أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اتخاذ القراراستدامةشركات

الأخطاء الأربعة القاتلة التي تعيق نماذج الأعمال الدائرية

على شركات التصنيع أن تتجنب الأخطاء الرئيسية أثناء تحولها نحو نهج أكثر استدامة بيئياً.

يوهان فريشامار – فينيت باريدا

يدفع إلحاح أزمة المناخ بعض كبار المصنعين في أوروبا إلى السعي إلى تحقيق نُهُج استراتيجية جديدة تهدف إلى تخفيف التأثيرات البيئية المترتبة على منتجاتهم وعملياتهم. ويتمثل أحد هذه الابتكارات باعتماد نموذج الأعمال دائرية Circular business model تتعاون فيه شركة محورية مع شركائها في نظامها الإيكولوجي Ecosystem لتوليد قيمة Create value وتحصيلها Capture وتوفير القيمة Value delivery باستدامة.1J. Frishammar and V. Parida, “Circular Business Model Transformation: A Roadmap for Incumbent Firms,” California Management Review 61, no. 2 (February 2019): 5-29. والهدف من ذلك هو تحسين كفاءة الموارد — من خلال توسيع نطاق حياة المنتجات وقطع الغيار، مثلاً — بهدف تحقيق فوائد بيئية وكذلك أهداف الربح Profit targets.2R. Henderson, “Reimagining Capitalism in a World on Fire” (New York: PublicAffairs, 2020).

إن الشركات مثل إيه بي بي ABB، وبيليرود كورسناس BillerudKorsnäs، وكوماتسو Komatsu، وإل كاي بي LKAB، وميستو Metso، وساندفيك Sandvik، وسكانيا Scania، وفولفو Volvo من بين الشركات الكبرى التي انتقلت من النموذج الخطي Linear modelالتقليدي المؤلف من الأخذ والتصنيع والتخلص Take-make-dispose إلى نموذج دائري يتضمن التصنيع والاستخدام وإعادة الاستخدام وإعادة التصنيع وإعادة التدوير Make-use-reuse-remake-recycle. وبالنسبة إلى العديد من الشركات المصنعة، يعني ذلك تجميع Bundling منتجاتها في حزم تقدم إضافة إلى ذلك خدمات متقدمة للسماح بمشاركة المنتجات وإصلاحها أو ترقيتها أو إعادة استخدامها أو تجديدها أو تحسينها أو إعادة تدويرها.

وخلال السنوات الخمس الماضية، درسنا كيف صممت 15 شركة تصنيع كبيرة نماذج أعمال دائرية وطورتها ونفذتها مع شركائها في النظام الإيكولوجي. وفي حين تعلمنا من النجاحات التي حققتها الشركات، اكتشفنا أيضاً أن أهداف الربح الطموحة والأهداف البيئية التي تسعى الجهات المصنعة إلى تحقيقها – مثل خفض انبعاثات غازات الدفيئة، وتحسين كفاءة الموارد، والحد من استهلاك الطاقة – كثيراً ما تفشل في التحقق.

السعي إلى تحقيق القيمة باستخدام نموذج أعمال دائري

إن الانتقال من نموذج أعمال خطي إلى نموذج أعمال دائري هو مهمة طموحة تشتمل على إعادة النظر في كيفية توليد المؤسسة للقيمة وتحصيلها وتوفيرها.

توليد القيمة Value creation. لابد للشركة المصنعة التي تتبنى نموذج أعمال دائريا من أن تندمج بشكل أكثر عمقاً في عمليات Operations عملائها، وأن تشارك في توليد القيمة مع الشركاء، وأن تؤكد على قيمة الاستخدام value-in-use وليس قيمة التداول التجاري Value-in-transaction، وأن تطلق خدمات جديدة ومبتكرة. مثلاً، تشارك شركة ميستو Metso للمعدات الثقيلة مع عملائها في توليد القيمة من خلال عروض ضمان الأداء Performance guarantee. وعلى وجه التحديد، تعمل ميستو على أَمْثَلَة Optimize العملية وتضمن بعض النواتج Outputs— مثلاً، عقود التكلفة لكل طن في صناعات التعدين، أو الصناعات الكيميائية، أو صناعات اللب والورق. والنتائج: زيادة وقت تشغيل استخدام المعدات، وتحسين الإنتاجية، وتعزيز سلامة العاملين أثناء التوقف من أجل الصيانة.

تحصيل بالقيمة Value capture. في نموذج الأعمال الدائرية من المرجح أن تتغير نماذج الإيرادات Revenue models. مثلاً، قد ينتقل النموذج من مبيعات المنتجات مقدما Up-front product sales إلى رسوم الإجارة الشهرية Monthly leasing fees، ويضاف إليها عقود الخدمة (الصيانة) Service contracts التي كثيرا ما تُجدَّد لفترات طويلة. (من الناحية المالية، يمثل هذا تطوراً من ”تدفق إيرادات النفقات الرأسمالية“ Capital expenditures revenue flow إلى ”تدفق إيرادات النفقات التشغيلية“ Operational expenditures revenue flow). مثلاً، يقدم قسم المحركات الصناعية في الشركة ABB مستويات مختلفة من عقود الخدمة لتمديد فترة حياة منتجاتها. ومن بين هذه الخيارات نظام إعادة التدوير الذي طُوِّر بالتعاون مع ستينا لإعادة التدوير Stena Recycling، وهي شركة صناعية لإعادة التدوير تعمل ضمن النظام الإيكولوجي الخاص بالشركة ABB. وبعد تجديد المنتجات أو المكونات، يمكن للشركة ABB استخدامها في تصنيع محركات جديدة أو إعادة بيعها إلى أطراف ثالثة لاستخدامها في منتجاتها.

توفير القيمة Value delivery. يتطلب نموذج الأعمال الدائري من الشركات تطوير قدرات جديدة لتوفير القيمة [للعميل] (مثل مؤسسات توفير خدمات البناء) وتكوين شراكات استراتيجية مع مزوّدي التكنولوجيات والخدمات الخارجيين. مثلاً، أنشأت فولفو لمعدات البناء Volvo Construction Equipment (CE)، وعميلتها سكانسكا Skanska (شركة بناء)، وشركاء آخرون في النظام الإيكولوجي (مزود ربط Connectivity provider، ومزود تكنولوجيا الأتمتة، ومتخصص بإعادة بيع المعدات، ومزود خدمات صيانة) موقعاً كهربائياً في محجر فيكان كروس التابع لسكانسكا خارج غوتنبرغ بالسويد. وزود الموقعُ كل مرحلة من مراحل النقل – الحفر، والسحق الأساسي، والنقل إلى السحق الثانوي – بالكهرباء بفضل الآلات الذاتية التشغيل وأنظمة إدارة المواقع لدى فولفو لمعدات البناء. وكشفت الاختبارات في هذا الموقع عن خفض في الانبعاثات الكربونية بنسبة 98%، وخفض في تكاليف الطاقة بنسبة 70% تقريباً، وخفض في تكاليف التشغيل الإجمالية بنسبة 25%. وهكذا تكاملت مستهدفات الربح والأهداف البيئية مع بعضها بعضا بفاعلية.

أربعة تحديات رئيسية في التنفيذ

حددت أبحاثنا أربعة مجالات رئيسية تُجابه فيها الشركات بتحديات تعيق تحولها بنجاح إلى نموذج أعمال دائري، ويرجع هذا في الأغلب إلى أن القرارات مشوبة بتحيزين شائعين. أحد التحيزين – مغالطة المستوى الخاطئ Fallacy of the wrong level- هو الميل إلى التفكير في نموذج أعمال دائري على أن يتمركز حول الشركة Company-centric في حين أن النموذج في الواقع يُبنى على العمل المشترك ما بين الشركات ويتمركز حول النظام الإيكولوجي Ecosystem-centric. أما التحيز الآخر – تأثير الهبة (الوقفية) Endowment effect – فيتلخص في ميل الشركات إلى المبالغة في تقدير مواردها الداخلية وقدراتها واحتياجاتها ورغباتها – ويقلل من أهمية قيمة موارد شركائها في النظام الإيكولوجي. ويشيع هذان التحيزان بصورة خاصة لأن نماذج الأعمال الدائرية تتطلب في كثير من الأحيان تغييراً على مستوى النظام System-level change من خلال التعاون مع شركاء خارجيين يعملون خارج سلاسل القيمة Value chains الفعلية.

أخطاء تعيق نموذج الأعمال دائرية

ويمكن أن يفسر هذان التحيزان المتعلقان بالذات Self-regarding biases سبب تقليل كثير من الشركات الكبرى Incumbent من أهمية العمليات العلائقية Relational processes ومسائل النظم الإيكولوجية والإفراط في التأكيد على أهمية البنية الداخلية والاستراتيجية والموارد.3C. Zott, R. Amit, and L. Massa, “The Business Model: Recent Developments and Future Research,” Journal of Management 37, no. 4 (July 2011): 1019-1042. وهذه العادات تكون محفوفة بالمخاطر بصورة خاصة عندما تواجه الشركاتُ التحدياتِ الأربعةَ التالية أثناء تنفيذ التحول إلى نماذج أعمال دائرية.

التحدي 1: وائِم بين حوافز ودوافع الشركاء في النظام الإيكولوجي Align incentives and motives among ecosystem partners. قِلةٌ من الشركات الراسخة في مجالها لديها الموارد المالية والقدرات المؤسسية اللازمة للنجاح في تصميم نموذج أعمال دائري وتطويره وتنفيذه بنفسها. ولهذا السبب تسعى إلى إقامة تحالفات مع شركاء في النظام الإيكولوجي، مثل شركات الخدمات المتخصصة، والأطراف الفاعلة الرقمية، والموردين الفرعيين Sub-suppliers. ولكي تتحقق تحالفات كهذه، يتعين على أي من مثل هذه الشركات أن تتبنى دور الطرف الفاعل الرئيس Keystone player في النظام الإيكولوجي وأن تطوّر بنية مواءمة لمجموعة محددة من الشركاء في نموذج الأعمال الدائري المعني. وبنية المواءمة Alignment structure المصممة تصميما جيدا تضمن التوصل إلى اتفاق متبادل بين شركاء النظام الإيكولوجي حول المواقع Positions (أين موقع كل شريك) وتدفقات النشاط Activity flows (ما الذي يتولى كل شريك مسؤولية فعله).4R. Adner, “Ecosystem as Structure: An Actionable Construct for Strategy,” Journal of Management 43, no. 1 (January 2017): 39-58.

المطب THE PITFALL: في الشركات التي درسناها شكّل التوصل إلى اتفاق متبادل تحدياً عويصا. ولم تكن للشركاء المختلفين دوافع Motives وغايات Aims متباينة فحسب، بل إن العديد من الشركات الكبرى أيضاً لم تستثمر بالقدر الكافي في تأمين الاتفاق الجماعي وبالغت في التأكيد على استراتيجياتها الداخلية على حساب استراتيجيات شركائها. وكثيراً ما أدى هذا الخطأ إلى مفاهيم غير صحيحة حول دوافع الشركاء وحوافزهم، وتفسيرات متضاربة للمواقف والأهداف، وارتفاع تكاليف التبادلات التجارية Transaction costs.5M.A. Cronin and L.R. Weingart, “Representational Gaps, Information Processing, and Conflict in Functionally Diverse Teams,” Academy of Management Review 32, no. 3 (July 2007): 761-773; and J.H. Dyer, H. Singh, and W.S. Hesterly, “The Relational View Revisited: A Dynamic Perspective on Value Creation and Value Capture,” Strategic Management Journal 39, no. 12 (March 2018): 3140-3162. وكانت المشكلة حادة بصورة خاصة عندما سعى القائمون على الشركات الكبرى إلى إيجاد أنماط جديدة من التعاون – مثلاً، في إعادة تدوير المنتجات وترقيتها وتجديدها، وهي أنشطة شائعة في نماذج الأعمال دائرية لكنها غير شائعة في النماذج الخطية التقليدية.

إحدى الحالات تطلبت تطوير أنظمة تهوية ذكية Smart ventilation systems لمناجم تحت الأرض لتحسين جودة الهواء وتقليل استهلاك الطاقة. وكانت شركة عالمية موفرة لأجهزة التهوية وتكنولوجياها تتعاون مع شركة عالمية أخرى متخصصة بالاتصالات، فضلاً عن مزودي ربط، وشركة متخصصة بحلول الذكاء الاصطناعي للمناجم، وموفر تكنولوجيا الوسوم الذكية Smart-tag technology provider، ومورد فرعي للمراوح وأجهزة الاستشعار Sensors. وأراد العميل توقيع عقد واحد للحل الشامل بدلاً من إبرام عقود فردية مع كل شركة. ولكن شركاء النظام الإيكولوجي فشلوا في التوصل إلى اتفاق، وبعد تأخيرات طويلة، اشترى العميل أجزاء من المشروع كمبيعات تقليدية للمنتجات لأن الحوافز والدوافع التي تحرك الشركاء الرئيسيين كانت غير متوائمة مع بعضها بعضا. فقد فشل الطرف الفاعل الرئيس ببساطة في رعاية التطوير المطلوب، وحل النزاعات، وتمكين شركائه.

الحل THE SOLUTION: يتعين على الطرف الفاعل الرئيس أن ينشئ بنية مواءمة جيدة التصميم تعكس الاتفاق بين شركاء النظام الإيكولوجي. ولكن بدلاً من تصميم هذه البُنية بشكل منعزل، ينبغي له أن يسمح للشركاء بالمشاركة في العملية، وتوضيح حوافزهم ودوافعهم، والتفاوض على شروط التعاون المستمر، والتوصل إلى إجماع. حتى أن مزود نظام التهوية الذكي المذكور أعلاه قدم الدعم المالي لمورديه الفرعيين لتوفير الحوافز لإعادة هندسة المنتجات. ولكن مع الأسف فشلت هذه الشركة عموما في التحول إلى نموذج أعمال دائري. وعلى الرغم من نجاحها في بعض النواحي، مثل استخدام الحوافز النقدية وحوافز النمو في محاولة لتعزيز السلوك التعاوني لدى الشركاء، لم تكن هذه النجاحات كافية ببساطة.

التحدي 2: انظر فيما هو أبعد من العلاقات الحالية للنظام الإيكولوجية Look beyond existing ecosystem relationships. قللت معظم الشركات التي درسناها من أهمية الحاجة ليس فقط إلى التعاون في مجال النظم الإيكولوجية عموما، بل الحاجة إلى أنواع جديدة من الشراكات بصورة خاصة. ويجب أن يبدأ الطرف الفاعل الرئيس بعرض مبدئي لمقترح القيمة Value proposition لنموذج الأعمال الدائري، ثم ينطلق في بحث موسّع لتحديد مجموعة الشركاء المناسبين اللازمة لتحقيق مقترح القيمة هذا.

المطب: في إحدى الحالات التي درسناها في مجال صناعة الغابات Forestry industry، سعى أحد مزودي المعدات إلى إقامة تعاون غير تقليدي مع المنافسين الرئيسيين ومع الشركات المُبتَكِرة الصغيرة والمتوسطة من أجل تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من حصاد الأشجار. كذلك كان يحتاج بصورة خاصة إلى تسهيل تجميع المعدات وتشارك البيانات لتحقيق القيمة المثلى لأحد عملائه، وهو شركة كبيرة لتصنيع اللب والورق. ولكن الأطراف الفاعلة الرئيسية كانت عالقة في وجهات نظرها الحالية في شأن علاقات الأعمال، وكانت ساذجة في شأن استخدام البيانات وتشارك البيانات، وغير راغبة في النظر إلى منافسيها باعتبارهم متعاونين محتملين. وتعين على الطرف الفاعل الرئيس أن يطور مقترح قيمة لنموذج الأعمال الدائري، وأن يسعى إلى إجراء بحث غير متحيز قدر الإمكان لتحديد أفضل الشركاء. وقد تكون تكاليف البحث في حالة كهذه كبيرة في الأجل القريب، لكن الميزة البعيدة الأجل المتمثلة بإيجاد شركاء أفضل تبرر مثل هذه التكاليف.

أعدوا مقترح قيمة واضح لنموذج الأعمال الدائري في وقت مبكر من العملية، حتى إذا كانت هناك حاجة إلى عدة مراجعات.

الحل: أعدوا مقترح قيمة واضحاً لنموذج الأعمال الدائري في وقت مبكر من العملية، حتى إذا كانت هناك حاجة إلى عدة مراجعات. ولا تترددوا في تجاوز العلاقات الموجودة والبحث عن شركاء يجلبون موارد وقدرات جديدة إلى طاولة المفاوضات. مثلاً، نجد أن شركات منصات التكنولوجيا مثل أمازون Amazon وآي بي إم IBM ومايكروسوفت Microsoft تقدم الآن قدرات رقمية تكميلية إلى الشركات التقليدية التي تسعى إلى تجربة نماذج أعمال دائرية. كذلك كشفت أبحاثنا أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة SMEs المنشأة حديثاً، والتي تكون في الأغلب مدفوعة إلى استخدام تحالفات مع شركات أكبر حجماً كحجر أساس لمزيد من توسع الأعمال، يمكن أن تساهم بمنتجات وخدمات مبتكرة تدعم النماذج الأعمال الدائرية. وقد تكون المشروعات الصغيرة والمتوسطة الموجهة نحو التكنولوجيا، والتي تريد توسيع نطاق حلولها الرقمية لكي تشمل صناعات متعددة مهتمة بصورة خاصة بهذه الشراكات.

التحدي 3: أشركْ العملاء بشكل عميق Involve customers deeply. يمثل نموذج الأعمال الدائري تحولاً من وضعية التبادلات التجارية مع العملاء إلى نهج علائقي يشارك العملاء فيه بنشاط في تطوير العرض Offer.6C. Grönroos and P. Voima, “Critical Service Logic: Making Sense of Value Creation and Co-creation,” Journal of the Academy of Marketing Science 41, no. 2 (March 2013): 133-150. ويتعين حشد الموارد والعمليات والموظفين عبر الحدود المؤسسية لضمان معالجة مقترح القيمة احتياجات العملاء الفريدة معالجة شاملة – مثلاً، كيفية التخلص من النفايات أو استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة.

المطب: لم تكن العديد من المؤسسات التي درسناها مستعدة أو راغبة في فتح عملياتها الداخلية أمام شركات التصنيع الكبرى، الأمر الذي أدى من ثم إلى الحد من إمكانية التوليد المشترك للقيمة. وكان أغلب العملاء معتادين على شراء المنتجات بدلاً من التعاقد على خدمات متقدمة. كذلك خشي بعض العملاء من خسارة قاعدة معرفتهم الأساسية Core knowledge base أو خفض قيمتها، كما أعربوا عن مخاوفهم من أن يكونوا متكاملين مع شركة التصنيع أو معتمدين عليها بشكل كبير (تأثير الارتباط Lock-in effect).

مثلاً، عرضت إحدى الشركات المصنعة لمعدات صناعة التعدين التي درسناها بيع عملائها ”عمليات الوحدات الكاملة“ Full unit operations للمراحل المستقلة من عملية استخراج الخام (مثلا: السحق الأولي Primary crushing)، إلى جانب عقود الخدمة المتقدمة والصيانة الاستباقية. ونظراً إلى معرفة المصنع الوثيقة بالمعدات، أدرك أنه قادر على أَمْثَلة تشغيل الآلات وكفاءتها، ومن ثم إطالة دورة حياتها والحد من استهلاك الطاقة. وكان عميل الشركة المصنعة، وهي شركة تعدين، يخشى أن تهدد عقود كهذه كفاءته الأساسية ونموذج التقليدي للمشتريات Procurement model. وباختصار، كانت شركة التعدين مقاومة ثقافياً لصياغة علاقة جديدة أكثر عمقاً مع أحد شركائها المُنتجين. والنتيجة: لم تتحقق قطُّ الكفاءات والفوائد البيئية المرغوبة في الأصل.

وفي حالة أخرى تابعناها، كان أحد مزودي الشاحنات الثقيلة الرائدين على مستوى العالم يطور حلولاً مستقلة إلى جانب نظام لإدارة الأسطول Fleet management. نظريا، كان الإبداع ليؤدي إلى إطالة دورة حياة المنتج والحد من استهلاك الوقود، ومن ثم خفض تكاليف التشغيل للعملاء وتوليد الفوائد البيئية المرجوة. غير أن الجمود على جانب العميل أدى في نهاية المطاف إلى تعطيل المشروع. فقد تعود العملاء (شركات الخدمات اللوجستية) على شراء الشاحنات، وليس أنظمة إدارة الأسطول، ولم يكن بعض العملاء الذين اشتروا النظام الجديد يعرفون ببساطة كيف يستخدمونه وكانوا غير راغبين في التعاون بطريقة جديدة مع موردهم. وكانت النتيجة فشل برامج التدريب. فهذه الحالة على العديد عانت المطبات، وكان من الممكن توقع كثير منها لو كان العملاء شاركوا في التخطيط منذ البداية.

الحل: لتحديد أعظم التحديات التي يعانيها العملاء، أنشئوا مجالاً مشتركاً Joint sphere حيث تُرسَّخ القيمة بين الطرف الفاعل الرئيس، وعميله، وشركاء النظام الإيكولوجي. غير أن حشد الموارد والعمليات والأشخاص من مؤسسات متعددة قد يشكل تحدياً كبيراً بسبب المقاومة الثقافية الراسخة. وفي معظم الحالات، درسنا إطلاق خدمات أو حلول أصغر حجماً وذات مواصفات عالية طُوِّرت بشكل متكرر، بمشاركة العملاء عن كثب، ونجحت. وعزز هذا النهج تدريجياً الثقة الأكبر بين مزودي الخدمات والعملاء. وتمكن الشركاء من المضي قدماً في الاضطلاع بأنشطة أكثر تعقيداً للتوليد المشترك للقيمة مع معالجة تدريجية لخوفهم من التخلي عن المعرفة الأساسية.

التحدي 4: خطِّط للتنفيذ الموسع Plan for extended implementation. بصرف النظر عن الصناعة، تركز شركات التصنيع الكبرى على تطوير المنتجات وبيعها، وهو ما كان يعني تاريخياً أن القيمة تكمن في التبادل التجاري Transaction في المقام الأول. ويعني التحول إلى نموذج أعمال دائري تبني خدمات متقدمة موجهة نحو الاستخدام أو موجهة نحو تحقيق النتائج، حيث تكمن القيمة في استخدام العميل للخدمة. ويمكن أن تمتد عقود الخدمة هذه لسنوات عديدة، مما يعني وجود علاقة مستمرة مع التنفيذ الموسع Extended implementation.7K.R. Tuli, A.K. Kohli, and S.G. Bharadwaj, “Rethinking Customer Solutions: From Product Bundles to Relational Processes,” Journal of Marketing 71, no. 3 (July 2007): 1-17. وكما أظهرت أبحاثنا بوضوح، يجب على شركاء النظام الإيكولوجي (بما في ذلك العملاء) تطوير إجراءات روتينية لهذا التنفيذ الموسع. مثلاً، لضمان الجودة الكافية في دعم الصيانة والمتابعة، يجب تدريب العملاء على استخدام الجهاز بشكل صحيح.

المطب: فكرت قلة من الشركات التي درسناها في مدى التنفيذ الموسع، وواجهت العديد منها مصاعب جمة في التغلب على ثقافة راسخة تُبنى على التبادل التجاري وبيع المنتجات. وفي الحالات التي درسناها، كان العملاء كثيراً ما يتراجعون عن شراء الخدمات قبل الأوان، في حين دفع المزودون (الذين كانوا يريدون حماية إيرادات الخدمة) إلى مزيد من المبيعات. مثلا، قدم مزود معدات العمليات الثقيلة -في بحثنا- ضمانات للأداء، بما في ذلك أهداف طموحة لوقت التشغيل والإنتاجية، لعميل تعدين تحت الأرض في شمال أوروبا. ومنذ البداية، لم يستثمر مزود الخدمة أي استثمار كافٍ في إنشاء مؤسسة خدمات مخصصة ذات إجراءات روتينية واضحة لأداء الأعمال المطلوبة، في حين أن العميل لم يكن راغباً في السماح بالوصول الكامل إلى الموقع. وفي نهاية المطاف تعرضت العلاقة لضغوط شديدة، وفُسِخ عقد الخدمة أخيراً. ونحن نرى أن كلاً من الطرفين كان على خطأ في استهداف ”المبيعات“ Sales القريبة الأجل بدلاً من السعي إلى تحقيق الفوائد المترتبة على الشراكات البعيدة الأجل. ففي علاقة قائمة على التبادلات التجارية البحتة، ببساطة لا مجال الترقيات والتحسينات المستمرة.

الحل: إن دعم المتابعة Follow-up support هو أمرٌ بالغ الأهمية، وكذلك تدريب العملاء على كيفية استخدام المعدات والحلول على أفضل وجه، وإنشاء إجراءات روتينية تقديم الخدمات والتنفيذ تشمل الموظفين من المؤسسات المشاركة جميعها. وفي الحالات الناجحة التي درسناها، كانت اجتماعات صيانة الخدمة كل أسبوعين واجتماعات فرق التكنولوجيا مرتين بالشهر والاجتماعات التنفيذية الفصلية شائعة، وتتطلب هذه الاجتماعات كلها التزاماً قوياً بالعلاقات البعيدة الأجل. ولابد أيضاً من تحديد مؤشرات الأداء الرئيسية Key performance indicators على نحو مشترك لكي تدعم التعاون البعيد الأجل، وليس المعاملات القريبة الأجل فحسب. أما شراكات النظم الإيكولوجية التي تتسم فيها الأدوار بالمرونة والتكيف؛ فكانت بوجه عام أكثر قدرة التكيّف مع الظروف Resilient، كما أن الأداء الجيد أدى إلى تمديد العمل، الأمر الذي أدى عادة إلى تجديد عقد الخدمات المتقدمة.

نماذج الأعمال الدائرية تعد بتجديد حيوية شركات التصنيع — بتمكينها من العمل بطرق جديدة مع شركاء في النظام الإيكولوجي للأعمال لتقليل الأضرار البيئية مع الحفاظ على الربحية في الوقت نفسه. وباختصار، من الممكن أن تسمح نماذج الأعمال الدائرية للشركات باستهداف الأهداف الرئيسية كلها لما يسمى المحصلة النهائية الثلاثية Triple bottom line في الوقت نفسه: المالية والاجتماعية والبيئية.

والواقع أن ”التحول إلى نموذج دائري“ Going circular هو عملية تدريجية لإصلاح النهج الذي تتبناه أي شركة في تحقيق هذه العناصر الثلاثة. ولكنه يتعين على قادة الشركات ومديريها أن يظلوا يقظين إزاء تحيزاتهم ومقاومتهم للتغيير الثقافي في مواجهة التحديات المتمثلة بالانتقال من عقلية تتمركز حول الشركات إلى عقلية تتمركز حول النظام الإيكولوجي. ومن شأن التوجه الأوسع نطاقاً والأبعد أجلاً نحو تصميم المنتجات وتطويرها، والتعاون بطرق جديدة مع شركاء جدد وحاليين في النظام الإيكولوجي، والانتقال بعيداً عن التفاعل القائم على التبادلات التجارية، أن تجعل المصنعين أكثر ميلاً إلى تحقيق الاستدامة في الأجل البعيد، سواء كشركات أم كمشرفين على كوكب متغير.

يوهان فريشامار Johan Frishammar

يوهان فريشامار Johan Frishammar

أستاذ في ريادة الأعمال والابتكار من جامعة لوليا للتكنولوجيا Luleå University of Technology، وزميل بحثي في دار الابتكار House of Innovation في مدرسة ستوكهولم للاقتصاد Stockholm School of Economics بالسويد.

فـينيت باريدا Vinit Parida

فـينيت باريدا Vinit Parida

أستاذ في ريادة الأعمال والابتكار من جامعة لوليا للتكنولوجيا وفي جامعة فاسا University of Vaasa بفنلندا. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62301.

شكر وتقدير

يود المؤلفان أن يشكرا فينوفا ووكالة الطاقة السويدية على دعمهما المالي.

المراجع

المراجع
1 J. Frishammar and V. Parida, “Circular Business Model Transformation: A Roadmap for Incumbent Firms,” California Management Review 61, no. 2 (February 2019): 5-29.
2 R. Henderson, “Reimagining Capitalism in a World on Fire” (New York: PublicAffairs, 2020).
3 C. Zott, R. Amit, and L. Massa, “The Business Model: Recent Developments and Future Research,” Journal of Management 37, no. 4 (July 2011): 1019-1042.
4 R. Adner, “Ecosystem as Structure: An Actionable Construct for Strategy,” Journal of Management 43, no. 1 (January 2017): 39-58.
5 M.A. Cronin and L.R. Weingart, “Representational Gaps, Information Processing, and Conflict in Functionally Diverse Teams,” Academy of Management Review 32, no. 3 (July 2007): 761-773; and J.H. Dyer, H. Singh, and W.S. Hesterly, “The Relational View Revisited: A Dynamic Perspective on Value Creation and Value Capture,” Strategic Management Journal 39, no. 12 (March 2018): 3140-3162.
6 C. Grönroos and P. Voima, “Critical Service Logic: Making Sense of Value Creation and Co-creation,” Journal of the Academy of Marketing Science 41, no. 2 (March 2013): 133-150.
7 K.R. Tuli, A.K. Kohli, and S.G. Bharadwaj, “Rethinking Customer Solutions: From Product Bundles to Relational Processes,” Journal of Marketing 71, no. 3 (July 2007): 1-17.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى