أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
المواهب

لا يمكنُكم ملءُ الوظائف الشاغرة؟ فكِّكوها

تقسيم الأدوار إلى مهامَّ يُعيد تأطير مشكلة المواهب من مشكلة عرض إلى مشكلة طلب.

استقطبت طفرة العاملين الذين يتركون وظائفهم مع تراجع جائحة كوفيد-19– التي تضيف إلى مشكلات المواهب التي يواجهها أصحاب العمل في وسط سوق عمالة محدودة بالفعل– استجابات يمكن توقعها. وعادة ما تتفاعل المؤسسات مع الاستقالات الكبيرة بزيادة الأجور والمرونة وتقديم مزايا الأفضل والأكثر شخصية. لكن هذه حلول قريبة الأجل لمشكلة بعيدة الأجل. وإذا كانت فرص العمل التي تقدمها شركتكم مماثلة لتلك التي تقدمها الشركات الأخرى، وكانت الأجور والمزايا هي ميزتكم الوحيدة، فستستمرون في خسارة العاملين في حرب متزايدة باستمرار على المواهب وارتفاع مستمر على صعيد التكلفة.

ماذا لو قدمتم بدلاً من ذلك عملاً أفضل؟

تعديل منحنى الطلب

مع تركيز أغلبية المؤسسات على معالجة جانب العرض من المعادلة، تدرك المؤسسات التقدمية الفرصة لاستخدام كفاحها حالياً من أجل المواهب كمحفز لإعادة النظر في العمل وإعادة تنظيمه. في كتابنا الجديد العمل من دون وظائف Work Without Jobs، نوضح كيف يمكن أن يساعد تفكيك الوظائف Job deconstruction في تعديل جانب الطلب من معادلة العمل من خلال إنشاء نظام تشغيل جديد للعمل يتسم بالرشاقة Agile والمرونة Flexible والشمول Inclusive.

التحدي الأكثر شيوعاً الذي يواجه أصحاب العمل في محاولة اجتذاب المواهب والاحتفاظ بها ينبع من افتراض أن الوظيفة ذاتها ثابتة، وأن ما يحتاج إلى التغيير هو مَن يضطلع بها. ويؤدي ذلك إلى اختيار خاطئ: الاحتفاظ بشخص ما لمتابعة الاضطلاع بالعمل، أو طلب استبدال تجربة وخبرة مماثلتين به. ويتلخص الحل لهذا الخيار الزائف في تفكيك العمل نفسه، وإعادة اختراعه باستمرار، الأمر الذي يجعله أكثر جاذبية في نظر أصحاب المواهب، وأكثر قيمة بالنسبة إلى المؤسسة.

وحالياً، يسأل عديد من المؤسسات جانبَ العرض: ”كيف نعثر على المواهب أو نطورها بالمهارات التي تناسب الأتمتة Automation في المستقبل؟“ وفي نظام تشغيل العمل الجديد work operating system New يُعدِّل منحنى الطلب Demand curve، تسأل المؤسسات: ”كيف نعيد بناء العمل من أجل أَمْثَلة (تحسين) Optimize تشكيلة البشر الذين يؤدُّون بعض المهام، في حين تؤدي الأتمتة مهامَّ أخرى؟“. يقودنا التفكير في جانب العرض إلى السؤال التالي: ”كيف يمكننا إنجاز أعمالنا استناداً إلى سياسة صحيحة للعمل من بُعد- نظام هجين- العمل في الموقع؟“. ويسأل المفكرون في جانب الطلب: ”ما الوظائف الجديدة التي نستطيع أن نخترعها لكي نجمع على النحو الأمثل بين المهام التي ينبغي لنا أن نضطلع بها في كل وضعية عمل؟“. وتولد إعادة صياغة السؤال مزيداً من الخيارات لجعل العمل أكثر جاذبية، ومزيداً من الخيارات لحل المعضلات البارزة مثل نقص العمالة والاستقالات.

مهارات التمحور بما يلائم العمل المطلوب إنجازه

في نظامنا لتشغيل العمل الجديد الخاص، تفكر المؤسسات الآن فيما هو أبعد من الوظائف وشاغلي الوظائف، ويذهب الحصول على المواهب إلى ما هو أبعد من مطابقة المرشح ”المناسب“ مع وظيفة ما. والسؤال الصحيح ليس: ”هل هذا العامِل مؤهل تماماً لهذه الوظيفة؟“، بل بدلاً من ذلك: ”ما المهام Tasks المجمعة معاً في هذه الوظيفة Job، وأي من العاملين مؤهلون لأداء أي من هذه المهام، وكيف يمكن تفكيك المهام وإعادة بنائها؟“. وتحليل العمل وإعادة بنائه مع الاستفادة المثلى من مؤهلات العاملين يتطلب وجود نظام عمل قادر على النظر إلى كل عامل على أنه مجموعة من القدرات والمهارات، بدلاً من أن يكون حائزاً لدرجة علمية أو شاغلاً لوظيفة.

وإعادة التأطير هذه تصبح حيوية- بقدر متزايد- في أوقات نقص العمالة أو التغير السريع. وفي نظام تشغيل العمل الجديد لا يوجد لدى المؤسسات عاملون عفى عليهم الزمن. بل إنهم بدلاً من ذلك يرتكزون على المهارات المعروفة للتمحور Pivot وأداء عمل جديد. وهم يعالجون فجوات القدرة من خلال دمج خيارات جانب العرض المعروفة، مثل البناء أو الاقتراض أو الشراء أو الأتمتة مع خيارات جانب الطلب، مثل تقاسم العمل، لتفكيك الوظائف في المشروعات، وإعادة بناء العمل في شكل وظائف جديدة. ويتطلب العمل بهذه الطريقة الجديدة معرفة دقيقة بمستوى الأشياء المفككة مثل المهام/المشروعات والمهارات/القدرات.

مثلاً، بالنسبة إلى شركات البيع بالتجزئة فقد أوجد كوفيد-12 فائضاً متزامناً من العاملين في المتاجر In-store associates وعجزاً في العاملين في مراكز الاتصال Call center associates. وربما كان من الممكن إنهاء عمل الشركاء في المتاجر، الذين كانوا يُعتبَرون تقليدياً مجرد شاغلي وظائف. ومع ذلك ينظر نظام تشغيل العمل الجديد إلى وظيفة العامل في المتجر على أنها حزمة من المهام، وأن العاملين هم عبارة عن مجموعات من المهارات/القدرات. وبهذه الطريقة، يمكن أن يعاد تأهيل العاملين في المتاجر على أنواع جديدة من العمل. وأنشأت مؤسسات البيع بالتجزئة الحصيفة وظائف جديدة مكنت الموظفين من العمل بدوام جزئي في المتاجر ودوام جزئي في المنزل لتنفيذ مهام مراكز الاتصال الافتراضية. قد لا تكون هناك من قَبلُ وظيفةُ عامل في مركز الاتصال المنزلي، لكن لدى العاملين في المتاجر الأغلبية العظمى من المهارات اللازمة لهذه الوظيفة الجديدة، ولا ينقصهم سوى المهارات اللازمة لإعداد محطة مركز اتصال منزلية وتشغيلها.

ويصبح تحليل الوظائف إلى مهام وتحديد المهارات/القدرات الأساسية حلاً فاعلاً للمواهب المهمة وفجوات العمالة. وتظهر خياراتٌ غير واضحة في النظام التقليدي المستند إلى الوظائف، مثل تحقيق بعض الأهداف من خلال المشروعات أو ”المهام المؤقتة الداخلية“. فقد أدركت شركة تأمين أوروبية كبيرة- تسعى إلى التحول من نموذج التوزيع التقليدي المستند إلى التوزيع عبر الوكلاء إلى نموذج التوريد مباشرة إلى المستهلك- أن المواهب الرقمية المطلوبة لإعطاء هذا التحول دفعة على سُلم الأولويات كانت أسيرةً ضمن بنيتها الوظيفية التقليدية، الأمر الذي أعاق تقدمها إلى حد كبير. واتخذت المؤسسة القرار الجذري بسحب كل مواهبها الرقمية (مثل علماء البيانات Data scientists، ومصممي واجهات المستخدمين/تجارب المستخدمين User interface/user experience designers، ومطوري البرمجيات Software developers) من مناطقها الوظيفية إلى ”سحابة مواهب“ افتراضية. وتعلَّم المديرون كيفية تصميم المشروعات لتنمية قنواتهم التي تتعامل مباشرة مع المستهلك؛ وحصلوا على الموارد التي يحتاجون إليها من خلال سوق المواهب الداخلية في الشركة. وتطابق هذا مع المهارات الخاصة المطلوبة لكل مشروع مع المواهب التي تدفقت من مشروع إلى آخر في سلسلة من المهام المؤقتة الداخلية.

فصل المهام وإعادة التكليف بها

إن تقليل الجمود قد يوفر الحلول في أسواق العمالة المحدودة، لأنه يوسع تلقائياً مجموعة المواهب التي يمكن الاستفادة منها. ويتطلب تسييل الوظيفة أو تليينها التفكيك الاستباقي– عزل عناصر العمل ذات الصلة: المهام أو الأنشطة أو المشروعات.

ولعل قطاع الرعاية الصحية- وقضايا توافر العمالة التي تحظى بتغطية إعلامية جيدةـ مثالٌ رئيس على الكيفية التي يمكن بها لتحويل التركيز إلى الطلب أن يعالج النواقص. عالجت بروفيدانس هيلث أند سرفيسز Providence Health & Services، وهي منظومة صحية كاثوليكية غير ربحية تدير عدة مستشفيات في ثماني ولايات، النقص في التمريض من خلال تفكيك وظيفة الممرض. ولاحظت بروفيدانس أن وظيفة التمريض كانت تشتمل على بعض المهام التي كانت على ”قمة الترخيص“ Top of license، أي إنها تتطلب- وتستند إلى- مهارات طبية فريدة ورفيعة المستوى تدرَّب عليها الممرضون. غيرَ أن هذه الوظيفة تطورت لتنطوي أيضا على قدر كبير من الوقت الذي يُقضَى في أداء مهامَّ لا تعتمد على تلك المهارات أو تتطلبها، مثل أخذ درجة حرارة المرضى وتسجيل البيانات في ملفاتهم في المستشفيات. وساعد هذا العمل ”الأدنى من الترخيص“ Below license على زيادة التكاليف وانخفاض مستوى مشاركة الموظفين ورضاهم الوظيفي.

ومع أن هذه الوضعية ربما كانت مقبولة في وقت كانت فيه الرعاية الصحية مستقرة، وكان هناك عدد كافٍ من الممرضين الجدد، أصبح من الواضح أن النقص الهائل في عدد الممرضين يعني أن المؤسسة لا تستطيع أن تتحمل نفقات ممرضيها للاضطلاع بالمهام التي لا تتطلب قدراتهم الفريدة. ومن خلال تحليل وظيفة التمريض، تمكنت بروفيدانس من تحديد مهام وأنشطة محددة يمكن بدلاً من ذلك أن يؤديها مساعدون من طلبة التمريض. وأدى ذلك إلى إنشاء دور جديد في مجال رعاية المرضى لا يقتصر على تحرير الممرضين المدربين Certified nurses، بل ينشئ خطاً للتزويد بالممرضين الماهرين المستقبليين.

وكما يوضح مثال بروفيدانس فإن إعادة تصور العمل من خلال التفكيك قد تزيد من مجموع العاملين المتاحين مقارنة بانتظار مرشح ليس لديه 100% فقط من المؤهلات الحالية المطلوبة، وعلى استعداد لقبول عرض الوظيفة.

زيادة رشاقة مواجهة التحديات الجديدة

عندما تكون القيادة قادرة على التفكير في المهام بدلاً من الوظائف، لا تكتسب المؤسسة القدرة على العثور على المواهب بسهولة أكبر فحسب، بل تكتسب أيضاً قدراً أكبر من المرونة في مواجهة تحديات التشغيل أو تبني تكنولوجيا جديدة.

وفي وسع القادة أن يعيدوا النظر في مهام سير العمل أو العمليات (مثل التصنيع، أو أنظمة المعلومات، أو خدمة العملاء، أو سلاسل التوريد) بنحو أكثر توسعاً من خلال تحليل الوظائف. مثلاً كان كوفيد-19 تحدياً جديداً وغير متوقع أرغم بعض الشركات على أن ترتكز على ما لديها للتحول من تركيز تصنيعي (صناعة السيارات) إلى آخر (صناعة أجهزة التنفس). والقدرة على إعادة نشر العاملين بسرعة لمعالجة أولوية جديدة توفر أساساً لمرونة الأعمال التي يتسم بها نظام تشغيل العمل الجديد.

وعلى نحو مماثل يتطلب الابتكار السريع في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات تغيير العملية وسير العمل على نحو أسرع في كثير من الأحيان مقارنةً بالأنظمة التقليدية. وعادةً ما تفترض المؤسسات أن التكنولوجيا تستطيع ببساطة أن تحل محل العاملين وتوفر عائداً على الاستثمار بخفض تكلفة العمالة. أو تفترض أن العمل سيتكيف ببساطة مع التكنولوجيا الجديدة. لكن الإخفاقات في التبني وفي العمليات يمكن أن تنجم عن عدم كفاية النظر في العامل البشري.

وفي ظل نظام تشغيل جديد للعمل، يستطيع القادة أن يتجنبوا مثل هذه المشكلات المكلفة من خلال إعادة اختراع العمل على كل من مستوى المهام ومستوى القدرات. مثلاً عندما كان أحد متاجر التجزئة العالمية الكبرى يفكر في أتمتة جديدة داخل مركز التوزيع التابع له، لم يمنح الأولوية لافتراض أن نظام الناقل الجديد الذي من شأنه أن يعجل بتدفق المنتجات عبْر مستودعاته من الممكن أن يحل محل المواهب المشاركة في العملية اليدوية الحالية. وبدلا من ذلك حلل المديرون العملية وحددوا الأنشطة البشرية المحددة التي ستبدلها التكنولوجيا والأنشطة التي ستعززها. ومن هناك نظروا في العواقب التي قد تترتب على القوة العاملة: أي القدرات لن تظل مطلوبة، وما القدرات الجديدة المطلوبة للمواهب للعمل مع الآلات على المهام التي زادت من إنتاجيتها.

جائحة كوفيد-19 كشفت عن حاجة المؤسسات إلى تعديل منحنى الطلب وعجلت بها من أجل إنشاء عمل وقوى عاملة أكثر استدامة ومرونة. والازدهار في مستقبل للعمل يشتمل على عاملَين أكثر تمكيناً سيتطلب أن يتمتع القادة برؤية حقيقية للعمل والعاملين تتجاوز نظامنا الحالي المستند إلى الوظائف وشاغلي الوظائف. ويعمل نظام تشغيل العمل الجديد المستند إلى مهارات/قدرات العاملين والمهام الوظيفية/المشروعات على زيادة كفاءة سوق العمل واستجابتها وشموليتها وشفافيتها من خلال الاستعاضة عن العلاقة التقليدية بين شخص واحد ووظيفة واحدة بالعلاقة بين عديد من المهارات والمهام.

رافين جيسوثاسان Ravin Jesuthasan

رافين جيسوثاسان Ravin Jesuthasan

(ravinjesuthasan@)قائد عالمي في مجال خدمات التحويل لدى ميرسر Mercer وعضو في اللجنة التوجيهية حول العمل والتوظيف لدى المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum.

جون دبليو. بودرو John W Boudreau

جون دبليو. بودرو John W Boudreau

(johnwboudreau@) أستاذ فخري في مدرسة مارشال للأعمال Marshall School of Business بجامعة جنوب كاليفورنيا University of Southern California، وعالِم بحث كبير في مركزها للمؤسسات الفاعلة Center for Effective Organizations. ويحمل كتاب الكاتبين الجديد عنوان العمل من دون وظائف: كيف تعيدون تشغيل نظام تشغيل العمل في مؤسستكم Work Without Jobs: How to Reboot Your Organization’s Work Operating System (منشورات: MIT Press). للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63316.
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى