أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
المواءمة الاستراتيجيةبحث

الذكاء الاصطناعي قد يغيِّر طريقة قياسكم.. وطريقة إدارتكم

يستخدم القادة الموجَّهون بالبيانات الذكاءَ الاصطناعي لإظهار مؤشرات أداء رئيسة جديدة وزيادة المواءمة.

مع الاعتذار إلى بيتر دراكر Peter Drucker، لم يعد الأمر ببساطة: أن ما تقيسونه هو ما يحدد ما تديرونه. بل إن الطريقة التي تكتشفون بها ما يجب قياسه هي التي تحدد كيفية إدارتكم. وفي صناعة بعد صناعةٍ نرى أنظمة قياس مبتكرة تؤدي إلى مقاييس Metrics مبتكرة وسلوكيات مؤسسية جديدة تؤدي إلى نتائج Outcomes فائقة. ويدرك مزيد من المؤسسات أن المقارنة المعيارية Benchmarking والخبرة التنفيذية لا تحددان دائماً أفضل مؤشرات الأداء الرئيسة Key performance indicators (اختصاراً: المؤشرات KPIs). وتستخدم هذه الشركات المُوجَّهة بالبيانات تحليلات توقعية Predictive analytics مثل تعلم الآلة Machine learning، إلى جانب فطنة القيادة، لتحديد وتشذيب القياسات الاستراتيجية الرئيسة Key strategic measures. وتؤدي الإجراءات الأكثر دقة إلى تحسين المواءمة بين السلوكيات والأهداف الاستراتيجية.

ويتزايد سؤالُ قادةِ الأعمال فرقَهُم: هل ترصد مقاييسنا ما الذي يحفز توليد القيمة Value creation في أعمالنا رصداً كاملاً؟ كيف يمكننا استخدام التكنولوجيا لتحسين نظام القياس لدينا– أي كيف ننشئ مقاييسنا ونقيمها ونستخدمها– لتمييز هذه الدوافع Drivers بنحو أفضل وتحديد مؤشرات KPIs أفضل؟ وهم يعيدون النظر في نهجهم لقياس النجاح Measuring success، وتطوير المقاييس Developing metrics، وبناء المواءمة المؤسسية Building organizational alignment.

ففي قطاع التكنولوجيا، مثلاً، من الممكن أن يؤدي فقدان المواهب Losing talent إلى تقييد النمو، وفي المقابل من الممكن للاحتفاظ بالمواهب أن يمكِّن النمو. ومن ثم فإن تحديد مخاطر الاستنزاف Attrition risks ومعالجتها مسألة استراتيجية.

كانت الشركة IBM عبْر أغلب تاريخها الطويل تعتمد على حدس الإدارة Management intuition وبيانات الموارد البشرية HR data لتقييم مخاطر الاستنزاف– إلى أن أدركت ديان جيرسون Diane Gherson، كبيرة مسؤولي الموارد البشرية لدى الشركة IBM في ذلك الوقت، أن التحليلات التوقعية قد تكون أفضل في دعم جهود الاحتفاظ بالموظفين في الشركة، وذلك من خلال مساعدة المديرين على التركيز على المواهب التي تحتاج إليها الشركة أكثر من غيرها. وتحت إرشادها أنشأت الشركة IBM خوارزمية تعلم الآلة Machine learning algorithm التي يمكنها تقييم أي الموظفين يستعدون لمغادرة المؤسسة تقييماً أفضل، وتقديم توصيات إلى المديرين حول ما يجب الاضطلاع به للاحتفاظ بهم.1D. Kiron and B. Spindel, “Rebooting Work for a Digital Era,” MIT Sloan Management Review, Feb. 19, 2019, https://sloanreview.mit.edu. وتحلل الخوارزمية عشرات المتغيرات Variables وملايين نقاط البيانات Data points لتقديم تحليل أكثر دقة بكثير من مجرد حدس الإدارة. ويستخدم المديرون الخوارزمية لتحديد الأفراد لاستهدافهم في محادثات التطوير حول تنمية المهارات والتطور الوظيفي داخل آي بي إم. وتوفر الخوارزمية للمديرين والعاملين على حد سواء منظوراً جديداً حول المهارات وفرص التطوير الوظيفي التي ترتبط بالاحتياجات الاستراتيجية في محفظة آي بي إم، في مجالات مثل الحوسبة السحابية Cloud computing والذكاء الاصطناعي AI والحوسبة الكمية Quantum computing.

والأكثر من ذلك، ساعدت هذه الأداة في تغيير محتوى التواصل بين المديرين ونبرته وفاعليته. والآن يختار أغلب المديرين قبول توصيات الخوارزمية، وهو تغيير كبير عن تاريخ تقديمها أول مرة. وفي أوائل العام 2019، كان التحسن في التسرب قد وفر على الشركة IBM نحو 300 مليون دولار. باختصارٍ لم تغير التحليلات التوقُّعية كيف تقيس الشركة التسرب وتديره فحسب؛ بل حسَّنت أيضاً المواءمة بين السلوكيات (مثل إدارة محادثات التنمية Development conversations) والأهداف الاستراتيجية لشركة IBM لتحسين المهارات وزيادة القدرة على الاحتفاظ بالموظفين. وما كانت الشركة IBM لتُحسِّنَ نتائج الاحتفاظ بها إلى هذا الحد لو اعتمدت على الطريقة القديمة- أي من خلال حدس الإدارة وبيانات الموارد البشرية- لقياس التسرُّب وإدارته.

من الممكن للتحليلات التوقُّعية أن تحقق ما هو أكثر من مجرد تحسين تحقيق الأهداف المحددة من قِبل المسؤولين التنفيذيين. إذ يمكن أن تنشئ مؤشرات نجاح جديدة Success indicators، ما يحول طريقة تعريف الشركات للأداء Performance. والمؤسسات التي تتحصل على فوائد مالية كبيرة من الذكاء الاصطناعي أكثر عرضة بـ10 مرات لتغيير المؤشرات KPIs الخاصة بها بسبب الذكاء الاصطناعي مقارنة بالمؤسسات الأخرى.2S. Ransbotham, F. Candelon, D. Kiron, et al., “The  Cultural Benefits of Artificial Intelligence in the Enterprise,” MIT Sloan Management Review and Boston Consulting Group, Nov. 2, 2021, https://sloanreview.mit.edu. تضرب لنا شركة لمشاركة الركوب Ride-sharing business مثالاً على ذلك.

في وقت مبكر صمَّم المهندسون في شركة مشاركة الركوب خوارزمية لزيادة الإيرادات من خلال مطابقة عرض السائقين Driver supply وطلب العملاء Customer demand. ونظرت الخوارزمية في كل التوافيق Combinations الممكنة من الركاب والسائقين وانتقت التركيبة التي ستزيد الإيرادات بناء على طلب الركوب، إذا حُدِّد السائقُ وجميع ديناميكيات النظام.3S. Ransbotham, S. Khodabandeh, D. Kiron, et al.,  “Expanding AI’s Impact With Organizational Learning,” MIT Sloan Management Review and Boston Consulting Group, Oct. 20, 2020, https://sloanreview.mit.edu. بعد ذلك، عندما بدأ المهندسون في استخدام الذكاء الاصطناعي لاختبار طرق أخرى لزيادة الأرباح، اكتشف أحد النمذجات Model أنه للحصول على أفضل معدلات التحويل Conversion rates– النسبة المئوية للمرات التي طلب فيها المستخدم بالفعل الركوب بعد فتح التطبيق Application– سيؤدي إلى زيادة طلبات الركوب في المستقبل. ومزيد من طلبات الركوب يعني زيادة كبيرة في العوائد مقارنةً بتركيز الشركة سابقاً على مطابقة العرض والطلب. ومن خلال الجمع بين أفضل الرؤى البشرية وقوى الحوسبة لتعلُّم الآلة، تحسنت نتائج الشركة على أساس مقياس استراتيجي أساسي.

واستمرت الشركة في استخدام أسلوبها في مطابقة السائقين والعملاء، لكن نهجها في زيادة الإيرادات الآن تضمن بذل جهود لزيادة طلبات الركوب بعدما فتح المستخدمون التطبيق. فقد حسَّنت استخدام التطبيق، ونفذت حملات تسويقية لزيادة طلبات الركوب، وحددت مؤشرات KPIs جديدة لطلبات الركوب. وكان اختيار الشركة لأدوات القياس– مثل تعلم الآلة– سابقاً لاختيارها للمقاييس، وليس العكس.

يمثل وضعُ مزيج من الإجراءات التي يُؤتَى بها تحليلياً، ويحددها المسؤولون التنفيذيون، وربطها والسعي إليها، مبدأً مؤسسياً جديداً جوهرياً لمواءمة السلوكيات مع الاستراتيجية. ويعرض هذا النهج، الذي أسميه المواءمة التوقُّعية predictive alignment، منظوراً جديداً حول الطبيعة المتغيرة للقياس الاستراتيجي ومواءمة السلوكيات المؤسسية مع الاستراتيجية. فيما يلي أناقش عدة أمثلة على المواءمة التوقعية، وأوضح كيف يتناقض هذا النهج مع نهج المواءمة التقليدية، وأوصي بعدة خطوات عملية حول كيفية تحسين المواءمة التوقعية في مؤسستكم.

التحليل

هذا الموضوع يرتكز على
الأبحاث التي أجرتها مبادرة إم
آي تي سلون مانجمنت ريفيو
MIT Sloan Management
Review المسماة الأفكار
الكبرى Big Ideas بالتعاون مع
مجموعة بوسطن الاستشارية
Boston Consulting Group
وغوغل Google وماكينزي
McKinsey والمحررَين
الأكاديميَّين الضيفَين مايكل
شريغ Michael Schrage
وسام رانسبوثام Sam
Ransbotham.

والفكرة المحددة للمواءمة
التوقعية التي نوقشت هنا
هي الفكرة التي طرحها
الكاتب شخصياً، لكنها ما
كانت لتتحقق لو لم تكن
المساهمات الأساسية التي
قدمها المشاركون في إعداد
تقارير بحثية من ضمن مبادرة
الأفكار الكبرى، وهي ”القيادة
بمؤشرات الأداء الرئيسة من
الجيل التالي“ Leading With
Next-Generation Key
Performance Indicators،
و”التحول الرقمي في إدارة
الأداء“ Performance
Management’s Digital
Shift، و”الفوائد الثقافية
للذكاء الاصطناعي في
المؤسسة“ The Cultural
Benefits of Artificial
Intelligence in the
Enterprise.

وشملت هذه الجهود البحثية،
التي امتدت من العام 2017
إلى العام 2021، العشرات
من المقابلات واستطلاعَين
عالميَّين شارك فيها مسؤولون
تنفيذيون.

التحليلات التوقُّعية تغذي المواءمةَ التوقعية

يمكن أن تساعد التحليلات التوقعية على تحديد مؤشرات رائدة جديدة لسلوك العملاء في المستقبل. وبفضل هذه المؤشرات الجديدة تصبح وجهات النظر الجديدة بشأن سلوك العملاء ممكنة، الأمر الذي يمكن من إيجاد طرق جديدة لتوليد القيمة للعملاء والشركات على حد سواء. فهذا قادر على تحويل مظهر أداء الأعمال. في إكسبيريان Experian، وهي وكالة لإعداد تقارير عن الائتمان، أدرك المسؤولون التنفيذيون أن تحويل العملاء- وهو المقياس التقليدي في أعمالها– أصبح أقل فاعلية في توقُّع النتائج المرغوب فيها. وتحت رعاية رئيس إدارة التسويق والعوائد بدأت الشركة في استخدام التحليلات التوقعية لإنشاء مجموعة جديدة من المقاييس لنيات المستهلكين ومشاركتهم وولائهم.

وعلى الرغم من أن عديداً من آليات إعداد التقارير لدى إكسبيريان استمرت في قياس معدلات التحويل للمعاملات والطلبات، لم يُشِر أي من المقاييس الجديدة إلى مبلغ بالدولار أو طلبات العد. وتتطلب إضافة هذه المقاييس تغييراً جوهرياً في ثقافة الشركة. وأخبرنا أحد المسؤولين التنفيذيين بأن الشركة أمضت سنتين في تغيير الثقافة من ثقافة كانت موجهة أساساً نحو المعاملات إلى ثقافة تركز على فهم قصد المستهلكين وقيم المستهلكين. وأثار هذا التحول مجموعة جديدة من الأسئلة: كم مرة يعود الأشخاص؟ وعند عودتهم ما الميزات التي يستخدمونها؟ وكم مرة يقفلون تقارير الائتمان الخاصة بهم ويفتحونها؟ لقد مكنت الإجابات عن هذه الأسئلة إكسبيريان من إعطاء الأولوية للاستثمارات من بين مختلف الخصائص. كذلك حوَّل هذا التحول دور التحليلات في عملية القياس الاستراتيجي من دور يبلغ ببساطة عن المؤشرات المتأخرة إلى دور يكتشف (ويحدد) أيضاً المؤشرات الرائدة، مثل نتائج مشاركة العملاء.

ومن خلال المقاييس الجديدة والفهم الأعمق للعوامل التي تحرك الأداء، تتواءم السلوكيات المؤسسية حول هذه التبصرات الجديدة، ما يؤدي إلى بدء دورة حميدة من التعلم، وإنشاء مؤشرات الأداء الرئيسة، وتحولات السلوك المؤسسي، وزيادة التعلم، وما إلى ذلك. ومن بين الحالات ذات الصلة تطبيق للتدريب من شركة خدمات الموارد البشرية إيه دي بي ADP، الذي يرسل ملاحظات إلى العاملين الذين يختارون استخدامها بالبريد الإلكتروني. فقد حسَّنت هذه الأداة المستندة إلى تعلُّم الآلة الإنتاجيةَ بين المستخدمين في الشركة بمعدل 10%.4M. Schrage, D. Kiron, B. Hancock, et al., “Performance Management’s Digital Shift,” MIT Sloan Management Review, Feb. 26, 2019, https://sloanreview.mit.edu. وتستخدم أكثر من 130 شركة حالياً نسخةً من هذه الأداة. وإضافة إلى مساعدة المستخدمين يوفر تطبيقُ التدريب للمديرين بيانات حول استخدام مرؤوسيهم المباشرين للأداة. وإذا أصبح استخدام الأداة مؤشراً رائداً للأداء في المستقبل، يمكن أن تحدد التحليلات الإضافية المديرين الذين يشجعون الموظفين أو يدعمونهم لاستخدامها بفاعلية. ويمكن بعد ذلك تقييم الإدارة، جزئياً، حول ما إذا كانت تتبع التوصيات المنشأة من خلال تعلُّم الآلة حول كيفية دعم هؤلاء الموظفين. ويصبح تطبيق التدريب مصدر الإجراءات الجديدة التي تؤدي إلى إنشاء مؤشرات أداء رئيسة جديدة للإدارة تمكن سلوكيات إدارية جديدة.

ما الجديد في المواءمة التوقعية

لكي ندرك الفارق بين المواءمة التوقعية وأساليب المواءمة الأكثر تقليدية، فلنتأمل عمل روبرت كابلان Robert Kaplan وديفيد نورتون David Norton على بطاقة الأداء المتوازن Balanced Scorecard. يعرض نهجهما ما يقال إنه واحد من أكثر التحليلات تطوراً لدور التعلم في القياس الاستراتيجي.

قبل عقود جادلا بأن أنظمة القياس الاستراتيجية الفاعلة مثل بطاقة الأداء المتوازنة تستخدم تعلُّم ”الحلقة الثانية“ Second loop لتنقيح وتكييف المؤشرات KPIs الاستراتيجية والوظيفية والفردية، وذلك من خلال طرح الأسئلة حول الافتراضات الاستراتيجية الأساسية واكتشاف الأخطاء في هذه الافتراضات وتصحيحها.5C. Argyris, “Double Loop Learning in Organizations,” Harvard Business Review 64, no. 5 (September-October 1977): 115-126. مثلاً في نهج بطاقة الأداء المتوازنة من كابلان ونورتون، ”يتكون التعلم الاستراتيجي من جمع الملاحظات، واختبار الفرضيات التي استندت إليها الاستراتيجية، وإجراء التعديلات اللازمة… ولا بد من أن يكون نظام الملاحظات الاستراتيجية قادراً على اختبار الفرضيات المضمنة في استراتيجية وحدة الأعمال والتحقق منها وتعديلها“.6R.S. Kaplan and D. Norton, “Using the Balanced  Scorecard as a Strategic Management System,”  Harvard Business Review 74, no. 1 (January-February 1996): 75-85. ورُجِّحت هذه النظرة بشدة عند تقييم الفرضيات التي تستند إليها الأهداف الاستراتيجية القائمة. إنها في الأساس نظرة إلى الوراء. وإضافةً إلى ذلك لا تُهِم كيفية اختبار الفرضيات والتحقق من صحتها، بل ماهيتها فقط.

لا يدرك هذا النهج احتمال وجود اختلافات كبيرة في جودة طرق اختبار الافتراضات الاستراتيجية والتحقق منها. فنظام القياس الاستراتيجي الذي يفتقر إلى قدرة التحليل التوقُّعي قد لا يختبر الافتراضات الاستراتيجية بفاعلية، بما في ذلك الفرضيات حول العوامل التي تحرك نتائج مؤشر الأداء الرئيس. وفي نموذج المواءمة التوقعية، فإن كيفية اختبار الافتراضات المرتبطة بالاستراتيجية هي أمر مهم: إن مجرد وجود نظام قياس استراتيجي يَختبر الافتراضات الاستراتيجية ويتحقق منها ويعدلها ليس كافياً. ومع المواءمة التوقُّعية، إذا كانت طريقة القياس غير متطورة، قد لا يكون ما تقيسه متطوراً أيضاً.

فكِّروا في الإنفاق على التسويق Marketing، الذي يصعب توقُّع فاعليته.7A quote often attributed to U.S. industrialist John  Wanamaker sums up the challenge: “Half the money  I spend on advertising is wasted; the trouble is, I don’t know which half.” ولمكافحة هذا التحدي، تَستخدم جنرال إلكتريك للرعاية الصحية GE Healthcare بياناتِ نتائج المؤشرات KPIs لتطوير مؤشرات KPIs جديدة وأكثر توقُّعية لتحسين العوائد من استثمارات التسويق.8M. Schrage and D. Kiron, “Leading With Next- Generation Key Performance Indicators,” MIT  Sloan Management Review, June 26, 2018,  https://sloanreview.mit.edu. وكما شرح أحد المسؤولين التنفيذيين في جنرال إلكتريك: “في الواقع يقوم هذا على استخراج مؤشرات الأداء الرئيسة من البيانات بدلاً من تعيين مؤشرات الأداء الرئيسة الواجبِ قياسُها. وسنحاول استخلاص مؤشرات الأداء الرئيسة من البيانات ثم نستخدمها لإجراء تحليل لأغراض الاستهداف Targeting، لإحداث تأثير تجاري Commercial impact”. وما كان التحليل الأقل تطوراً، أو حدس الإدارة، ليختبرَ بفاعلية الافتراضات التي تستند إليها مؤشرات الأداء الرئيسة للتسويق في جنرال إلكتريك.

والأكثر من ذلك أن نهج التقييم المتوازن ينص صراحة على أن المؤشرات KPIs يحددها كبار القادة. فالمواءمة التوقُّعية هي في الأساس نهج هجين، حيث يحدد مؤشراتِ الأداء الرئيسة كبارُ القادة (مسبقاً)، وتنشأ من الجهود التحليلية بعد تحديد الاستراتيجية (لاحقاً). وتتطلب أنشطة القياس الاستراتيجية المرتبطة بتقييم المؤشرات KPIs التي وضعها كبار القادة وتحديد المؤشرات KPIs من التحليل والتنسيق والاستثمار المناسب. وعلى هذا فإن عمليتي القياس الاستراتيجيتين ذواتيهما تتطلبان التكامل والمواءمة. إذا كان التركيز على الإدارة، وإذا كانت، مثلاً، أنظمة إدارة الأداء مرتبطة بنحوٍ صارم بالمؤشرات KPIs المحددة مسبقاً، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض المواءمة حول المؤشرات KPIs الجديدة (بسبب التأخير وسوء تخصيص الموارد). تتطلب المؤشرات KPIs التي تنشأ من تطبيقات التحليلات التوقعية مسارَ دخول إلى نظام للقياس الاستراتيجي العام للمؤسسة.

القيادة باستخدام مواءمة توقُّعية

للمواءمة التوقعية (على الأقل) ثلاثة تأثيرات كبيرة في الممارسة. وينبغي للقادة الذين يستخدمون هذا النهج في القياس الاستراتيجي أن يأخذوا في الاعتبار التوجيهات التالية:
1. وسِّعْ نطاقَ المساءلة للمساءلة Expand accountability for accountability. مع المواءمة التوقُّعية، ليس المديرون مسؤولين عن أدائهم وفقاً لمجموعة معينة من المقاييس فحسب، بل أيضاً عن مدى نجاح نظام القياس الاستراتيجي ذاته في اختبار الافتراضات الاستراتيجية القائمة وصياغة فرضيات استراتيجية جديدة. ويشكل تطوير قدرة تحليلية قادرة على الاختبار والتعلم في حد ذاته هدفاً بالغ الأهمية، ومن الضروري دعم هذا الهدف بتوفير استثمارات كافية. النتيجة: يتعين على القادة أن يُحمِّلوا أنفسهم المسؤولية عن تطوير أنظمة القياس الاستراتيجية القادرة على تعميق فهمهم للعوامل التي توجه نتائج المؤشرات KPIs، وتوليد مؤشرات KPIs جديدة، والتكيف مع المؤشرات KPIs الجديدة. وبالنسبة إلى الشركات القديمة بنحو خاص يتطلب ذلك (أ) الاستثمار في القدرات التحليلية الجديدة؛ (ب) تصميم عمليات جديدة تنسق التبصرات التحليلية، وعمليات تعديل المؤشرات KPIs، والسلوكيات التشغيلية الجديدة؛ (ج) تحديد المديرين الذين سيقودون هذه الاستثمارات ويُنشئون هذه العمليات.
2. سلسِل التحليلات عبْر الطبقات، لا المقاييسَ فحسب Cascade analytics, not just metrics. يصعب تحقيق المواءمة التوقُّعية عندما تكون الوظائف المختلفة داخل المؤسسة غير متساوية في فرصتها للوصول إلى أدوات التحليل المتطورة. فخطر سوء المواءمة المؤسسية يزيد مع عدم المساواة في الوصول إلى التحليلات المتقدمة. وقد تحسَّر عضو في مجموعة تحليلات لفريق بيسبول محترف ركز على امتيازات الملعب على التوزيع غير المتساوي للمواهب والموارد التحليلية في مؤسسته.9D. Kiron, R. Boucher Ferguson, and P. Kirk Prentice, “From Value to Vision: Reimagining the Possible With Data Analytics,” MIT Sloan Management Review,  March 5, 2013, https://sloanreview.mit.edu. ومن غير المستغرب أن تتلقى تحليلات اللاعبين معظم الاستثمارات في التحليلات. فمن شأن عدم المساواة في الوصول إلى التحليلات أن يؤدي إلى تكثيف الانقسامات الثقافية، وإثارة استياء العاملين، وتقويض المواءمة بين سلوكيات العاملين والنتائج الاستراتيجية. وكما ركزت أساليب المواءمة التقليدية على تعميم عمليات القياس وربطها، تشجع المواءمة التوقُّعية على توزيع الأدوات التحليلية (والخبرة) بين الوظائف المؤسسية لقياس التقدم نحو هذه المقاييس (وإعادة تقييم فائدتها).
3. استعِنْ بأخصائيي البيانات عند تطوير المقاييس Include data specialists when developing metrics. لا بد من أن يبدأ القادة- الذين اعتادوا الجلوسَ مع إداريين بمستويات مختلفة بصياغة المقاييس التي تقدم مجموعة معينة من الأهداف- في ضم أخصائيي البيانات (مثل كبار مسؤولي البيانات، أو المسؤولين التنفيذيين والمحللين في معلومات الأعمال، أو علماء البيانات) في هذه المحادثات. ويتمثل التحدي الرئيس في دمج خبراء البيانات مع مديري الأعمال الذين يضعون مقاييس الأداء الرئيسة بنحو مستقل.

كانت أوبرويس Oberweis، وهي شركة متوسطة الحجم في قطاع الألبان تتخذ من إيلينوي مقراً، تبحث عن توسيع أعمال خدمات توصيل منتجات الألبان الرفيعة المستوى لديها إلى الساحل الشرقي. وكما كانت الحال في الأعوام الماضية، جمع الرئيس التنفيذي CEO بين مجموعته التنفيذية– التي تتألف من مديري عمليات قدامى مكلفين بإدارة الشاحنات، والسائقين، ومحطات نقل الحليب– للتخطيط لاستراتيجية وتحديد مستهدفات العوائد Revenue targets. واجتمعت المجموعة على اعتقاد مُفاده أنهم سيخططون لكيفية الوصول إلى ديموغرافية مألوفة– المجموعة التي أسموها مدمني ألعاب الفيديو ومحبي الأناقة Beamers and Birkenstocks. ومع ذلك، وعلى عكس السنوات الماضية، قدم المدير التنفيذي الفريق إلى محلل أعمال في إدارة التسويق الذي قال بنحو مقنع إن شريحة مختلفة من العملاء ستولد مزيداً من العوائد. وأدت توقعات المحلل إلى تحقيق أهداف ومؤشرات KPIs جديدة في مجال العوائد.

وشكَّل وجود الرئيس التنفيذي في القاعة ضرورةً أساسية لمنح المصداقية لاستنتاجات المحلل ومنهجيته المخالفة للمنطق. وفي وقت لاحق حولت المجموعة خطة النمو التي وضعتها، فتبنت مؤشرات نجاح جديدة. وعلى القدر نفسه من الأهمية، بدأ المسؤولون التنفيذيون عن العمليات المخضرمون في أوبرويس في الاستعانة بفريق البيانات للمساعدة على حل مسائل أخرى بعد رؤية الفوائد المترتبة على الرؤى (التبصرات) ذات الصلة بتقسيم العملاء.10Ibid.

إن التحليلات التوقُّعية هي أداة جديدة قوية لإعادة النظر في مجموعة واسعة من الافتراضات المرتبطة بالاستراتيجية. ومن شأن تبني المواءمة التوقعية أن يغير الافتراضات والمقاييس الاستراتيجية التي تعيد مواءمة السلوكيات المؤسسية نحو الأهداف الاستراتيجية. والاستعانة بأخصائيي البيانات تُقدِّم ما هو أكثر بكثير من مجرد تحديد البيانات الصحيحة المطلوب تضمينها في لوحات المعلومات Dashboard. ويحتاج القادة إلى أخصائيي البيانات للمساعدة على تحديد تدفقات البيانات الصحيحة وإنشاء أنظمة الحوكمة بحيث تكون البيانات المطلوبة للمقاييس الأساسية ذات معنى متسق حتى عبْرَ الجيوب المؤسسية المنعزلة Organizational silos.

نظام القياس الاستراتيجي الذي تتبعه أي شركة يكون عادة مصمَّماً لدعم الأهداف التي تحددها القيادة. وفي هذا المنحى، تكون طريقة قياسكم أقل أهمية مما تقيسونه. وفي النهاية يعكس ما تقيسونه– سواء جرت متابعتُه عبْر لوحات المعلومات أو من خلال رسم خرائط ثلاثية الأبعاد– كيفيةَ منافستكم للسلوكيات ومواءمتها مع الأهداف الاستراتيجية.11G. Kenny, “KPIs Aren’t Just About Assessing Past Performance,” Harvard Business Review, Sept. 23, 2021, https://hbr.org.

لكن في حالة المواءمة التوقُّعية فإن الطريقة التي تقيسون بها تعكس أيضاً طريقةَ منافستكم للسلوكيات ومواءمتها مع الأهداف الاستراتيجية. وهذا ليس تحوُّلاً طفيفاً في أداء الأعمال. فاستخدام التحليلات التوقُّعية يمكن أن يؤدي إلى توسيع الغرض من القياس الاستراتيجي: إنه يمكِّن من اكتشاف طرق جديدة لتوجيه النمو، ومن ثم تمكين مقاييس جديدة وسلوكيات جديدة. وتعني قيمة عمر العملاء Customer lifetime value أو تسربهم Attrition شيئاً مختلفاً تماماً، وهو أكثر قيمة، إذا كنتم تقيسون أياً منهما باستخدام تعلُّم الآلة ومجموعات البيانات الكبيرة Big data.

ويمكن مقارنة المواءمة من دون التحليلات التوقعية باستخدام آلة السُّدْسِيَّة Sextant للتنقُّل عبْر المحيط بدلاً من استخدام النظام العالمي لتحديد المواقع GPS. يمكنكم الاضطلاع بذلك، لكنكم ستفوتون كثيراً من المعلومات ذات الصلة. فالانفصال بين جهود المواءمة وبرنامج لتعلُّم الآلة أو التحليلات التوقعية لا يهدد بالتنفيذ الاستراتيجي السيئ  فحسب، بل يهدد أيضاً بالتخطيط دون المستوى الأمثل؛ بل قد يكون بمنزلة عيب تنافسي Competitive disadvantage. فالاستثمار في كيفية القياس سيضمن لكم أهمية ما تقيسونه.

ديفيد كيرون David Kiron

ديفيد كيرون David Kiron

مدير تحرير وبحث لدى إم آي تي سلون مانجمنت ريفيو MIT Sloan Management Review ويقود مبادرة الأفكار الكبرى Big Ideas initiative. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63309.

المراجع

المراجع
1 D. Kiron and B. Spindel, “Rebooting Work for a Digital Era,” MIT Sloan Management Review, Feb. 19, 2019, https://sloanreview.mit.edu.
2 S. Ransbotham, F. Candelon, D. Kiron, et al., “The  Cultural Benefits of Artificial Intelligence in the Enterprise,” MIT Sloan Management Review and Boston Consulting Group, Nov. 2, 2021, https://sloanreview.mit.edu.
3 S. Ransbotham, S. Khodabandeh, D. Kiron, et al.,  “Expanding AI’s Impact With Organizational Learning,” MIT Sloan Management Review and Boston Consulting Group, Oct. 20, 2020, https://sloanreview.mit.edu.
4 M. Schrage, D. Kiron, B. Hancock, et al., “Performance Management’s Digital Shift,” MIT Sloan Management Review, Feb. 26, 2019, https://sloanreview.mit.edu.
5 C. Argyris, “Double Loop Learning in Organizations,” Harvard Business Review 64, no. 5 (September-October 1977): 115-126.
6 R.S. Kaplan and D. Norton, “Using the Balanced  Scorecard as a Strategic Management System,”  Harvard Business Review 74, no. 1 (January-February 1996): 75-85.
7 A quote often attributed to U.S. industrialist John  Wanamaker sums up the challenge: “Half the money  I spend on advertising is wasted; the trouble is, I don’t know which half.”
8 M. Schrage and D. Kiron, “Leading With Next- Generation Key Performance Indicators,” MIT  Sloan Management Review, June 26, 2018,  https://sloanreview.mit.edu.
9 D. Kiron, R. Boucher Ferguson, and P. Kirk Prentice, “From Value to Vision: Reimagining the Possible With Data Analytics,” MIT Sloan Management Review,  March 5, 2013, https://sloanreview.mit.edu.
10 Ibid.
11 G. Kenny, “KPIs Aren’t Just About Assessing Past Performance,” Harvard Business Review, Sept. 23, 2021, https://hbr.org.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى