أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
بحثتعلم وتطوير

كي يجعلنا العملُ المُصمَّم جيداً أكثر ذكاءً

العمل الذي يسمح بالاستقلال الذاتي، ويتطلب حل المشكلات، ويفي بمعايير أخرى للتصميم الجيد، يعززُ مهارات الموظفين الإدراكية وتَعلُّمهم المستمر.

إن تشجيع تعلُّم العاملين هو أولوية ملحة بقدر متزايد: لكي تنجح الشركة في تنفيذ الاستراتيجيات الموجهة بالتكنولوجيا، يتعين عليها أن تمتلك قوة عاملة قادرة على التكيف بسرعة مع الأدوات Tools والإجراءات Process والأدوار Roles الجديدة وإتقانها. ومع أتمتة Automate أنظمة الذكاء الاصطناعي AI مزيداً من المهام اليدوية والروتينية، من المرجح أن يضطلع الإنسان بعمل يمثل تحدياً إدراكياً أكبر.1C.B. Frey and M.A. Osborne, “The Future of Employment: How Susceptible Are Jobs to Computerisation?” Technological Forecasting and Social Change 114 (January 2017): 254-280. وأمام هذا كله، تتزايد ضرورة أن يفهم المديرون كيفية احتضان الإدراك وتسريع التعلم في مكان العمل.2S.K. Parker and G. Grote, “Automation, Algorithms, and Beyond: Why Work Design Matters More Than Ever in a Digital World,” Applied Psychology, Feb. 13, 2020, https://doi.org/10.1111/apps.12241.

نحن نعلم بالفعل أن كلاً من التعلم في أثناء العمل On-the-job learning والمعرفة الخبيرة Expert knowledge هما الدافع القوي لأداء أعلى من قبل العاملين.3C.P. Cerasoli, G.M. Alliger, J.S. Donsbach, et al., “Antecedents and Outcomes of Informal Learning Behaviors: A Meta-Analysis,” Journal of Business and Psychology 33, no. 2 (April 2018): 203-230; and J.A. Carpini, S.K. Parker, and M.A. Griffin, “A Look Back and a Leap Forward: A Review and Synthesis of the Individual Work Performance Literature,” Academy of Management Annals 11, no. 2 (June 2017): 825-885. لكن كيف يمكننا تعزيز العمل أكثر بهدف تشجيع التعلُّم؟ هل من الممكن تسريع تعلم الموظفين غير النظامي في العمل؟ هل يمكن لبعض أنواع العمل أن تجعل الأشخاص أكثر (أو أقل) ذكاء بمرور الوقت؟ يتناول بحثُنا هذه الأسئلةَ المهمة. تُظهر النتائج أن ليس كل العمل متساوياً عندما يتعلق الأمر باحتضان التعلم- لكن الاختلافات لا تَنتج عن نوع العمل الذي يُنجَز. فمن مراجعة الدراسات البحثية عبر تخصصات متعددة (بما في ذلك علم النفس المؤسسي، والصحة المهنية، والهندسة البشرية، وعلم الشيخوخة)، حددنا الدور القوي لتصميم العمل في تعزيز إدراك العاملين.4S.K. Parker, M.K. Ward, and G.G. Fisher, “Can High-Quality Jobs Help Workers Learn New Tricks? A Multi-
Disciplinary Review of Work Design for Cognition,” Academy of Management Annals 15, no. 2 (July 2021): 406-454.
وهذا يعني أنه بصرف النظر عن مهنة الشخص، فسيكون هناك مزيد من التعلم عندما يكون العمل جيد التصميم.

يدور تصميم العمل حول طبيعة عمل الأشخاص– مثلاً المهام التي يضطلع بها العاملون وعدد المهام التي ينفذونها– إضافةً إلى كيفية تنظيم العمل، مثلا: ما إذا كان الأشخاص يعملون في فريق أو بنمط مستقل.5S.K. Parker, “Beyond Motivation: Job and Work Design for Development, Health, Ambidexterity, and More,” Annual Review of Psychology 65 (2014): 661-691. وفي هذا الموضوع سنصف خمسة جوانب لتصميم العمل عرَّفناها على أنها تشكيل إدراك Cognition العامل، وطرق زيادة هذه الوسائل إلى أقصى حد ممكن لتعزيز التعلم. وسنناقش أيضاً الآثار التي قد تترتب على هذا البحث بالنسبة إلى القوى العاملة التي تعاني الشيخوخة، كما نقدم توصيات يمكن للمديرين وضعُها موضع التنفيذ. لكن أولاً، سنشرح المقصود من الإدراك، والأنواع الأخرى من الذكاء التي تشكل أهمية كبرى بالنسبة إلى أداء العامل.

الذكاء المتبلور والسائل

هناك نوعان رئيسان من الإدراك البشري Human cognition، وكلاهما مهم لأداء العامل: المعرفة المتبلورة Crystallized knowledge والقدرات الإدراكية السائلة Fluid cognitive abilities. وتتضمن المعرفة Knowledge الحقائق التي نعرفها، وفهمنا لكيفية الاضطلاع بالأمور (المعرفة الإجرائية Procedural knowledge)، وما يشار إليه باسم المعرفة الضمنية Tacit knowledge (المعرفة غير المدونة التي يجري الحصول عليها بنحو غير منهجي ويصعب تفسيرها، مثل قيادة السيارة). وعندما يتعلم الموظفون يكتسبون معرفة جديدة. وعلى مدى حياة مهنية أو حياة كاملة، تزداد المعرفة عادة مع جمع الأشخاص للتجربة وتطوير الخبرة والحكمة. (انظر: الذكاء السائل والمتبلور على طول العمر). ويُشار إلى هذا التغيير بأنه نمو في الذكاء المتبلور Crystallized intelligence.6J.L. Horn and R.B. Cattell, “Age Differences in Fluid and Crystallized Intelligence,” Acta Psychologica 26 (1967): 107-129.

فلنتأمل هنا مندوبَ المبيعات Sales representative الذي يطبق معرفته بميزات المنتج لبيعه للعملاء. مع المبيعات المتكررة، سيتعلم أكثر عن المنتج والعملاء، ويطور الخبرة. وعلى مدى سنوات عديدة، فإن المعرفة المتراكمة لديه تجعله حكماً فاعلاً وحكيماً على نحو غير عادي يستطيع إدارة المسائل التي تشكل تحدياً في مجال العملاء والمنتجات المعقدة. لقد تنامت المعرفة (الذكاء المتبلور) لمندوب المبيعات.

أما النوع الثاني من الإدراك فهو القدرات الإدراكية السائلة، التي تشكل قدرتنا على الانتباه للتفاصيل، والتبرير المنطقي، ومعالجة المعلومات. فالموظفون يستخدمون تصورهم وذاكرتهم العامِلَة Working memory، مثلاً، للتبرير المنطقي، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات. وبالنسبة إلى مندوب المبيعات أعلاه، تُمكنه سعة الذاكرة العامِلَة الأساسية وسرعة معالجة المعلومات المعقدة من حل مشكلة العميل. وعلى النقيض من المعرفة التي تتراكم وتستمر في الزيادة على امتداد العمر، تميل هذه القدرات الإدراكية السائلة، التي يشار إليها أحياناً باسم الذكاء السائل، إلى الانخفاض مع تقدم الأشخاص في العمر.7“Intelligence: Its Structure, Growth and Action,” ed. R.B. Cattell (Amsterdam: Elsevier, 1987).

وتقترح أبحاثنا أن تصميم العمل من الممكن أن يُغيِّر منحنيات الذكاء المتبلور والسائل على حد سواء. لقد حددنا الجوانب الخمسة التالية لتصميم العمل على أنها مهمة في الإدراك:

الاستقلال الذاتي للوظائف Job autonomy، أو التحكم في الوظائف، يشير إلى مقدار الفرص المتاحة للعاملين من حيث اتخاذ القرارات أو التأثير فيها، واختيار وقت عملهم في مهام معينة، وكيفية اضطلاعهم بأداء عملهم.

التغذية الراجعة Feedback هي المعلومات التي يتلقاها العامل حول فاعلية سلوكياته في العمل. يمكن أن تأتي التغذية الراجعة من العمل نفسه، مثلا: عندما يُثني العميل على العمل أو ينتقده، أو عندما يتمكن مندوب المبيعات من معرفة إجمالي عدد طلبات العميل؛ ومن الأنظمة المهيكلة رسمياً، مثل أنظمة تقييم الأداء Performance appraisal systems؛ ومن أنظمة أخرى في البيئة، مثل الأقران Peers والمشرفين Supervisors؛ ومن الأنظمة الإلكترونية؛ ومن خلال الجهود التي يبذلها العامل للحصول على التغذية الراجعة.

التعقيد الوظـيـفي Job complexity يشير إلى المدى الذي تفرض به الوظيفة مطالبات ذهنية- على العامل- تتطلب الكفاءة، والمهارة، والتدريب، والفكر، والإبداع، والحكم المستقل.

الجوانب العلائقية Relational aspects للعمل ترتبط بالسياق الاجتماعي الذي تُنفَّذ فيه المهام، مثل درجة الاتصال الاجتماعي، والدعم الاجتماعي، والترابط بين المهام، والتفاعل مع الأشخاص من خارج المؤسسة مما هو ذو صلة بالعمل.

الاحتياجات النفسية الاجتماعية للوظيفة Psychosocial job demands، مثل عبء العمل والمطالب العاطفية، تشمل تلك العناصر الاجتماعية والمؤسسية لوظيفة تتطلب جهداً بدنياً أو ذهنيا مستمراً، وتُكبد تكاليف فسيولوجية أو نفسية مثل الزيادة في إفرازات الكورتيزول و/أو التعب و/أو مشاعر القلق.8E. Demerouti, A.B. Bakker, F. Nachreiner, et al., “The Job Demands-Resources Model of Burnout,” Journal of Applied Psychology 86, no. 3 (June 2001): 501.

إثراء تصميم العمل يعزز الإدراك

عندما يكون العمل مصمَّماً بنحو جيد، فإنه يمنح العاملين فرصة استخدام إدراكهم من خلال تطبيق معرفتهم وقدراتهم الحالية ومواصلة تطويرها. مثلاً إذا كانت لدى مندوب المبيعات وظيفة معقدة جداً بحيث تتكرر الحاجة إلى معالجة مشكلات عقود محفوفة بتحديات، فستكون لديه الفرصة لتطبيق معرفته بالتعاقد، وينخرط في حل المشكلات، وهو أمر يعتمد على العمليات الإدراكية مثل الذاكرة العامِلَة.

لكن إذا لم يتمتع مندوب المبيعات بالاستقلال الذاتي لمعالجة شكاوى العملاء، وكان مطلوباً منه بدلاً من ذلك إحالة كل مشكلة صغيرة إلى المشرف عليه، يقلل ذلك من فرصة مندوب المبيعات لتطبيق معرفته بالمنتجات أو المشاركة في حل المشكلات التي تعتمد على خبرته. وكما سنرى قريباً، لا تؤثر هذه الفرص المتضائلة لاستخدام الإدراك في التعلم في المدى القريب فحسب، بل قد تؤثر أيضاً فيما إذا كان الذكاء السائل يتدهور مع تقدم المرء في العمر.

وللطريقة التي يُصمَّم بها العمل دور أكبر من تشكيل ما إذا كانت لدى الأشخاص فرصة لاستخدام إدراكهم: يمكن أن يسرع تصميمُ العمل أيضاً عمليةَ التعلم. وبصورة خاصة من المهم وجود مهام معقدة وممتلئة بالتحديات، وتوفير استقلال ذاتي وظيفي، وتغذية راجعة. وتحفز المهام المعقدة الصعبة حاجة الموظفين إلى استكشاف استراتيجيات العمل الفاعلة لتحقيق أهدافهم. ثم يتيح الاستقلال الذاتي الوظيفي للأشخاص فرصة استكشاف استراتيجيات مختلفة وتجريبها. وأخيراً توفر التغذية الراجعة معلومات Information حول الاستراتيجيات الفاعلة. وهذه الجوانب من تصميم العمل معاً تسرع بتعلم العاملين.

وتأتي بعض من الأبحاث الجيدة التي تساند فكرة التعلم المُسرَّع من جامعة شيفيلد University of Sheffield.9T.D. Wall, J.M. Corbett, R. Martin, et al., “Advanced Manufacturing Technology, Work Design, and Performance: A Change Study,” Journal of Applied Psychology 75, no. 6 (December 1990): 691. ففي سلسلة من الدراسات في التصنيع بيَّن الباحثون أن مشغلي الآلات تعلموا أن يتوقعوا الأعطال، وبعد ذلك أن يمنعوا حدوثها، عندما أُعطُوا استقلالاً ذاتياً وظيفياً أكبر. وباستخدام منهجية جديدة حللوا فيها نمط أعطال الآلات قبل التدخل وبعده، أظهر الباحثون انخفاضاً أولياً في وقت توقف الآلات عن العمل بنسبة 20%، متبوعاً بانخفاض أكبر في وقت التوقف عن العمل بنسبة 70% في المدى البعيد. كان الانخفاض الأولي في وقت توقف الآلات عن العمل راجعاً إلى حقيقة أن المشغلين عندما يُمنَحون الاستقلال الذاتي لحل المشكلات بأنفسهم، يمكنهم الاستجابة بسرعة أكبر مقارنة بضرورة الاتصال بأخصائيين مثل المهندسين. لكن الانخفاض على المدى البعيد- والأكبر- في أعطال الآلات حدث لأن زيادة الاستقلال الذاتي للمشغلين بمرور الوقت عنت قدرتهم على تعلم كيفية منع حدوث الأعطال في المقام الأول.

كذلك ظهرت في سياق الأتمتة أمثلة على كيف يمكن لسوء تصميم العمل أن يعوق التعلم. وفي بعض الأحيان يتحول العاملون إلى أجهزة مراقبة سلبية للآلات، إذ يتمثل دورهم الرئيس في مراقبة الآلة إذا تعطلت. وفي وظائف كهذه، لا يتمتع العاملون بقدر كبير من المشاركة النشطة في النظام المؤتمت، مع قدر ضئيل من الاستقلال الذاتي للتأثير في تشغيله، فضلاً عن تضاؤل الفرصة لاستخدام المعرفة وحل المشكلات، وقلة التغذية الراجعة استناداً إلى تصرفاتهم. والنتيجة هي أن العاملين يفقدون القدرة على التواصل مع ما يحدث؛ بل إنهم يُترَكون خارج الدائرة المغلقة. وعندما تفشل الأتمتة (كما تفعل دوماً، لأن الأتمتة لا يمكن الاعتماد عليها بنسبة 100%)، يستحيل على العاملين أن يستعيدوا السيطرة على الموقف بنحو فاعل نظراً إلى محدودية فهمهم لما يحدث مع الآلة.10N.B. Sarter, D.D. Woods, and C.E. Billings, “Automation Surprises,” in “Handbook of Human Factors and Ergonomics,” 2nd ed., ed. G. Galvendy (New York: John Wiley & Sons, 1997), 1926-1943.

ويقدم لنا الطيران مثالاً كلاسيكياً على هذا النوع من الفشل. وقد كشفت تحليلات لعدة حوادث تحطم طائرات عن حالات فشلت فيها القيادة الآلية، وكان تصميم عمل الطيار يعني عدم وجود معرفة ظرفية كافية لمعالجة المشكلة بسرعة واستعادة السيطرة على الطائرة.

ومن الطرق الأخرى التي يؤثر بها تصميم العمل في الإدراك التعلمُ الاستكشافي المُحفَّز Motivated exploratory learning. ويولد العمل الجيد التصميم التحفيز، مثل الشعور بالحماسة والالتزام الذي يعزز بدوره المشاركة والتعلم. وسيضطلع مندوب مبيعات متحمس مهتم ومشارك في وظيفته بأشياء تعزز التعلم، مثل طرح الأسئلة وملاحظة مندوبي المبيعات الآخرين لمعرفة الاستراتيجيات التي تنجح لديهم، وتجربة نُهُج جديدة، والبحث عن مشروعات جديدة. هذه السلوكيات المحفزة كلها– الاستعلام عن أعمال توسع وملاحظتها واستكشافها والتحفيز إليها (المهام التي تتجاوز الكفاءات الحالية لمندوب المبيعات)– من شأنها أن تعزز من معرفته، وأن توفر فرصاً لاستخدام قدرات إدراكية متزايدة التعقيد، مثل التفكير، وحل المشكلات، والإبداع.

وتوجيه عديد من جوانب تصميم العمل متضمن في هذا المسار التحفيزي. فعندما يتمتع الموظفون باستقلال ذاتي وظيفي، يطورون شعوراً قوياً بالمسؤولية عن عملهم، ما يحفزهم على تجاوز حدود عملهم وما بعده لحل المشكلات في وظائفهم. وعندما تكون الوظائف معقدة، تمنح الأفراد المتحمسين الفرصة لإثبات شعورهم بالكفاءة في العمل وتعزيزه. كذلك يحفز السياق الاجتماعي الداعم التعلم، لأن العاملين يشعرون بأمان نفسي أكبر في تجربة أمور جديدة. وبعبارة أخرى: لديهم الفرصة لتطبيق معرفتهم والانخراط في حل المشكلات، مع احتمال ضئيل للعواقب السلبية إذا ارتكبوا خطأ. وفي إحدى الدراسات أفاد الباحثون بأن الدعم المقدم من الأقران/المديرين Peers/Managers كان مؤشراً على مدى المشاركة في سلوكيات التعلم غير النظامي Informal learning behaviors، والتي بدورها كانت مؤشراً على اكتساب المعرفة والمهارات.11Cerasoli et al., “Antecedents and Outcomes,” 203-230.

من المثير للاهتمام، من منظور تحفيزي، أن التغذية الراجعة يمكن أن تكون سيفاً ذا حدين. في بعض الأحيان قد يتحول الإفراط في التغذية الراجعة إلى وسيلة للتذرع، فيركز انتباه العاملين على هدف الحصول على التغذية الراجعة الإيجابية ويقصر تعلمهم الفعلي.12A.N. Kluger and A. DeNisi, “The Effects of Feedback Interventions on Performance: A Historical Review, a Meta-Analysis, and a Preliminary Feedback Intervention Theory,” Psychological Bulletin 119, no. 2 (March 1996): 254-284. وإضافة إلى ذلك، عندما تكون التغذية الراجعة تقييمية بشدة وتركز على الشخص أكثر من تركيزها على المهمة، قد تصبح التغذية الراجعة سلبية فيما يتصل بالتعلم. وتدفع التغذية الراجعة التقييمية بشدة، مثل الأحكام الشخصية حول مدى حسن أداء المرء، الموظفين إلى التركيز على أنفسهم بطريقة مقلقة، وقد تصبح غير محفزة ومشوشة للانتباه. ويفسر التحفيز المنخفض من التغذية الراجعة التقييمية بشدة لماذا تكون التغذية الراجعة من الوظيفة– مثل التغذية الراجعة المباشرة من العملاء– في بعض الأحيان أكثر أهمية للتعلم من التغذية الراجعة من الآخرين، مثل الأقران أو المشرفين.

ودفعت هذه الاستنتاجات الباحثين إلى الدعوة إلى أهمية وجود بيئة داعمة للتغذية الراجعة، بحيث تأتي التغذية الراجعة، مثلاً، من أقران أو مشرفين ذوي مصداقية، وتنطوي على إطراء الأداء الإيجابي، وتكون محددة ومتكررة، وتُقدَّم بطريقة داعمة وموجهة نحو المهمة.13L.A. Steelman, P.E. Levy, and A.F. Snell, “The Feedback Environment Scale: Construct Definition, Measurement, and Validation,” Educational and Psychological Measurement 64, no. 1 (February 2004): 165-184.

المطالب الزائدة تضعف الإدراك

على الرغم من أن العمل المعقد والمحفز إيجابي بوجه عام بالنسبة إلى التعلم، من المهم ألا يصبح هذا التحدي أكبر مما ينبغي. فالعمل الذي يتطلب جهداً كبيراً من الممكن أن يستحضر استجابة إجهاد فسيولوجي، تتداخل مع التعلم وقدرات العاملين على تركيز الانتباه، بفعل الإدراك المتضرر بالإجهاد Strain-impaired cognition. وتتضمن الاستجابة للإجهاد إفراز الكورتيزول وغيره من الستيرويدات القشرية السكرية Glucocorticoids في الجسم بسرعة أكبر، ما يزيد كمية السكر أو الغلوكوز في مجرى الدم. وعلى الرغم من أن زيادة الغلوكوز تزيد من الطاقة وقد تحسن الذاكرة القريبة المدى في ذلك الوقت، خلال فترات أطول يمكن أن تؤثر هذه الاستجابة الإجهادية في الذاكرة البعيدة المدى وتعوق التعلم.14G.S. Shields, M.A. Sazma, A.M. McCullough, et al., “The Effects of Acute Stress on Episodic Memory: A Meta-Analysis and Integrative Review,” Psychological Bulletin 143, no. 6 (April 2017): 636.

ومن بين جوانب تصميم العمل الذى يمكن أن يسفر عن نقص القدرة على الإدراك، انعدام الاستقلال الذاتي الوظيفي؛ وعدم وجود دعم اجتماعي؛ والمطالب النفسية المفرطة، مثل ساعات العمل الطويلة، أو عبء العمل المرتفع، أو الضغوط الزمنية، أو المستويات العالية من تضارب الأدوار (الجذب في اتجاهات مختلفة لتحقيق أهداف العمل المختلفة)، أو التعرض لتضارب بين الأشخاص مثل السلوكيات غير المتحضرة، أو المضايقة، أو التنمر. وأظهرت إحدى الدراسات، مثلاً، أنه عندما يعاني العاملون عدم الاحترام والوقاحة من الآخرين في العمل، فإن قدرتهم على إيلاء الاهتمام تتضاءل، وتتدخل في الإدراك، وتعطل حل المشكلات والإبداع.15C.L. Porath and A. Gerbasi, “Does Civility Pay?” Organizational Dynamics 44, no. 4 (October-December 2015): 281-286.

في العملية النهائية التي نشير إليها باعتبارها قدرة إدراكية مستنفدة Depleted cognitive capacity، قد يشكل التعقيد المفرط عائقاً معيناً عندما يتعلم العاملون مهمة جديدة. فذاكرة العمل والقدرة التداخلية لدى البشر محدودة، لذلك عندما تكون المهام معقدة جداً، يصبح الفرد غير قادر على استيعاب المعلومات، ويضعف التعلم. والمعنى الضمني هو أن تدريس مهمة معقدة جداً لشخص ما يتطلب تقسيمها إلى خطوات أو مهام فرعية أبسط. ومن الأهمية بمكان أيضاً ألا نضيف إلى العبء الإدراكي، من خلال تقديم تعليمات هزيلة مثلاً.

الآثار المترتبة على دعم التقدم في العمر بفاعلية

حتى هذه النقطة، نظرنا في العمليات القريبة المدى إلى المتوسطة المدى التي يشكل تصميم العمل من خلالها التعلم، وهو أمر مهم لتعزيز الأداء الوظيفي العالي. لكن هناك قيمة أخرى مهمة أبعد أجلاً للعمل الجيد التصميم: وهي الفكرة المثيرة للاهتمام التي تتلخص في أن العمل الجيد التصميم من الممكن أن يساعد، بمرور الوقت، في الحفاظ على القدرات الإدراكية لدى العاملين والحد من الانحدار المرتبط بالتقدم في العمر، المرجح كنتيجة لتغيير بنية الدماغ أو وظيفته. ويتوافق مسار الحفاظ على الإدراك cognitive preservation pathway هذا مع عملية “استخدام الإدراك أو خسارته” Use it or lose it التي يناقشها علماء الأعصاب: فالأفراد الذين ينشطون ذهنياً بنمط ثابت يمكنهم الحفاظ على وظيفتهم الإدراكية (وإحباط فقدان قدراتهم الإدراكية/ذكائهم السائل) من خلال التطور العصبي المتزايد في الدماغ.16T.A. Salthouse, “Mental Exercise and Mental Aging: Evaluating the Validity of the ‘Use It or Lose It’ Hypothesis,” Perspectives on Psychological Science 1, no. 1 (March 2006): 68-87; and Y. Stern, “Cognitive Reserve in Ageing and Alzheimer’s Disease,” The Lancet Neurology 11, no. 11 (November 2012): 1006-1012. وتدعم الأبحاث فكرة أن الاستقلال الذاتي الوظيفي، وتعقيد الوظائف، وتصميم العمل العلائقي من الممكن أن يساعد في الحفاظ على الإدراك. ومن خلال الدراسات في مجال الصحة المهنية وعلم الشيخوخة على مدى العمر، رُبِط تصميم العمل بنتائج القدرة الإدراكية البعيدة المدى، مثل منع الانحدار الإدراكي أو انخفاض خطر الإصابة بمرض ألزهايمر Alzheimer’s disease.

مع هذا المجال البحثي، من المهم أن نستبعد احتمال أن يختار الأشخاص الذين يتمتعون بقدرات إدراكية أعلى وظائف أكثر تعقيداً أو مستقلة ذاتياً (أي المسار السببي العكسي لتركيزنا هنا). وعلى هذا يأتي الدليل الأقوى على عملية “استخدام الإدراك أو خسارته” التي يطلقها تصميم العمل من إظهار ارتباط بين تصميم العمل والتغيير Change اللاحق في الإدراك.

في إحدى الدراسات من هذا النوع، حلل الباحثون بيانات جُمِعت على مدار 18 سنة من دراسة الصحة والتقاعد بجامعة ميشيغان University of Michigan Health and Retirement Study.17G.G. Fisher, A. Stachowski, F.J. Infurna, et al., “Mental Work Demands, Retirement, and Longitudinal Trajectories of Cognitive Functioning,” Journal of Occupational Health Psychology 19, no. 2 (April 2014): 231. ووجد الباحثون أن العاملين في الوظائف الأكثر تطلباً عقلياً لديهم مستويات أعلى من الأداء الإدراكي (كما قيس باختبارات الذاكرة العرضية Episodic memory) وشهدوا تدهوراً أقل مقارنة بأولئك الذين يعملون في وظائف أقل تعقيداً. وهناك مثال آخر من السويد، حيث تابع الباحثون أكثر من 2,000 من الذين لا يعانون الخرف في سن 60 سنة على مدى تسع سنوات، ووجدوا أن أولئك الذين يتمتعون باستقلال ذاتي وظيفي عالٍ ومطالب عالية (أي وظيفة فاعلة Active job) في عملهم الأطول أجلاً يعانون تدهوراً إدراكياً أقل مقارنة بالأفراد الذين يعانون تصاميم عمل أضعف.18K.Y. Pan, W. Xu, F. Mangialasche, et al., “Working Life Psychosocial Conditions in Relation to Late-Life Cognitive Decline: A Population-Based Cohort Study,” Journal of Alzheimer’s Disease 67, no. 1 (2019): 315-325. فضلاً عن ذلك، كلما طال عمل العامل في وظيفة نشطة، كانت النتائج الإدراكية أفضل.

ومن المرجح أن يؤثر تصميم العمل الجيد، إضافة إلى تشكيل الذكاء السائل لدى الموظفين على مدى حياتهم المهنية، في الذكاء المتبلور في المدى البعيد. في السابق، ناقشنا كيف يمكن أن يؤدي الاستقلال الذاتي للوظائف والتعقيد والملاحظات إلى تسريع عملية اكتساب معرفة أعمق وأوسع. ولذلك من المنطقي أن يؤدي التعرض البعيد المدى لتصاميم كهذه في العمل إلى تراكم المعرفة، مثل تطوير الخبرة، بل حتى الحكمة. وقد ربطت دراسات قليلة حتى الآن بين تصميم العمل وهذا النوع من نتائج الذكاء المتبلور، لكن من المثير للاهتمام ملاحظة وجود أدلة قوية على أن أداء العمل لا يتدهور مع العمر، على الرغم من أن الأشخاص في الأغلب يعانون تدهوراً مرتبطاً بالعمر في القدرات الإدراكية السائلة مثل الذاكرة والتبرير المنطقي.19T.W.H. Ng and D.C. Feldman, “The Relationship of Age to Ten Dimensions of Job Performance,” Journal  of Applied Psychology 93, no. 2 (March 2008): 392. وأحد التفسيرات لهذه النتيجة هو أن تدهور سرعة الذاكرة والمعالجة يمكن تعويضه عن طريق زيادة الذكاء المتبلور.

أخيراً، تماماً كما يُحتمل أن يعزز تصميم العمل الجيد تغييرات إيجابية في الإدراك الوظيفي، يمكن أن يؤدي تصميم العمل السيئ إلى نتائج سلبية من خلال الإضرار بالصحة. وعلى الرغم من أن الأبحاث لا تزال نادرة إلى حد كبير، يبدو التعرض البعيد المدى لعوامل الإجهاد المزمنة مرتبطاً بانتشار أعلى للتدهور الإدراكي (بما في ذلك ضعف الذاكرة والخرف) بين البالغين الأكبر سناً. وتوصل تحليل لدراسة الخرف على أساس كتلة سكانية في توائم سويديين إلى أن التوأم إذا كان يتمتع باستقلال ذاتي وظيفي منخفض مع انخفاض في الدعم الاجتماعي وارتفاع في الطلب على الوظائف، من الأرجح أن يُصَاب بالخرف في سن الشيخوخة أكثر من توأمه ذي الأعمال ذات الجودة الأفضل.20R. Andel, M. Crowe, E.A. Hahn, et al., “Work-Related Stress May Increase the Risk of Vascular Dementia,” Journal of the American Geriatrics Society 60, no. 1 (January 2012): 60-67.

وهذه الاستنتاجات التي تربط تصميم العمل بالإدراك الطويل المدى مهمة جداً. فنحن لدينا مجموعة سكانية تتقدم في السن وقوة عاملة ناضجة متنامية من الأهمية بمكان أن تحافظ على أدائها الوظيفي الإدراكي لأنها تستمر في العمل فترة أطول من الأجيال السابقة. وقد يكون العمل الجيد التصميم عاملاً حامياً قوياً يساعد العاملين الأكبر سناً على تعلم مهارات جديدة، وتعزيز الذكاء المتبلور، والحد من الاعتلال في الذكاء السائل مع تقدم العاملين في السن. (انظر: “التأثير في الإدراك خلال العمر” الصفحة 46).

تصميم العمل للإدراك يحتاج إلى اهتمام القادة

لسوء الحظ تميل تصاميم العمل العالية الجودة التي ناقشناها لتعزيز التعلم إلى أن تكون ضعيفة على أرض الواقع. مثلاً أظهر استطلاع أوروبي لأكثر من 44,000 عامل أن 20% من العاملين يتولون وظيفة ”رديئة الجودة“ (مع استخدام المهارات المنخفضة، وقلة الاستقلال الذاتي، وظروف العمل الرديئة)، إضافة إلى ذلك، هناك 13% لديهم وظيفة عالية الضغوط مع مطالب مفرطة.21A. Parent-Thirion, I. Biletta, J. Cabrita, et al., “6th European Working Conditions Survey: 2017 Update,” PDF file (Luxembourg: European Foundation for the Improvement of Living and Working Conditions, 2017), www.eurofound.europa.eu. وإلى جانب يظهر تحليل أخير أجرته شركة الاستشارات الأمريكية غالوب Gallup حلّلت فيه العمل في الولايات المتحدة أن جودة العمل خلال جائحة كوفيد-19 انخفضت بالنسبة إلى 40% على الأقل من العاملين، وكان الانخفاض هو الأكبر بالنسبة إلى أولئك الذين كانوا يتولون وظائف ذات جودة أضعف.22J. Rothwell and S. Crabtree, “How COVID-19 Affected the Quality of Work” (Washington, D.C.: Gallup, 2020). وتشير هذه الدراسات إلى أن تصميم العمل الجيد ليس واسع الانتشار، مع ما يترتب على ذلك من عواقب غير مباشرة على تعلم العاملين، وأداء الوظائف، والأداء الإدراكي البعيد المدى لأعداد كبيرة من الأشخاص.

كذلك يشكل الاستخدام المتزايد لأنظمة الذكاء الاصطناعي AI systems لأداء مهام المشرفين خطراً على التصميم الجيد للعمل. وتظهر الأبحاث أنه على الرغم من أن الرقمنة يمكن أن تزيد من تعقيد الوظائف نتيجة لمهام روتينية أكثر تضطلع بها الأجهزة، هي تتمتع أيضاً بإمكانية زيادة التحكم المستند إلى الحواسيب في مكان العمل وتوليد وظائف ”مراقبة“ سلبية ذات استقلال ذاتي محدود وفرص أقل للتعلم. (انظر: كيف تؤثر إدارة الخوارزميات في تصميم العمل).

ومن حسن الحظ أن المؤسسات والمديرين قادرون على الاضطلاع بكثير لمعالجة هذه المسائل.

1. تطوير وتدريب المديرين الذين يفهمون كيفية إنشاء عمل عالي الجودة. مثلاً ينبغي للمديرين أن يستهدفوا تصميم العمل وهيكلته بطريقة تمنح العاملين الاستقلال الذاتي والتحكم في أنشطتهم، وتعزز مشاركتهم في اتخاذ القرار، وتسمح لهم بالمشاركة في حل المشكلات. كذلك يتعين على المديرين أن يقللوا من الضغوط الوظيفية والإجهاد في العمل، وأن يقدموا الدعم العاطفي والعملي للمساعدة في تخفيف الضغوط المحتملة.

ويجب أن يبدأ ذلك بتدريب المديرين وزيادة وعيهم. وتُظهر أبحاثنا الخاصة أن المديرين لا يفكرون في الأغلب في تصميم عمل مثير للاهتمام ومحفز للأشخاص.23S.K. Parker, D.M. Andrei, and A. Van den Broeck, “Poor Work Design Begets Poor Work Design: Capacity and Willingness Antecedents of Individual Work Design Behavior,” Journal of Applied Psychology 104, no. 7 (July 2019): 907. ويحتاج المديرون أيضاً في الأغلب إلى الدعم لتطوير المهارات اللازمة للقيادة بأسلوب تمكيني وليس استبدادياً. ويُعَد الاستثمار في تدريب المديرين على تصميم العمل عنصراً ضرورياً لتسريع التعلم. ويتمثل النهج العملي لتحسين تصميم العمل في تطبيق نموذج SMART الذي يربط الجوانب الرئيسة لتصميم العمل في إطار كلي:24The SMART model is based on S.K. Parker and C. Knight’s “A Higher-Order Analysis of Work Design Characteristics,” which is currently under review Practical information about the model is available at www.smartworkdesign.com.au.

S – Stimulating التحفيز (العمل المعقد والمتنوع)

M – Mastery الإتقان (تقديم الملاحظات الخاصة بالوظائف ووضوح الأدوار للمساعدة في الإتقان)

A – Agency الوكالة (الاستقلال الذاتي للوظائف والتحكم فيها)

R – Relational علائقي (التواصل الاجتماعي والدعم الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين)

T – Tolerable مقبول (مستويات قابلة للإدارة من متطلبات العمل مثل عبء العمل والضغط الزمني)

2. تنظيم العمل بنمط مختلف لتحسين تعلم العاملين. هناك تاريخ طويل من التدخلات على صعيد تصميم العمل مثل تعزيز الوظائف، والتمكين، والفرق ذات الإدارة الذاتية، مع دليل على أن هذه المبادرات من الممكن أن تحسن من رفاه العاملين وأدائهم.25C. Knight and S.K. Parker, “How Work Redesign Interventions Affect Performance: An Evidence-Based Model From a Systematic Review,” Human Relations 74, no. 1 (January 2021): 69-104. مثلاً لا ينطوي تعزيز الوظائف على توسيع نطاق المهام المتنوعة التي يؤديها العاملون فحسب، بل أيضاً منح العاملين قدراً أعظم من المسؤولية عن اتخاذ القرار. فالقرارات التي كان من الممكن أن يتخذها في وقت ما أخصائيون أو مديرون تُفوَّض إلى العاملين، مع بذل جهود لضمان أن يكون لديهم التدريب والمهارات اللازمة لممارسة سلطتهم الأكبر بحكمة. ويمكن تجميع المهام التي تتصل بعضها ببعض لتشكيل مهمة واحدة ذات تنوع في المهارات بدلاً من تفكيكها إلى مهام مختلفة وضيقة. ويجب حيث يمكن تجنب البروتوكولات المعايير الموحدة ذاتها بنحو مفرط، مثلما عندما يُطلَب من المعلمين اتباع خطط الدروس المحددة تحديداً دقيقاً. وستساعد هذه الخطوات في تصميم العمل الموجه نحو التعلم.

3. وضع سياسات عمل وثقافة تتماشى مع تصميم العمل المعزز. مثلاً ينبغي لسياسات الصحة والسلامة أن تتضمن صراحةً النظرَ في تصميم العمل. في الأغلب تركز سياسات الصحة العقلية على توفير خدمات الاستشارة للموظفين الذين يعانون الإجهاد، لكنها لا تولي اهتماماً كبيراً لأسباب الإجهاد المستندة إلى العمل، مثل المتطلبات الوظيفية الزائدة. ويمكن أن تشمل جلسات التخطيط الوظيفي مناقشات صريحة لتصميم العمل كوسيلة للتطوير. فالثقافة الداعمة والمفتوحة والموجهة نحو التعلم تسير إلى جانب الجهود الرامية إلى الاستفادة من الفوائد التعلمية لتصميم العمل الجيد.

4. تعزيز الجهود التي يبذلها الأفراد لتحسين تصميم عملهم الخاص. كثيراً ما ينظر العاملون إلى التدريب الرسمي باعتباره أفضل مسار، أو المسار الوحيد، لتحقيق تطورهم الشخصي والمهني، لذلك من الأهمية بمكان أن نرفع مستوى وعيهم بأن العمل الجيد التصميم من الممكن أن يعزز من تعلمهم وصحتهم الإدراكية. ومن الممكن تشجيع العاملين على صياغة أعمالهم لتصبح لديهم مشروعات أكثر تحدياً، وفرص أكبر لاتخاذ المبادرة، وشبكات اجتماعية أكثر قوة. ويظهر قدر كبير من الأدلة البحثية قيمة إنشاء كهذا للوظائف للتوصل إلى موظفين أكثر رضا في وظائف ذات جودة أعلى.26M. Tims, A.B. Bakker, and D. Derks, “Development and Validation of the Job Crafting Scale,” Journal of Vocational Behavior 80, no. 1 (February 2012): 173-186.

كيف تؤثر إدارة الخوارزميات في تصميم العمل

ستُريد المؤسسات المعنية بكيفية تأثير تصميم العمل في الإدراك أن تراقب من كثب اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي AI التي تعمل على أتمتة مهام إدارة الموظفين. ويجد بحث أجرته إحدانا (شارون باركر Sharon Parker) فيما يسمى بالإدارة الخوارزمية أن هذه الأنظمة قد تقلل من جودة تجارب العمل على حساب النمو الإدراكي للموظفين.

وحلل كزافيير باران-روشيلو Xavier Parent-Rocheleau وباركر أخيراً 45 دراسة حول الإدارة الخوارزمية، ووجدا أن مهام الإدارة التي تضطلع بها هذه الأنظمة– المراقبة، وتحديد الأهداف، وإدارة الأداء، والجدولة، والتعويض، وإنهاء الخدمة– يمكن أن تؤثر بنحو مباشر في تصميم العمل للموظفين.27X. Parent-Rocheleau and S.K. Parker, “Algorithms as Work Designers: How Algorithmic Management Influences the Design of Jobs,” Human Resource Management Review, May 10, 2021, https://doi.org/ 10.1016/j.hrmr.2021.100838. أي أن كل وظيفة من هذه الوظائف تؤثر في كل من موارد الوظائف (مثل الاستقلال الذاتي والتغذية الراجعة والتعقيد)، ومتطلبات الوظائف (مثل عبء العمل)– التي يمكن أن تكون كلها مهمة للعمل الجيد التصميم الذي يدعم الإدراك.

وتخفض الإدارة الخوارزمية بنمط أكثر شيوعاً استقلال الموظفين الذاتي؛ وشوهد هذا التأثير في كل وظيفة من الوظائف الست المذكورة أعلاه، باستثناء إنهاء الخدمة. وتميل المراقبة المؤتمتة وتحديد الأهداف إلى تقليل تعقيد الوظيفة، كما تؤدي المراقبة أيضاً إلى تراجع فرص حل المشكلات. ويمكن أن يؤدي ارتفاع أعباء العمل وانخفاض الدعم الاجتماعي وزيادة انعدام الأمان الوظيفي إلى مزيد من العواقب عندما تتولى الخوارزميات مهام إدارة الموظفين.

ويستطيع العاملون عن عمد المشاركةَ في توسيع نطاق العمل لبناء المهارات على مستوى حياتهم المهنية.28S. O’Mahony and B.A. Bechky, “Stretchwork: Managing the Career Progression Paradox in External Labor Markets,” Academy of Management Journal 49, no. 5 (October 2006): 918-941. وسيساعد السعي إلى الترقيات أو الانتقال إلى وظائف جديدة أو تغيير المهنة أيضاً في تعزيز النتائج الإدراكية الإيجابية إذا أدت هذه التحركات إلى عمل أفضل تصميماً. والأمر المهم هنا هو أن استراتيجيات كهذه لا بد من أن تكون متوازنة إلى جانب إدراك مُفاده أن جعل وظيفة شخص متطلبةً أو مرهقةً أكثر مما ينبغي من الممكن أن يؤدي إلى إجهاد، واستنفاد الموارد الإدراكية، ويؤدي إلى إضعاف الأداء الإدراكي.

أخيراً، بعيداً عن التغييرات داخل المؤسسة، يتعين على القادة أن يدركوا أن تصميم العمل يشكل جزءاً لا يتجزأ من سياسة عامة وسياق تشريعي أوسع. وقد يكون التغيير في هذا المستوى مطلوباً لتحقيق تصاميم عمل محسنة تعزز الإدراك على مدى فترات زمنية أطول. وينبغي النظر في السياسات الوطنية المتعلقة بمسائل مثل العمالة غير المستقرة والرقمنة من منظور الرفاه الإدراكي لأفراد المجتمع. وللحفاظ على قوة عمل ماهرة ومطلعة، يجب أن تتجاوز المناقشات المتعلقة بالسياسات المتعلقة بالآثار المترتبة على التكنولوجيات الرقمية التأكيدَ الحالي على الأخلاقياتِ (المرتبطة بالقرارات المتحيزة التي تتخذها الخوارزميات، مثلاً)، أو الإحصاءاتِ المتوقعة عن الوظائف المفقودة للأتمتة، لكي تشمل كيفية تأثير التكنولوجيات الجديدة في جودة تصميم عمل الموظفين.

شارون كاي. باركر Sharon K. Parker

شارون كاي. باركر Sharon K. Parker

(www.sharonkparker.com) الأستاذة المتميزة لكرسي جون كورتين John Curtin Distinguished Professor في جامعة كورتين Curtin University ، وزميلة حائزةٌ جائزةً لدى مجلس الأبحاث الأسترالي ،Australian Research Council ومديرة مركز تصميم العمل التحويلي Centre for Transformative Work Design (@wetransformwork) ، وباحثة بارزة في مركز التميز في أبحاث الشيخوخة السكانية Centre of ExcellenceCentre of Excellence in
.Population Ageing Research

غوينيث جي. فيشر (@gwenithgwyn) Gwenith G. Fishe

غوينيث جي. فيشر (@gwenithgwyn) Gwenith G. Fishe

أستاذة مشاركة في دائرة علم النفس بجامعة ولاية كولورادو Colorado State University ، وأستاذة مساعدة في كلية كولورادو للصحة العامة Colorado School of Public Health ، وباحثة مشاركة في مركز التميز في أبحاث الشيخوخة السكانية. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63319.

المراجع

المراجع
1 C.B. Frey and M.A. Osborne, “The Future of Employment: How Susceptible Are Jobs to Computerisation?” Technological Forecasting and Social Change 114 (January 2017): 254-280.
2 S.K. Parker and G. Grote, “Automation, Algorithms, and Beyond: Why Work Design Matters More Than Ever in a Digital World,” Applied Psychology, Feb. 13, 2020, https://doi.org/10.1111/apps.12241.
3 C.P. Cerasoli, G.M. Alliger, J.S. Donsbach, et al., “Antecedents and Outcomes of Informal Learning Behaviors: A Meta-Analysis,” Journal of Business and Psychology 33, no. 2 (April 2018): 203-230; and J.A. Carpini, S.K. Parker, and M.A. Griffin, “A Look Back and a Leap Forward: A Review and Synthesis of the Individual Work Performance Literature,” Academy of Management Annals 11, no. 2 (June 2017): 825-885.
4 S.K. Parker, M.K. Ward, and G.G. Fisher, “Can High-Quality Jobs Help Workers Learn New Tricks? A Multi-
Disciplinary Review of Work Design for Cognition,” Academy of Management Annals 15, no. 2 (July 2021): 406-454.
5 S.K. Parker, “Beyond Motivation: Job and Work Design for Development, Health, Ambidexterity, and More,” Annual Review of Psychology 65 (2014): 661-691.
6 J.L. Horn and R.B. Cattell, “Age Differences in Fluid and Crystallized Intelligence,” Acta Psychologica 26 (1967): 107-129.
7 “Intelligence: Its Structure, Growth and Action,” ed. R.B. Cattell (Amsterdam: Elsevier, 1987).
8 E. Demerouti, A.B. Bakker, F. Nachreiner, et al., “The Job Demands-Resources Model of Burnout,” Journal of Applied Psychology 86, no. 3 (June 2001): 501.
9 T.D. Wall, J.M. Corbett, R. Martin, et al., “Advanced Manufacturing Technology, Work Design, and Performance: A Change Study,” Journal of Applied Psychology 75, no. 6 (December 1990): 691.
10 N.B. Sarter, D.D. Woods, and C.E. Billings, “Automation Surprises,” in “Handbook of Human Factors and Ergonomics,” 2nd ed., ed. G. Galvendy (New York: John Wiley & Sons, 1997), 1926-1943.
11 Cerasoli et al., “Antecedents and Outcomes,” 203-230.
12 A.N. Kluger and A. DeNisi, “The Effects of Feedback Interventions on Performance: A Historical Review, a Meta-Analysis, and a Preliminary Feedback Intervention Theory,” Psychological Bulletin 119, no. 2 (March 1996): 254-284.
13 L.A. Steelman, P.E. Levy, and A.F. Snell, “The Feedback Environment Scale: Construct Definition, Measurement, and Validation,” Educational and Psychological Measurement 64, no. 1 (February 2004): 165-184.
14 G.S. Shields, M.A. Sazma, A.M. McCullough, et al., “The Effects of Acute Stress on Episodic Memory: A Meta-Analysis and Integrative Review,” Psychological Bulletin 143, no. 6 (April 2017): 636.
15 C.L. Porath and A. Gerbasi, “Does Civility Pay?” Organizational Dynamics 44, no. 4 (October-December 2015): 281-286.
16 T.A. Salthouse, “Mental Exercise and Mental Aging: Evaluating the Validity of the ‘Use It or Lose It’ Hypothesis,” Perspectives on Psychological Science 1, no. 1 (March 2006): 68-87; and Y. Stern, “Cognitive Reserve in Ageing and Alzheimer’s Disease,” The Lancet Neurology 11, no. 11 (November 2012): 1006-1012.
17 G.G. Fisher, A. Stachowski, F.J. Infurna, et al., “Mental Work Demands, Retirement, and Longitudinal Trajectories of Cognitive Functioning,” Journal of Occupational Health Psychology 19, no. 2 (April 2014): 231.
18 K.Y. Pan, W. Xu, F. Mangialasche, et al., “Working Life Psychosocial Conditions in Relation to Late-Life Cognitive Decline: A Population-Based Cohort Study,” Journal of Alzheimer’s Disease 67, no. 1 (2019): 315-325.
19 T.W.H. Ng and D.C. Feldman, “The Relationship of Age to Ten Dimensions of Job Performance,” Journal  of Applied Psychology 93, no. 2 (March 2008): 392.
20 R. Andel, M. Crowe, E.A. Hahn, et al., “Work-Related Stress May Increase the Risk of Vascular Dementia,” Journal of the American Geriatrics Society 60, no. 1 (January 2012): 60-67.
21 A. Parent-Thirion, I. Biletta, J. Cabrita, et al., “6th European Working Conditions Survey: 2017 Update,” PDF file (Luxembourg: European Foundation for the Improvement of Living and Working Conditions, 2017), www.eurofound.europa.eu.
22 J. Rothwell and S. Crabtree, “How COVID-19 Affected the Quality of Work” (Washington, D.C.: Gallup, 2020).
23 S.K. Parker, D.M. Andrei, and A. Van den Broeck, “Poor Work Design Begets Poor Work Design: Capacity and Willingness Antecedents of Individual Work Design Behavior,” Journal of Applied Psychology 104, no. 7 (July 2019): 907.
24 The SMART model is based on S.K. Parker and C. Knight’s “A Higher-Order Analysis of Work Design Characteristics,” which is currently under review Practical information about the model is available at www.smartworkdesign.com.au.
25 C. Knight and S.K. Parker, “How Work Redesign Interventions Affect Performance: An Evidence-Based Model From a Systematic Review,” Human Relations 74, no. 1 (January 2021): 69-104.
26 M. Tims, A.B. Bakker, and D. Derks, “Development and Validation of the Job Crafting Scale,” Journal of Vocational Behavior 80, no. 1 (February 2012): 173-186.
27 X. Parent-Rocheleau and S.K. Parker, “Algorithms as Work Designers: How Algorithmic Management Influences the Design of Jobs,” Human Resource Management Review, May 10, 2021, https://doi.org/ 10.1016/j.hrmr.2021.100838.
28 S. O’Mahony and B.A. Bechky, “Stretchwork: Managing the Career Progression Paradox in External Labor Markets,” Academy of Management Journal 49, no. 5 (October 2006): 918-941.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى