أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
إعادة هيكلةاتخاذ القراربحث

ميزة الدخلاء

نجاح المديرين المعيَّنين في أدوار مؤقتة يُظهر أن الروابط الفضفاضة والمسافة الثقافية في بعض الأحيان يمكن أن تساعد القائد على أن يكون فاعلاً.

منذ عقود والباحثون يدرسون دور العلاقات في العمل الإداري. فالمديرون ليسوا مساهمين فرديين في نهاية الأمر. بل إنهم يقودون المشروعات، ويديرون وحدات الأعمال Business units، وينسقون النشاط– وباختصارٍ هم ينجزون الأمور من خلال الآخرين.

عندما شرح المُنظِّر الاجتماعي ماكس ويبر Max Weber كيف تعمل البيروقراطيات، كان المديرون يضطلعون بكل هذا إلى حد كبير من خلال الاعتماد على السلطة الرسمية على المرؤوسين.1See M. Weber, “Bureaucracy,” in “Max Weber: Economy and Society,” eds. G. Roth and C. Wittich (Berkeley, California: University of California Press, 1978). ومنذ ذلك الحين، وسَّعوا مجموعات أدواتهم لتشمل أشكالاً أخرى من النفوذ، مثل طلب رد الجميل Calling in favors، والاعتماد على القيم Values والتجارب Experiences المشتركة، وتقديم خدمات متبادلة (أو على الأقل التلميح ضمنياً بذلك).2Classic studies include H. Mintzberg, “The Nature of Managerial Work” (New York: Harper & Row, 1973); and R.M. Kanter, “Men and Women of the Corporation” (New York: Basic Books, 1977). For more recent studies, see L.A. Hill, “Becoming a Manager: Mastery of a New Identity” (Boston: Harvard Business School Press, 1992); H. Mintzberg, “Managing” (San Francisco: Berrett-Koehler Publishers, 2009); and P. Osterman, “The Truth About Middle Managers: Who They Are, How They Work, Why They Matter” (Boston: Harvard Business Review Press, 2008). ومثل ممارسات السلطة الاجتماعية هذه متجذرة في العلاقات التي يقيمها المديرون مع الآخرين في المؤسسة– رؤسائهم، ومرؤوسيهم المباشرين، وأقرانهم.3J.R.P. French and B. Raven, “The Bases of Social Power,” in “Studies in Social Power,” ed. D. Cartwright (Ann Arbor, Michigan: Institute for Social Research, 1959); and P.M. Blau, “Exchange and Power in Social Life” (New York: John Wiley & Sons, 1964).

هل يتطلب كونكم مديراً فاعلاً هذه العلاقات؟ يميل المراقبون الحديثون إلى افتراض أن الأمر كذلك– وأنه كلما كانت العلاقات التي يحافظ عليها المدير أوسع وأعمق، كان ذلك أفضل. لكن هل هذا صحيح حقاً؟ الأبحاث الحالية لا تقدم إلا رؤية محدودة، لأنها تركز بنحو رئيس على المديرين التقليديين– الموظفين الذين طوروا أو سيطورون علاقات داخل مؤسساتهم– وتستبعد الأشخاص الذين يضطلعون بالعمل نفسه من دون أن تكون لديهم تلك الصلات. لذلك اتخذنا نهجاً مختلفاً. نظرنا إلى ممارسة غير نمطية لكنها راسخة في أوروبا منذ زمن، وانتشرت الآن إلى الولايات المتحدة وأماكن أخرى: إعطاء متعاقدين مستقلين Independent contractors أدواراً إدارية مؤقتة داخل الشركات.4R. Feltham and D. Hughes, “Interim Managers: Distinguishing Personality Characteristics of Managers on Short-Term Contracts,” International Journal of Selection and Assessment 7, no. 4 (December 1999): 209-214. وفي حين أن هذا النوع من الترتيب ليس هو القاعدة، فإنه ليس نادراً أيضاً. وتشير بيانات الاستطلاع إلى أن ما يصل إلى 14% من المتعاقدين المستقلين في الولايات المتحدة يضطلعون بعمل يوصف بأنه إداري Managerial (على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كان بعض ذلك هو عملاً على مستوى المدير Manager-level work نُفِّذ من قِبل أدوار مساهمين أفراد Individual contributor roles).5T. Anderson and M.J. Bidwell, “Outside Insiders: Understanding the Role of Contracting in the Careers of Managerial Workers,” Organization Science 30, no. 5 (September 2019): 869-1123. ويعمل عدد من الشركات في مجال توظيف مديرين متعاقدين Contractor-managers، إذ أبلغ كل منهم عن عشرات الآلاف من التعيينات الوظيفية.6InterimExecs, Cerius Executives, and Globalise are examples of such companies.

البحث

أجرى المؤلفان مقابلات استكشافية مع مديرين معينين كمتعاقدين ومع مديرين-موظفين عملوا إلى جانبهم في شركات عميلة.

ثم أجريا استطلاعين، وجمعا بيانات من 673 متعاقدا في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.

وعمل ما يقرب من 95% من المستجيبين للاستطلاع كمديرين-متعاقدين أكثر من عام، وكان لـ 90% منهم خبرة لا تقل عن ثماني سنوات.

ولتوضيح ذلك ليس هؤلاء مستشارين يعملون كمستشارين عرَضيين Occasional advisers (وهو أمر شائع إلى حد معقول)، كما أنهم ليسوا أفراداً يُؤتَى بهم كمتعاقدين يصبحون موظفين في وقت لاحق، أو يبحثون عن وظيفة دائمة. هم متعاقدون حقيقيون، يعملون بموجب شروط اتفاقية محددة مسبقاً، مع نقطة نهاية محددة معروفة لموظفي عملائهم. وهم يضطلعون بمهامَّ إدارية أساسية حقيقية: الإشراف على الموظفين، وإدارة الموارد، وقيادة المبادرات لتحقيق النتائج المرجوة للأعمال.

ولأنهم غير ديبلوماسيين، ليس للمديرين المتعاقدين تاريخ مسبق في التعامل مع العملاء، وليس لديهم مستقبل في الشركة بعد نهاية عقدهم. ولهذه الأسباب قد لا تتوقع منهم أن ينجحوا في أدوارهم. لكننا نجد أن معظمهم، على الرغم من التحديات التي يواجهونها، ينجحون– بالاستفادة من مركزهم كدخلاء.

زودتنا أيه-كونكت a-Connect- واحدة من كبرى الشركات الوسيطة التي توظف الأفراد في أدوار كهذه- بإمكانية الوصول إلى بيانات مجموعة عالمية من المديرين المتعاقدين. وتكون المشاركة النموذجية لهؤلاء المتعاقدين كقائد برنامج Program lead أو مدير مشروع Project manager، وبمهامَّ تنطوي على تخطيط وتوجيه و/أو تنسيق أنشطة الآخرين لتنفيذ الاستراتيجية. مثلاً قد يضعون خطط تسويق وتواصل لمنتجات Marketing and communication plans جديدة وينفذونها، أو يؤسسون مسارات العمل Work streams بين الوحدات للتكامل بعد الاندماج Post-merger integration ويرصدونها Monitor، أو يطلقون عقاقير جديدة من خلال التجارب الإكلينيكية (السريرية) وعبر إجراءات الرقابة التنظيمية Regulatory process.

بعد إجراء مقابلات استكشافية واستطلاع مئات من المديرين المتعاقدين في مختلف الصناعات (بما في ذلك المستحضرات الصيدلانية والتمويل والأعمال الزراعية وتصنيع الأغذية)، وجدنا أن السبب الرئيس الذي دفعهم إلى الاستعانة بالتعاقد هو توفير نوع من الخبرة لم يكن متوافراً لدى العميل. والسبب الثاني الأكثر شيوعاً هو نقص القدرات في المدى القريب– أي إن المؤسسة العميلة لديها بعض التغطية في منطقة معينة، لكنها لا تمتلك ما يكفي منها لتلبية الاحتياجات الحالية. وفي هذه الحالات يحتاج العملاء إلى سد فجوة مؤقتة بين متطلبات الدور والقدرات الحالية، ولا يريدون إنشاء منصب دائم للاضطلاع بذلك.7Our survey instruments are available upon request.

هنا سنناقش التحديات التي يواجهها المديرون المتعاقدون كدخلاء مؤسسيِّين، والمزايا المدهشة إلى حد ما التي يتمتعون بها، وكيف يمكن للمؤسسات توسيع مفهومها لما يعنيه أن يكون المرء مديراً جيداً.

عيوب كونكم دخلاء

كما تتوقعون، لكونكم مديراً متعاقداً بعض التحديات الحقيقية. ظهرت أدلة على خمسة عيوب رئيسة من مقابلاتنا النوعية Qualitative interviews مع مديرين متعاقدين ومديرين-موظفين عملوا إلى جانبهم في مؤسسات عميلة. (انظر: مقايضات تعيين متعاقدين كمديرين)

أولاً، نظراً إلى افتقارهم إلى تاريخ مسبق في مؤسسة والتزامهم القريب المدى بها، ليس لدى المديرين المتعاقدين كثير من رأس المال الاجتماعي Social capital. (يشغل المديرون-الموظفون Employee-managers المعَينون من الخارج وضعاً مماثلاً في البداية، لكنهم سرعان ما يبدؤون في الحصول على رأس المال الاجتماعي الذي يمكنهم استخدامه في أثناء مسيرتهم. غيرَ أن المتعاقدين عموماً لا يبقَون فترة كافية لبناء كثير من ”المخزون“)، وأعرب المديرون-الموظفون الذين تحدثنا معهم عن تقديرهم للدور الذي أدته العلاقات الشخصية في إنجاز عملهم هم– ولاسيما عند طلب رد الجميل للوصول إلى الموارد أو الحصول على معلومات عن الحالة الأساسية– وأقروا بأن المتعاقدين يكونون في وضع غير مؤاتٍ في هذا الصدد. وتحدث العملاء عن الصعوبة التي يواجهها المديرون-المتعاقدون في التغلب على رد الفعل الذي واجهوه، وذلك لعدم وجود علاقات، لذا لم يتمكنوا من الاستفادة من تأثير الزملاء.

دور العلاقات
دور العلاقات

ويتعلق التحديان الثاني والثالث بالمعرفة الخاصة بالمؤسسات Organization-specific knowledge. فقد أعاق عدم فهم المعايير الثقافية– مثلاً، متى وكيف يكون من المقبول التعبير عن رأي في المؤسسة– المديرين-المتعاقدين. ونتيجة لذلك انتهكوا في بعض الأحيان القواعد غير المعلنة وفشلوا في التواصل مع الموظفين. كذلك يفتقر المديرون-المتعاقدون إلى معرفةٍ سياقية مهمةٍ أخرى. فعلى وجه الخصوص لا يعرفون دائماً من هم الذين يحتاجون إلى التأثير فيهم في حالة معينة، لأن واقع الأداء المؤسسي واتخاذ القرار كثيراً ما يكون ضعيفاً في هياكل التراتبية الرسمية Formal reporting structures.

وينبع التحدي الرابع من عدم الكون جزءاً من المؤسسة الرسمية Formal organization ومن الطابع المحدود زمنياً لارتباطاتهم. إذ كان لمعظم المديرين-المتعاقدين دورٌ صغير، هذا إذا كان لهم أي دور، في اتخاذ القرارات بشأن تقييمات الموظفين، والمكافآت، والتقدير، والتعويض. (نحو نصف المشاركين في الاستطلاع قالوا إنه كانت لديهم بعض المُدخلات Inputs، لكنها كانت محدودة). ولم يتوقع الموظفون أن يكون هؤلاء المديرون-المتعاقدون مؤثرين في التقييمات المستقبلية لأدائهم، ما يعني أنهم كانوا أقل احتمالاً للاضطلاع ببساطة بما يحتاج إليه المديرون-المتعاقدون لتجنب العواقب السلبية.

وأخيراً يعني وضع المديرين-المتعاقدين كونهم غير موظفين أيضا أنهم لا يستطيعون دائماً الوصول إلى الأنظمة والمعلومات نفسها التي يحصل عليها المديرون-الموظفون. وقد لا تكون لديهم إمكانية الوصول إلى أنظمة المعلومات على نطاق الشركة، مثلاً، أو القدرة على البحث في سجلات الشركات، ولاسيما في المؤسسات التي تخضع فيها الملكية الفكرية لحراسة مشددة.

ولكن تسلط هذه العيوب بالنسبة إلى المتعاقدين، كما اتضح من مقابلاتنا، الضوءَ أيضاً على فوائد الإدارة كموظف. وفي استطلاعاتنا أشار المستجيبون إلى بعض المقايضات نفسها. وعندما سُئلوا عما ساعدهم على النجاح في مهمتهم التعاقدية الأخيرة وفي أدوارهم السابقة كموظفين-مديرين، قالوا إن العلاقات القوية مع أقرانهم ومع المرؤوسين، والمعرفة بالأداء المؤسسي، مهمة في عملهم كموظفين لكنها لا تساهم في نجاحهم كمديرين-متعاقدين. (انظر: عندما تكون الخبرة أكثر أهمية من العلاقات).

النفوذ غير المتوقع

في ضوء التحديات التي يواجهونها كيف يضطلع المديرون-المتعاقدون بعملهم بفاعلية؟ في كل من استطلاعاتنا وفي المقابلات أفادوا بأنهم يعتمدون على تجاربهم الشخصية ومصداقيتهم– التي عززتها تجاربهم بالعمل في أماكن أخرى– إلى حد أكبر بكثير مما كانت عليه الحال في الأدوار السابقة كمديرين-موظفين.8In our second survey, we made use of an adapted scale to measure the French and Raven bases of social power, drawing on the following work: T.R. Hinkin and C.A. Schriesheim, “Development and Application of New Scales to Measure the French and Raven (1959) Bases of Social Power,” Journal of Applied Psychology 74, no. 4 (August 1989): 561-567. وكان العامل التالي الأكثر أهمية، وربما الأكثر إثارة للاهتمام، هو قدرتهم على التواصل مع الموظفين وتوليد الثقة بفضل الموضوعية والاستقلالية التي تأتي من عدم العمل كموظف. لذلك، وكما سنشرح أدناه، يمكن في الواقع استخدام بعض القيود الواضحة لكون المرء دخيلاً لتوليد الفرص.

التجربة والخبرة الخارجيتان Outside experience and expertise. بينما يفتقر المديرون-المتعاقدون الذين درسناهم إلى التجربة الخاصة بالمؤسسات، فإنهم عادة ما يتمتعون بخبرة أكبر وتجربة خارجية أحدث حتى من كبار الموظفين في الشركات العميلة. ووجود شيء لا يمتلكه الآخرون في المؤسسة يعطي المتعاقدين مصدراً مهماً للقوة الاجتماعية والشرعية. ففي نهاية الأمر، كثيراً ما أشار العملاء الذين تحدثنا إليهم إلى الثغرات الداخلية في المهارات أو الخبرة كسبب رئيس لجلب الدخلاء للاضطلاع بأعمال إدارية.

ومع ذلك لم تقبل على الفور خبرة المدير-المتعاقد وقيمتها. فبسبب افتقارهم إلى تاريخ داخل الشركة، كان المتعاقدون- عند بدء أي مهمة- في حاجة إلى إثبات أنهم يعرفون أشياءهم بسرعة. وأشار أحدهم إلى أن العملاء يريدون الإتيان بمدير ذي ملف شخصي Profile قوي، لكن ”في اللحظة التي تكونون فيها هناك ويُوقَّع العقد… لا يريدونكم أن تبادروا فقط“. وقال: قبل أن يثقوا بكم حقاً، عليكم تقديم ”تصورات أو مواد أو تمكينهم من الوصول إلى أبحاث… لم تكن متوافرة للشركة من قبل“، والاضطلاع بذلك بتواضع واحترام.

دور العلاقات
دور العلاقات

كذلك أشار العملاء إلى التوتر الناجم من محاولة الموازنة بين إظهار الخبرة القيمة بسرعة وإظهار التواضع، إذ سلطوا الضوء على ضرورة احترام المتعاقدين للخبرات الداخلية في أثناء سعيهم إلى إثبات خبرتهم الخاصة. مثلاً قال أحد العملاء: ”إنهم في حاجة أيضاً إلى فهم ‘أين جيوب الخبرة الداخلية التي يمكنني الاستفادة منها؟’. وكلما زاد بحث هؤلاء الأشخاص عن ذلك، وزادت مشاركتهم بفاعلية في القدرات الداخلية، زاد قبولهم في الشركة“. واقترح أحد العملاء إظهار التواضع والاحترام كوسيلة يمكن بها للمتعاقدين أنفسهم كسب الاحترام في غياب سمعة قائمة.

كذلك استخدم المديرون-المتعاقدون مناصبهم كخبراء خارجيين لتوليد فرص للموظفين للتطور والتألق– مثلاً من خلال إشراكهم في مشروعات يديرونها، وتوجيههم في أثناء تقديمهم لمساهماتهم، والسماح لهم بأخذ زمام المبادرة في تقديم العروض التقديمية التي تستعرض نجاحات المشروع أمام كبار المسؤولين التنفيذيين. وكما قال لنا أحد المديرين-المتعاقدين: ”نحن في الأساس هناك لدعمهم وجعلهم يَبدون في مظهر جيد. نحن لسنا هناك لنجعل أنفسنا نبدو في مظهر جيد… أحاول التأكيد على ذلك عندما أعمل معهم“.

وكان أحد العملاء يدرك على الخصوص إمكانات التوجيه والرعاية: ”هؤلاء هم الأفراد الذين يجلبون معهم موجة من الخبرة. وهناك رغبة كبيرة، على ما أعتقد، [لدى الموظفين]… في التعلم وتبني تفكير جديد. لقد رأيت بعض العلاقات الرائعة تتطور بين الاستشاريين والموظفين“.

وهذه العلاقات مفيدة للطرفين بطبيعة الحال. وفي حين أنها أعطت الموظفين فرصاً للنمو، فإنها أنشأت أيضا سبلاً للمدير-المتعاقد لإشراك الموظفين وتأمين تأييدهم والتزامهم.

التحرر النسبي من قيود التنافس والقيود المؤسسية Relative freedom from organizational politics and constraints. كذلك استخدم المتعاقدون الذين تحدثنا معهم الطبيعة المحدودة زمنياً لارتباطاتهم لكسب احترام الموظفين وإنشاء روابط. ولأنهم قد يعملون بنحو غير مقيد نسبياً بالمعايير المؤسسية والتنافس ولا ينشغلون كثيراً بالسمعة، يميل الآخرون إلى النظر إليهم باعتبارهم مباشرين وغير متنافسين وموضوعيين. كذلك أعطت هذه الحرية نفسُها المتعاقدين بعضَ الحرية (بعد أن أثبتوا أنفسهم في وقت مبكر) لارتكاب الأخطاء وطلب الصفح. وقد يكون من الصعب على الموظفين أن يكونوا بهذه البساطة، لأنهم يدركون أن أي شيء يقولونه أو يفعلونه قد يؤثر في مستقبلهم في المؤسسة. وكما قال لنا أحد المتعاقدين: ”[كموظف]، تعتقدون بما يلي: ’ما الأفضل بالنسبة إليَّ: لجعل مسيرتي المهنية تسير على ما يرام، جعلني أبدو جيداً في عملي، أو جعل قسمي يبدو جيداً؟‘، أو ’كيف يمكنني الحصول على ترقيتي؟‘ هي في الواقع أجندة مختلفة تماماً“.

إن القدرة على التحدث بصراحة، من دون الاهتمام ببناء مستقبل في الشركة العميلة، ساعدت المتعاقدين على كسب الاحترام، الذي يمكنهم بعد ذلك الاعتماد عليه للعمل بنحو بنَّاء مع الآخرين. ميزة الدخلاء تسلط الضوء على حقيقة مشتركة في المؤسسات: في الأغلب يكون لدى الموظفين حافز لإرضاء القيادة الحالية بدلاً من الاهتمام بالمصالح البعيدة المدى للمؤسسة.

كذلك تحدث بعض المتعاقدين عن الكيفية التي يمكن بها لترتيب عمل محدود زمنياً أن يسهِّل الروابط الشخصية، لأن العاملين يشعرون بأنهم يمكن أن يكونوا أقل خضوعاً للحراسة مع دخيل ليست له مصلحة في الوضع الحاضر، وليسوا أعضاء في شبكة اجتماعية في الشركة يمكن من خلالها الكشف عن المحادثات الحساسة. وبعبارة أخرى: يمكن الوثوق بالدخيل.

قد تتخيلون أن تدخل الراعي المؤسسي للمدير-المتعاقد للمساعدة لإزالة الحواجز المؤسسية سيكون مفيداً، لكن المديرين-المتعاقدين أفادوا بأن الاضطلاع بذلك يقوض مصادر سلطتهم الأخرى، ولاسيما استقلالهم.

إمكانات جديدة للمؤسسات

إن رؤية متعاقدين يعالجون وظائف أساسية لإدارة الأشخاص والموارد لتنفيذ الاستراتيجية أمر جديد بالنسبة إلى كثيرين منا. وهي توسع مفهومنا لماهية الإدارة– وما يلزم لكي تكون فاعلة.

لا يمتلك المتعاقدون العلاقات التي يميل الناس إلى افتراض أنها ضرورية للإدارة الجيدة. ومع ذلك، وكما أظهرنا، يمكن أن يمنح استقلالهم المصداقية والموضوعية والصراحة التي قد تكون مفقودة بين أولئك الذين هم داخل الهيكل الرسمي. ويمكن أن يساعدهم بُعدهم عن التنافس المؤسسي على بناء الثقة، ما يجعل الآخرين أكثر تقبلاً لتعليماتهم ودعمهم ونصائحهم– وأكثر استعداداً لمشاركة أفكارهم الخاصة. وبعد تطوير مجموعة واسعة من المعرفة والخبرة من خلال مختلف التعاقدات قصيرة المدى، يمكن المديرين-المتعاقدين أيضاً الحصولُ على الاحترام في مؤسسة العميل ومشاركة تجاربهم كمكافأة للموظفين الذين يتوقون إلى التطور. ويمكن استخدام هذه الأدوات لتعزيز مشاركة العاملين والتزامهم وأدائهم.

مثل هذه التبصرات تعمق فهمنا لـ”سلوكيات المساعدة“ داخل المؤسسات. العلاقات القريبة المدى يمكن أن تسفر عن فوائد طويلة المدى على كلا الجانبين: يتعلم الموظفون ويتطورون من خلال العمل مع المتعاقد، وتصبح خبرة المتعاقد ومعرفته أكثر ثراء في هذه العملية. ويصبح اختلاف الوضع أقل من حاجز (لقبول المساعدة وتقديمها) عند إزالة مخاطر التنافس والقلق من المعادلة.9See, for example, S.P. Doyle, R.B. Lount, S.L. Wilk, et al., “Helping Others Most When They Are Not Too Close: Status Distance as a Determinant of Interpersonal Helping in Organizations,” Academy of Management Discoveries 2, no. 2 (June 2016): 155-174. وبقلب هذه الفكرة، يمكننا أيضاً أن نرى كيف أن التسلسل الهرمي الرسمي للمؤسسة وثقافتها وهياكلها الاجتماعية قد تحد من الثقة بالمُديرين-الموظفين، الذين، كأعضاء من داخل المؤسسة، قد يكونون مدفوعين بالرغبة في حماية مصالحهم الخاصة في المدى البعيد داخل الشركة.

وفي حين أن الاستنتاجات التي توصلنا إليها يمكن أن تساعد المديرين الأفراد على التفكير بنحو أعمق حول أدوارهم وأكثر إبداعاً حول حياتهم المهنية، فإن التبصرات لها أيضاً قيمة عملية فورية للمؤسسات التي تسعى إلى مزيد من المرونة. وقد تكون فكرة إنشاء أدوار إدارية محدودة زمنياً جذابة بنحو خاص للشركات السريعة النمو حيث تتطور الاحتياجات الإدارية بسرعة، ما يجعل التوظيف للمدى البعيد غير مرغوب فيه، أو للشركات التي تفكر في كيفية التكيف مع مستقبل غامض. والواقع أن المتعاقدين قد يكونون أحياناً أكثر ملاءَمة من الموظفين لإدارة المشروعات التي تتحدى القواعد والعمليات القائمة– في المؤسسات التي يلتمس فيها إحداث تغيير كبير، مثلاً، أو التي يشكل فيها التنافس الداخلي عقبة أمام التقدم. أو قد تزدهر في الشركات الناشئة، حيث لم تُوضَع المعايير والعمليات والجميع جدد بعضهم بالنسبة إلى بعض. وقد يواجه شخص لم يعمل إلا كمدير-موظف راسخ، ولا سيما في مؤسسات أكبر ممتلئة بالإجراءات الرسمية والمعايير الثقافية، صعوباتٍ في بيئة كهذه.

وعلى العكس من ذلك قد يكون المديرون-المتعاقدون أقل نجاحاً في المؤسسات التي تكون فيها التحولات الثقافية ضرورية، لأن لديهم أدوات لتغيير السلوك أقل من الأدوات التي يمتلكها المديرون-الموظفون الأكْفاء. وبصورة أعم ليس لديهم سوى القليل نسبياً ليساهموا به في جهود التغيير هذه. قد يكون صحيحاً تصوُّرُ أن المسؤولين التنفيذيين يأتون بالمتعاقدين لأداء عمليات التسريح وغيرها من المهام غير السارة ببساطة لتجنب الاضطرار إلى الاضطلاع بتلك المهام بأنفسهم، لكن هذا يختلف تماماً عن العمل بفاعلية مع الموظفين المتبقين لتغيير العقليات والسلوكيات الأساسية.

أما ما إذا كانت هناك حدود للمهام الإدارية التي يمكن أن يؤديها المتعاقدون لعملائهم، وأين قد تكون هذه الحدود، فهما سؤالان مثيران للاهتمام في صميم ما يعنيه أن تكون الشركة شركة وأين تكمن الحدود. وحقيقة أن العملاء لا يستطيعون إخبار المتعاقدين بكيفية أداء مهامهم من دون تحويلهم إلى موظفين يمكن أن تكون حاجزاً كبيراً للمشروعات التي من المرجَّح أن تتغير كثيراً، وقد تتطلب قدراً لا بأس به من إعادة التوجيه على طول الطريق. وستصبح العقود نفسها- الوثائق المحددة جداً والملزمة قانوناً– أهدافاً متحركة: وستحتاج إلى إعادة بنائها في كل مرة تتغير فيها المهام والنتائج المرجوة. ولهذا السبب قد يكون من الأفضل جلب المديرين-المتعاقدين، شأنهم شأن المتعاقدين الآخرين، عندما تكون المهام والنتائج المرجوة محددةً تحديداً جيداً، ويمكن توضيحها بجلاء مقدماً. وإلا فإن عمل كتابة العقد وإنفاذه وإعادة كتابته باستمرار يمكن أن يصبح مستهلكاً بالكامل.

وقد تنبع اعتبارات أخرى بشأن استخدام المديرين-المتعاقدين من جانب العرض. لم يكن المتعاقدون المستقلون في دراستنا مهتمين جداً بأن يصبحوا موظفين.10Other researchers have similar findings. See Anderson and Bidwell, “Outside Insiders”; and S.J. Barley and G. Kunda, “Gurus, Hired Guns, and Warm Bodies: Itinerant Experts in a Knowledge Economy” (Princeton, New Jersey: Princeton University Press, 2004). فضلوا الاستقلالية: وكانت أهم ثلاثة أسباب لتفضيلهم أن يكونوا مديرين-متعاقدين هي السيطرة على العمل الذي يضطلعون به، والمرونة في ساعات العمل، والقدرة على أخذ إجازة عندما يريدون ذلك، وهي أمور غير متاحة للموظفين النموذجيين. وإذا بدأ مزيد ومزيد من المديرين ذوي التجربة والمهارة يشعرون بهذه الطريقة، فستُدفَع المؤسسات التي ترغب في المواهب في الوقت المناسب إلى أبعد من ذلك في اتجاه المتعاقدين.

في حين أن الإدارة كموظف من داخل المؤسسة لها مزاياها، تشير الاستنتاجات التي توصلنا إليها إلى أن المتعاقدين لديهم نوع مختلف من النفوذ. ففي كثير من الحالات يكون منظورهم الخارجي وقدراتهم هي بالضبط ما هو مطلوب.

وفي هذه الأيام يُنصَح المديرون-الموظفون ويُدرَّبون لبناء علاقات مع الموظفين في فرقهم لإشراكهم وتطويرهم بنحو أكثر فاعلية. ويميل هذا النهج إلى أن يؤتي ثماره بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى تحقيق النتائج على المدى البعيد– وإلى التحديات الإدارية التي تتطلب عديداً من الصلات العميقة والواسعة في المؤسسة– لكنها ليست الطريقة الوحيدة. في بعض الأحيان هناك فوائد لكون المرء بعيداً خطوة واحدة ويمتلك نقطة نهاية محدَّدة في الأفق.

تريسي أندرسون Tracy Anderson

تريسي أندرسون Tracy Anderson

أستاذة مساعدة في الإدارة والتكنولوجيا في جامعة بوكوني Bocconi University بميلانو.

بيتر كابيلي Peter Cappelli

بيتر كابيلي Peter Cappelli

أستاذ الإدارة في مدرسو وارتون Wharton School وباحث مشارك في المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية National Bureau of Economic Research. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63106.

المراجع

المراجع
1 See M. Weber, “Bureaucracy,” in “Max Weber: Economy and Society,” eds. G. Roth and C. Wittich (Berkeley, California: University of California Press, 1978).
2 Classic studies include H. Mintzberg, “The Nature of Managerial Work” (New York: Harper & Row, 1973); and R.M. Kanter, “Men and Women of the Corporation” (New York: Basic Books, 1977). For more recent studies, see L.A. Hill, “Becoming a Manager: Mastery of a New Identity” (Boston: Harvard Business School Press, 1992); H. Mintzberg, “Managing” (San Francisco: Berrett-Koehler Publishers, 2009); and P. Osterman, “The Truth About Middle Managers: Who They Are, How They Work, Why They Matter” (Boston: Harvard Business Review Press, 2008).
3 J.R.P. French and B. Raven, “The Bases of Social Power,” in “Studies in Social Power,” ed. D. Cartwright (Ann Arbor, Michigan: Institute for Social Research, 1959); and P.M. Blau, “Exchange and Power in Social Life” (New York: John Wiley & Sons, 1964).
4 R. Feltham and D. Hughes, “Interim Managers: Distinguishing Personality Characteristics of Managers on Short-Term Contracts,” International Journal of Selection and Assessment 7, no. 4 (December 1999): 209-214.
5 T. Anderson and M.J. Bidwell, “Outside Insiders: Understanding the Role of Contracting in the Careers of Managerial Workers,” Organization Science 30, no. 5 (September 2019): 869-1123.
6 InterimExecs, Cerius Executives, and Globalise are examples of such companies.
7 Our survey instruments are available upon request.
8 In our second survey, we made use of an adapted scale to measure the French and Raven bases of social power, drawing on the following work: T.R. Hinkin and C.A. Schriesheim, “Development and Application of New Scales to Measure the French and Raven (1959) Bases of Social Power,” Journal of Applied Psychology 74, no. 4 (August 1989): 561-567.
9 See, for example, S.P. Doyle, R.B. Lount, S.L. Wilk, et al., “Helping Others Most When They Are Not Too Close: Status Distance as a Determinant of Interpersonal Helping in Organizations,” Academy of Management Discoveries 2, no. 2 (June 2016): 155-174.
10 Other researchers have similar findings. See Anderson and Bidwell, “Outside Insiders”; and S.J. Barley and G. Kunda, “Gurus, Hired Guns, and Warm Bodies: Itinerant Experts in a Knowledge Economy” (Princeton, New Jersey: Princeton University Press, 2004).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى