أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
قيم العمل

لماذا لا نتحدث عن المعنى في العمل

سيظل العمل ذو المعنى بعيدَ المنال إذا لم يتعلم المديرون كيفية التغلب على أربعة حواجز تحُول دون المحادثات الصحية حول ما يعطي الأفرادَ فهمَهم للمقصد.

قبل جائحة كوفيد-19، كان العمل ذو المعنى Meaningful work على قمة أجندة الإدارات بالفعل. وحُضَّ الموظفون على البحث عن ”ندائهم Calling“؛ والقادة عن ”سببهم Why“؛ والمؤسسات عن ”وجهتها الحقيقية True north“. وكانت هناك أسباب وجيهة لذلك: أظهرت الدراسات أن المستويات العالية من المعنى والمقصد Purpose تؤدي إلى تحسين المشاركة والإنتاجية والابتكار.1C. Bailey, R. Yeoman, A. Madden, et al., “A Review of the Empirical Literature on Meaningful Work: Progress and Research Agenda,” Human Resource Development Review 18, no. 1 (March 2019): 83-113.

لكن الجائحة سببت زيادة المخاطر إلى مستويات أعلى. وأدت إلى توقف كثير منا وإعادة تقييمنا الدورَ الذي يؤديه العمل في حياتنا وما يهمنا حقاً. ويخاطر أصحاب العمل الذين لا يستطيعون تقديم عمل ذي معنى بعدم حفز الموظفين القيمين أو خسارتهم– الموظفين أنفسهم الذين تدعو حاجة شديدة إليهم لتوجيه النمو والتجديد المؤسسيَّين.

وفي مواجهة هذا التحدي قد يستسلم المديرون لإغراء تضخيم الرسالة الداخلية حول المقصد المؤسسي. وفي حين أن المقصد الذي يتجاوز الربح هو أمر حيويٌ لمجموعة من العوامل البيئية والاجتماعية والمالية، يمكن للاعتماد على هذا النهج وحده لرفع مستويات المعنى الفردي أن يؤدي إلى نتائج عكسية.2C. Bulgarella, “Purpose-Driven Companies Evolve Faster Than Others,” Forbes, Sept. 21, 2018, www.forbes.com; and C. Bailey, A. Madden, K. Alfes, et al., “The Mismanaged Soul: Existential Labor and the Erosion of Meaningful Work,” Human Resource Management Review 27, no. 3 (September 2017): 416-430. وكلما حاول أصحاب العمل إخبار الموظفين بالأماكن التي يمكنهم العثور فيها على المعنى في عملهم، قل احتمال العثور عليه فعلياً. فالشعور الحقيقي بالمقصد ليس مفروضاً ببساطة؛ هو مكتشف.

وبعبارة أخرى: لا بد من أن يكون صنع المعنى إجراءً ينطلق من القاعدة Grassroots process. لكن يتعين على المديرين والموظفين أولاً أن يتعلموا كيف يتحدثون فيما بينهم عن هذه الحقيقة. والمشاركة في الحوار جزء لا يتجزأ من اكتشاف المعنى. والتحدث مع شريك محادثة موثوق به يساعدنا على صياغة الكيفية التي نفهم بها أنفسنا، ونفسر العالم، ونتصل بالآخرين. وبينما نستمع إلى الآخرين يتحدثون عن المعنى ويستمعون إلينا، يساعد بعضُنا بعضاً على اكتشافه.

لقد وجدنا في أبحاثنا وعملنا الاستشاري على مر السنين أن أربعة حواجز تجعل محادثات كهذه بالغة الصعوبة.3M. Lips-Wiersma and L. Morris, “The Map of Meaningful Work: A Practical Guide to Sustaining Our Humanity,” 2nd ed. (Abingdon, United Kingdom: Routledge, 2018). دعونا ننظرْ إلى كل من هذه الحواجز– وكيف نتغلب عليها.

قد يكون الحديث عن المعنى مزعجاً
عندما نسأل الأشخاص عن معنى العمل ذي المعنى لهم، كثيراً ما نسمع ضحكاً عصبياً وتعليقات مثل ”طرح مثل هذا السؤال مضحك“ أو ”لا أعرف“. وبسبب خشيتهم من عدم توافر إجابة جاهزة، يجب في الأغلب إقناعهم بالمناقشة. ويمكن لتأملات وجودية مثل ”لماذا أنا هنا؟“ و”ما أهمية هذا؟“ أن تبدو غير ملموسة إلى حد كبير.4A. Stephan, “Emotions, Existential Feelings, and Their Regulation,” Emotion Review 4, no. 2 (April 2012): 157-62. وفي مكان العمل حيث من المهم أن يبدو المرء كفؤاً ومسيطراً، يبدو عدم المعرفة تهديداً لهويتنا.5A.J. DuBrin, “Impression Management in the Workplace: Research, Theory, and Practice,” 1st ed. (New York: Routledge, 2011).

كذلك يمكن للحديث عن المعنى في العمل أن يكون مربكاً. وكما قال لنا مدير مدرسة في نيوزيلندا: ”أنتم تستخدمون شيئاً أكبر كثيراً [مما] نتحدث عنه عادة في العمل، وهو أمر جيد ومهم لكنه أيضاً يبدو بلا حدود أكثر من كونه مريحاً“.

وبعدما التزم عديد من الأشخاص الصمتَ بشأن هذا الموضوع فترةً طويلة، فإنهم يفتقرون إلى اللغة اللازمة للتعبير عن مشاعرهم العميقة حول الكيفية التي قد يساهم بها العملُ في إيجاد شعور بالمعنى. ونتيجة لهذا قد تفوتهم الفرص لتعميق مشاركتهم في العمل ورضاهم عنه. في المراجعات التطويرية أو المحادثات المهنية، لا يتحدث الموظفون عادة عن المعنى، وقد ينتهي بهم الأمر إلى حالة عدم الرضا نفسها، حتى لو تمكنوا من إعادة صياغة وظيفتهم أو تولي دور آخر. وقد يشعرون أيضاً بالعزلة: في بحثنا وجدنا أن الموظفين كثيراً ما يندهشون من وجود زملاء آخرين يسعون إلى مثل ذلك.6Lips-Wiersma and Morris, “The Map of Meaningful Work.” وإلى أن تصبح المحادثات حول العمل ذي المعنى أكثر تكراراً وطبيعية، سيجد أصحاب العمل صعوبة كبيرة في تحديد احتياجات الأفراد الأكثر عمقاً وتلبيتها.

حاوِلوا الاضطلاع بما يلي: دعُوا الموظفين يتحدثوا عن المعنى بكلماتهم الخاصة
كما يكون الشعور بالمعنى عميقاً، كذلك الكلمات المرتبطة به، سواء كانت إيجابية أو سلبية. مثلاً قد يقول شخص ما: ”أنا لا أحب فكرة الخدمة Service– هذا ما تحدث عنه راعي كنيستي دوماً، وحين كنتُ طفلاً، كنت أخشى الذهاب إلى الكنيسة مع والدَيَّ. أُفضل أن أفكر في التأثير“. ومع ذلك قد يكون لدى شخص آخر نفور من كلمة تأثير Impact لأن مكان عمله الأخير استخدمها طوال الوقت، لكنه فشل في قياس النتائج؛ كانت بمنزلة خطاب فارغ لا يتسم بالنزاهة.

إن الكلمات في حد ذاتها ليست خاطئة. لكن نظراً إلى الروابط القوية التي يقيمها الأفراد معها من الأفضل تمكين الأشخاص من اختيار لغتهم الخاصة لوصف الأشياء ذات المعنى لهم. وسيساعد هذا أيضاً على إرساء الكلمات وجعل المحادثات تبدو أقل إرباكاً. وفي بعض الأحيان، في ورش العمل الخاصة بنا، قد يستغرق الناس بعض الوقت للتوصل إلى الكلمات المناسبة، أو يقترضون لغةً بعضُهم من بعض. ومهما كان من أمرهم، من المهم أن يجد الناس كلمات يتردد صداها بالنسبة إليهم بدلاً من أن يتبنوا ببساطةٍ اللغةَ المؤسسية. مثلاً قد يختار الموظفون التحدث عن ”العلاقات الجيدة“ بدلاً من ”الشبكات الداخلية“ أو حتى ”التعاون“ لتقييم ما إذا كان عملهم الجماعي ذا معنى أو لا.

لدى الأشخاص تعريف محدود للمعنى
في بحثنا حددنا أربعة مصادر أساسية وقيمة بالقدر نفسه للمعنى في العمل: خدمة الآخرين Service to others، وتحقيق الإمكانات الكاملة Realization of full potential، والوحدة مع الآخرين Unity with others، والنزاهة Self-integrity (التي تشمل السلوك الأصيل Authentic behavior، واكتشاف الذات Self-discovery، وتطوير الشخصية Character development).7M. Lips-Wiersma and S. Wright, “Measuring the Meaning of Meaningful Work: Development and Validation of the Comprehensive Meaningful Work Scale (CMWS),” Group & Organization Management 37, no. 5 (October 2012): 655-685. لكننا في المقابلات لاحظنا أن الناس عادة ما يؤكدون على مصدر واحد أو اثنين فقط من هذه المصادر. ويقول البعض إن العمل لا يكون له معنى إلا إذا خدم الآخرين، في حين يركز آخرون في المقام الأول على الإنجاز الشخصي. ولأن ”إحداث الفارق“ و”تحقيق التميز“ كثيراً ما يتلاحمان بنحو جيد مع أولويات الشركة ولغتها، يتعزز هذان الهدفان على المستوى المؤسسي، في حين أن مناقشة الشعور بالوحدة مع الزملاء والعمل بنزاهة شخصية أكثر خطورة في مكان عمل غير شخصي. فالأفراد يقررون المعلومات التي سيشاركونها عن أنفسهم، وحجمها، ومع من، وذلك في ضوء ما يفترضون أنهم يكسبون أو يخسرون من عمليات الكشف هذه. وعندما تتحدى مصادر المعنى اللغة المؤسسية أو لا تطابقها بنحو مباشر، قد يتجنب الموظفون الإفصاح عن مكنونات أنفسهم خوفاً من الحكم عليهم بأنهم سُذَّج أو غير مناسبين. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى التهميش.8J.E. Crossman, “Being on the Outer: The Risks and Benefits of Spiritual Self-Disclosure in the Australian Workplace,” Journal of Management & Organization 21, no. 6 (March 2015): 772-785.

وعندما يترك الأفراد الأمور من دون أن تقال، تظل المناقشات حول المعنى غير مكتملة في مختلف أنحاء المؤسسة. مثلاً حين لا يتحدث القادة صراحة عن الحاجة إلى الانتماء والشعور بالدعم في فريق ما، قد يفسر الموظفون ذلك باعتباره إشارة إلى أن الوحدة ليست مصدراً مشروعاً للمعنى. ومن المرجح أن يلتزموا الصمت بدورهم إزاء رغبتهم في ذلك. وعلى نحو مماثل، كثيراً ما لا يكشف الموظفون عن مدى دعم القرارات المؤسسية أو عدم دعمها لاندفاعهم إلى الانخراط في الاكتشاف الذاتي، والتصرف بصدق، بل حتى التحول إلى أشخاص أفضل.

وإذا كان هناك فهم وصياغة لواحد أو اثنين فقط من مصادر المعنى، يتلخص أحد المخاطر هنا في أن الأفراد لن يشعروا بأنهم ”كاملون“، وسيتأثر انخراطهم في العمل وأداؤهم. وهناك خطر آخر يتمثل في حذف اعتبارات الوحدة والنزاهة الذاتية (والمصادر غير المعلنة الأخرى) من القرارات الحاسمة المتعلقة بالمواضيع ذات الصلة للغاية– مثل التغيير المؤسسي. ومع تلبية بعض الاحتياجات إلى المعنى وتجاهل البعض الآخر، قد يواجه الموظفون ضغطاً متزايداً أو مشكلات أخرى مرتبطة بالرفاه ويتركون مؤسستهم بسبب الإرهاق أو الإحباط. فالممرضون والمدرسون يشكلون فارقاً للآخرين، لكنهم لا يزالون يغادرون وظائفهم بأعداد قياسية.9C. Rodriguez-Delgado, F. Kai-Hwa Wang, G. Hays, et al., “Schools Across the Country Are Struggling to Find Staff. Here’s Why,” PBS NewsHour, Nov. 23, 2021, www.pbs.org; and E. Yong, “Why Health-Care Workers Are Quitting in Droves,” The Atlantic, Nov. 16, 2021, www.theatlantic.com. وعلى الرغم من عدم توافر فرص الخدمة لهم، كثيراً ما يفوتون مصادر أخرى للمعنى، مثل الوحدة، أو التعبير عن مواهبهم، أو النزاهة الذاتية.

حاوِلوا الاضطلاع بما يلي: حدِّدوا المعنى بنمط أعرض
لتوسيع فهم الجميع للمعنى، تحدثوا صراحة عن مجموعة من المصادر المحتملة– ليس فقط لخدمة الآخرين وتحقيق كامل إمكانات المرء (وهما الفكرتان الشائعتان)، بل أيضاً للإحساس بالوَحدة مع الآخرين والحفاظ على النزاهة الذاتية. يمكن الاضطلاع بذلك دورياً من خلال ورش عمل داخلية بسيطة يقودها موظف أو ميسِّر مستقل Independent facilitator. في ورش العمل التي ننظمها مع الفرق والمؤسسات، نستخدم الوسائل المرئية على أوراق كبيرة للعرض حول القاعة لتوضيح المصادر الأربعة للعمل ذي المعنى. وينتقل الأشخاص من معروض إلى آخر ليجيبوا عن أسئلة مثل ”كيف يمكنني أن أشعر بالارتباط بالآخرين؟“ و”متى كانت المرة الأخيرة التي شكل فيها الاضطلاع بمهمتي أهمية كبرى لشخص آخر؟“. وفي نهاية الجلسة تُجمع الأوراق الكبيرة للعرض معاً، ويمكن للميسّر بعد ذلك تمييز الفجوات ونقاط القوة بغرض المناقشة.

وفي إحدى وكالات العلاقات العامة التي عملنا معها، كشفت هذه الممارسةُ أن الموظفين شعروا بشعور قوي بالإنجاز، لكنهم افتقروا إلى الفرص لمشاركة نجاحاتهم مع العملاء والزملاء. وعلى هذا كان أداؤهم طيباً فيما يتصل بإمكانات تحقيق الأهداف، لكن ليس فيما يتصل بالوحدة. وبعد إجراء المحادثة حول المعنى في العمل، عقدت الوكالة جلسات غداء تدريبية تهدف تحديداً إلى مشاركة الأفكار، والاحتفال بالإنجازات، وبناء المجتمع الصغير. وقد يبدو هذا كأنه جهد رمزي، لكنه في صميم المشكلة. كان الأشخاص يشعرون بعزلة شديدة في الأعمال المنعزلة لكل منهم، وكانوا يتوقون إلى الارتباط. وأخبرونا بأنهم استمتعوا بفرصة معرفة زملائهم بنحو أفضل في بيئة غير رسمية.

وفي المؤسسات التي درسناها لاحظنا أن مصادر المعنى يمكن أن تصبح أكثر وضوحاً بطرق أخرى أيضاً. مثلاً في حدث خارج الموقع، أو في أثناء جلسة لبناء فريق، يمكن للقادة والموظفين مشاركة أحداث حول معنًى عثروا عليه بطرق غير متوقعة. أو في اجتماعات تتخذ فيها قرارات كبرى، يمكن فحص بنود الأجندة هذه في ضوء المصادر الأربعة المحتملة للمعنى. ويمكن أيضاً إنشاء المعنى بنحو مشترك في أثناء المراجعات التطويرية من خلال سلسلة من الأسئلة التي تدفع الموظفين إلى التفكير ليس فقط في تطورهم الشخصي، لكن أيضاً في الفرص التي أتيحت لهم في ربع العام السابق لمعرفة تأثير عملهم في الآخرين، وكيف مكنهم دورُهم من أن يفوا بالأشياء الأهم في نظرهم، وما يمكن للإدارة أن تفعله لإزالة العقبات التي تعترض العمل ذا المعنى.

لا يُعترَف بالشكاوى باعتبارها مساعي إلى المعنى
يولِّد العملُ ذو المعنى مشاعرَ الرضا والعزم، التي كثيراً ما تُنقَل من خلال التعليقات والمساهمات الإيجابية– التعبيرات عن التقدير، مثلاً، أو البيانات الموجهة نحو الحل. لذلك لا يصعب عادةً التعرفُ على وجود المعنى. لكن غيابه Absence قد يحصل، سواء للقادة أو الموظفين، خاصةً عندما يتآكل الشعور بالمعنى تدريجياً (كما يحدث في الأغلب من خلال برامج التغيير المؤسسية ذات الإدارة السيئة، أو القيادة الضعيفة). أما مشاعر السخط، والفراغ، والحزن– الناجمة عن الافتقار إلى المعنى، لكن غير المفهومة بالضرورة على هذا النحو– فكثيراً ما تكمن وراء الشكاوى بشأن الإدارة. مثلاً، عندما ينتقل الموظفون من إدارة إلى أخرى، يقولون: ”إنهم لا يكلفون أنفسهم عناء فهم كيفية عملنا هنا“، لكنهم قد لا يتعرفون على معلومات مهمة أو يعبِّرون عنها، مثل حزنهم إزاء فقدان علاقات العمل الوثيقة والأساس الذي حصلوا عليه من هذه الروابط.

وحتى إذا فهم الموظفون المشاعر الكامنة وراء شكاواهم وحاولوا التعبير عنها، قد يفشل القادة في رؤية عمليات البحث الكامنة عن معنى. كما أن عديداً من القادة لا يصبرون إلا قليلاً على السلبية، ويطالبون الأشخاص بأن يأتوهم بالحلول بدلاً من المشكلات.10N. Lehmann-Willenbrock and S. Kauffeld, “The Downside of Communication: Complaining Cycles in Group Discussions,” in “The Handbook for Working With Difficult Groups: How They Are Difficult, Why They Are Difficult and What You Can Do About It,” ed. S. Schuman (San Francisco: Jossey-Bass, 2010), 33-54.

ولأن الناس غير مدربين على الإنصات إلى كلمات تعبر عن غياب المعنى أو فقدانه أو العثور عليها بشكل جماعي، يفوت القادةَ والموظفين على حدٍّ سواء الاطلاعُ على معلومات مهمة. وقد يكون من السهل أن نفسر شكوى بشأن أفكار واقتراحات تلقى التجاهلَ بالقول إن ”الرئيس لا يحترمنا أو لا يتفق معنا“. لكن إذا أنصتت الأطراف كلها إلى المعنى المحبِط، فقد تدرك أن المجموعة تشعر بأنها غير قادرة على الأداء بكامل إمكاناتها، لأنها غير قادرة على استخدام أفكارها الإبداعية لتحسين الموقف.

عند التعبير عن عمليات البحث عن المعنى والاستماع إليها كشكاوى، يتخذ المزاج الجماعي منعطفاً سلبياً عبر العدوى العاطفية. وهذا من شأنه أن يغذي عدم الرضا على مستوى الفريق، وفي نهاية المطاف يلحق الضرر بالأداء المؤسسي في مجالات مثل الإنتاجية، وحل المشكلات، والابتكار.11Ibid. وإذا ظلت أسئلة المعنى بلا علاج، يمكن للشكوى أن تتفاقم، مما يؤدي إلى مزيد من الشكاوى (الأكثر انهزامية) التي يُعبَّر عنها في عبارات مذهلة، مثل ”جربنا هذا من قبل، ولن ينجح أبداً“.

حاولِوا الاضطلاع بما يلي: استمِعوا بعمق لفهم حقيقة الأمور
بينما يتطلب الاستماع إلى المعنى أن يقضي الأشخاص وقتاً معاً، يجب أن يكون القادة حاضرين Present بنحو خاص عندما يمضون الوقت مع الموظفين والزملاء، والعكس صحيح. هذه مسؤولية مشتركة. ويعني الحضور أنكم تستمعون إلى تعبيرات عن كيفية ممارسة العمل في الواقع، بدلاً من الطريقة التي تتمنون أن يكون بها أو تعتقدون أنه ينبغي أن يكون بها. وفي بعض الأحيان قد يكون هذا غير مريح. ففي حين قد تستسلمون لإغراء تغيير المِزاج بسرعة، من خلال الموازنة بين التعليقات السلبية وبيان إيجابي، أو تحديد الحلول للمشكلات، تحمَّلوا أولاً عدم الارتياح. كونوا فضوليين: تفحصوا كيف ولماذا لا تعمل الأشياء بالنسبة إلى الأشخاص، واستمعوا إلى الخسائر الفعلية أو المحتملة في المعنى. إذا اشتكى الموظفون من برنامج أو منتج جديد، قد يشعرون بالقلق حقاً من عدم تواؤمه مع قيمهم الشخصية. ومن الممكن لعبارات مثل ”لستُ على يقين من أنني أرى الفائدة“ و”لن يحظى ذلك بقبول الناس“ أن تقدم أدلة على مخاوف أشد عمقاً.

ويتطلب الإنصات إلى المعنى مهارات مختلفة تماماً مقارنة برئاسة اجتماع حول الميزانية أو الاستراتيجية؛ هو لا يدور حول إيجاد الحلول، بل حول السماح للأشخاص بأن يُرَوا وتُسمَع أصواتهم. ويمكن للمديرين التعبير عن الاستماع الفاعل عبر لغة الجسد– من خلال هز رؤوسهم، والتواصل بالعين، والانحناء إلى الأمام. كما يمكنهم تلخيص ما يسمعون للتحقق من الفهم. كذلك يمكنهم تأجيل الحكم على تعليقات الموظف وشكاواه لإظهار أنهم يركزون كلياً على المحادثة والتأكد من أنهم يستمعون إلى تعبيرات عن المعنى أو غيابه، بغض النظر عن طريقة عرض هذه التعبيرات.

وبمجرد أن يشعر الأشخاص بأنهم مرئيون ومسموعون، يشعرون بأنهم أفضل تجهيزاً لترجمة الشكوى إلى طلب لمزيد من المعنى. ولن يبدو الأمر عقيماً. مثلاً، إذا لم يعتقدوا أنهم منحوا الحيز لاستخدام إبداعهم، قد يقولون شيئاً مثل “لقد تُجُوهل حلي الإبداعيُّ الذي طرحته الأسبوع الماضي، لكنني لستُ مستعداً تماماً للتخلي عنه. هل يمكنني أن آخذ بعض الوقت لتطويره والعودة إليكم؟”. ومع بدء الناس في الوقوف موقفاً أقوى في عمليات بحثهم عن المعنى (بدلاً من الاكتفاء باليأس والاستسلام) واستمرار القادة في الإنصات النشط إلى المعنى، ستنشأ تبصرات Insights وممارسات جديدة، وهذا من شأنه أن يولِّد مزيداً من الفرص للعمل ذي المعنى.

يعامل العمل ذو المعنى باعتباره حكراً على القادة
بسبب الاهتمام الكبير بالقيادة التي يوجهها الغرض، تخصِّص المؤسسات الآن الوقت والموارد بنمط منتظم، حتى يتمكن أعضاء فريق المديرين التنفيذيين C-suite وغيرهم من كبار القادة من المشاركة في ورش العمل، حيث يمكنهم التحدث عن مقصدهم الشخصي، وتعلم كيفية نقل المقصد المؤسسي إلى فرقهم.12S. Frémeaux and B. Pavageau, “Meaningful Leadership: How Can Leaders Contribute to Meaningful Work?” Journal of Management Inquiry 31, no. 1 (January 2020): 54-66. وأغلب الموظفين لا تتاح لهم الفرص للعثور على ما هو ذو معنى لهم وتوضيحه. وللمفارقة، في حين صار يُنظر إلى القيادة – بنحو متزايد- على أنها عملية مشتركة Shared وعلائقية Relational وتحادثية Conversational، يحدِّد عادة أولئك الذين هم في القمة المعنى ويسبغونه.

المعنى في العمل

وهذا النهج لا ينجح. فالأبحاث تُظهر أن الناس نادراً ما يذكرون قادتهم عندما يتحدثون عن عمل ذي معنى. وعندما يفعلون ذلك يكون في الأغلب لوصف العقبات التي يضعها القادة في الطريق، ما يؤدي إلى تدمير الشعور بالإنجاز والارتباط عن طريق إيقاف فريق المشروع قبل الانتهاء من العمل، أو إفشال مسؤوليتهم عن المشكلات والمهام بتجاوز حكمهم باستمرار.13C. Bailey and A. Madden, “What Makes Work Meaningful — or Meaningless,” MIT Sloan Management Review 57, no. 4 (June 2016): 52-63; and T. Amabile and S. Kramer, “How Leaders Kill Meaning at Work,” McKinsey Quarterly, Jan. 1, 2012, www.mckinsey.com. لأن المعنى كثيراً ما يعامل كحكر على قادة، وقد يكون من الصعب على الموظفين أن يقولوا إنهم فقدوا المعنى بسبب تصرفات القادة، أو إنهم تلقوا رسائل مختلطة أو مربكة حول مصادر المعنى.

وليس جديداً أن أساليب القيادة التي تتمحور حول القادة والفردية والبطولية، أي التي تركز على كيفية تغيير القادة “أتباعهم”، تفشل في الاستفادة من وجهات النظر المتعددة لفهم عالم معقد ومتقلب. لذلك يجب ألا يكون من المستغرب أن تفشل أساليب كهذه أيضاً في إضفاء المعنى على الأفراد والفرق وعلى العمل الذي يضطلعون به.14D. Tourish, “Leadership and Meaningful Work,” in “The Oxford Handbook of Meaningful Work,” eds. R. Yeoman, C. Bailey, A. Madden, et al. (New York: Oxford University Press, 2019), 327-346. فالأتباع لا يريدون أن يخبروا ماذا ينبغي لهم أن يعتبروه ذا معنى. وخاصة عندما يكونون قد تضرروا نتيجة لممارسات مؤسسية مؤذية في الماضي، ويخشون أن المحادثات حول شيء ما بنحو مكثف قد تجعلهم عرضة للخطر. قد يبدو التوقف عن الإصغاء إلى القادة حين يتحدثون عن عمل ذي معنى كأنه الاستجابة الأكثر عقلانية وصحة.

إضافةً إلى ذلك، عندما يحاول القادة تعريف المعنى للآخرين – قد يشعرون بأنهم خارج نطاق قدراتهم، أو حتى أنهم مخادعون– عندما يتعلق الأمر بكيفية العمل بنحو ذي معنى بأنفسهم، فهم لا يعرفون عنه أكثر من أي شخص آخر. وهؤلاء الذين ينظرون إلى القيادة باعتبارها تتولى زمام المسؤولية قد يصرون على فرض المعنى بدلاً من استكشافه مع آخرين باعتبارهم مساوين لهم. فالموظفون شديدو الملاحظة يلاحظون متى يتصنع المديرون أو يحمون مصالحهم الخاصة. وهذا من شأنه أن يقوِّض الثقة، ويقوِّض فرص بناء علاقات صادقة والإنشاء المشترك للمعنى.15K. Grayson, “Cultivating Trust Is Critical — and Surprisingly Complex,” Kellogg Insight, March 7, 2016, www.insight.kellogg.northwestern.edu. وإضافةً إلى ذلك، وفي الحالات التي لا يكون فيها القادة مستعدين لتقاسم السلطة عموماً، من المرجح أن يلاقوا مقاومة عند محاولة فرض المعنى، وسيصبح ”العمل من أجل الغرض“ مجرد مجموعة أخرى من التدريبات الميكانيكية التي تحفِّز سخرية الموظفين.

حاوِلوا الاضطلاع بما يلي: اطلبوا إلى الجميع المشاركة على قدم المساواة
تتطلب المحادثات الفاعلة حول المعنى تحولاً كبيراً في العقلية. ولا بد من أن تكون اجتماعات بين أطراف متساوية ولا بد أن تنشأ من علاقات متينة بين القادة والموظفين بدلاً مما “يعرفه” القائد. على حد تعبير الرئيس التنفيذي لشركة برمجيات ضريبية ذات تصنيفات عالية جداً للموظفين على الموقع الإلكتروني غلاسدور Glassdoor: “إن التفكير في إمكانية أن تبثوا في الموظفين عملاً ذا معنى عبارة عن وهم. يتطلب الأمر الاقتراب من الموظفين، والاستماع إلى المعنى الذي لديهم، والتعامل معه بالقدر الذي يستحقه من الحساسية”.

ولاستخراج المعنى من المهم بوجه خاص أن نركز على العملية إضافةً إلى النتيجة. والعملية هي التي تمكن الآخرين من التعبير عن أفكارهم واحتياجاتهم، وتحملنا جميعاً المسؤولية عن السلوك الشامل والأخلاقي، وتوفر بنية لاكتشاف الغرض. وينبغي للقادة أن يسألوا أنفسهم: هل يتحدث الموظفون والقادة علناً عن المعنى والغرض ويستمع بعضهم إلى بعض؟ في أي مرحلة من مراحل اتخاذ القرار والتخطيط والتنفيذ يحدث التغاضي عن المعنى أحياناً، ومن المسؤول عن التأكد من عدم حدوث ذلك في كل مرحلة؟ مثلاً عندما يقرر القادة إطلاق مبادرة تغيير أخرى، هل يفكرون في الكيفية التي من المرجح أن تؤثر بها هذه المبادرة في حس الغرض لدى الموظفين؟ من يأخذ ذلك في الاعتبار في مرحلة تصميم عملية التغيير؟ في أثناء تنفيذ الموظفين للمبادرة، هل يسألون عن كيفية تأثيرها في معنى عملهم؟ وهل يتحدثون بصراحة؟ الانسجام مع هذه المسائل المتعلقة بالعملية إذ يكون لكل شخص صوت يساعد على بناء الثقة في كل مكان.

وعندما تحض العملية القادة والموظفين باستمرار على إجراء تساؤلات وتحسين محادثاتهم حول المعنى، تصبح علاقاتهم أقل هرمية. وعلى الرغم من أن تبني هذا النهج في التعامل مع القيادة قد يتطلب تعزيز المهارات من خلال التدريب، وورش العمل، والدورات، وغير ذلك من الأدوات، هو في الأساس يدور حول النظر إلى الشخص الآخر باعتباره إنساناً زميلاً وطرح الأسئلة على نفسه بنمط منتظم: ”ماذا يشبه العمل معي؟“، وإذا كان أصحاب العمل راغبين في التعامل بجدية مع العمل ذي المعنى، فلا بد من أن يتحلى أي شخص في وضع السلطة بالشجاعة والرغبة في تجربة المحادثات بشأن المعنى على قدم المساواة.

الأشخاص على استعداد لترك أصحاب عملهم بحثاً عن عمل ذي مغزى، لكن المؤسسات تستطيع مساعدتهم على العثور عليه حيثما كانوا، من خلال إزالة الحواجز التحادثية التي وصفناها.

ويميل الحديث عن المعنى إلى أن يزاحمه الحديث عن الكفاءة والفاعلية. ومن خلال تجاهل المحادثات بشأن العمل ذي المعنى أو تفاديها، يفقد أصحاب العمل من دون قصدٍ الفرصَ لتحفيز الموظفين، وتعزيز صلاتهم فيما بينهم، وتحسين الأداء. تخدم المؤسسات الجميع، بما في ذلك أنفسهم، بنحو أفضل بكثير عندما تنشئ مساحاتٍ آمنة للمحادثات حول المعنى، وتضمين الأشخاص من معظم المستويات للمشاركة في هذا المسعى.

مارجولين ليبس-وايرسما Marjolein Lips-Wiersma

مارجولين ليبس-وايرسما Marjolein Lips-Wiersma

أستاذة الأخلاق وقيادة الاستدامة في جامعة أوكلاند للتكنولوجيا Auckland University of Technology.

كاثرين بايلي Catherine Bailey

كاثرين بايلي Catherine Bailey

أستاذة العمل والتوظيف في كلية كينغز للأعمال King’s Business School.

أدريان مادن Adrian Madden

أدريان مادن Adrian Madden

محاضر كبير في جامعة هادرسفـيلد University of Huddersfield.

لاني موريس Lani Morris

لاني موريس Lani Morris

مؤسس مشارك (مع ليبس-وايرسما) لصندوق خريطة المعنى الخيري الدولي The Map of Meaning International Charitable Trust، وهو مؤسسة غير ربحية تساعد المؤسسات على تطبيق الأفكار الواردة في هذا الموضوع.

المراجع

المراجع
1 C. Bailey, R. Yeoman, A. Madden, et al., “A Review of the Empirical Literature on Meaningful Work: Progress and Research Agenda,” Human Resource Development Review 18, no. 1 (March 2019): 83-113.
2 C. Bulgarella, “Purpose-Driven Companies Evolve Faster Than Others,” Forbes, Sept. 21, 2018, www.forbes.com; and C. Bailey, A. Madden, K. Alfes, et al., “The Mismanaged Soul: Existential Labor and the Erosion of Meaningful Work,” Human Resource Management Review 27, no. 3 (September 2017): 416-430.
3 M. Lips-Wiersma and L. Morris, “The Map of Meaningful Work: A Practical Guide to Sustaining Our Humanity,” 2nd ed. (Abingdon, United Kingdom: Routledge, 2018).
4 A. Stephan, “Emotions, Existential Feelings, and Their Regulation,” Emotion Review 4, no. 2 (April 2012): 157-62.
5 A.J. DuBrin, “Impression Management in the Workplace: Research, Theory, and Practice,” 1st ed. (New York: Routledge, 2011).
6 Lips-Wiersma and Morris, “The Map of Meaningful Work.”
7 M. Lips-Wiersma and S. Wright, “Measuring the Meaning of Meaningful Work: Development and Validation of the Comprehensive Meaningful Work Scale (CMWS),” Group & Organization Management 37, no. 5 (October 2012): 655-685.
8 J.E. Crossman, “Being on the Outer: The Risks and Benefits of Spiritual Self-Disclosure in the Australian Workplace,” Journal of Management & Organization 21, no. 6 (March 2015): 772-785.
9 C. Rodriguez-Delgado, F. Kai-Hwa Wang, G. Hays, et al., “Schools Across the Country Are Struggling to Find Staff. Here’s Why,” PBS NewsHour, Nov. 23, 2021, www.pbs.org; and E. Yong, “Why Health-Care Workers Are Quitting in Droves,” The Atlantic, Nov. 16, 2021, www.theatlantic.com.
10 N. Lehmann-Willenbrock and S. Kauffeld, “The Downside of Communication: Complaining Cycles in Group Discussions,” in “The Handbook for Working With Difficult Groups: How They Are Difficult, Why They Are Difficult and What You Can Do About It,” ed. S. Schuman (San Francisco: Jossey-Bass, 2010), 33-54.
11 Ibid.
12 S. Frémeaux and B. Pavageau, “Meaningful Leadership: How Can Leaders Contribute to Meaningful Work?” Journal of Management Inquiry 31, no. 1 (January 2020): 54-66.
13 C. Bailey and A. Madden, “What Makes Work Meaningful — or Meaningless,” MIT Sloan Management Review 57, no. 4 (June 2016): 52-63; and T. Amabile and S. Kramer, “How Leaders Kill Meaning at Work,” McKinsey Quarterly, Jan. 1, 2012, www.mckinsey.com.
14 D. Tourish, “Leadership and Meaningful Work,” in “The Oxford Handbook of Meaningful Work,” eds. R. Yeoman, C. Bailey, A. Madden, et al. (New York: Oxford University Press, 2019), 327-346.
15 K. Grayson, “Cultivating Trust Is Critical — and Surprisingly Complex,” Kellogg Insight, March 7, 2016, www.insight.kellogg.northwestern.edu.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى