلية الدقة Accuracy mindset على تعطيل تأثير الحقيقة الوهمية من خلال التأكيد على تقييم ما إذا كانت المعلومات تتناسب مع معرفة المرء، ويمكنها أن تعزز ثقافة يكون فيها الموقف الافتراضي هو النظر في صدقية المعلومات الجديدة عندما تنشأ.

قد تبدو هذه الاستراتيجية واضحة ومباشرة، لكن في الواقع لا يعمد إلا القليل من الأشخاص، بنمط دوري ناقد، إلى تقييم المعلومات التي تُقدَّم إليهم – وسيشاركون المعلومات من دون التفكير فيما إذا كانت صحيحة بالفعل. ومن الممكن لتطوير القدرة الداخلية على التثبت من الحقائق أن يكون ترياقاً قوياً من تأثير الحقيقة الوهمية. وأظهرت أبحاث حديثة أنه عند تقديم معلومات جديدة إلى شخص ما، بجعل السؤال يدور ببساطة حول ما إذا كانت صحيحة، فمن غير المرجح أن يصدق الشخص المعلومات الزائفة عند تكرارها.7N.M. Brashier, E.D. Eliseev, and E.J. Marsh, “An Initial Accuracy Focus Prevents Illusory Truth,” Cognition 194 (January 2020): 1-6.

يمكن للمديرين تطوير عقلية الدقة من خلال بعض الممارسات البسيطة. تتلخص الأولى في إبلاغ فرقهم صراحة بانتشار تأثير الحقيقة الوهمية، وإبراز أهمية التعامل مع المعلومات الجديدة بنحو نقدي. وينبغي لهم أيضاً أن يشجعوا فريقهم على أن يسأل دوماً: “هل هذا صحيح؟”، أو “هل يتناسب مع ما أعرفه؟”، عند مواجهة المعلومات والاقتراحات والآراء. علاوة على ذلك يمكن للمديرين أن يطلبوا إلى أعضاء الفريق تبرير قراراتهم وتوفير تفاصيل حول المعلومات التي تستند إليها.

وعلى الرغم من أن هذه الممارسة بالغة الأهمية، هناك عديد من الحالات لا تمتلك الفرق فيها الخبرة الكافية حول موضوع ما، ولا تكفي عملية التحقق الداخلي من الوقائع Internal fact-checking. ويتعين على المديرين أيضاً أن يعززوا التحقق الخارجي من الوقائع External fact-checking لضمان التحقق من المعلومات المستخدمة في اتخاذ القرار من قِبل مصدر موثوق به.

لرعاية التحقق الخارجي من الوقائع، يتعين على المديرين أن يسألوا عما إذا كانت هناك بيانات وحقائق وأرقام موضوعية تدعم المعلومات قيد النظر، وما إذا كانت هناك معلومات تتعارض مع هذه المعلومات. من المهم أيضاً التساؤل عما إذا كانت المصادر موثوقاً بها أو لا. هل لديها دوافع خفية وراء المعلومات التي توفرها؟ كيف جُمِعت المعلومات، وهل هذه منهجية مرضية؟

على الرغم من أن التحقق الخارجي من الوقائع يشكل استراتيجية بالغة الفاعلية، فإنها تستغرق وقتاً وقد تؤخر اتخاذ القرارات. ومن غير العملي أيضاً التحقق من كل معلومة. يجب أن يزن المديرون العواقب المحتملة للعمل وفق معلومات خاطئة مقارنةً بالتكاليف المتكبَّدة للتحقق من هذه المعلومات. عندما تكون الرهانات عالية، من المفيد بذل جهود أكبر في التحقق من الوقائع.

الاستراتيجية 4:
تثبتوا من الحقيقة NUDGE THE TRUTH
لأن المعلومات تكتسب المصداقية مع التكرار، يمكن للمديرين التثبتُ من الحقيقة Nudge the truth بتكرار معلومات حقيقية وذات صلة.8C. Unkelbach and F. Speckmann, “Mere Repetition Increases Belief in Factually True COVID-19-Related Information,” Journal of Applied Research in Memory and Cognition 10, no. 2 (June 2021): 241-247. هذا التكتيك ذو صلة بنحو خاص، لأن جائحة كوفيد-19 المستمرة ساهمت في درجة عالية من عدم اليقين حول ظروف العمل وسياسات مكان العمل. وهذا أنشأ بيئة تنطوي على خطر أكبر يتمثل في المعلومات المضللة والمعلومات المضللة عمداً.

ولمواجهة ذلك ينبغي أن يكون المديرون مستعدين للرد بالوقائع والتكرار، والتكرار، والتكرار. فقد أظهرت عقود من الأبحاث العلمية في مجالات علم النفس والخطابة Rhetoric والفلسفة قيمة تكرار الحجة. ومن القوة بصفة خاصة أن نكرر المزاعم حرفياً بدلاً من استخدام صياغة مختلفة.

لكن هذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر: قد يكرر المدير معلومات غير صحيحة عن غير قصد. وقبل تعزيز الرسالة من الأهمية بمكان تقييم المعلومات المنقولة. احذروا من البقع العمياء للتحيز، وتمسكوا بعقلية الدقة، وتحققوا من الوقائع، ولا تَعْلقوا في فقاعة معرفية.

في العصر الرقمي، تُعَد المعلومات قوة؛ فهي تمنح المديرين ميزة تنافسية Competitive edge. وعلى الرغم من هذا فإن المعلومات غير الدقيقة أو الزائفة، إذا تكررت في كثير من الأحيان بالقدر الكافي، من الممكن أن تكتسب وهم الحقيقة، وهذا من شأنه أن يُعرِّض عملية اتخاذ القرارات التنفيذية للخطر. ومن بين التحديات الأكثر أهمية التي سيواجهها الزعماء على مدى سنوات مقبلة منعُ البيانات غير الدقيقة، والمعلومات الزائفة، والحقائق الزائفة من المساس بسلامة شركاتهم ونجاحها. وستساعدهم الاستراتيجيات الأربع التي أوضحناها أعلاه على تحقيق ذلك، وتوليد قيمة دائمة ومستدامة للشركات وعملائها.

جوناس دي كيرسماكر Jonas De keersmaecker

جوناس دي كيرسماكر Jonas De keersmaecker

باحث ما بعد الدكتوراه في كلية إيساد Esade Business School للأعمال بجامعة رامون لول Ramon Llull University.

كاثارينا شميد Katharina Schmid

كاثارينا شميد Katharina Schmid

أستاذة مساعدة في مدرسة إيساد للأعمال بجامعة رامون لول.

ناديا براشير Nadia Brashier

ناديا براشير Nadia Brashier

أستاذة مساعدة في جامعة بوردو Purdue University.

كريستيان أنكلباخ Christian Unkelbach

كريستيان أنكلباخ Christian Unkelbach

أستاذ في جامعة كولونيا University of Cologne ونائب رئيس مركز السلوك الاجتماعي والاقتصادي Center for Social and Economic Behavior التابع لها.

المراجع

المراجع
1 H.O. Li, A. Bailey, D. Huynh, et al., “YouTube as a Source of Information on COVID-19: A Pandemic of Misinformation?” BMJ Global Health 5, no. 5 (May 2020): 1-6.
2 C. Unkelbach, A. Koch, R.R. Silva, et al., “Truth by Repetition: Explanations and Implications,” Current Directions in Psychological Science 28, no. 3 (June 2019): 247-253.
3 J. De keersmaecker, D. Dunning, G. Pennycook, et al., “Investigating the Robustness of the Illusory Truth Effect Across Individual Differences in Cognitive Ability, Need for Cognitive Closure, and Cognitive Style,” Personality and Social Psychology Bulletin 46, no. 2 (February 2020): 204-215.
4 E. Pronin, D.Y. Lin, and L. Ross, “The Bias Blind Spot: Perceptions of Bias in Self Versus Others,” Personality and Social Psychology Bulletin 28, no. 3 (March 2002): 369-381.
5 L. Hong and S.E. Page, “Groups of Diverse Problem Solvers Can Outperform Groups of High-Ability Problem Solvers,” Proceedings of the National Academy of Sciences 101, no. 46 (Nov. 16, 2004): 16385-16389.
6 L. Lu, Y.C. Yuan, and P.L. McLeod, “Twenty-Five Years of Hidden Profiles in Group Decision Making: A Meta-Analysis,” Personality and Social Psychology Review 16, no. 1 (February 2012): 54-75.
7 N.M. Brashier, E.D. Eliseev, and E.J. Marsh, “An Initial Accuracy Focus Prevents Illusory Truth,” Cognition 194 (January 2020): 1-6.
8 C. Unkelbach and F. Speckmann, “Mere Repetition Increases Belief in Factually True COVID-19-Related Information,” Journal of Applied Research in Memory and Cognition 10, no. 2 (June 2021): 241-247.
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى