أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
استراتيجياتبحثتنمية المواهب

الاستراتيجية أسـلوباً للحياة

يجب على الشركات أن تؤسس الاستراتيجية بناءً على الغرض الأخلاقي لتزدهر في عالم معقد وسريع التغير.

نعيش في عالم من الانقطاع وعدم اليقين، حيث تتفكك المعايير بسرعة وتفقد الشركات مكانتها. نعيش في زمن من التقلب والسيولة، حيث تدفع متطلبات النمو نحو تغيرٍ عالي السرعة لا هوادة فيه. نعيش في عالم فوضوي، حيث أصبحت الحدود أكثر نفاذية، ويضيف التعقيد الذي لم يسبق له مثيل غموضاً، ويقلل من قدرتنا على توقع ما هو آتٍ.

في هذا العصر المجهول، يقف نهجنا التقليدي في الاستراتيجية- المستند إلى البيانات والتحليل- على مفترق طرق. لم يكن في وسع الذكاء الاصطناعي الأكثر تدريباً، المبني على مخازن هائلة من البيانات والمعلومات والمعرفة، أن يتوقع كيفية تأثير جائحة كوفيد-19 في عالم أصبح أكثر انفتاحاً واتصالاً بالتكنولوجيات الرقمية. هل يمكن إعادة صياغة الاستراتيجية حتى تتمكن الشركات من الازدهار في مواجهة تحدياتنا الحالية والمستقبلية؟

لا نعتقد أن تلك الاستراتيجية يمكن إعادة تصوُّرها فحسب، بل يجب أن تكون كذلك أيضاً. خلال 50 سنة من البحث في الشركات في كل من الولايات المتحدة واليابان، تطورت نظرتنا إلى المؤسسة من آلة لمعالجة المعلومات Information processing machine (متأثرين بهربرت سيمون Herbert Simon) إلى كائن حي Living organism يولِّد باستمرار معرفة جديدة. ونجادل بأنه من أجل البقاء في عالم اليوم، يجب أن يقوم هذا الكائن الحي على هدف أخلاقي، ويسترشد بأهداف تقديم قيمة للعملاء Offering value، والمساهمة في المجتمع، والعيش في وئام مع الطبيعة، وإنشاء مستقبل أفضل.

روح المؤسسة

ألقى التقدم في أبحاث علم الأعصاب في السنوات الأخيرة الضوء على العوامل البيولوجية التي تدفع البشر إلى الإحساس بالهدف Sense of purpose. نحن نعلم الآن أن أهم حاجة أساسية نضطر إلى تلبيتها هي الاتصال الاجتماعي– فهو يتمتع بجاذبية تحفيزية أقوى حتى من الغذاء والماء والمأوى.1M. Lieberman, “Social: Why Our Brains Are Wired to Connect” (New York: Crown, 2013), 43. ووجد علماء الأعصاب أيضاً أن الدماغ البشري يُظهر استعداداً للبحث عن المصلحة العامة من خلال السلوك المساواتي Egalitarian والإيثاري Altruistic.2For more on recent findings in neuroscience, see I. Nonaka and H. Takeuchi, “The Foundations of Knowledge Practice,” chap. 2 in “The Wise Company: How Companies Create Continuous Innovation” (New York: Oxford University Press, 2019); and I. Nonaka and H. Takeuchi, “Humanizing Strategy,” Long Range Planning 54, no. 4 (August 2021). وهو قادر على الجمع بين البيانات من مصادر متعددة للمُدخلات الحسية Sensory input لتخطيط مسارات العمل المستقبلية والتعامل مع المواقف غير المتوقعة والجديدة.3C. Koch, “Consciousness: Confessions of a Romantic Reductionist” (Cambridge, Massachusetts: MIT Press, 2012), 129-130.

وتشير هذه الاستنتاجات إلى أن هدفنا كبشر متجذر في ميولنا العالمية إلى الارتباط بعضنا ببعض ورعاية بعضنا بعضاً، وأننا نتشاطر القدرة على التكيُّف بسرعة مع الظروف المتغيرة، وأننا نستطيع أن نتخيل معاً كيف يمكننا أن ننشئ عالماً أفضل.

الإحساس بالهدف نفسه ومجموعة القدرات نفسها موجودة في الكائن الحي الذي هو الشركة. يعتقد كازو إناموري Kazuo Inamori، الذي أسس كيوسيرا Kyocera في العام 1959، أن الشركة، كمجموعة من البشر، يجب أن تسعى جاهدة للعمل بطريقة جيدة وصائبة، تماماً كما يسعى الأفراد جاهدين للعمل بجد، والتفكير في الأفكار الجيدة، وفعل الشيء الصحيح، وممارسة التأمل الذاتي والانضباط الذاتي، وصقل عقولهم، والارتقاء بشخصيتهم في الحياة اليومية. ويصف كتاب إيناموري للعام 2004، إيكيكاتا Ikikata (الذي يُترجَم إلى ”كيف نعيش“)، مثلَ هذا السلوك بأنه العيش بهدف الارتقاء بأرواحنا Souls لكي تكون كل يوم أكثر جمالاً وتطوراً ونبلاً. ووجهت هذه المبادئ إيناموري، وهو أيضاً راهب بوذي عادي، كإنسان، وكرئيس تنفيذي، وكرئيس مجلس إدارة، عندما بعث الخطوط الجوية اليابانية Japan Airlines من الإفلاس.

وبالمثل يسترشد تاداشي ياناي Tadashi Yanai، الرئيس التنفيذي للبيع السريع بالتجزئة Fast Retailing، التي تدير متاجر يونيكلو Uniqlo، بـ23 مبدأ إدارياً يسميها ”روح“ شركته، ويعتقد أن الروح هي أهم شيء لدينا في الحياة. وتأثر المبدأ الأول لياناي بإدارة متجر واحد في ثمانينات القرن العشرين، وهو ”تلبية احتياجات العملاء وتوليد عملاء جدد“. ويوضح أن هذا يجري تدريجياً، من خلال تكريس حياتكم لتلبية احتياجات العملاء بنحو أفضل قليلاً كل يوم. ويعكس المبدأ الثاني لياناي ”وضعَ الأفكار الجيدة موضع التنفيذ، وتحريك العالم، والتغيير والمساهمة في المجتمع“، اقتناعَه بوجود الشركة لخدمة المجتمع. وهذان المبدآن جزء لا يتجزأ من قيادته: في اجتماع عقده فريق إدارته العالمية في العام 2010، أمضى ياناي يوماً ونصف اليوم في مراجعة المبادئ الـ23 حتى يتمكن المسؤولون التنفيذيون من استيعابها ووضعها موضع التنفيذ على الصعيد العالمي.

كذلك شكَّل المفهوم الأساسي– روح المؤسسة– رؤية قادة الأعمال في الولايات المتحدة مثل رئيس مجلس إدارة مايكروسوفت Microsoft ورئيسها التنفيذي ساتيا ناديلا Satya Nadella والمؤسس المشارك لسايلزفورس Salesforce مارك بينيوف Marc Benioff. استكشف ناديلا الفكرة في كتابه للعام 2017، الضغط على زر التحديث: السعي إلى إعادة اكتشاف روح مايكروسوفت وتخيل مستقبل أفضل للجميع Hit Refresh: The Quest to Rediscover Microsoft’s Soul and Imagine a Better Future for Everyone. وحدد الهدف الأسمى لشركته بأنه مساعدة كل شخص وكل مؤسسة على هذا الكوكب على تحقيق المزيد. وربط بين الروح والاستراتيجية: قال إن إعادة اكتشاف روح مايكروسوفت ستؤدي إلى تصحيح استراتيجيتها، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تحسين حياة العملاء والموظفين والشركاء وأفراد المجتمع جميعاً.

وربط بينيوف الغرض بنحو أكثر وضوحاً بدور المؤسسة في المجتمع، حيث كتب في كتابه للعام 2019 المبتكر Trailblazer يقول: ”عالم اليوم مملوء بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة إلى درجة أنه لم يعد من الممكن للشركة أن تبتعد وتزاول أعمالها كالمعتاد… ومع مرور الوقت، سيرغب موظفوكم وعملاؤكم، فضلاً عن المستثمرين والشركاء والمجتمعات المحلية المضيِّفة والأطراف المعنية الأخرى، في معرفة فلسفتك في ممارسة الأعمال. يريدون أن يعرفوا ما إذا كانت لديكم روح“.

الاستراتيجية على مفترق طرق

بينما يتحدث الرئيسان التنفيذيان لشركتين أمريكيتين رائدتين بصراحة وحماس عن فكرة أن المؤسسات تعيش مع أرواح– تستثمر في تحسين آفاق الجميع، وليس فقط آفاقها– نتوقع أن يتبنى قادة الأعمال الآخرون تلك الرسالة. ونحن نعتقد أن مزيداً ومزيداً منهم يدركون أن الرؤساء التنفيذيين يجب أن يبدؤوا في صياغة الاستراتيجية بأرواحهم، ومن ثم تنفيذها بأدمغتهم. ماذا نعني بذلك؟ دعونا ندرس شروطنا من كثب أكثر.

نحن نستخدم ”الروح“ لوصف الحقائق والمبادئ البسيطة التي تُرشدنا إلى الاضطلاع بما هو صحيح بوصفنا بشراً، ونمثل فلسفة حية وُلِدت من التجربة والممارسة. فالروح تساعدنا على إيجاد طريقنا كل يوم من خلال عدم اليقين والمشقة– بل هي وسيلة للحياة.

ونحن نستخدم ”الدماغ“ للإشارة إلى التحليل الذي سيساعد الشركات على العمل في عالم فوضوي وشق طريقها في خلال تعقيداته وغموضه. وحالياً لدينا كميات هائلة من البيانات المتاحة، والتكنولوجيات المتقدمة مثل أجهزة الاستشعار المتصلة بالإنترنت والذكاء الاصطناعي تسمح لنا بجمع تلك البيانات ومعالجتها وتفسيرها بطرق أكثر تطوراً من أي وقت مضى. وهذا يعني أن المؤسسات يمكنها تطوير سيناريوهات وأساليب محاكاة أكثر تعقيداً، وإجراء مزيد من التجارب، والاستجابة عموماً بنحو أكثر تكيُّفاً للأحداث غير المتوقعة مما كانت عليه في السابق.

ومن خلال البدء بالروح يمكن للشركات بلورة كيف ستحقق هدفها المتمثل في صنع مستقبل أفضل للجميع. وبالاعتماد على القيم الراسخة، يمكن للشركات أن تتخيل أي نوع من المستقبل ترغب في إنشائه ومن ثم استخدام أدمغتها لتحقيق ذلك. ولديها الأدوات التحليلية كلها التي تحتاج إليها لتحقيق هدفها المتمثل في تحقيق عوائد متفوقة. ثم يصبح السؤال الرئيس: ”كيف ينبغي للشركات أن تستخدم الأرواح والأدمغة على حد سواء بحـيث تصبـح الاسـتراتيجية ذات صلة بالعالم الذي نعيش فيه؟“.

ست ممارسات تغرس الاستراتيجية في الروح

الاضطلاع بالأشياء العادية في الحياة بنحو أفضل قليلاً كل يوم يؤدي إلى ارتقاء الأفراد. خلال جائحة كوفيد-19، مثلاً، ساعدت الأشياء الصغيرة مثل ارتداء الأقنعة وغسل اليدين والحفاظ على التباعد الاجتماعي على منع انتشار المرض. كل ممارسة صغيرة تجعل أجسامنا أكثر صحة قليلاً، وعقولنا أكثر سلاماً، والهواء الذي نتنفسه أنظف قليلاً، والأماكن التي نبقى فيها أكثر جمالاً تساعدنا على التواصل مع هدف تحسين أنفسنا وعالمنا.

وبالمثل فإن الاضطلاع بالأشياء العادية بنحو أفضل قليلاً كل يوم في وظائفنا– مثل العمل الجاد، واتخاذ الخيارات الأخلاقية، واللطف، وممارسة التأمل الذاتي والانضباط الذاتي، والتواضع، والامتنان– يرفع من حياتنا العملية. وهذا يبني الثقافة على المستوى المؤسسي والشخصية على المستوى الشخصي. وهذه السلوكيات يجب أن تُمارَس كل يوم لكي تصبح طريقة للحياة– تماماً مثلما بنت تويوتا Toyota الروتين اليومي، أو كاتا kata، في نظام إنتاج تويوتا Toyota Production System (TPS) الشهير.

تُعرَف كاتا بأنها ”وسيلة للحفاظ على مزامنة أفكاركم وإجراءاتكم مع الظروف الديناميكية التي لا يمكن توقعها“.4M. Rother, “Toyota Kata: Managing People for Improvement, Adaptiveness, and Superior Results” (New York: McGraw Hill, 2010), 16. وتتضمَّن الممارسات المتعلقة بالعملية مثل ”اسأل لماذا خمس مرات“، وبطاقة كانبان Kanban التي ترافق المكونات المرسلة على طول خط الإنتاج، ويوكوتين Yokoten (مشاركة أفضل الممارسات)، وجيدوكا Jidoka (الأتمتة)، وميروكا Mieruka (التصور)، وعملية الإبلاغ إيه 3 A3 (سُمِّيت على اسم حجم الورق). وتشمل أيضاً الممارسات المتعلقة بالسلوك مثل أواسيس OASiS، وهو اختصار لقول أوهايو Ohayo (صباح الخير)، وأريغاتو Arigato (شكراً لك)، وشيتسوري-شيماشيتا Shitsurei-shimashita (عفواً)، وسوميامسن Sumimasen (عفواً؛ أنا آسف) على أرضية الورشة. هذه الممارسات تضمن إجراء الأمور بالطريقة الصحيحة في أي شركة تتبع رصد عدد المعاملات في كل دقيقة Transactions Per Second (اختصاراً: TPS).

وبالمثل، وكما تعلمنا على مدى عقود من المؤسسات التي ندرسها، يمكن للشركات اعتماد ست ممارسات يومية للارتقاء بالاستراتيجية إلى أسلوب حياة:

1. التعامل مع التعقيد.

2. التكيف مع التغيير.

3. احتضان الازدواجية الديناميكية.

4. التعاطف مع الجميع.

5. إخبار القصص.

6. العيش مع الطبيعة.

وتساعد هذه المجموعة من الممارسات المؤسساتِ على التواصل مع هدف بناء حياة ومستقبل أفضل للأطراف المعنية في الشركة وغيرهم من أفراد المجتمع. قد تكونون على دراية بكل واحدة، لكن العامل الرئيس يكمن في فعل هذه الأشياء كلها كعادة، وبنحو أفضل قليلاً كل يوم؛ بهذه الطريقة سيصبح تأثيرها أكبر من مجموع أجزائها. وسنناقش كل واحدة على حدة، ونصف كيف أن كل ممارسة تغرس الاستراتيجية بالروح، ومن ثم تساعد الشركات على تحديد أهداف الأعمال التي تدعم المصلحة العامة والسعي إلى تحقيقها.

التعامل مع التعقيد. إن التعقيد المتزايد لعالمنا وأنظمته المترابطة العديدة معترفٌ به على نطاق واسع. ولحل مشكلاتنا الأكثر إلحاحاً يجب علينا الاستفادة من وجهات نظر ومصادر الخبرة المتنوعة في مجالات متعددة- لن يقدم أي نهج أو مجال دراسي واحد الإجابات. وبالمثل يجب أن نجعل قدراتنا المتنوعة كلها تتحمل ما يلي: القدرة على مراقبة مشكلة معقدة والاستفادة من التفكير التحليلي والبديهي لمعالجتها أمر بالغ الأهمية للمؤسسات.

تمثل الطائرة مثال التعقيد على مستوى المنتجات. خذوا طائرة هوندا جت HondaJet، التي تتكون من نحو 200,000 قطعة. استغرق الأمر أكثر من تسع سنوات و200 مليون صفحة من الوثائق لشركة هوندا للطائرات Honda Aircraft، ومقرها ولاية كارولينا الشمالية، للحصول على اعتماد إدارة الطيران الفدرالية الأمريكية Federal Aviation Administration لهذه الطائرة.

ومع ذلك كان الابتكار المتقدم الذي أطلق نجاح الشركة هو فكرةً بسيطة خطرت لمصمم الطائرات ميتشيماسا فوجينو Michimasa Fujino ذات ليلة في العام 1997 وهو يرقد في الظلام: لماذا لا نضع المحرك على الجناح؟ قفز من السرير، وأضاء الأضواء، ورسم تقريباً فكرته على الجزء الخلفي من صفحة التقويم لأنه لم يعثر على ورقة أخرى قريبة في متناول اليد.

وعندما عرض رسمه على أعضاء فريق التطوير في صباح اليوم التالي، ضحك منه الجميع. فهؤلاء الخبراء في الطيران ”عرفوا“ أن تركيب المحركات على رأس الأجنحة كان من المحرمات: سيقتل الديناميكا الهوائية للطائرة. ومن دون رادع تعمق فوجينو في المشكلة المعقدة وعمل ببطء لكن بثبات لإثبات أن مفهوم المحرك فوق الجناح من شأنه أن يقلل الصد الهوائي Drag. وكان العثور على المكان الدقيق لتركيب المحركات على الأجنحة عملية حساسة؛ فتحريك المحركات أربعة إنشات بعيداً عن الموقع المناسب، في أي اتجاه، سيجعل الطائرة لا تطير. واكتشف فوجينو أخيراً أين يضعها عندما اختبر نموذجاً كبيراً في منشأة نفق الرياح Wind tunnel لدى بوينغ Boeing. وكان قد قلب الحكمة التقليدية في حين تعامل مع مستوى عالٍ جداً من التعقيد.

وأجرت هوندا جت رحلتها الأولى في العام 2003 في الولايات المتحدة، وحصدت مراجعات حماسية. ومع ذلك كان فوجينو منهكا بسبب سعيه المستمر منذ عقود إلى إنشاء طائرة نفاثة صغيرة تغير الصناعة: كان يعمل على التحدي منذ العام 1986، عندما عينته هوندا أول مرة في فريق البحث والتطوير الذي يعمل على تطوير طائرة تجريبية. وقال لنا إنه عندما أخذ إجازةً ثلاثةَ أسابيع مع أسرته في جزر البهاماس بعد الرحلة التجريبية، فكر في ترك الشركة. ولحسن الحظ قال له مسؤول تنفيذي أمريكي يقيم في الفندق نفسه كيف تبدو الطائرة النفاثة رائعة، ووعد بشراء واحدة. ووفق فوجينو، عندئذ فهم ما كان رؤساؤه في طوكيو يقولونه له دائماً: إنه يعمل للعميل، وليس للشركة. فروح الشركة تقع في مبدأ الأفراح الثلاثة Three Joys للمؤسس سواشيرو هوندا Soichiro Honda – فرحة الشراء، وفرحة البيع، وفرحة الإبداع.

وسمحت القدرة على التعامل مع التعقيد لفوجينو بالمثابرة بنجاح وإدخال ابتكار تحويلي Transformative innovation. لكن لمواصلة المضي قُدماً في الأجل البعيد، كان عليه أن يسترشد بروح المؤسسة. ومن خلال تذكُّر الأفراح الثلاثة وفكرة جعل الأمور أفضل للعميل، تذكر فوجينو أيضاً هدفه الأساسي. وعندما قررت هوندا أخيراً وضع هوندا جت في الإنتاج التجاري في 2006، عُيِّن فوجينو الرئيس والرئيس التنفيذي لمجموعة هوندا للطائرات الجديدة، ومضى ليصبح واحداً من المبتكرين الأكثر تلقياً للإشادة من أي وقت مضى في مجال أبحاث الطيران والتصميم.

التكيف مع التغيير. يتطلب معدل التغير السريع الذي يميز العالم الحديث– الموجه إلى حد كبير بالتقدم التكنولوجي المتسارع– من القادة والمؤسسات أن يتوقعوا الظروف الجديدة، ويتكيفوا معها بوتيرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية.

يمكن لقائد يبدأ بإنشاء هدف أعمق للمؤسسة– ويسترشد بهذا الغرض بدلاً من استراتيجية الهيمنة على السوق مثلاً– أن يرى بوضوح أكبر الاتجاهات الناشئة ويتكيف بنجاح معها.

وتُظهر نهضة مايكروسوفت تحت قيادة ناديلا كيف يمكن لقائدٍ يبدأ بإنشاء هدف أعمق للمؤسسة- ويسترشد بهذا الغرض بدلاً من استراتيجية الهيمنة على السوق مثلاً– أن يرى بوضوح أكبر الاتجاهات الناشئة والتغيرات الثقافية ويتكيف بنجاح معها. مثلاً فهم ناديلا أن عالم التكنولوجيا يتحول إلى الأنظمة الإيكولوجية للشركاء Ecosystems of partners المرتبطين بالأنظمة المفتوحة Open systems، وأن النهج الخاص الذي طالما فضلته مايكروسوفت لن يمنح ميزة بعد الآن. كذلك أدرك أن الشركة يجب أن تتجاوز استراتيجية متجذرة في محاولة الحفاظ على الماضي– أي هيمنة مايكروسوفت على سوق أجهزة الحاسوب الشخصية عبر نظام التشغيل ويندوز Windows. واعترف بأن أهم المجالات الناشئة في مجال التكنولوجيا هي السحابة والذكاء الاصطناعي، لذلك اضطلع باستثمارات كبيرة في كل منهما أبقت الشركة في الطليعة في هذه المجالات.5As of late May 2021, Microsoft’s market capitalization exceeded that of its two biggest rivals in cloud, Google and Amazon.

وينطوي التكيف على التواضع، واتسمت قيادة ناديلا بتواضع نادراً ما أظهره أسلافه. ونُقِل عنه قوله: ”من اليونان القديمة إلى وادي السيليكون الحديث، الشيء الوحيد الذي يعرقل النجاح المستمر والأهمية، والتأثير، هو الغطرسة“.6R. Waters, “Satya Nadella Brought Microsoft Back From the Brink of Irrelevance,” Los Angeles Times, Dec. 21, 2019, www.latimes.com. ويُظهر مثاله أن تكريس الاستراتيجية في الروح مرتبط بالمثال الأعلى للقيادة الخادمة Servant-leadership، حيث التركيز على المصلحة العامة بدلاً من الذات. وتحت قيادته حققت مايكروسوفت نجاحاً كبيراً في حين تخلصت أيضاً من سمعتها كمتنمر يستخدم تكتيكات مشكوكاً فيها للسيطرة. وعلى الصعيد الداخلي كان له الفضل في إصلاح الهياكل الإدارية البالية وإنشاء ثقافة أكثر تعاوناً، حيث كانت الثقافة تتشكل في السابق من خلال ممارسات إدارة الأداء التي غذت المنافسة بين الموظفين وقوَّضت التعاون. وأطلق هاكاثونات داخلية ساعدت في تحطيم الجيوب المنعزلة Silos الراسخة في أنحاء الأعمال كلها، وصار مزيد من الموظفين يعملون معاً.

وكان الغرض– الروح– في صميم قدرة ناديلا على قيادة المؤسسة عبر التغيير. وفي رسالة إلكترونية إلى الموظفين عندما تولى القيادة، كتب: ”يبدأ هذا بوضوح الهدف والشعور بالرسالة اللذين سيقوداننا إلى تخيل المستحيل وإنجازه. نحن في حاجة إلى إعطاء الأولوية للابتكار الذي يتمحور حول القيمة الأساسية لتمكين المستخدمين والمؤسسات من ’بذل مزيد من الجهد‘… أفضل عمل يحدث عندما تعرفون أنه ليس مجرد عمل، لكنه شيء من شأنه أن يُحسِّن حياة الآخرين. هذه هي الفرصة التي توجه كل واحد منا في هذه الشركة“.7S. Nadella, “Satya Nadella Email to Employees on First Day as CEO,” Microsoft, Feb. 4, 2014, https://news.microsoft.com.

احتضان الازدواجية الديناميكية. في الغرب أدى تقليد فكري للتفكير المزدوج Dualistic thinking (التمييز الحاد بين العقل والجسم، والنفس وغيرها، والإنسانية والطبيعة) إلى تقسيم مديري الأعمال المعرفةَ بدقة إلى فئتين: المعرفة الصريحة Explicit knowledge، التي يمكن التعبير عنها ومشاركتها بسهولة، والمعرفة الضمنية Tacit knowledge، التي هي أكثر بديهية ومكتسبة من الخبرة الحية. وكثيراً ما يقدرون الأولى أكثر من الثانية. وعلى النقيض من ذلك، شدد التقليد الفكري في اليابان على وَحدة الجسد والعقل، والنفس وغيرها، والإنسانية والطبيعة. ودفع هذا التقليد المسؤولين التنفيذيين اليابانيين إلى النظر إلى المعرفة الصريحة والضمنية على أنها متكاملة بنحو متبادل، مع التركيز بقدر أكبر على هذه الأخيرة. وتشكل المعرفة الضمنية والصريحة ازدواجية ديناميكية تتفاعل بعضها مع بعض وتتداخل بعضها مع بعض لإنشاء شيء جديد من خلال تجارب الحياة.

وبعد دراسة استمرت ست سنوات لتويوتا، خلصنا إلى أن الشركة تحتضن بنشاطٍ التناقضَ والأضداد والمفارقات وترعاها، ما يجعل الازدواجية الديناميكية جزءاً لا يتجزأ من ثقافتها. وفي العام 2008 كتبنا، نحن الثلاثة، من جامعة هيتوتسوباشي Hitotsubashi University في طوكيو كتاباً ركز على كيفية تعزيز تويوتا لثقافة الازدواجية الديناميكية، ما يجعلها طريقة للحياة.8E. Osono, N. Shimizu, and H. Takeuchi, “Extreme Toyota: Radical Contradictions That Drive Success at the World’s Best Manufacturer” (Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, 2008). وحددنا ست سمات:

● تويوتا تتحرك ببطء شيئاً فشيئاً، لكنها تقفز قفزات كبيرة كل حين.

● هي مقتصدة على أساس يومي، لكنها مسرفة في العوامل الرئيسة.

● وهي كفُؤة في العمليات اليومية لكنها مسهبة في استخدامها لوقت الموظفين.

● هي تنمو بالتأكيد وباطراد، لكنها تعاني جنون الارتياب باستمرار.

● هي هرمية، لكنها تمنح الموظفين حرية المقاومة.

● هي تبسِّط الرسائل الداخلية، لكنها تبني شبكة تمثيلية معقدة من العلاقات الإنسانية لتبادل المعرفة في أنحاء المؤسسة كلها.

ويرى الرئيس التنفيذي الحالي، أكيو تويودا Akio Toyoda، نفسَه في مركز هذه الشبكة التناظرية Analog web، ويطلق على نفسه اسم أوياجي Oyaji (الرجل العجوز) في مؤسسة صغيرة إلى متوسطة Small- to medium-sized enterprise (SME).، وفي مقابلة أجريت معه في العام 2016، قال عن نفسه: ”أوياجي في الشركات الصغيرة والمتوسطة… يرى مباشرة في وجوه الموظفين، ويشعر درجات حرارة الجسم، ويقترب من التعاطف معهم. لا أريد أن أقول إنني لا أستطيع أن أفعل هذه الأشياء لأنني أدير شركة كبيرة“.9“Shadowing Akio Toyoda: 72 Hours in Germany,” President, Aug. 1, 2016, 109 (in Japanese). هذه هي الازدواجية التي يجسدها. وكما يوضح تفاعلنا مع أكيو تويودا والشركة التي تحمل اسمه، تواصل تويوتا السعي إلى تحقيق ازدواجية ديناميكية- المثالية والواقع، والتناظرية والرقمية، وعدم القدرة على التوقع والاستقرار– كطريقة للحياة.

لقد اعتمد بقاء الإنسان دائماً على قدرتنا على التنظيم في مجموعات داعمة للغذاء والحماية، ولهذا السبب فإن الصلة الاجتماعية هي أولويتنا القصوى. وفي جذور التواصل مع الآخرين يقبع التعاطف معهم.

التعاطف مع الجميع. لقد اعتمد بقاء الإنسان دائماً على قدرتنا على التنظيم في مجموعات داعمة في نحو متبادل للغذاء والحماية، ولهذا السبب فإن الصلة الاجتماعية هي أولويتنا القصوى. وفي جذور التواصل مع الآخرين يقبع التعاطف معهم. وفي مواجهة الأزمات حالياً، ينبغي لقادة السياسة والأعمال أن يتحدوا، باستخدام هذه السِمة الفريدة التي لدينا نحن البشر. ولكي نتعاطف على مستوى عميق، نحتاج إلى تطوير فهم عميق ووجهات نظر الآخرين ورعاية التعاطف في قلوبنا.

هذا بالضبط ما تضطلع به إيساي Eisai، وهي شركة أدوية يابانية رائدة، مع موظفيها في اليابان والخارج الذين يبلغ عددهم 10,000 موظف. يقضي كل موظف بضعة أيام في السنة مع المرضى في منشآت الرعاية الصحية، ويتعلم عن أمراضهم المحددة ويطور التعاطف مع ما يشعرون به في أعماقهم. وأوضح هارو نايتو Haruo Naito، الذي كان الرئيس التنفيذي منذ العام 1988: ”نتعرف على شعور المرضى من خلال قضاء بعض الوقت معهم، الأمر الذي يدفعنا جميعاً في نهاية المطاف إلى البكاء. ويأتي دافعنا من رغبتنا في الاضطلاع بشيء ما بشـأن الاحتيـاجات الحقيقيـة التي أدركناها آنذاك وهناك“.10Based on an interview with Naito in 2005, when Nonaka started to serve on the Eisai board.

ستكون قدرة البشر هذه على إدراك مشاعر الآخرين وحساسياتهم، والتعاون وبناء العلاقات، لا تقدر بثمن في عالم رقمي مؤتمَت جداً. وستجعل الشركات المفعمة بالروح التي تقود الطريق من مساعدة الموظفين والعملاء وغيرهم جزءاً من غرضها تطويرَ فهم أعمق واحترام بعضهم بعضاً في مستقبل حيث قد يجرِّدنا سيل من التكنولوجيا من إنسانيتنا.

إخبار القصص. يدرك قادة الأعمال الفاعلون قوة استخدام القصص لإيصال جوهر معتقداتهم ومُثلهم العليا ومساعدة المؤسسة على استيعاب الاستراتيجية.

أنشأ رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لفوجي فيلم Fujifilm، شيغيتاكا كوموري Shigetaka Komori، روايتين توجيهيتين حول الشركة.11Based on interviews with Komori on multiple occasions, from 2012 to 2019, in Tokyo. أولاً، لمساعدة الموظفين على تصور مستقبل مختلف للشركة في وقت كانت فيه السوق تنتقل من فيلم التصوير الفوتوغرافي إلى التكنولوجيا الرقمية، اختار كوموري إعادة تفسير اقتباس شهير من الفيلسوف الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيغل Georg Wilhelm Friedrich Hegel: ”بومة مينيرفا تنشر جناحيها فقط مع حلول الغسق“ أصبح ”بومة مينيرفا تنشر جناحيها مع بداية عصر جديد“. يصور الاقتباس الأصلي المعرفة (التي ترمز إليها البومة) على أنها الإدراك المتأخر، وتصل فقط عندما ينتهي اليوم. وفي إعادة التفسير، نرى كيف يمكن للمعرفة أن تجلبنا إلى المستقبل. لقد خلطت رواية كوموري الاستراتيجية بين فوجي فيلم وبومة مينيرفا التي تطير في بداية العصر الجديد للرقمنة.

ثانياً، استخدم كوموري القصص لتشجيع موظفيه جميعاً على استخدام ذكائهم الخاص بـ”الجسم كله“– ليس فقط حواسهم الخمس، لكن أيضاً الحدس الذي ينبع من تجربة جسدية حية. وروى هذه القصة ليثبت وجهة نظره: ”إذا علقتم في النار، إلى أي اتجاه وبأي سرعة يجب أن تركضوا للهروب من النيران؟ الفارق بين الناس الذين يهربون إلى بر الأمان وأولئك الذين لا يفعلون يستند إلى الذكاء. إنه اختلاف في الغريزة والحدس“.12S. Komori, “Innovating Out of Crisis: How Fujifilm Survived (and Thrived) as Its Core Business Was Vanishing” (Berkeley, California: Stone Bridge Press, 2015), 134-135. The parentheses were added and the paragraphs shortened by the authors.

والواقع أن فوجي فيلم نجت من ”الحريق“ الذي دمر شركات تناظرية أخرى. في العام 2018 حققت أعلى إيرادات لها في تاريخها المستمر منذ 87 سنة. فقد حولت نفسها من شركة أفلام فوتوغرافية إلى شركة تعمل في ست شركات أساسية: الرعاية الصحية، وأنظمة الغرافيك، والمواد العالية الوظائف، والأجهزة البصرية، والتصوير الرقمي، والتوثيق. ووفق كوموري حققت فوجي فيلم هذا النجاح التجاري من خلال استخراج المعرفة التجريبية لموظفيها جميعاً (ما يسميه ”ذكاء العضلات“) وشحذ قدراتهم البشرية كلها (باستخدام ما يسميه ”نظرية الجسم كله للأعمال“). وحذَّر قائلاً: ”إذا كان هناك عنصر واحد مفقود، فسيُخفَّض المجموع، ولن تتبع ذلك نتائج، وستترتب على ذلك هزيمة. ففي نهاية الأمر، من خلال قدراتهم كأناسيَّ بكاملهم، يستطيع كبار القادة إشراك كل موظف على حدة وقيادة الشركة ككل“.13Komori, “Innovating Out of Crisis,” 157.

اتخذ التقليد الياباني المتمثل في ”وَحدة الإنسانية والطبيعة“– الموجود أيضاً في كثير من ثقافات الشعوب الأصلية– أهمية جديدة في الوقت الذي تسعى فيه البشرية إلى إصلاح الضرر الذي يلحق ببيئتنا الطبيعية بسبب التصنيع.

العيش مع الطبيعة. تسبق الأنظمة المعقدة في الطبيعة– مثل مناخ الأرض– هومو سابينس (الإنسان العاقل) بأكثر من 3 بلايين سنة، ونحن البشر نعيش معها منذ ظهور نوعنا البشري أول مرة. يعيد كهنة الشنتو في ضريح إيز غراند بناءَ الضريح كل 20 سنة على مدى السنوات الـ1,300 الماضية، وهو عمل تجديد يكرِّم الجودة الدورية للطبيعة. والشنتو (الذي ينظر إليه معظم اليابانيين ليس كدين متميز بل كـ”طريقة“، أو ممارسة) يعلم أن الآلهة (Kami كامي) تسكن في الأشياء كلها في الطبيعة. واتخذ التقليد الياباني المتمثل في ”وحدة الإنسانية والطبيعة“– الذي تمارسه أيضاً ثقافات كثيرة للشعوب الأصلية في أنحاء العالم كله– أهمية جديدة في الوقت الذي تسعى فيه البشرية إلى إصلاح الضرر الذي يلحق ببيئتنا الطبيعية بسبب التصنيع.

هذا المفهوم هو أيضاً بمنزلة أساس لدورة يضطلع أحدنا (تاكيوتشي Takeuchi) بتدريسها منذ العام 2012. وشملت الدورة زيارة لمنطقة توهوكو في اليابان، التي تعرضت لزلزال وتسونامي في العام 2011، والحادث النووي اللاحق في محطة فوكوشيما لتوليد الكهرباء الذي سبب تلوُّثاً إشعاعياً للهواء والأرض والمياه. وتحدث طلاب المدارس الثانوية المحليون الذين عانوا الكارثةَ الثلاثية، وبعضهم فقد أحباء له، مع طلابنا حول معنى السعادة والدور الذي يؤديه البشر في العيش في وئام مع الطبيعة والحفاظ عليها.

وزار طلابنا مزارع المحار في توهوكو للتعرف على التكافل Symbiosis، وهي كلمة مشتقة من اليونانية لـ”العيش معاً“ . وفي مدينة كيسينوما الساحلية في محافظة مياجي، اعتُرِف بالتكافل بين الغابة والبحر– واستُعِيد– من خلال مبادرة أحد صيادي الأسماك الذي يدير مزرعة للمحار. ولاحظ شيجياكي هاتاكياما Shigeaki Hatakeyama أن المحار تحول إلى اللون الأحمر بسبب تفشي المد الأحمر Red tide في منتصف ستينات القرن العشرين. وعندما أدرك أن المد كان بسبب مياه النهر الملوثة المتدفقة إلى الخليج، أقنع زملاءه الصيادين بالبدء في زراعة الأشجار في الغابة لحماية حوض النهر والحفاظ عليه. وكان الدافع وراء ذلك هو تعاليم الشيوخ Elders بأن المواد الغذائية الأساسية للبحر تحملها الأنهار من الغابة.

وأنشأ هاتاكياما منظمة غير ربحية للاضطلاع بهذا العمل. اسمها، المترجَم تقريباً، يعني ”الغابة محبة للبحر“. والاسم ينقل الغرض منه، لكن الشعار يجعل العلاقة التكافلية واضحة وضوح الشمس: ”الغابة تتوق إلى البحر. البحر يتوق إلى الغابة“. وبعبارة أخرى، يقول الناس في البحر: ”نحن في حاجة إلى الغابة للتأكد من أن المحار يعيش“، والناس على اليابسة يقولون: ”حن في حاجة إلى المحار للتأكد من استمرار إعادة التحريج جيلاً بعد جيل“.

عندما ضرب الزلزال والتسونامي كيسينوما في العام 2011، فقد هاتاكياما والدته وقواربه. وجاء عزاؤه الوحيد عندما وجد في وقت لاحق أن هناك ما يكفي من البلانكتون (العوالق) Plankton السليم في الخليج لإطعام المحار، وهذا ما أبقاه ومنظمته مستمرين. فعندما نقدِّر العيش مع الطبيعة، نهتم بالبيئة– ومن ثم نحافظ على سبل عيشنا.

البقاء في المستقبل

يجب أن تصبح هذه الممارسات الست طريقة حياة للشركات للبقاء في هذا اليوم وهذا العصر من ”العناصر المجهولة“. ويجب أن تصبح أيضاً طريقة عمل في حياة أي خبير استراتيجي يسعى إلى مواجهة التحديات غير المسبوقة التي تواجه الأعمال والبشرية. لقد علمتنا مراقبة القادة الذين يضطلعون بهذه الأمور استمرار الدروس التالية حول الاستراتيجية.

أولاً، يجب أن يكون موجه الاستراتيجية هو البشر. فالاستراتيجية أساسية مثل التفكير في الأفكار الجيدة، وفعل الشيء الصحيح، وممارسة التأمل الذاتي والانضباط الذاتي في الحياة اليومية. وتمثل الممارسات الست التي ناقشناها فلسفتَنا في ممارسة الأعمال– ما نسميه الروح. يريد عملاؤنا وموظفونا وموردونا ومجتمعاتنا المحلية ومساهمونا معرفة ما إذا كانت لدينا روح، إذا أردنا بناء الثقة المتبادلة والتواصل.

ثانيا، الاستراتيجية توجهها بالحكمة. حكمة الأم (ما علمنا إياه الشيوخ) والحكمة العملية (ما علمتنا إياه التجربة الحية) تمكناننا من فهم جوهر المسألة بنحو حدسي، وفي الوقت نفسه، التعامل مع العالم السريع التغير. ويجب على الشركات أن تتغير باستمرار من أجل البقاء، لذلك يجب أن تركز على أن تصبح أفضل قليلاً كل يوم بدلاً من التركيز على وضع خطة دقيقة. والحكمة العملية تمكن المديرين من إصدار أحكام بشأن كيفية التصرف في أوقات معينة، وفي ظل ظروف محددة، واتخاذ أفضل الإجراءات في كل منعطف.

ثالثاً، تتعلق الاستراتيجية بصنع المستقبل. المستقبل ضبابي ولا يمكن توقعه، ولهذا السبب يحتاج القادة إلى سرد قصص عن وجهة توجههم– فهو يسمح للآخرين في المؤسسة بالمتابعة. وتوضح الروايات مجموعة من المعتقدات حول ما تمثله الشركة ونوع الإرث الذي تريد أن تتركه وراءها للأجيال المقبلة. هذه القصص تربط المؤسسة معاً وتساعد على أن تصبح الاستراتيجية طريقة حياة للموظفين جميعاً.

وأخيرا وليس آخراً، تنحو الاستراتيجية إلى اتخاذ الخيارات. إنها تتعلق باختيار المستقبل الذي نريد أن نصنعه، ويجب أن يمتد هذا المستقبل إلى ما هو أبعد من المصالح الضيقة للشركة. وعندئذ فقط ستبدأ الشركات في التفكير في نفسها ككيانات اجتماعية كُلفت بهدف إنشاء منافع دائمة للمجتمع وتحسين حالة الإنسان. لن تبقى أي شركة في الأجل البعيد إذا لم تبدأ بهدف أخلاقي وينتهِ بها المطاف إلى تقديم قيمة للعملاء، والمساهمة في المجتمع، والعيش في وئام مع الطبيعة، وإنشاء مستقبل أفضل– كل يوم، كطريقة للحياة.

إيكوجيرو نوناكا Ikujiro Nonaka

إيكوجيرو نوناكا Ikujiro Nonaka

أستاذ فخري في جامعة هيتوتسوباشي Hitotsubashi University.

هيروتاكا تاكيوتشي Hirotaka Takeuchi

هيروتاكا تاكيوتشي Hirotaka Takeuchi

أستاذ الممارسة الإدارية في مدرسة هارفارد للأعمال Harvard Business School. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63112.

المراجع

المراجع
1 M. Lieberman, “Social: Why Our Brains Are Wired to Connect” (New York: Crown, 2013), 43.
2 For more on recent findings in neuroscience, see I. Nonaka and H. Takeuchi, “The Foundations of Knowledge Practice,” chap. 2 in “The Wise Company: How Companies Create Continuous Innovation” (New York: Oxford University Press, 2019); and I. Nonaka and H. Takeuchi, “Humanizing Strategy,” Long Range Planning 54, no. 4 (August 2021).
3 C. Koch, “Consciousness: Confessions of a Romantic Reductionist” (Cambridge, Massachusetts: MIT Press, 2012), 129-130.
4 M. Rother, “Toyota Kata: Managing People for Improvement, Adaptiveness, and Superior Results” (New York: McGraw Hill, 2010), 16.
5 As of late May 2021, Microsoft’s market capitalization exceeded that of its two biggest rivals in cloud, Google and Amazon.
6 R. Waters, “Satya Nadella Brought Microsoft Back From the Brink of Irrelevance,” Los Angeles Times, Dec. 21, 2019, www.latimes.com.
7 S. Nadella, “Satya Nadella Email to Employees on First Day as CEO,” Microsoft, Feb. 4, 2014, https://news.microsoft.com.
8 E. Osono, N. Shimizu, and H. Takeuchi, “Extreme Toyota: Radical Contradictions That Drive Success at the World’s Best Manufacturer” (Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, 2008).
9 “Shadowing Akio Toyoda: 72 Hours in Germany,” President, Aug. 1, 2016, 109 (in Japanese).
10 Based on an interview with Naito in 2005, when Nonaka started to serve on the Eisai board.
11 Based on interviews with Komori on multiple occasions, from 2012 to 2019, in Tokyo.
12 S. Komori, “Innovating Out of Crisis: How Fujifilm Survived (and Thrived) as Its Core Business Was Vanishing” (Berkeley, California: Stone Bridge Press, 2015), 134-135. The parentheses were added and the paragraphs shortened by the authors.
13 Komori, “Innovating Out of Crisis,” 157.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى