أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
استراتيجية رقمية

عندما يتفوق التغيير التدريجي على التحول الجذري

قد لا تكون الشركات الصناعية وجهَ الزعزعة الرقمية، لكن نُهُجها التطورية في التعامل مع المبادرات الرقمية الناجحة تحمل دروساً لقطاعات أخرى.

لم يعد تحوُّل Transforming المؤسسات بغرض جني الفوائد التي وعدت بها التكنولوجيات الرقمية المتقدمة مسألة ”إذا“ أو ”متى“؛ بل هو مسألة ”كيف“. كثيراً ما يُنصَح قادة الأعمال من قبل مستشارين خبراء بإنشاء وحدة رقمية متخصصة تعمل على ”الزعزعة“ Disrupt، فيوجهون من القمة عجلة التغيير التي تُطبَّق على نطاق واسع.

وهذا النهج ليس مناسباً للشركات كلها، لكن هناك طريقة أخرى للتعامل بنجاح مع مثل هذه التغييرات الكبيرة. وتُظهر أبحاثنا في التحول الرقمي في الشركات الصناعية أن النهج الأفضل في عديد من الحالات ليس ثورياً بل تطوريٌّ. ونقترح، بحسب الظروف، أن ذلك النهج يكون الأفضل للمؤسسات في القطاعات الأخرى أيضاً.

خذوا حالة شركة المرافق الكهربائية الإيطالية إنيل Enel، التي تخدم نحو 70 مليون عميل حول العالم. كانت أول شركة مرافق تأتي بأجهزة قياس ذكية إلى منازل الناس في العام 2001، وكانت رائدة في إدخال عديد من التحسينات الرقمية على تجربة المستخدم خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي العام 2017، بدأت مشروع مصنع رقمي، لتسخير أحدث تكنولوجيات الاستشعار والأتمتة لتحسين كفاءة توليد الكهرباء وتوزيعها. وأنشأت توأماً رقمياً لشبكة الكهرباء، واستخدمت الواقع الافتراضي والواقع المعزز لتدريب تقنيي الخدمة الميدانية. وإلى جانب هذه التغييرات، نقلت الشركة بنيتها التحتية لتكنولوجيا المعلومات إلى السحابة Cloud، ووزعت مسؤولية عمليات تكنولوجيا المعلومات بين 13 مركزاً رقمياً. ودربت الموظفين في مختلف أرجاء الشركة في مجال التكنولوجيا الرقمية، وأنشأت منصة للابتكار بالإسناد الجماعي Crowdsourcing innovation platform، وقدمت ما يُسمَّى بممارسات العمل الرشيقة Agile working practices. وأصبحت إنيل الآن واحدة من أكثر شركات المرافق الكهربائية تقدماً رقمياً في العالم، لكنها لم تحدث ثورة مفاجئة. بل إن هذا التحول كان يدار بطريقة متكاملة وتدريجية، من خلال المبادرات التي طبقها المسؤولون التنفيذيون الذين يعملون في مختلف أجزاء المؤسسة. 

ويتناقض نهج إنيل التطوري بنحو ملحوظ مع التحولات الواسعة النطاق التي جُرِّبت في بعض الشركات الصناعية. مثلاً أطلقت شركة جنرال إلكتريك General Electric منصة برمجيات طموحة (بريديكس Predix) في العام 2013 ووضعتها في وحدة أعمال منفصلة، هي جنرال إلكتريك الرقمية GE Digital، في العام 2014. لكن من دون تأييد حقيقي من أجزاء أخرى من الشركة، ومن دون أي أفكار مغيرة لقواعد اللعبة، وفي العام 2018 قُلِّصت المنصة وخُفِّضت أولويتها عندما تولى جون فلانيري John Flannery منصب الرئيس التنفيذي للمجموعة.

ويشير التباين إلى تبصر مهم من تفحصنا لـ12 من أساليب الشركات في التعامل مع التحول الرقمي– أو على وجه التحديد، أن مبادرات ناجحة كهذه في الشركات الصناعية تشكل عادة قصص تطور وليس ثورة. واتخذ المسؤولون التنفيذيون في المؤسسات التي درسناها في الأغلب وجهة نظر بعيدة المدى، فاستكشفوا حالات استخدام التكنولوجيات الجديدة في دراسات تجريبية صغيرة، ووسعوا نطاقها بحذر. كذلك اتخذوا نهجاً لامركزياً إلى حد كبير، بهدف بناء القدرة الرقمية في قلب الأعمال بدلاً من بناء وحدة متخصصة أو منفصلة.

يصف هذا الموضوع هذا النهج التطوري للتحول الرقمي بمزيد من التفصيل، مع التركيز على ثلاثة جوانب رئيسة: (1) الخيارات التي تتخذها الشركات في ردودها الأولية على التكنولوجيات الجديدة؛ (2) كيفية زيادة حجم المبادرات الرقمية بفاعلية؛ (3) الإيجابيات والسلبيات المترتبة على تعيين مسؤول رئيس عن التكنولوجيا الرقمية Chief digital officer (CDO) للإشراف على هذه الأنشطة كلها. وأخيراً نقدم مجموعة من التساؤلات القادرة على مساعدة الشركات في أي قطاع في تحديد ما إذا كان من الأفضل لها أن تتبع النموذج الثوري الذي تتبناه الشركات التي تواجه المستهلكين أو النموذج التطوري الذي تجسده الشركات الصناعية. باختصارٍ نحن نزعم أن الاختيار الصحيح يعتمد على خصائص معينة لمنتجات المؤسسة، وعلاقات العملاء والشركاء، واحتياجات المستخدمين.

ادفع الاستكشاف الرقمي من خلال خطوط الأعمال Drive digital exploration through the lines of business. من المغري أن نمنح مهمة استكشاف تكنولوجيات رقمية جديدة لفريق عمل معني بالاستراتيجية أو تطوير الأعمال قريب من الرئيس التنفيذي. ومن المؤكد أن هذا النهج شائع في عديد من القطاعات، مثل المنتجات الاستهلاكية والخدمات المالية. لكن في الشركات الصناعية الناجحة التي درسناها، كانت التكنولوجيات الجديدة تُقيَّم عادة من قِبل أشخاص في خطوط الأعمال– يكونون في الأغلب مديرين من المستوى المتوسط في أدوار تقنية يبحثون عن طرق لتحسين كفاءة عملياتهم الحالية.1 In addition to these front-line digital initiatives, most large companies have digital projects underway aimed at transforming back-office and support activities to make them more efficient. Due to space constraints, our focus in this article is on customer-facing initiatives. مثلاً بدأت شركة أطلس كوبكو Atlas Copco الصناعية السويدية النظر في تكنولوجيا المراقبة من بُعد للضواغط Compressors التي تنتجها في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك بعد مناقشة بين فرق التطوير في المقر الرئيس والمديرين المباشرين في شركة تابعة أجنبية كانت تبحث عن نهج أفضل للصيانة الاستباقية. ومن الأمثلة الأخرى شركة سيمنز Siemens الألمانية القابضة، التي بدأت بتطبيق البرمجيات الأكثر نجاحاً في قسم التنقل Mobility، والذي يسمى رايليجنت Railigent، وذلك انطلاقاً من أعمال فريق خدمة العملاء المحلي.

ومن الممكن أيضاً تنفيذ تجربة التكنولوجيات الجديدة بطريقة غير مركزية من قِبل فريق صغير مختلط من المسؤولين عن الأعمال، والتكنولوجيا الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات، مدمج في وحدة أعمال Business unit. انظروا في حالة ساندفيك Sandvik، شركة معدات التعدين السويدية. بدأت أعمالها في مجال التعدين وتكنولوجيا الصخور بالعمل بالتكنولوجيا الرقمية في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وأدت تجربتان مبكرتان في مجال القياس من بعد لمعدات المناجم إلى استنتاج الفريق أن نوعية تكنولوجيا الاستشعار لم تتطور تطوراً كافياً، وأن التكلفة كانت مرتفعة جداً. وحاول الفريق مرة أخرى في العام 2010، مع التركيز على المراقبة من بعد من أجل تحسين الكفاءة والسلامة. وفي العام 2011 نفذت هذه البلدان عدة مشروعات تجريبية، مثل مراقبة المعدات بحثاً عن أعطال وجدولة الصيانة بمزيد من الكفاءة. وأُجريت المشروعات التجريبية هذه مع عملاء مختارين خصيصاً يواجهون تحديات خاصة، مثل عميل لديه مناجم في مواقع إفريقية نائية، يعاني نقصاً في المشغلين المهرة. ومكن نجاحُ هذه المشروعات التجريبية ساندفيك من بناء منصة ماي ساندفيك MySandvik الرقمية لمجموعة من العملاء على مدى السنوات التالية، كما سنناقش لاحقاً أدناه.

وكان لهذا النهج المنخفض المخاطر والضمني فوائد بالغة الأهمية. أولاً، من خلال التركيز على حالات الاستخدام الحقيقية، كانت هذه المشروعات موضع تركيز حقيقي– لقد أرغمت المديرين على معرفة كيف تنشئ التكنولوجيا القيمة Create value، وما إذا كان ذلك حدث من خلال تمكين الشركة من خفض التكلفة أو من النمو. أو نستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن النجاح جاء من تطبيق التكنولوجيات الرقمية على مشكلات العالم الحقيقي بدلاً من تطبيق التكنولوجيات بغرض تطبيقها (بمعنى طرح ”الحلول بحثاً عن مشكلات“).

البحث

أجرى المؤلفون دراسة
استقرائية inductive
study، ففحصوا
بتعمُّقٍ الحالات الطولية
Longitudinal cases
لشركات صناعات
تحويلية معقدة.

وجُمِعت البيانات من خلال
المقابلات الشاملة لعدة
قطاعات، والمراقبة المباشرة
للعمليات اليومية خلال
الزيارات الميدانية الموسعة،
وبيانات المحفوظات من
الوثائق الداخلية والخارجية.

كذلك أجرى الباحثون
مقابلات مكثفة في شركتين
(أطلس كوبكو وإنيل) وعدد
أقل من المقابلات في 10
شركات أخرى (بي إيه إي
سيستمز BAE Systems،
وباير Bayer، وغري Gree،
ولانكسس Lanxess،
ومولنلايك Mölnlycke،
وريو تينتو Rio Tinto،
وساندفيك، وشنايدر
Schneider، وسيمنز،
وستيلانتيس Stellantis).

ثانياً، تمكنت المشروعات التجريبية هذه من بناء القدرات الداخلية. لقد عرضت المؤسسات التي درسناها مديريها ومهندسيها من المستوى المتوسط لمشروعات رقمية لضمان فهمهم للقيمة المحتملة لهذه المبادرات فضلاً عن أوجه القصور التي تعيب هذه المشروعات. وكان هناك كثير من التجربة والخطأ في هذه المشروعات، بما في ذلك في اختيار التكنولوجيا وتطوير واجهات المستخدم. مثلاً كانت تكنولوجيا المراقبة من بُعد الخاصة بساندفيك تنتج عديداً من التنبيهات غير الضرورية التي أربكت العملاء، لذلك مرت بعدد من المحاولات المتكررة لتطوير واجهة المستخدم User interface. وضم فريق المشروع أشخاصاً لديهم مهارات رقمية عميقة، لكنهم خضعوا لإشراف مديرين من المستوى المتوسط يتمتعون بالمعرفة الواسعة النطاق في مجال عمليات التعدين وتطوير الأعمال.

وباختصارٍ سلَّط هذا النهج المتكامل- بفريق مختلط- تركيزَ كل شخص على حالات الاستخدام العملي، بهدف إحداث تأثير في الأعمال قابل للقياس، وضمان تكامل أفضل مع الأنشطة الأخرى للشركة، وساعد أيضاً على بناء مهارات رقمية في أنحاء المؤسسة كلها.

متى يكون من المنطقي بدلاً من ذلك فصل التكنولوجيات الرقمية في وحدة منفصلة؟ شهدنا بعض الأمثلة في القطاع الصناعي، بما في ذلك إنشاء إينل للشركة التابعة لها إينل إكس Enel X لحلول المنازل الذكية وتخزين الطاقة والربط في المدن، من بين أمور أخرى؛ وسوق تشي مونديس CheMondis التابع لإكسنس، وهي منصة للبيع من الشركات إلى الشركات B2B، تجمع بين عديد من الشركات المصنِّعة ووكلاء البيع، لبيع المواد الكيميائية في السوق المفتوحة. وهذان مثالان على المبيعات المباشرة للعملاء النهائيين، واحتياجات السوق في مرحلة مبكرة جداً وغير المؤكدة إلى حد كبير، ونماذج أعمال Business models جديدة.2C. Linz, G. Müller-Stewens, and A. Zimmermann, “Radical Business Model Transformation: How Leading Organizations Have Successfully Adapted to Disruption,” 2nd ed. (London: Kogan Page, 2021). وأمام عدم وجود ترابط مع العمليات Operations القائمة، إضافةً إلى المخاوف من تنافس المؤسسة على المهارات، فإن فصلها كعمليات مستقلة هو أمر منطقي، كما أنه حال دون أن تصبح مصادر إلهاء مكلفة.

امنح المبادرات الرقمية حريةَ التوسع Give digital initiatives the freedom to scale. في الشركات التي تعمل مع المستهلك مباشرة، ينطوي التوسع في العمل غالباً على أخذ منتج واعد من حاضنة Incubator أو وحدة المشروعات الاستثمارية Venture unit ووضعه في وحدة أعمال Business unit رئيسة، حتى يتسنى للمنتج الاستفادة من شبكة توزيع راسخة (يشار إليها في الأغلب بنموذج ”الفصل ثم التكامل“ Separate then integrate).3C.C. Markides and C.D. Charitou, “Competing With Dual Business Models: A Contingency Approach,” Academy of Management Perspectives 18, no. 3 (August 2004): 22-36. لكن في الشركات الصناعية التي درسناها، كان النمط المستخدَم مختلفاً: إذ دُمِجت التكنولوجيات الرقمية الجديدة بالفعل داخل أحد الأقسام، وكثيراً ما تضمنت عملية توسيع نطاق هذه التكنولوجيات منح فريق المشروع قدراً أكبر من الاستقلالية لتيسير النمو.

انظر مثلاً إلى منصة ماي ساندفيك الرقمية المذكورة أعلاه. كان أغلب عملاء ساندفيك يستخدمون المعدات من موردين متعددين، لذلك كانت هذه المنصة- ولكي تكتسب استخداماً واسع النطاق- في حاجة إلى فتحها على موردي معدات آخرين. وبنت ساندفيك واجهات برمجة التطبيقات لإعداد التقارير APIs الضرورية لتمكين هذا الربط. فقد أنشأت فريقاً جديداً للتحليلات، فضلاً عن فريق مبيعات متخصص. كذلك دخلت في شراكة مع شركة متخصصة في تكنولوجيا إنترنت الأشياء Internet of things، تُدعى نيوتراكس Newtrax، واشترتها فيما بعد.

ومن بين الأمثلة الأخرى على التوسع في المساعدة الخارجية هناك مثال سيمنز للتنقل Siemens Mobility ونظام البرمجيات رايليجنت الخاص بها لمراقبة القطارات والمسارات والإشارات. وعلى الرغم من أن نظام برمجيات السكك الحديد جرى تصوره وتطويره داخلياً في البداية، فإنه ينمو بفضل الشراكات. ولدى مجموعات تطبيقات رايليجنت Railigent Application Suite بالفعل أكثر من 100 تطبيق يساهم بها أكثر من 10 شركاء في منصتها المستندة إلى السحابة، والتي طُوِّرت باستخدام خدمات أمازون الشبكية Amazon Web Services.4“CloudCheckr Is the Engine Driving Cloud Governance at Siemens,” PDF file (Rochester, New York: CloudCheckr, accessed May 21, 2021), https://click.cloudcheckr.com.

ولاحظنا أيضاً حالات من إطلاق الشركات المُنبثِقة Spinoffs. مثلاً اشترك قسم المعدات الزراعية في بوش Bosch مع شركة لبناء المشروعات-هي فاوندرز لايْن FoundersLane- لإنشاء خدمة رقمية تُدعى ديبفيلد كونكت Deepfield Connect لمساعدة المزارعين في زيادة الإنتاجية. وكانت بوش مشاركة عميقة في إنشاء هذه الخدمة، لكنها تراجعت لتمكين ديبفيلد كونكت من زيادة حجمها بسرعة، وذلك لكونها أقرب إلى ريادة الأعمال وأكثر قدرة على العمل بنحو مستقل. 

يوضح هذان الوصفان القصيران نقطتين مهمتين. أولاً، إذا كانت إحدى الشركات تحاول توسيع نطاق المشروعات الرقمية، فمن المفيد في الأغلب منح الفِرَق درجة كبيرة من الحرية حتى تتمكن من اتخاذ الخطوات الضرورية للنجاح، بما في ذلك التعاون مع المنافسين. ثانياً، يتعين على الشركاء الخارجيين أن يؤدوا دوراً مهماً في تيسير النمو، سواء كان هؤلاء الشركاء من مزودي خدمات التكنولوجيا مثل آي بي إم IBM أو غوغل Google أو أمازون Amazon؛ أو الشركات الناشئة Startups؛ أو شركات بناء المشروعات الاستثمارية Venture builders.

وعلى النقيض من نموذج ”الفصل ثم التكامل“ الذي نراه في الصناعات التي تعمل مع المستهلكين مباشرة، من الممكن وصف نموذج الشركات الصناعية بأنه ”الدمج ثم توسيع النطاق“ Embed then scale out. وكما ناقشنا أعلاه، يتطلب هذا اهتماماً دقيقاً بالهيكل، وبصورة خاصة تقبُّل السماح للنشاط الرقمي بالعمل على أساس شبه مستقل. لكن كلا النموذجين يعتمد على رعاية قوية من القمة. وارتبطت الحالات الناجحة التي رصدناها بكبار القادة الذين كانوا حساسين لقواعد السلطة داخل المؤسسة، والذين تمكنوا من استخدام مهاراتهم السياسية للتغلب على مصادر المقاومة المحتملة.

وظِّف المسؤول الرئيس عن التكنولوجيا الرقمية لتضمين القدرات الرقمية في الشركة Use the chief digital officer to embed digital capabilities into the company. عينت عديد من الشركات التي درسناها مديراً تنفيذياً للتكنولوجيا الرقمية CDO خلال فترة بحثنا. وفي الموجة الأولى، عُيِّن المديرون التنفيذيون للتكنولوجيا الرقمية للإشارة إلى أهمية الأجندة الرقمية، وتوفير مركز تركيز للمبادرات المهمة. وأغلب المبادرات التي قادها المديرون التنفيذيون للتكنولوجيا الرقمية في هذه الموجة الأولى كانت تُدار مركزيا. مثلاً في جنرال إلكتريك أنشأ بيل روه Bill Ruh في البداية مركز تميز للبرمجيات ”كآلية لجلب علماء البيانات“ Data scientists، والأشخاص الذين يفهمون المصدر المفتوح Open source، والسحابة، وممارسات ديف أوبس DevOps وآجيل (الرشاقة) “Agile.5“The GE Journey: Culture and Talent Accelerate GE’s Transformation From Industrial Conglomerate to Digital Services Provider,” Capgemini Research Institute, accessed Nov. 18, 2021, www.capgemini.com. وفي هذه الفترة طبق المديرون التنفيذيون للتكنولوجيا الرقمية عادة عدداً كبيراً من المشروعات ”المنارات“ Lighthouse التي استرعت الانتباه، وساعدت على تقييم الخيارات الاستراتيجية، لكن كان لها تأثير محدود من حيث الأعمال.

وفي الموجة الثانية من تعيينات المديرين التنفيذيين للتكنولوجيا الرقمية تحوَّل التركيز نحو تمكين القدرات الرقمية وتضمينها في مختلف أنحاء الشركة. وفي حالات كهذه، تولت خطوط الأعمال عادةً القيادة في مجال توجيه الأنشطة الرقمية وتوسيع نطاق هذه الأنشطة. ثم أصبح المدير التنفيذي للتكنولوجيا الرقمية الشريكَ الميسر لتقييم فرصها، وتوفير مراجعة واقعية لتقييم التكنولوجيات الناشئة، وإعداد مشروعات التنفيذ، وتشجيع التعاون بين خطوط الأعمال المختلفة. وأدى المديرون التنفيذيون للتكنولوجيا الرقمية دوراً مهماً في بناء العمود الفقري التقني الذي بنيت عليه عديد من هذه المبادرات الرقمية.

والمديرون التنفيذيون للتكنولوجيا الرقمية الذين قابلناهم على مدى السنوات الخمس الماضية تقلدوا مناصبهم بالتعيين في الأغلب، وأدركوا الطبيعة المتطورة لدورهم، ولاسيما التحول نحو تحقيق تأثير الأعمال المرجو. وقال أحد المشاركين في الدراسة: ”ليست التكنولوجيا الرقمية غاية في حد ذاتها. تتلخص وظيفتي في مساعدة الشركات على تقييم احتياجاتها، والتي تبدأ بالعميل، وليس التكنولوجيا“. وأشار آخر قائلاً: ”كلما أصبحنا أكثر نضجاً رقمياً، تحول التركيز نحو تأثير قابل للقياس“.

ما الخطوة التالية بالنسبة إلى المدير التنفيذي للتكنولوجيا الرقمية؟ من منظور الصورة الشاملة نستطيع أن نرى الدور الذي يؤديه ”مُيسر الأعمال الرقمية“ Digital-business enabler باعتباره انتقالياً. كان من المهم مساعدةُ الشركات على زيادة سرعتها في استخدام التكنولوجيا الرقمية، لكن الأمر أصبح أقل أهمية مع تضمين هذه القدرات الرقمية في إدارات الشركة، ومع زيادة أهمية المعرفة الخاصة بكل مجال Domain-specific knowledge.

ومع ذلك، لا يزال هناك عمل مهم يجب الاضطلاع به عند تقييم حالات استخدام التكنولوجيات الناشئة، وبناء الأرباح والخسائر للأعمال الممكنة رقمياً أو تدفقات الإيرادات للشركات الرقمية Digital-native revenue streams أساساً، والتوسط في العلاقات مع شركاء المنظومة الإيكولوجية. مثلاً تحاول عديد من الشركات الصناعية إنشاء منصة لإنترنت الأشياء IoT على غرار بريديكس من جنرال إلكتريك الرقمية أو مايند سفير MindSphere من سيمنز، لكن من خلال عملية تنطلق من أسفل إلى أعلى اعتماداً على المستخدم، وذلك بدلاً من العمل بطريقة من أعلى إلى أسفل. لكن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت أنشطة كهذه تتطلب مديراً تنفيذياً للتكنولوجيا الرقمية. وهناك اتجاه جديد مثير للاهتمام يتمثل في دور مدير تنفيذي للتكنولوجيا الرقمية والمعلومات Chief digital and information officer (CDIO) على مستوى مجلس الإدارة أو على مستوى أدنى من ذلك بقليل، وهو اعتراف صريح، ربما، بأن تنسيق الأنشطة الرقمية وأنشطة تكنولوجيا المعلومات- من أجل الحصول على تأثير الأعمال المرغوب فيه- يشكل أولوية متزايدة الأهمية.

تطبيق هذه التبصرات على شركتكم

في حين تركز أبحاثنا بنحو خاص على الشركات الصناعية، نعتقد أن هناك دروساً تنطبق في مجموعة متنوعة من السياقات الأخرى عندما تشرع الشركات في تنفيذ مشروعات التحول الرقمي. والسؤال الأساسي الذي يتصارع مع عديد من المديرين التنفيذيين– ويشكل النهج إما ثورياً أو تطورياً– هو ما إذا كان على الشركة أن تنشئ وحدة تكنولوجيا رقمية جديدة، أو أن تدمج مشروعاً رقمياً ضِمن خط أعمال قائم. ونقترح الممارسة التشخيصية التالية، التي تنطوي على النظر في خمسة أسئلة، للمساعدة على اتخاذ ذلك القرار:

1. ما الشكل الذي ستُنجَز به التكنولوجيا الرقمية What is the form in which the digital technology will be delivered؟ قد يكون النهج المضمَّن أفضلَ إذا دُمِج في منتج مادي، وتضمن مقترحُ القيمة Value proposition عناصر رقمية ومادية على حدٍّ سواء. وإذا حل محل منتج مادي، وكانت القيمة المقترحة قائمة على شكل رقمي بحت، قد يؤدي إنشاء وحدة منفصلة إلى نتائج أفضل.

2. ما آثاره المترتبة على أصول الشركة وقدراتها الحالية What is its implication for current company assets and capabilities؟ قد يكون النهج المضمَّن في خدمتكم بنحو أفضل إذا كانت أصولكم وقدراتكم الحالية لا تزال تتمتع بقيمة إلى جانب التكنولوجيا الرقمية، لكن إذا كانت التكنولوجيا ستجعل هذه الأصول والقدرات عتيقة أو تهدد بمزاحمتها، من المستحسن إدارتها في وحدة منفصلة.

3. إلى أي مدى يعتمد استخدام التكنولوجيا على علاقة الشركة مع المشتري To what degree does using the technology depend on the company’s relationship with the buyer؟ مثلاً تُوفر عديد من الشركات الاستشارية خدماتِ تحليل البيانات التي يجب تخصيصها وفق احتياجات العملاء وتقديمها جنباً إلى جنب مع خدمات أخرى. وفي حالات كهذه، قد يكون دمج هذه التكنولوجيات الرقمية ضِمن خط أعمال قائم مفيداً.

4. هل تلبي التكنولوجيا الرقمية حاجة جديدة تماماً، أو تلبي حاجة قائمة بنحو أفضل Does the digital technology meet an entirely new need, or better satisfy an existing one؟ إذا كانت التكنولوجيا تنشئ في الأساس سوقاً جديدة من خلال الوفاء بحاجة لم تكن معروفة من قبل، فقد يكون من الأفضل إدارتها من خلال وحدة منفصلة. ومع ذلك، إذا كانت تلبي حاجة موجودة من حاجات المستخدم لكنها تفعل ذلك بكفاءة أو فاعلية أكبر، قد يكون من الأنسب تشغيلها من داخل وحدة عمل موجودة.

5. ما مستوى التكامل بين التكنولوجيا الرقمية وأنشطة الشركة ذات الصلة What is the level of integration between the digital technology and related company activities؟ وهذا النوع من التكامل يمكن أن يكون معقداً، ويتطلب تكيفاً متبادلاً. مثلاً تجمع تكنولوجيا إنترنت الأشياء IoT البياناتِ لتحديد أعطال المعدات أو توقعها، ما يوفر فرصة لبيع الخدمات (مثل الصيانة) و/أو لتصميم معدات أفضل من الجيل التالي. والعمل عبر خط أعمال موجود أفضل طريقة للاستفادة من أوجه التعاون هذه ومعالجة حالات تضارب المصالح المحتملة. ولكن العمل من خلال وحدة منفصلة هو خيار قابل للتطبيق عندما يكون في الإمكان تطبيق نهج يقوم على استخدام وحدات نمطية بفضل الواجهات المحددة تحديداً دقيقاً (خذ بعين الاعتبار توفيرَ القدرة على الطباعة الثلاثية الأبعاد لقطع الغيار في عديد من خطوط الأعمال، أو إنشاء سوق رقمية لا تبيع فقط منتجاتكم الخاصة، بل أيضاً منتجات شركات أخرى).

لن تكون إجاباتكم عن الأسئلة أعلاه متسقة بالضرورة، وفي هذه الحالة ستظلون مضطرين إلى اللجوء إلى الحكم على أساس وزنها النسبي– لكن هذه الممارسة مفيدة كأداة تشخيصية في المرحلة الأولى.

كشفت أبحاثنا عن أن الشركات الصناعية الناجحة تصدت لتحدي التحول الرقمي بطريقة تطورية. وفي حين أن عديداً من الشركات التي تتعامل مع المستهلكين مباشرة اتخذت نهجاً ذا توجُّه استراتيجي متقدم، باستخدام وحدة مستقلة شبه مجمَّعة بسرعة على مستوى مجلس الإدارة، رأينا نموذجاً مختلفاً جداً في الشركات الصناعية، حيث تتخذ الفرق التي هي على تماسٍّ مع العملاء خطوات صغيرة، وتعمل مباشرة مع المستخدمين، وتضطلع بتجربة المشروعات مع فرق مدمجة، ثم تحصل تدريجياً على مزيد من الحرية ومزيد من الوضوح مع توسع نطاقها.

والمدير التنفيذي للتكنولوجيا الرقمية هو الذي يساعد هذه العملية ويدفع بها قُدماً. وفي حين كان لهذا الدور دائماً عنصرُ الإشارة Signaling وتحديد الأجندة، فضَّل المديرون التنفيذيون للتكنولوجيا الرقمية الذين تحدثنا إليهم العمل بنحو مباشر مع الفرق التي هي على تماس مع العملاء، فيسروا مبادراتها الرقمية، وربطوا بين الأجزاء، وبنوا قدرة المؤسسة في هذا المجال المهم.

غيرَ أن معظم الشركات الصناعية وصلت متأخرة إلى حدٍّ ما إلى حفلة الرقمنة. وربما كان ذلك بمنزلة نعمة مستترة، إذ سمح لها بالتعلم من نجاحات وإخفاقات نظيرتها ذات التوجهات الاستهلاكية. وإظهارُ كيف قد يسمح التقدم الثابت للخطوات التطورية للشركة بالبحث عن طرق جديدة لتوليد القيمة وتقديمها والاحتفاظ بها من خلال التكنولوجيات الرقمية ما هو إلا درسٌ يمكن للشركات الصناعية الناجحة مشاركته مع العالم.

إيفانكا فيسينجيك Ivanka Visnjic

إيفانكا فيسينجيك Ivanka Visnjic

(@ivankavisnjic) أستاذة مشاركة في كلية إيساد للأعمال ESADE Business School. جوليان بيركينشو Julian Birkinshaw (@jbirkinshaw) أستاذ في كلية لندن للأعمال London Business School.

جوليان بيركينشو Julian Birkinshaw

جوليان بيركينشو Julian Birkinshaw

(@jbirkinshaw) أستاذ في كلية لندن للأعمال London Business School.

كارستن لينز Carsten Linz

كارستن لينز Carsten Linz

(@carstenlinz) مستثمرة ومديرة مجلس إدارة وعضو في شبكة خبراء المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum’s Expert Network. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63304.

المراجع

المراجع
1  In addition to these front-line digital initiatives, most large companies have digital projects underway aimed at transforming back-office and support activities to make them more efficient. Due to space constraints, our focus in this article is on customer-facing initiatives.
2 C. Linz, G. Müller-Stewens, and A. Zimmermann, “Radical Business Model Transformation: How Leading Organizations Have Successfully Adapted to Disruption,” 2nd ed. (London: Kogan Page, 2021).
3 C.C. Markides and C.D. Charitou, “Competing With Dual Business Models: A Contingency Approach,” Academy of Management Perspectives 18, no. 3 (August 2004): 22-36.
4 “CloudCheckr Is the Engine Driving Cloud Governance at Siemens,” PDF file (Rochester, New York: CloudCheckr, accessed May 21, 2021), https://click.cloudcheckr.com.
5 “The GE Journey: Culture and Talent Accelerate GE’s Transformation From Industrial Conglomerate to Digital Services Provider,” Capgemini Research Institute, accessed Nov. 18, 2021, www.capgemini.com.
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى