التفاعل الاستراتيجي مع المنظومات الإيكولوجية للابتكار
حيثما تتكتل الشركات الناشئة والباحثون والمستثمرون، تكُن فرص تسريع الابتكار المؤسسي وفيرة.
تدفع الضغوط التنافسية باتجاه الابتكار الشركاتِ إلى البحث عن أفكار جديدة خارج جدرانها. لكن رعاية مناسبة عرضية للابتكار أو الحصول على تفاعلات مرةً واحدة وغير منسقة مع مسرع للشركات الناشئة Startup accelerator لن تساهم كثيراً في تعزيز قدرات الابتكار في أي مؤسسة. وتفوت عديد من الشركات فرصة في متناول اليد من خلال التغاضي عن المنظومات الإيكولوجية الابتكارية Innovation capabilities في مناطقها، أو نظراً إلى فشلها في الاستفادة منها بفاعلية.
وتنشأ هذه المنظومات الإيكولوجية عندما يكون نشاط الابتكار وروح ريادة الأعمال مركزين بدرجة كبيرة. نُعرِّف المنظومات الإيكولوجية بوصفها أماكن تشرك خمسة أنواع من أصحاب المصلحة Stakeholders – مؤسساتٍ بحثية، ورواد أعمال، وشركات، ومستثمرين، وحكومات – ترتبط ببنية اجتماعية قوية ذات مصلحة مشتركة، واحتياجات وموارد تكميلية، وثقة. (انظر: أصحاب المصلحة التكميليون في المنظومات الإيكولوجية الابتكارية، الصفحة 40).
وتُظهر أبحاثنا أن منظومات إيكولوجية ابتكارية جديدة آخذة في الظهور عالمياً، خارج المراكز المعروفة. وعلى الرغم من أن هذه التجمعات من الأنشطة أصغر حجماً أو أكثر تخصصاً من وادي السليكون Silicon Valley، مثلاً، فإنها توسع الفرص الإقليمية للمشاركة المؤسسية في مواقع جديدة. ومن ناحية أخرى تُمكن التفاعلات الرقمية من المشاركة على نطاق أوسع بين الحدود الجغرافية.
ولتحقيق أهداف الابتكار تحتاج الشركات إلى اتباع نهج منهجي لتحديد ميزة تنافسية من العمل مع مجتمعات الابتكار هذه وتأمينها.
ويوفر الإطار الذي نقدمه هنا، والذي طُوِّر من عملنا العالمي مع المئات من قادة الشركات، نهجاً عملياً لمشاركة استراتيجية كهذه.1We have taught, and gratefully learned from, corporate leaders in MIT Sloan’s Executive MBA program, MIT’s global Regional Entrepreneurship Acceleration Program, and MIT Sloan Executive Education. وهو يساعد القادة على تجنب المخاطر الشائعة التي ينطوي عليها تقرير كيفية المشاركة ومكانها قبل تحديد ما يحتاجون إليه، واتخاذ قرار مع من تتعين عليهم المشاركة قبل تحديد الأطراف الفاعلة في المنظومة الإيكولوجية التي تُعتبر ضرورية لبناء العلاقات.
أساليب مَعيبة للاستفادة من المنظومات الإيكولوجية
تسقط عديد من الشركات – التي تسعى إلى جني ثمار المنظومات الإيكولوجية الابتكارية – في سلسلة من الفخاخ، وتنتهي بها الحال إلى نتائج يسيرة مقابلَ جهودها المكثفة. وإلى جانب كونها سبباً في قدر كبير من الإحباط الداخلي، تعني الأخطاء التالية – التي تنشأ عادة لأن المسؤولين التنفيذيين لم يضعوا أهدافاً واضحة لتفاعلاتهم – في كثير من الأحيان تضاؤلَ الفوائد التي تجنيها الشركات وخسارة الفرص أمام المنظومة الإيكولوجية برمتها.
أولاً، نجد أن قادة الشركات ينشرون جهودهم على نحو مفرط – ليس فقط في مواقع مختلفة، بل أيضاً في أنشطة مختلفة. هم يشاركون في سلسلة من الأنشطة السطحية التي كثيراً ما تبدو مفعمة بالمعاملات والأداء في الشركات الناشئة Startups والجهات المزودة لرأس المال المُخاطر Providers of risk capital.
ثانياً، كثيراً ما تشارك الشركات في أسلوب مجزأ وغير منسق: تنفصل مشاركات إداراتها للموارد البشرية المخصصة لاكتشاف المواهب عن العمل الذي تضطلع به وحدات الابتكار الباحثة عن أفكار جديدة أو فرق الشركة الناشئة التي لا تزال في المراحل الأولى. وبدورهم قد لا يكون أعضاء فرق التطوير المؤسسي وفرق رأس المال الاستثماري المؤسسي – التي تستكشف صفقات جديدة في مجال الاندماج والاستحواذ أو الاستثمار – مدركين لعلاقات الشركة الناشئة التي لا تزال في المراحل الأولى التي كرسها زملاؤهم في مجموعة البحث والتطوير في مرحلة مبكرة. ويؤدي ذلك إلى حدوث ضوضاء غير ضرورية في النظام تحدث في الأغلب بسبب قلة الوضوح بشأن مَن يجب أن يشارك ولأي غرض.
لقد بينت أبحاثنا أن القادة يحصلون على نتائج أفضل من خلال نهج أكثر تنظيماً وتركيزاً في التعامل مع هذه المنظومات الإيكولوجية. وهذا لا يستبعد المصادفة أو يهدد إبداع عملية الابتكار. بل بدلاً من ذلك هو يستحضر القول المأثور القديم: “الفرصة تحابي العقل المستعد” – هو يساعد الشركات في الاستعداد عندما تحدث اللقاءات الصحيحة مع المبتكرين ورواد الأعمال ومزودي رأس المال المُخاطر.
وإلى جانب التخطيط المدروس يتعين على الشركات أن تلتزم بالتفاعل الجدير بالثقة والمستدام؛ ستراقب أصحابَ المصلحة الآخرين في المنظومة الإيكولوجية الابتكارية ما إذا كانوا سيتحولون إلى شركاء موثوق بهم، أو يشاركون ببساطة بنمط متقطع أو سطحي. ويشمل هذا الالتزامُ ببناء العلاقات الإدارةَ العليا، ويمتد إلى المديرين ذوي الصلة في مختلف الوحدات، وكذلك قادة ريادة الأعمال في أنحاء المؤسسة كلها.
في هذا الموضوع نركز على ما يمكن أن يكون أكثر العلاقات صعوبة بين أصحاب المصلحة الخمسة الرئيسين في المنظومة الإيكولوجية: العلاقة بين الشركات ورواد الأعمال. ومع ذلك، يمكن تطبيق إطارنا على المشاركة المباشرة مع أصحاب المصلحة الآخرين، بما في ذلك الجامعات التي يبدأ فيها عديد من رواد الأعمال رحلة بناء المشروعات ومزودي رأس المال المُخاطر الذين يعملون بنحو وثيق مع رواد الأعمال، ولاسيما مزودي رأس المال الاستثماري والمستثمرين الملائكة Angel investors. كذلك وجدنا الإطار مفيداً للحكومات التي تسعى إلى إشراك رواد الأعمال في أكثر تحديات الإنجاز إلحاحاً.
ابدؤُوا بـ”ماذا“
يتطلب النهج المنهجي الذي نتبناه لوضع استراتيجية للمشاركة في المنظومات الإيكولوجية الابتكارية أن ينظر القادة في ثلاثة أسئلة حاسمة ويجيبوا عنها تباعاً:
1. ما الذي ترغبون في الحصول عليه من مشاركتكم في المنظومة الإيكولوجية (وعرضه من خلالها)؟
2. مَن ترغبون في التفاعل معه؟ ومن سيتفاعل من جانبكم؟
3. كيف ستتفاعلون؟ وهل يضمن النهج تفاعلات فاعلة؟
يجب على تحديد موارد الابتكار التي تأمل المؤسسة اكتسابَها أن يأتي من أولويات الابتكار الاستراتيجي الرفيعة المستوى التي يتبناها القادة والتقييم الواضح لقدرات الابتكار الداخلية. كذلك سينير هذا التحليل فهم الأصول والقدرات التي قد توفرها المؤسسة للأطراف الفاعلة في المنظومة الإيكولوجية.
قد يؤدي طرح السؤال عن موارد الابتكار التي ترغب مؤسستكم في الوصول إليها إلى طرح أسئلة إضافية قبل أن تتمكن من تقديم إجابات. هل تحتاجون إلى مواهب تقنية لأولويات التوظيف لديكم، أو ربما إلى رواد أعمال لديهم مشروعات جديدة ويمكنهم المساهمة بحلول متطورة لمحفظة الابتكار وإتاحة تقسيمات جديدة من العملاء؟ أو هل تبحثون عن فرصة للتفاعل مع ثقافة أكثر ابتكاراً ولتكونوا جزءاً منها للمساعدة في الحفاظ على المواهب، أو إعادة تنشيط ثقافة شركتكم الداخلية؟ أين تكون الفجوات ونقاط الضعف الداخلية أكثر حدة في مؤسستكم؟ قد يختلف صدى كل مورد من الموارد المحتملة أعلاه باختلاف أجزاء المؤسسة. ولهذا السبب فإن هذه المسألة مسألة استراتيجية على أعلى المستويات: يعني التفاعل الفاعل مع المنظومات الإيكولوجية الإجابة عن سؤال ”ماذا“ وفق الأجزاء المختلفة من المؤسسة، وفي الوقت نفسه إعطاء الأولوية إلى الفوائد التي تعود على المؤسسة بكاملها.
يمكن دمج الإجابات المتنوعة عن السؤال في استراتيجية موحدة للمشاركة (وإن كانت استراتيجية قد تنفذها إدارات فردية). لكن من أجل تقديم واجهة متماسكة -ومرحب بها – إلى المنظومة الإيكولوجية الابتكارية، فمن الأهمية بمكان على الأقل أن نرسم خريطة كاملة لاحتياجات الشركة من المنظومة الإيكولوجية والمشاركة فيها. تشير تجربتنا إلى أن وجود احتياجات واضحة الصياغة وتوعية مشتركة بما يسعى كل جزء من المؤسسة إلى الحصول عليه يزيد من احتمال استفادة المؤسسة بكاملها من قنوات المشاركة المتعددة.
مثال جيد على ذلك ماس ميوتشوال MassMutual، وهي شركة تأمين تتخذ من سبرينغفيلد بماساتشوستس مقراً، تمنى قادتُها أن يستكشفوا كيف يمكنهم أن يشاركوا بنحو أكثر فاعلية في مجتمع الشركات الناشئة المتنامي في منطقة بوسطن الكبرى. وفي حين حققت الشركة نجاحاً في مجال الابتكار الداخلي، أرادت توسيع نطاق مرئيتها لتشمل نشاط الشركات الناشئة في كل من تقنية التكنولوجيا المالية وتكنولوجيا التأمين.
قد تكون اللعبة المؤسسية التقليدية هي إرسالَ فريق الاندماج والاستحواذ لشراء عدد قليل من الشركات الناشئة في بوسطن، لكن قيادة ماس ميوتشوال قررت أن الشركة تحتاج إلى مشاركة مستدامة من شأنها أن تنير استراتيجيتها للابتكار الداخلي وتسرعها بقدر ما حصلت على ابتكارات من الخارج. وأدرك القادة أن احتياجات الموارد هذه ستتطلب منهم المشاركة في عدد كبير من الشركات الناشئة Startups التي لا تزال في المراحل المبكرة، حتى يصبح في وسعهم تقييم مجموعة من التقسيمات المختلفة ونماذج الأعمال Business models ونُهُج الشركات الناشئة. وكان ما يرغبون في فهمه هو طريقةَ تعامل رواد الأعمال مع عملية الابتكار. كذلك أمَلوا الحصولَ على منظور جديد لفرص السوق في مجال التكنولوجيا المالية، ومراقبة فضلى وفهم أفضل لثقافات الشركات الناشئة من أجل بناء ثقافة أكثر ريادة للأعمال في ماس ميوتشوال.
وتحقيقاً لهذه الغاية، دخل ماس ميوتشوال في شراكة مع ماس تشالنج MassChallenge غير المتخصصة في قطاع معين، مقرها في وسط مدينة بوسطن، للحصول على لمحة عامة عن الشركات الناشئة المندرجة في برامجها. وعلى الرغم من أن هذا لم يوفر تدفقاً للصفقات على المدى القريب (معيار نموذجي لرأس المال الاستثماري المؤسسي CVC أو الاندماج والاستحواذ M&A)، لم يكن هذا هو المقياس الذي استهدفته الشركة. وأتاحت المشاركة الاستراتيجية من قِبل المسؤولين التنفيذيين في ماس ميوتشوال لهم فرصاً لقضاء وقت ذي معنى مع مجموعة مختارة من فرق الشركات الناشئة.
ومن خلال توفير مساحة في مبناها الجديد القريب من ميناء بوسطن لمسرع ماس تشالنج MassChallenge، حققت ماس ميوتشوال لنفسها موقعاً متقدماً للحصول على حصة كبيرة في المنظومة الإيكولوجية المحلية، وتمكن فريقها من أن يعرف ببساطة رواد أعمال، وأن يتفاعل بنحو غير رسمي معهم يوماً بعد يوم.
كذلك ساعد العمل مع ماس تشالنج كوسيط موثوق به ماس ميوتشوال على التغلب على أنواع الأخطاء التي عرضناها أعلاه، والتحديات التي تأتي في الأغلب مع الشركات الكبيرة التي تشرك رواد أعمال رشيقين Agile في منظومة إيكولوجية. وبالبناء على هذا بدأت الشركة العمل مع مجموعة أوسع من شركاء المنظومة الإيكولوجية لتأسيس فهم مشترك للفرص والتحديات التي تواجه ماساتشوستس في التحول إلى منظومة إيكولوجية عالمية المستوى في مجال التكنولوجيا المالية.
بمجرد معالجة مسألة ما تتمنى الشركات الحصول عليه من المنظومة الإيكولوجية، يتعين على الشركات أن تغير موقعها وتسأل عما هي مستعدة لتقديمه في المقابل. تتعلق المشاركة في المنظومة الإيكولوجية بالتفاعل المتبادل والتبادل المتبادل. فالمشاركة ليست طريقاً ذات اتجاه واحد.
تُظهر تجربتنا أن التمويل يكون في الأغلب جزءاً من العرض المقدَّم من شركة لكن ليس دائماً – وليس على المستوى الذي قد تتوقعه الشركات. وفي حين يكون رأس المال الاستثماري في الأغلب أولوية عليا لرواد الأعمال، تريد في الأغلب الفرق التي تُطلق مشروعات جديدة من الشركات أن توفر لها نافذة لتلبية احتياجات العملاء بقدر ما تريد التمويل. كذلك تسعى إلى الحصول على الخبرة في عبور المسارات المعقدة للتنظيمات وسلاسل التوريد للوصول إلى مستخدم نهائي، والوصول إلى البنية التحتية لدعم الاختبار، والوصول إلى العملاء، والتوسع، وسلاسل التوريد.
عندما تفشل الشركات في فهم احتياجات الآخرين – سواء كانوا من رواد الأعمال أو مزودي رأس المال المُخاطر أو الجامعات – قد تفشل في المشاركة وفي تلبية التوقعات، حتى عندما يكون لديها عديد من الموارد التي قد يجد شركاؤها في المنظومة الإيكولوجية أنها مفيدة ومتكاملة.
بناء العلاقات الصحيحة
إن تحديد ما تسعى المؤسسة إلى الحصول عليه يساعد على تركيز السؤال حول مَن الشركاء المناسبون على الأرجح بين أصحاب المصلحة في المنظومة الإيكولوجية.
إذا كانت الشركة في حاجة إلى إشراك فرق من الأفراد المتنوعين لبناء حلول جديدة لفرص حاسمة في السوق، من المرجح أن تسعى إلى العمل مع شركات ناشئة. ومع ذلك من المهم فهم كيفية تطور مشروعات ريادة الأعمال الابتكارية والمرحلة التي ستكون فيها المشاركة أكثر إنتاجية.
تُوصَف الشركات الناشئة التي تستكشف مساحات حلول جديدة وغير معروفة أو تقدم حلولاً للمشكلات الناشئة بوصفها مشروعات موجهة بالابتكار.2B. Aulet and F. Murray, “A Tale of Two Entrepreneurs: Understanding Differences in the Types of Entrepreneurship in the Economy,” PDF file (Kansas City, Missouri: Ewing Marion Kauffman Foundation, 2013), www.issuelab.org; and P. Budden, F. Murray, and O. Ukuku, “Differentiating Small Enterprises in the Innovation Economy: Start-Ups, New SMEs & Other Growth Ventures,” MIT Lab for Innovation Science and Policy working paper (Cambridge, Massachusetts: MIT Sloan School of Management, January 2021), https://innovation.mit.edu. وهذه المشروعات هي مشروعات ريادة الأعمال التي يرجح أن تستهدفها المؤسسات الكبيرة باعتبارها شريكة محتملة بدلاً من الشركات الناشئة التقليدية الصغيرة والمتوسطة الحجم. تعمل مشروعات موجهة بالابتكار في دورات تمويل وتجريب، وتعمل موجهة بمراحل رئيسة، نسميها حلقات الابتكار تساعد على الحصول على معلومات حول المسارات المحتملة لاحقاً، وتحديد المسارات التي يجب استكشافها بعمق أكبر، وتلك التي يجب إغلاقها. وبمرور الوقت تحد هذه المشروعات من عدم اليقين وتزيد استعدادها. وفي كل مرحلة يسعى المبتكرون إلى تحسين ملاءمة المنتجات/السوق، ونضج حلهم، ومدى استعداده للتوسيع.
على هذه الخلفية يتعين على الشركات الكبرى أن تفكر ليس فقط في أي شركة من بين الشركات الناشئة تعمل على ابتكارات أو تكنولوجيات بعينها تكون موضع اهتمام بل أيضاً في مرحلة استعدادها هي للابتكار.
هل تهتم الشركة حقاً بالمشروعات التي لا تزال في المراحل الأولى جداً التي لم تُدمَج بعد – تكون في الأغلب فريقاً جامعياً يتمتع بفهم عميق للحل ونموذجاً أولياً عاملاً لكن بأدلة تجريبية محدودة؟ أو هل الشركة مهتمة بالشركات الناشئة التي شكلت شركة قانونية ولديها رأس مال مُخاطر محدود، لكنها أظهرت دليلاً على قدرتها على الوفاء بالمراحل الرئيسة المهمة؟ أو هل تبحث عن شركة ناشئة باتت في المراحل الأخيرة وتمتلك حلاً جاهزاً لمشكلة محددة تحديداً جيداً، ولها زخْم في السوق كمستهدف محتمل لرأس المال الاستثماري المؤسسي أو الاندماج والاستحواذ أو الشراكة؟
تتوقف الإجابة على ما إذا كانت الشركة تتمتع بفهم واضح لاحتياجاتها من المنظومة الإيكولوجية الابتكارية. ومن المرجح أن تسعى المؤسسات التي ترى فجوة استراتيجية في تبصراتها حول الابتكارات المستقبلية والأفكار الجديدة حقاً إلى إقامة روابط مع مشروعات لا تزال في المراحل الأولى جداً. وستسعى الشركات التي لديها فجوة معينة في محافظها القريبة الأجل إلى مشاركة حفنة من الشركات التي باتت في المراحل الأخيرة والتي لديها القدرة على سد هذه الفجوة.
من الأمثلة الجيدة على الشركات التي تتبع هذا النهج المنهجي فيليبس Philips، وهي مجموعة الإلكترونيات القابضة الهولندية التي تحولت بنجاح إلى تركيز استراتيجي على تكنولوجيا الرعاية الصحية على مدى العَقد الماضي. لقد أصبحت عملياتها في الولايات المتحدة – ولاسيما تلك في بوسطن الكبرى – ذاتَ أهمية حاسمة في جهود الابتكار العالمية التي تبذلها في سبيل تحقيق هذه الغاية. وأدرك القادة أن إمداد الابتكار الداخلي لدى فيليبس ليس من المرجح أن يقدِّم مجموعة واسعة بالقدر الكافي من فرص الرعاية الصحية، وانتابهم قلق من أن الشركة لن تحدد مستهدفات الاستثمار والاستحواذ والشراكة investment, acquisition, and partnership targets في وقت مبكر بالقدر الكافي. وقرروا إشراك شركات ناشئة لا تزال في المراحل المبكرة ومؤسسين يمكنهم جلب ابتكارات ومنظورات أكثر إبداعاً إلى الرعاية الصحية واستكمال الاستراتيجية الرقمية التي تتبناها وحدات الأعمال والمختبرات المؤسسية في فيليبس.
وأدركت فيليبس أن هذه المشروعات لن تكون بعد شركات ناشئة كاملة التكوين مدعومة برؤوس أموال استثمارية ضخمة، لكن هذا كان موقعها المناسب في المنظومة الإيكولوجية – حيث أمكنها استكشاف عدد كبير من أفكار الشركات الناشئة، ولاسيما تلك التي ولدتها مواهب ناشئة تتمتع بوجهات نظر بديلة بشأن الرعاية الصحية والعافية. وشارك كبار المسؤولين التنفيذيين في فيليبس في إم آي تي ساندبوكس MIT Sandbox، الذي كان جديداً آنذاك، ويدعم أفكار ريادة الأعمال التي يطلقها طلاب ولا تزال في المراحل الأولى. ولم يساهموا في تمويل تأسيس إم آي تي ساندبوكس فحسب، بل أتاحوا أنفسهم أيضاً لتوجيه رواد الأعمال والتشبيك Networking معهم.3The MIT Sandbox Innovation Fund Program is based with similar units in MIT’s new InnovationHQ.
ومن خلال هذا النشاط تمكنت فيليبس من تحديد الشركات الناشئة التي من المرجح أن تساعدها في تحولها إلى الرعاية الصحية. وإضافةً إلى ذلك اكتسبت سمعة داخل المنظومة الإيكولوجية بكونها شركة قد تثق بها الشركات الناشئة التي لا تزال في المراحل الأولى – والتي تكون في بعض الأحيان حذرة من فرق رأس المال الاستثماري المؤسسي والاندماج والاستحواذ. وفي كل من مشاركاتها مع فرق الشركات الناشئة، كان التبادل متواضعاً نسبياً لفيليبس لكنه مفيد للشركة الناشئة. وكان ذلك يشتمل على موارد مفيدة لكن ليست طاغية في كل مرحلة، والأمر الأكثر أهمية هو المشاركة والتوجيه التنفيذيان اللذان أنارا رواد أعمال الشركات الناشئة حول الأسواق، أو التحديات التنظيمية، أو سلاسل التوريد.
وإذ أدركت فيليبس أن رواد الأعمال هؤلاء يحتاجون بعد ذلك إلى دعم لاحق للابتكار، بنت على هذه العلاقات من خلال إنشاء برنامجها المسرع فيليبس هيلث ووركس Philips HealthWorks، الذي يدعم شركات ناشئة معينة بعد مرحلة التأسيس. وكان تركيزها الواضح على من تريد أن تشاركهم من بين رواد الأعمال الذين لا يزالون في المراحل الأولى سبباً في إنشاء إمداد لمسرعها المؤسسي الأكثر تركيزاً. ووفر هذا المسرع مرحلة ثانية واضحة للمشاركة مع مجموعة مختارة بعناية من الشركات الناشئة وتوفير مزيد من الموارد لها. كذلك سمح لفيليبس بتعميق علاقاتها مع الشركات الناشئة وتزويدها بمزيد من التوجيه.
في كثير من الأحيان ينطلق القادة في المنظومة الإيكولوجية مع مساحة جديدة لامعة أو مناسبة واحدة ضخمة، لكنهم يكسبون القليل من هذه الجهود غير الدعاية.
الجانب الآخر من السؤال حول الجهة التي يجب إشراكها في المنظومة الإيكولوجية هو مَن ينبغي للشركة أن تختار من بين موظفيها لقيادة مشاركتها في المنظومة الإيكولوجية. المسؤولون التنفيذيون Executives الذين يوضعون في هذا النوع من الأدوار، لكنهم يفتقرون إلى المعرفة العميقة بالشركة ومواردها، يفشلون في الأغلب لأنهم لا يستطيعون عبور المياه المضطربة حيث يتلاقى المبتكرون ورواد الأعمال الخارجيون مع الأنظمة والعمليات الداخلية.
وعهدت فيليبس بهذا الدور إلى أحد مسؤوليها التنفيذيين في مجال الابتكار، بريان روسنوف Brian Rosnov. كان روسنوف حصل من فوره على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology (MIT) وكان يعمل كرائد أعمال مقيم في مسرع فيليبس الرقمي Philips Digital Accelerator في كيمبريدج بماساتشوستس، بعدما أمضى أكثر من 10 سنوات في العمل على مجموعة من خطوط المنتجات في الشركة. وقاد روسنوف مشاركة فيليبس هيلث ووركس مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فضلاً عن طرح برنامجها للتسريع. ومكنته خبرته الطويلة داخل الشركة من اختيار موجهين فاعلين من داخل الشركة لكل فريق مشروع، وضمان حصولهم على رحلة سلسة إلى حد معقول للوصول إلى الموارد الداخلية.
تطوير طرق منتجة للمشاركة
لا يمكننا أن نبالغ في تقدير مدى حيوية التخطيط للمشاركة في المنظومات الإيكولوجية الابتكارية إلا بعد التفكير في احتياجات مؤسستكم، ومع من تريد أن تعمل. في كثير من الأحيان يضع القادة العربة أمام الحصان – مثلاً من خلال إطلاق مؤسستهم في المنظومة الإيكولوجية مع مساحة جديدة لامعة أو مناسبة واحدة ضخمة في مقابل كسب القليل من هذه الجهود غير الدعاية. لقد شهدنا أيضاً تدخل الهيئات الحكومية والشركات في منظومة إيكولوجية من خلال تمويل عدد كبير من مناسبات الابتكار المتباينة، والمسرعات، والمسابقات الجامعية، والتحديات، وما إلى ذلك. ويفشل هذا النهج المشتت في تحقيق الهدف لأنه غير مركَّز، ويولِّد ارتباكاً بين أصحاب المصلحة في المنظومة الإيكولوجية، ويحدث من دون أن يكون هناك أي اهتمام بما إذا كان الوقت والطاقة المحتملان سيتواءمان مع احتياجات المؤسسة ومع من ينبغي أن تشركهم.
رأينا عديداً من الشركات تعبر عن دهشتها وخيبة أملها حين ترعى مناسبات ابتكار وبرامج تخطيط للأعمال في مراحلها المبكرة، وتجد أن أياماً من العروض لا تحقق أي شيء في النهاية من حيث النماذج المالية المتينة Robust financial models وخرائط الطرق التكنولوجية Tchnology road maps التي اعتادت رؤيتَها داخلياً. ويعكس عدم التوافق في التوقعات عادة عدم الوضوح لدى الراعي بقدر كافٍ بشأن الأهداف والأنواع المناسبة من الشركاء.
لا يعني هذا أن مناسبة للابتكار هي مضيعة للوقت – قد تكون طريقة فاعلة للتفاعل، عندما يملك الراعي وضوحاً حول أن أهدافه تتمثل في كشف الأفكار الملهمة والمواهب الجديدة، وعند تصميم المناسبة بنحو جيد. وعلى نحو مماثل يشكل الاشتراك في مسابقات المرحلة المبكرة والمسرعات نهجاً جيداً عندما تبحث المؤسسات عن فرق مشروعات شابة جداً يمكنها التعلم منها وتوجيهها. وستعالج المسرعات في مرحلة لاحقة احتياجات الشركات التي تسعى إلى إيجاد حلول قوية على مسار مرسوم جيداً بالفعل نحو الاستعداد. ويتمثل التحدي هنا في تحديد أي نمط من أنماط المشاركة يتوافق مع الإجابات عن ”ماذا“ و”من“ التي طُوِّرت بعناية.
كنقطة انطلاق يتعين على الشركات أن تستفيد من المجتمعات القائمة حيث يجتمع رواد الأعمال بالفعل. حتى مع الزعزعات المستمرة بسبب كوفيد-19، تميل مجتمعات الشركات الناشئة إلى تشارك مواقع في مساحات عمل مشتركة، ومجتمعات، وبرامج المنظومات الإيكولوجية. ومن خلال التفاعل مع مجتمعات كهذه، يصبح في وسع المؤسسات الكبيرة أن تطور مجموعة واسعة من العلاقات بسهولة أكبر مما تستطيع من خلال استهداف الشركات الناشئة على أساس فردي. كذلك تساعد المشاركة المصممة حول الانغماس في منطقة معينة على ضمان تعايش البنية والمصادفة.
بطبيعة الحال هناك عديد من الخيارات حول كيفية تنظيم المشاركة، وناقشنا كيف استُخدِم بعض هذه الأساليب من قِبل ماس ميوتشوال وفيليبس. تقدم الشركة الأمريكية التابعة لشركة مقاولات الدفاع البريطانية بي أيه إي سيستمز BAE Systems مثالاً جيداً آخر على استراتيجية مشاركة مدروسة تعتمد على عدة طرق مختلفة للعمل مع المنظومات الإيكولوجية الابتكارية.
مع سعي قادة بي أيه إي إلى بناء علاقات مع المنظومة الإيكولوجية الأكبر في بوسطن، كانوا واضحين بشأن أهدافهم: فقد كانوا راغبين في المشاركة مع فرق شركات ناشئة وعدت ابتكاراتها بتقديم وظائف جديدة إلى محفظة الابتكار لدى بي أيه إي – لاسيما في المشروعات في مختبراتها الخاصة بالبحث والتطوير في مجال التكنولوجيا المتقدمة والدفاعية، والتي ركزت على الجيل التالي من التكنولوجيا الناشئة.
وبدلاً من إقامة متجر ببساطة في ميدان كيندال بكيمبريدج، على أمل أن يجد رواد الأعمال طريقهم إلى هناك، استأجرت بي أيه إي مساحة في مركز كيمبريدج للابتكار Cambridge Innovation Center (CIC)، وهو عبارة عن مساحة عمل مشترك تتباهى بكونها مجتمع الشركات الناشئة الأكثر كثافة بشرية في كوكب الأرض. ومن خلال إدارة البرامج في المناسبات المجتمعية المعروفة باسم مقهى المشروعات Venture Café مساء كل خميس في مركز كيمبريدج للابتكار، ونشر فريق متنوع وودود لرواد الأعمال من المديرين بقيادة خريجين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تمكنت بي أيه إي من الاتصال بشركات ناشئة مناسبة ومؤسسين مناسبين للتعرف على التكنولوجيات التي قد تتواءم مع أولويات البحث والتطوير في الشركة.
وإضافة إلى المشاركة بطريقة مرئية ومنتظمة مع مجتمع ريادة الأعمال، اعترف قادة بي أيه إي أيضاً بدور البرامج الرئيسة في المنظومة الإيكولوجية – مناسبات الابتكار، والمسابقات، والمسرعات. وأدركوا أن بدء برامجهم الخاصة سيكون تحدياً لا لزوم له وقد يُنظَر إليه على أنه يقوِّض أنشطة المنظومة الإيكولوجية القائمة. وبدلاً من ذلك التزموا، شأنهم في ذلك شأن قادة فيليبس، بالتواصل مع المسرعات المحلية ودعمها، التي كانت رسائلها وشركاتها الناشئة متوائمة مع ما سعت الشركة إلى تحقيقه من المنظومة الإيكولوجية ومع من كانت تريد إشراكهم في هذه الأعمال.
ومن خلال العمل مع مسرعات مثل تك ستارز TechStars، تمكنت بي أيه إي من أن تبحث عن الشركات الناشئة التي قد تحتوي تكنولوجياتها على تطبيقات عسكرية واستخبارية فضلاً عن تطبيقات مدنية، والتي كانت لديها مصلحة في الشراكة مع شركة متمرسة في مجال التعهدات الدفاعية والتعلم منها. وأوجدت بي أيه إي فرصاً لهذه الشركات الناشئة للاستفادة من علاقاتها الوثيقة مع وزارة الدفاع الأمريكية. ولأن نجاح بي أيه إي في المشاركة في المنظومة الإيكولوجية يشكل مصدراً للميزة التنافسية Competitive advantage، تكون التفاصيل حساسة تجارياً بطبيعة الحال، لكن استمرارها في المشاركة يُظهر أنها تحكم على هذه الجهود بأنها أثمرت.
عندما تعمل المؤسسات على تحديد استراتيجيتها في شأن المنظومات الإيكولوجية، تكون في أفضل وضع يمكنها من جني ثمار العمل مع مجتمعات الابتكار. ويشكل استخدامُ أسئلتنا حول ”ماذا“ و”مَن“ و”كيف“ وسيلةً منهجية وعملية لتأمين الميزة التنافسية من خلال المشاركة الاستراتيجية من قِبل المنظومات الإيكولوجية الابتكارية.
وكثيراً ما تنعكس خيبة أمل الشركات عندما تفشل جهودها على رواد الأعمال والمبتكرين الذين يشاركونها. وعندما تتطلع الشركات إلى الشركات الكبيرة والوكالات الحكومية للوصول إلى الخبراء، أو حتى إلى رأس المال الاستثماري الحاسم، تواجِه في كثير من الأحيان محامين، وخبراء في الموارد البشرية، وإدارات محاسبية. وقد تُنشئ كل وظيفة من الوظائف المؤسسية هذه قيمةً للشركات الناشئة الطموحة، لكن في غياب المشاركة المجدية مع أطراف فاعلة رئيسة في الشركة، من المرجح ألا تتحقق إمكانية التعاون العميق والمنتج.
وفي حين أن أسئلتنا الثلاثة بسيطة في صياغتها، قد تكون صعبة الإجابة، ولاسيما بالنسبة إلى المؤسسات الكبيرة التي قد يكون لديها عديد من الإجابات، ومن ثم ترغب في عديد من أساليب المشاركة. نصيحتنا ببساطة هي أن تعملوا في مختلف أرجاء مؤسستكم، وتأخذوا الوقت الكافي للسعي إلى مواءمة داخلية حول الموارد التي تريدونها، وما الذي تستطيعون عرضه، ومَن الشركاء المناسبون أكثر من غيرهم. سيضمن ذلك أن الطريقة التي تُشركون بها منظومتكم الإيكولوجية تحقق نتائج تعزز أهدافكم الابتكارية.
المراجع
↑1 We have taught, and gratefully learned from, corporate leaders in MIT Sloan’s Executive MBA program, MIT’s global Regional Entrepreneurship Acceleration Program, and MIT Sloan Executive Education.
↑2 B. Aulet and F. Murray, “A Tale of Two Entrepreneurs: Understanding Differences in the Types of Entrepreneurship in the Economy,” PDF file (Kansas City, Missouri: Ewing Marion Kauffman Foundation, 2013), www.issuelab.org; and P. Budden, F. Murray, and O. Ukuku, “Differentiating Small Enterprises in the Innovation Economy: Start-Ups, New SMEs & Other Growth Ventures,” MIT Lab for Innovation Science and Policy working paper (Cambridge, Massachusetts: MIT Sloan School of Management, January 2021), https://innovation.mit.edu.
↑3 The MIT Sandbox Innovation Fund Program is based with similar units in MIT’s new InnovationHQ.