أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
بحثصوت الموظفين

القيادة في عصر حَراك الموظفين

صار الموظفون يطالبون بأن ينخرط المديرون في مواضيع مثل تغير المناخ والعدالة العرقية– ويتعين على القادة الاستعداد للاستجابة.

منذ سنوات أخذ القادة يشجعون الموظفين على التحدث بصراحة– فالمؤسسة الصحية Healthy organization هي في حاجة إلى أشخاص مستعدين للإشارة إلى المشكلات، ومشاركة الآخرين أفكارَهم حول سبل تحسين الأوضاع. لكن بعدما دعوا إلى الحوار يجد كثير من المديرين- الآن- أنهم يحصلون على أكثر مما راهنوا عليه.

إذ تتزايد الحوارات التي يتحدى فيها الموظفون الإدارة: ”إذن ما سياستنا بشأن حياة السود مهمة Black Lives Matter، والمساواة بين الجنسين، وتغير المناخ؟ أو حقوق الإنسان في سلسلة التوريد؟“.

ويجيب بعض القادة بالقول إن مؤسستهم غير سياسية؛ أو يحيلون بعض المسائل التي يصعب تجنبها إلى برنامج للتنوع والمساواة والشمول Diversity, equity, and inclusion (اختصاراً: البرنامج DEI)؛ أو يواصلون العمل كالمعتاد.

لكن هذا المسار يواجه تحديات– ومعه أجندة القيادة. فنحن ندخل عصراً من حَراك الموظفين Employee activism قد يقلب بالفعل افتراضاتنا حول السلطة داخل المؤسسات. فأكثر من نصف 1,500 موظف استطلعناهم قالوا إنهم يتحدثون بصراحة عادةً أو دائماً للتأثير في الإجراءات المؤسسية بشأن مسائل مجتمعية أو بيئية أعمّ. وفي استطلاع أجرته في العام 2019 المؤسسةُ القانونية العالمية هربرت سميث فريهيلز Herbert Smith Freehills، توقع أكثر من 80% من الشركات زيادة في حَراك القوة العاملة.1“Future of Work: Adapting to the Democratised Workplace,” PDF file (London: Herbert Smith Freehills, 2021), www.herbertsmithfreehills.com. ومن ناحية أخرى ستصبح الأسئلة- المتعلقة بغرض المؤسسة وتأثيرها المحتمل في التفاوت الاجتماعي ومسائل أخرى- مخاوف حيوية لدى العاملين المستقبليين، وفق تقرير حديث مستمد من مناقشات مع 40 من كبار المسؤولين عن الموارد البشرية في شركات عالمية.2“Back2Better Whitepaper: How the Chief HR Officers of the World’s Largest Companies Are Preparing for the Post-COVID Era,” PDF file (San Francisco: Executive Networks, 2020), www.executivenetworks.com.

هذا كله يشير إلى تحدٍّ زلزالي، لأن القادة نادراً ما يتجهزون للاستجابة للمسائل خارج إطار إدارة الأعمال التقليدية. وقد تؤدي ردود أفعالهم غير الحاذقة إلى عواقب وخيمة على أنفسهم، وعلى مؤسساتهم، وفي نهاية المطاف على المجتمع والبيئة.

تفحَّص بحثنا من يتحدث بصراحة في المؤسسات ومن لا يفعل، ومن يُسمَع صوته، ومن تُسكَت أصواتهم.33. M. Reitz, J. Higgins, and E. Day-Duro, “The Do’s and Don’ts of Employee Activism: How Organizations Respond to Voices of Difference” PDF file (Berkhamsted, England: Hult International Business School, 2021), www.meganreitz.com. وعلى مدى العامين الماضيين، ركزنا على حَراك الموظفين، الذي نُعرفه بأنه “أصوات مختلفة، حول مسائل ذات اهتمام اجتماعي وبيئي أعمّ، تسعى إلى التأثير في عمل الشركات وتتحدى أنماط السلطة القائمة”.

وفي هذا الموضوع، سنشرح لماذا يجب أن تصبح مسألة حَراك الموظفين أولوية أعلى للإدارة، ونقدم تصنيفاً لردود القادة، ونعرض المشورة حول كيفية التفاعل بنحو استباقي مع الموظفين وغيرهم من الأطراف المعنية بشأن المسائل التي تهمهم.

البحث

يستند البحث الذي أجراه
المؤلفان حول حَراك الموظفين
إلى مشروع مدته سبع
سنوات يتفحص تجربة قول
الحقيقة للسلطة.

وقد أجريا 62 مقابلة شبه
منظمة مع موظفين نشطاء
وقادة شركات من قطاعات
متعددة في كل أنحاء العالم.

ويستند عملهما أيضاً
إلى ستة فرق استقصاء
تعاونية، وإلى مشاركة أكثر
من 1,000 من المشاركين
في المؤتمرات وورش العمل،
إضافةً إلى مراجعة واسعة
النطاق للأدبيات، جرت كلها
في العام 2020.

وأجرى المؤلفان استطلاعاً
عالمياً بين نوفمبر 2020
ويونيو 2021 لما يزيد
على 1,500 من الموظفين
في مختلف القطاعات
والتسلسلات الهرمية من
أوروبا وآسيا وأستراليا
وأمريكا الشمالية. كذلك
عملا مع فريق آخر من
الناشطين في مجال التحقيق
التعاوني، وأجرَوا 40 مقابلة
إضافية، إلى جانب مؤتمرات
وورش عمل متعددة.

جلب قيمنا إلى العمل

تتلاقى مجموعة من العوامل المتباينة في الإشارة إلى أننا نمر بلحظة جديدة عندما يتعلق الأمر بصوت الموظفين في مكان العمل. فوسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الناشطين على الإنترنت، مثل التنظيم Organise في المملكة المتحدة، تكشف عن عمل المؤسسات أو تقاعسها عن العمل بطرق جلية لا تستطيع جهود العلاقات العامة في الشركات السيطرة عليها. وتجلب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية- الرامية إلى تعزيز التنوع في أماكن العمل- مجموعة أوسع من الأصوات التي تتحدى الوضع الحالي. ويهتم جيل الألفية Millennials، الذي أصبح الآن الجيل الأكبر في القوة العاملة، على نحو مستمر بكيفية تفعيل الشركات (أو إعاقتها) التغييرَ الإيجابي، وهو الجيل الأكثر ترجيحاً للانخراط في حَراك الموظفين.4“Employee Activism in the Age of Purpose: Employees (Up)Rising,” PDF file (New York: Weber Shandwick, 2019), www.webershandwick.com. (وأفراده واثقون بأنفسهم: لقد وافق 70% من جيل الألفية الذي شملته الدراسة على أن ”الموظفين قادرون على إحداث تأثير أعظم في عالمنا مقارنةً بالقادة الذين يديرون المؤسسات“).

وأخيراً كان الافتقار الواضح إلى العمل من جانب مؤسسات مثل الحكومات والنقابات المهنية لمعالجة المسائل ذات الأهمية الاجتماعية سبباً لزيادة التركيز على الشركات لكي تتخذ موقفاً [وتتصرف حيال القضايا المطروحة]. فقد وجد مقياس إدلمان للثقة Edelman Trust Barometer للعام 2021 أن 86% من المستجيبين يتوقعون أن يتحدث الرؤساء التنفيذيون بصراحة علناً عن المسائل الاجتماعية– في حين يعتقد 68% أن المسؤولين التنفيذيين ينبغي أن يخطوا بفاعلية [لتطبيق الحلول] عندما تفشل الحكومة في الاضطلاع بذلك.5“Edelman Trust Barometer 2021,” PDF file (New York: Edelman, 2021), www.edelman.com.

ومن الخطورة أن يتجاهل القادة هذه التوقعات المتزايدة، ويرجع هذا جزئياً إلى أن الموظفين أظهروا استعدادهم لترك وظائفهم عندما لا تعكس المواقف المؤسسية قيمهم. في العام 2020، كتب برايان أرمسترونغ Brian Armstrong، الرئيس التنفيذي لمنصة تداول العملات المشفرة كوينبايْس Coinbase، في مدونة Blog: ”أريد أن تركز قاعدة بيانات كوينبايس- تركيزاً بدقة شعاع الليزر- على إنجاز رسالتها… فنحن لا ننخرط في النقاش عندما تكون المسائل غير مرتبطة برسالتنا الأساسية“.6B. Armstrong, “Coinbase Is a Mission Focused Company,” Coinbase, Sept. 27, 2020, https://blog.coinbase.com. واقترح أن الموظفين الذين يرغبون في العمل في شركة ”تركز على الحَراك“ قد يكونون أفضل حالاً من الآخرين في أماكن أخرى. ورداً على ذلك، قَبِل 60 شخصاً، نحو 5% من العاملين في كوينبايْس، حزمة خروج Exit package. 

وتكشَّف سيناريو مماثل في بيسكامب Basecamp. ففي أبريل 2021، كتب الرئيس التنفيذي جايسون فرايد Jason Fried للموظفين أنه ”لن تكون هناك مناقشات اجتماعية وسياسية بعد الآن في الحساب الخاص بشركتنا بيسكامب“، وقال: ”إن الأمر كبر أكثر مما ينبغي. وصار مشتتاً كبيراً للانتباه“.7J. Fried, “Changes at Basecamp,” Jason Fried, April 26, 2021, https://world.hey.com/jason. وسبب ذلك رد فعل كبيراً، واستقال نحو ثلث الموظفين في بيسكامب. وبعد بضعة أيام دوَّن فرايد قائلاً: ”لقد بدأنا بتغييرات على صعيد السياسات بدت بسيطة ومعقولة ومبدئية، ونسفت الأمور داخلياً على نحو لم نتوقعه قط“.

فقد وجد القادة أنهم إذا تجاهلوا المسائل الاجتماعية، أو اعترفوا بها من دون إظهار التزام حقيقي، يواجهون مخاطر تتعلق بالسُّمعة. مثلاً في العام 2018 نفذ موظفو غوغل Google اعتصاماً عالمياً منسقاً بسبب كيفية تعاطي الشركة مع حالات من المضايقة الجنسية، فخرج الموظفون جميعاً في طوكيو وسنغافورة ودبلن ولندن وبرلين وزيوريخ ونيويورك وماونتن فيو بكاليفورنيا من مكاتبهم للتجمع في الخارج عند الساعة 11 صباحاً بالتوقيت المحلي في اليوم المقرر. ولجأ عاملون في الوكالة الإنسانية، اللجنة الدولية للإنقاذ International Rescue Committee، إلى صحيفة الغارديان The Guardian في العام 2021 ليتهموا قيادة المنظمة غير الحكومية بأنها ”ملتزمة بعمق بالاستعمار وثقافة تفوق العرق الأبيض من خلال افتقارها إلى الالتزام بالتغيير الحقيقي والملموس“.

باختصارٍ سيحتاج القادة إلى أن يعتادوا التعرُّفَ على مسائل– واتخاذ مواقف منها– تكون وراء الحدود التقليدية لمكان العمل. وسيحتاجون إلى تعزيز مهارتهم في تطوير ردود مدروسة على مخاوف الموظفين حول المسائل الاجتماعية والبيئية.

كيف تتفاعل الشركات مع حَراك الموظفين

في الأغلب يتفاعل قادة الشركات بنحو بديهي عندما تُعرَض عليهم مطالبات بالانتباه لمسائل خارج ما يرونه ذا صلة مباشرة بعملياتهم. ونرى الاستجابات الستة المشتركة التالية عندما يواجه المديرون ضغوطاً من ناشطين.

1. غير موجود (”الحَراك؟ أي حَراك؟“).Nonexistent (“Activism? What activism?”) لا يناقش قادة الشركة ومجلس إدارتها ببساطةٍ مسائل الحَراك أو الناشطين. ويكون القادة في حيرة حين يُسأَلون عن ذلك.

2. القمع (”طرده قبل أن ينتشر“) Suppression (“Expel it before it spreads”). يقرِّر القادة أن مسائل الناشطين لا بد من أن “تُترَك عند الباب” من أجل التركيز على رسالة الشركة. وقد يعاملون الناشطين بطريقة تجعل الموظفين يخشون من التعبير عن مخاوفهم، أو حضور مناسبات لا تتعلق بالعمل مرتبطة بقضايا لناشطين.

3. موقف الواجهة (”دعونا نقُل الشيء الصحيح فحسب“) Facadism (“Let’s just say the right thing.”). يقول المسؤولون التنفيذيون إن المسائل تهمهم، وقد يصرحون بذلك علناً، لكنهم لا يتخذون أي إجراء. ويرى الموظفون أن هذا الكلام غير حقيقي (واجهة) أو مجرد نفاق.

4. المشاركة الدفاعية (”ماذا يقول المحامون؟“) Defensive engagement (“What do the lawyers say”). يتعهد القادة بالحد الأدنى من الأنشطة مثل التدريب في مجال التنوع والمساواة والشمول (البرامج (DEI والإبلاغ عن أرقام التنوع. وهناك مشاركة محدودة فيما يتعدى هذه الأنشطة.

5. المشاركة الجدلية (”دعونا نجلسْ ونتحدث ونتعلم“) Dialogic engagement (“Let’s sit down, talk, and learn”). يدرك القادة أن منظورهم غير مكتمل، ويستطلعون وجهات النظر والخبرات المختلفة لدى الموظفين من جميع أنحاء مؤسستهم. وتُتَّخذ القرارات المتعلقة بالمسائل الاجتماعية بنمط جماعي مع الموظفين.

6. تحفيز الحَراك (”فلنكن نحن الناشط“) Stimulating activism (“Let’s be the activist”). تَعتبر المؤسسة الضغط من أجل المسائل الاجتماعية والبيئية جزءاً من رسالتها. ويُنسَّب الموظفون ويُرقَّون لأسباب منها حَراكهم، ويُشجَّعون على اتخاذ موقف. وقد تمنحهم المؤسسة إجازات لحضور الاحتجاجات، بل حتى تدفع الكفالة إذا اعتُقِلوا.

وقد يستجيب قادة المؤسسة بنمط مختلف للمسائل المختلفة، وفيما بين الأطراف المعنية المختلفة ستختلف الاستجابات الفردية. وفي شراكة عالمية كبيرة وجدنا أنه حتى داخل مجموعة الشركاء نفسها فقط، تتوزع تصورات استجابتهم المؤسسية المعيارية عبر الفئات الست كلها الواردة في تصنيفنا أعلاه.

ومن الضروري أن يهتم القادة- الذين يريدون أن يصبحوا أكثر استباقية في الرد على حَراك الموظفين- بما يكمن وراء رد فعلهم. ونحن نستخدم هذا الاختصار تصرف إذا ACT IF (Authority, Concern, Theory) of change, Identity, and Field لتحديد العوامل الأساسية المطروحة. (انظر: الإطار ACT IF).

وفيما يخص كيف يستجيب القادة للحَراك، فإن أبحاثنا تُظهر أنهم- مع اكتسابهم للأقدمية- يعتقدون على نحوٍ متزايد أن الآخرين لديهم الاستعداد والقدرة على التحدث بصراحة، حتى لو لم يكن الآخرون يفعلون ذلك في واقع الأمر. ومن المرجح أيضاً أن يصدقوا أنهم يشاركون بنحو استباقي: عند استطلاعهم حول استجابة مؤسستهم لحَراك الموظفين، قال 75% من كبار القادة إنهم شاركوا بنشاط في الحَراك أو الحوار. وعلى النقيض من ذلك رأى 45% فقط من صغار المستجيبين أن مؤسساتهم تستجيب بنحو استباقي.

ولا يستطيع القادة أن يدلوا بتصريحات عامة كبرى، أو يحرِّضوا على إحداث تغييرات هيكلية كبيرة في الاستجابة، لكل طلب لاتخاذ إجراءات، لكن أبحاثنا تشير إلى أنهم في حاجة إلى التواصل مع الموظفين لتحديد المسائل التي يتعين عليهم أن يتصدوا لها واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها بعناية ودقة.

دليل القائد

تشير أبحاثنا إلى أنه يجب على قادة الشركات اتخاذ الإجراءات التالية للاستعداد للضغوط المتزايدة من قِبل الموظفين الناشطين والاستجابة لها بنحو استباقي.

تحدثوا عن الافتراضات والأحكام المتعلقة بالحَراك Talk through assumptions and judgments about activism. نعلم أن الحَراك كلمة غنية. وطرحنا على آلاف الأشخاص هذه الأسئلة: ”ما الذي يخطر على بالكم حين تسمعون كلمة حَراك؟ ما الصور أو الأفكار أو الأصوات التي تربطونها بها؟ ما الخبرات التي اكتسبتموها فيما يتصل بالحَراك في العمل، أو في المنزل، أو في مجتمعكم المحلي؟“. يجب أن تبدؤوا كقائد بطرح هذه الأسئلة نفسها على أنفسكم وعلى زملائكم.

نحن نعلم أن الناس يربطون بين الحَراك وكل شيء، من الالتزام والشجاعة إلى المشاغبة، بل حتى العنف. في إحدى قاعات مجالس الإدارة التي حضرناها، رأى البعض موظفاً بدأ مناقشة على سلاك Slack حول عدم اكتراث الشركة ببصمتها الكربونية باعتباره مشاغباً، ورأى آخرون أنه رائد قادر على تثقيفهم. وعلى حد تعبير روتشيكا تولشيان Ruchika Tulshyan، مؤلفة كتاب مزايا التنوع The Diversity Advantage: ”إن ما هو ’تمرُّد‘ في نظر شخصٍ ما يكون في نظر شخص آخر سعياً إلى تحقيق حقوق الإنسان الأساسية“.

وستُلوِّن المواقف تجاه الموظفين الذين يثيرون أسئلة غير مريحة أيَّ مناقشة. ويجب على القادة مراجعة افتراضاتهم حول الحَراك نفسه، وعن الموظفين الذين يتحدثون بصراحة، والتحقق من تأثير هذه التحيزات– الإيجابية والسلبية– في ردود أفعالهم.

اكتشِفوا ما يهم الموظفين حقاً Find out what really matters to employees. لن يخبر الموظفون قادة الشركات بالضرورة بما يهتمون به، ولاسيما إذا لم يشعروا بالأمان في فعل ذلك. ويجب أن تأتي التبصرات من أكثر من استطلاع سنوي للموظفين. لكن في الأغلب تُشكل الاستطلاعات وفقاً لما يعتقد المديرون أنهم يعرفونه، وتعرض نتائجه على شكل رسوم بيانية ”طهرتها“ إدارة الموارد البشرية.

وقال أحد كبار المسؤولين عن الموظفين في مؤسسة عالمية للمستحضرات الصيدلانية إن استطلاعات الموظفين ”مفيدة فقط بمقدار جودة الأسئلة المطروحة– وهي لا تستهدف بأي حال من الأحوال مسائل الناشطين. فليس هناك السؤال: ’هل تعتقدون أننا يجب أن نتخذ مزيداً من المواقف بشأن حياة السود مهمة؟‘“. وأخبرتنا رئيسة تنفيذية في شركة عالمية للبيع بالتجزئة بأن فريقها يقضي كثيراً من الوقت مع الموظفين في متاجرهم. وقالت: ”إنهم هناك يستمعون. والاستماع يعني رغبة حقيقية في التغيير. لا يمكنكم تفويض مسؤولية الاستماع الخاصة بكم إلى استطلاعات المشاعر Pulse surveys“.

يمكن تحقيقُ البحث عما يُحدث فرقاً والحضُّ على التحدي بعدة طرق. يمكن أن يؤدي التوجيه العكسي Reverse mentoring إلى تعريف المسؤولين التنفيذيين بخبرات الآخرين. ويمكن استخدام مقابلات الالتحاق بالعمل Onboarding ومقابلات الاستقالة Exit interviews لقياس ما يدور في أذهان الموظفين. كذلك يمكن أن تساعد مجموعات موارد الموظفين Employee resource groups في توجيه القادة.8“How to Set Up an ERG for Black and Ethnic Minority Employees,” Chartered Institute of Personnel and Development, Sept. 8, 2020, www.cipd.co.uk. قال لنا مسؤول تنفيذي كبير في مجال الرعاية الصحية إنه، بعد بعض الأخطاء في رده على حياة السود مهمة، أنشأ فريقاً من الموظفين من جميع أنحاء الشركة. وهم يُدعَون إلى الاجتماع كلما كان على القيادة أن تنظر في كيفية الاستجابة لمسائل اجتماعية محددة.

ومن الأهمية بمكان الاعترافُ بأن أياً من أنشطة جمع المعلومات هذه لن يحقق أي شيء ما لم يكن القادة فضوليين حقاً، وما لم يكن لديهم التواضع الكافي لتنحية زخرف مكانتهم جانباً، لكي يتعلموا من الموظفين على كل مستويات المؤسسة.

لا تزعُموا أن المؤسسة غير مسيسة Don’t claim that the organization is apolitical. في اجتماع للموظفين في العام 2019، قال ستيف كونين Steve Conine، المؤسس المشارك لوايفير Wayfair، للموظفين إنه على الرغم من معارضته لمراكز احتجاز المهاجرين على الحدود الأمريكية، لم تكن وايفير ”جهة سياسية“ ومن ثم ينبغي لها ألّا تتخذ موقفاً ضد سوء معاملة المهاجرين وعائلاتهم (أو رفض بيع أَسِرَّة لاستخدامها في تلك المراكز). وخرج نحو 500 من موظفي فرع بوسطن إلى الشوارع احتجاجاً.

قد يأمل هؤلاء الذين يزعمون أنهم غير مسيَّسين أن تكون تصريحات كهذه بمنزلة موقف محايد، لكن في واقع الأمر، يشكل التقاعس عن العمل موقفاً بقدر ما يفعل العمل. ويتعين على القادة أن يتقبلوا حقيقة مُفادها أن محاولة الإبلاغ عن الحياد لا تقل مخاطرة عن اتخاذ موقف. فهو يعكس في الأغلب افتقار القائد إلى الثقة بقدرته على إدارة النزاع– أو عدم ارتياحه للدخول في مناقشات حيث لا يتمتع بخبرة كبيرة.

والمسار الأفضل هو الصدق بشأن سبب عدم اتخاذ موقف بشأن مشكلة ما بعد– والإشارة إلى رغبتكم في فتح محادثة مستمرة مع الموظفين قبل أن تُحدِّدوا كيفية الرد، كما توضح نقطتنا التالية.

شاركوا المعلومات – واتخاذ القرارات Share information — and decision-making. إن مشاركة المعلومات مع ممثلي الموظفين وضمهم في منتديات اتخاذ القرار وعملياته هي خطوة قيِّمة جداً في التعامل مع المشكلات المعقدة.

ومثل ويافير، واجهت سايْلسفورس Salesforce أيضاً أخيراً تحديات من الموظفين الناشطين فيما يتعلق بعملها مع حراس الحدود الأمريكيين. ورداً على ذلك أنشأت الشركة مكتب الاستخدام الأخلاقي والإنساني للتكنولوجيا. في مقابلة أجرتها مجلةٌ في العام 2018، شرح الرئيس التنفيذي مارك بينيوف Marc Benioff أن الشركة أنشأت ”هيكلاً ووسيلة لإشراك موظفينا، بل وأصحاب المصلحة الرئيسين أيضاً، في إجراء هذه المناقشات حول إلى أين تسير هذه التكنولوجيا كلها“. وقال إن القرارات بشأن المسائل الشائكة ستُتَّخذ بعد ذلك “بالاتفاق” مع جماعات ناشطة.

وتصطدم هذه النصيحة البسيطة لإشراك الموظفين بواحد من أصعب مسارات الإدارة على الكسر: من المتوقع أن يكون القادة والمديرون في موضع السيطرة؛ ومن المتوقع أن يثبتوا أنهم يسيطرون على أداء المؤسسة واتجاهها. وعلى الرغم من هذا فإن هذه حالة كلاسيكية، حيث يتعلق التحكم بالسماح بالتخلي عن القواعد التقليدية. فعندما يتعلق الأمر بمسائل الناشطين ومخاوفهم، فإن ما نحتاج إليه في الأغلب هو الحيز والوقت لكي تتجلى الإجابات بنحو عضوي. ويتعين على القادة أن يولِّدوا بيئة يستطيع الموظفون فيها أن يفهم بعضهم بعضاً، وأن يشعروا بالأمان حين يتحدثون من القلب عن المواضيع التي كانت تاريخياً خارج الأجندة.

ضمِّنوا الحَراك كجزء من خطتكم الاستراتيجية Include activism as part of your strategic plan. أشار ما يقرب من نصف الأشخاص الذين أجرينا معهم مقابلات إلى أهمية إدراج مسائل الناشطين في الخطة الاستراتيجية للشركة– سواء للناشطين أو المؤسسات التي ينتمون إليها.

توضح الشركة المصنعة للأيس كريم الأمريكية بن أند جيريز Ben & Jerry’s أهمية مسائل الناشطين: إذ إن لديها وظيفة Role رئيسة فريدة، ألا وهي وظيفة رئيس استراتيجية الحَراك العالمي، وتُعقد اجتماعات أسبوعية لفريق العمل لتحديد مسائل العدالة الاجتماعية ومناقشتها. لقد مكن موقف الشركة الواضح من العنصرية المنهجية إياها من أن تكون من بين الشركات الأولى والأكثر تصلباً في دعوة الرئيس السابق ترامب إلى التنصل من أنصار تفوق البيض في أعقاب مقتل جورج فلويد في العام 2020– وإقرار الكونغرس الأمريكي مشروع قانون لدراسة التعويضات عن العبودية، وإنشاء قوة عمل وطنية لزيادة مساءلة الشرطة، ودفع وزارة العدل إلى تحفيز دور إدارة الحقوق المدنية فيها.9“We Must Dismantle White Supremacy,” Ben & Jerry’s, June 1, 2020, www.benjerry.com. قد لا تقررون الذهاب إلى ما ذهبت إليه بن أند جيريز، لكن إذا لم تبدؤوا المحادثة إلى أن تنشأ أزمة ما، فإنكم تجازفون بعدم القدرة على تقديم استجابة جيدة التوقيت ومدروسة جيداً.

طابِقوا بين كلماتكم وإجراءاتكم Match your words with your actions. فنايكي Nike- التي وضعت نفسها في مركز حياة السود مهمة من خلال حملة تسويقية تضم لاعب كرة القدم والناشط الأسود كولين كابيرنيك Colin Kaepernick- تعرضت لانتقادات شديدة في العام 2019 عندما أظهرت السجلات أن أقل من 10% فقط من مديريها الذين يحملون لقب نائب رئيس كانوا من السود. والواقع أنه من بين المؤسسات التي نشرت بيانات عن حياة السود مهمة، أفادت أقل من مؤسسة واحدة من كل 10 بأنها بدأت تغييرات كبيرة قد تُحدث فارقاً على صعيد العدالة العرقية داخلياً.10R. McConnell and J. Zwegers, “MCI Tracks Corporate America’s Early Response to BLM,” American Marketing Association, Sept. 8, 2020, www.ama.org.

وفي كثير من الأحيان يكون هناك انقطاع بين ما يزعم كبار القادة أنهم يريدون رؤيته والأولويات المُملاة على المديرين المتوسطي الرتب والمستخدمة لقياس هذه الأولويات وتقييمها. وفي أحد الأمثلة لاحظنا أن أحد الرؤساء التنفيذيين شجع المديرين على أخذ الوقت الكافي للمشاركة في الإضرابات بشأن المناخ، لكنه لم يعاملهم بصرامة أقل حين تعلق الأمر بالنتائج القريبة المدى التي توقعها منهم.

تجاوز الكلمات يعني النظر بجدية في الهياكل والإجراءات. فهو يتطلب تحدي الترقيات إذا كانت من نصيب أولئك الذين يقدمون الأرقام ببساطة بصرف النظر عما إذا كانوا قرنوا القول بالفعل بشأن الغرض المؤسسي. فمثلاً صادفنا شركة أسترالية دعمت علناً الموظفين الذين يضطلعون بمشروعات مجتمعية محلية خدمت الرسالة المعلنة للمؤسسة، لكنها كافأت هؤلاء الذين ركزوا فقط على أهداف أرباح الشركة.

إن دعم الأصوات المختلفة لا بد من أن يُصمَّم في إطار هياكل مؤسسية. ولا يحدث هذا مصادفة فحسب– بل قد تحترق أصوات الاختلاف غير المدعومة، كما رأينا في الإجهاد الذي تعرض له عديد من الموظفين الناشطين الذين قابلناهم.

ارعَوا ثقافة استماع للإدارة المباشرة Cultivate a culture of line management listening. بينت أبحاثنا حول التحدث عن الحقيقة إلى السلطة أن العلاقة بالمدير المباشر هي التي تحدد إلى حدٍّ كبير ما إذا كان الموظفون يشعرون بأن ما يقولونه يُسمَع ويلقى اهتماماً. فالإجراءات التي تحدث على نطاق الشركة وتبقي كبار المسؤولين التنفيذيين مستيقظين حتى ساعات متأخرة في الليل مهمة، لكن مثلها في الأهمية الإجراءاتُ اليومية الصغيرة.

وهذا يعني تدريب المديرين المباشرين Line managers على التيسير Facilitate، والتوسط Mediate، وفي المقام الأول الإنصات Listen– وفي الأغلب التخلي عن الحاجة إلى المسارعة إلى التحرك، الذي يكون سطحياً في كثير من الأحيان. وعلى الرغم من أن هذا النوع من الاستماع الشخصي قد يكون أحياناً من ضِمن التدريب الإداري، فإنه يُعتبر في الأغلب مهارة لطيفة تحظى بتقييم أقل مقارنةً بإدارة الوقت وتقديم التغذية الراجعة Feedback (على الرغم من افتقاد مثل هذه التغذية الراجعة).

وسيكون هذا النوع من الاستماع مجالاً جديداً بالنسبة إلى أغلب المديرين. وقد أسرَّ لنا عدد من كبار القادة أنهم قلقون جداً من أنهم يشعرون بأنهم مرتبكون في ردودهم على الموظفين إلى درجة أنهم يتجنبون المشاركة. وأخيراً قال لنا كبير مسؤولي الموارد البشرية في إحدى مؤسسات البيع بالتجزئة العالمية: ”نحن لا نمنع المحادثات– لكننا نتجنبها. نحن حذرون، ونخاف قول الشيء الخطأ“. ومع ذلك إذا تعلم المديرون ممارسة الاستماع الفاعل، فسيكتشفون أن التركيز على فهم المتحدث، والتفكير فيما يسمعونه، والتعبير عن التعاطف يمكن أن ينفي ضغط الحاجة إلى الرد برأي أو نصيحة.

استعِدوا للتداعيات عندما لا تُرضون الجميع Be prepared for fallout when you don’t make everyone happy. يشكل التعامل مع حَراك الموظفين تحدياً جديداً، لكنه نوع مألوف من اللغز: كيفية التعامل مع المشكلات الشريرة، التي لا يمكن حلها بسهولة، وتعكس التوترات الأساسية التي لا بد من التعامل معها بدلاً من حلها ببساطة. وقد تكون المسائل حافلة بالغموض، وقد تكون النتائج النهائية للإجراءات المتخذة غير مؤكدة. ومن المحتم أن يشعر بعض الناس بأنهم خسروا بقدر ما كسب آخرون. وسيشعر البعض بأن المؤسسة لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية، في حين سيشعر آخرون بالذهول إزاء الإجراءات التي اتُّخذت.

وكقائدٍ فإن وظيفتكم هي بذلُ قصارى جهدكم للتأكد من أن الأشخاص يشعرون بأن صوتهم مسموع، ومن أنهم يفهمون كيف اتُّخِذ قرار ما وسبب اتخاذه. وهناك أيضا مفارقة ينبغي الوقوف عندها: على الرغم من ضرورة اتخاذ القرارات، يجب أن يعرف الموظفون أنكم تحافظون على عقل منفتح. ولن يكون من الحكمة فعل غير ذلك. وعندما تتغير أجندة الحَراك، لا بد أيضاً من تغير أجندة القيادة. ويتعين على القادة أن ينصتوا ويتصرفوا ويفسروا– ثم يصبحوا على استعداد للاضطلاع بهذا مراراً وتكراراً.

تجاهُل الموظفين الناشطين قد يعادل تجاهل الكناري في منجم الفحم: قد يكون الإشارة على أن المديرين لا يمكنهم سماع الأشياء التي لا تتناسب مع الأجندة الراسخة. والاستماع إلى الاختلاف والفضول هو أمر حيوي للابتكار Innovation والرشاقة Agility– ولتوظيف جيل جديد من المواهب يتطلب الاستماع إليه وللاحتفاظ به.

للمشاركة في حَراك القوة العاملة تأثيرات في كل مستوى ونوع من القادة والمديرين المؤسسيين. والمشاركة الجادة والمستدامة في هذه المسألة لا بد من أن تستند إلى مجموعة جديدة من الافتراضات بشأن من يمتلك صوتاً مسموعاً في تحديد الأولويات المؤسسية– وكيف نتحدث عن الحقيقة إلى السلطة.

ميغان ريتز Megan Reitz

ميغان ريتز Megan Reitz

(@meganreitz1) أستاذة القيادة والحوار في كلية هولت الدولية للأعمال Hult International Business School. وهي مؤلفة كتاب الحوار في المؤسسات Dialogue in Organizations (منشورات: Palgrave Macmillan, 2015) وكاتبة مشاركة لكتاب وقت للتفكير Mind Time (منشورات: Harper Thorsons, 2018) وكتاب التحدث بصراحة Speak Up (منشورات: FT Press, 2019).

جون هيغينز John Higgins

جون هيغينز John Higgins

مدير أبحاث في مؤسسة المحادثة الصحيحة The Right Conversation وزميل بحث في مؤسسة غايم شيفت GameShift. وهو مؤلف مشارك لكتاب تكشف التحدث بصراحة والقيادة Speak Up and Leadership Unraveled، الذي ستصدره روتلدج Routledge في العام 2022. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63302.

المراجع

المراجع
1 “Future of Work: Adapting to the Democratised Workplace,” PDF file (London: Herbert Smith Freehills, 2021), www.herbertsmithfreehills.com.
2 “Back2Better Whitepaper: How the Chief HR Officers of the World’s Largest Companies Are Preparing for the Post-COVID Era,” PDF file (San Francisco: Executive Networks, 2020), www.executivenetworks.com.
3 3. M. Reitz, J. Higgins, and E. Day-Duro, “The Do’s and Don’ts of Employee Activism: How Organizations Respond to Voices of Difference” PDF file (Berkhamsted, England: Hult International Business School, 2021), www.meganreitz.com.
4 “Employee Activism in the Age of Purpose: Employees (Up)Rising,” PDF file (New York: Weber Shandwick, 2019), www.webershandwick.com.
5 “Edelman Trust Barometer 2021,” PDF file (New York: Edelman, 2021), www.edelman.com.
6 B. Armstrong, “Coinbase Is a Mission Focused Company,” Coinbase, Sept. 27, 2020, https://blog.coinbase.com.
7 J. Fried, “Changes at Basecamp,” Jason Fried, April 26, 2021, https://world.hey.com/jason.
8 “How to Set Up an ERG for Black and Ethnic Minority Employees,” Chartered Institute of Personnel and Development, Sept. 8, 2020, www.cipd.co.uk.
9 “We Must Dismantle White Supremacy,” Ben & Jerry’s, June 1, 2020, www.benjerry.com.
10 R. McConnell and J. Zwegers, “MCI Tracks Corporate America’s Early Response to BLM,” American Marketing Association, Sept. 8, 2020, www.ama.org.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى