أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ابتكارمهارات

كيف تعزز المهام المؤقتة الابتكار

عند تدوير ”موظفي التصنيع في الصفوف الأمامية“ بين مواقع الشركة، فإنهم يساهمون بأفكار أكثر قيمة.

تماماً كما تحول الرقمنة والأتمتة الأعمال في أرضية المصنع Shop floor، فإنهما يغيران دور ”موظفي التصنيع في الصفوف الأمامية“ Front-line manufacturing employees. يتزايد توليد العاملين للقيمة Create value ليس فقط من خلال أداء واجباتهم الأساسية بل وأيضاً من خلال المساهمة في تحقيق أهداف مؤسسية أوسع نطاقاً مثل التنافسية Competitiveness والابتكار Innovation. وأثبت المبدعون منهم والقادرون على حل المشكلات أن لهم قيمة خاصة: وجهات نظهرهم الناشئة من العمل في الصفوف الأمامية للإنتاج غالبا ما تولد تحسينات واعدة في الإجراءات Process وفرص الأعمال Business opportunities والتي لم تكن لتظهر بوضوح للمديرين. ونتيجة لهذا، أصبح ابتكار الصفوف الأمامية واحداً من أكبر المصادر الميزة التنافسية المستدامة Sustained competitive advantage في الصناعات التحويلية Manufacturing industries. وفي الشركات الصناعية الرائدة، يمكن أن يُعزا ما يصل إلى 75% من مكاسب الإنتاجية السنوية إلى الأفكار المقدمة من الأسفل إلى الأعلى Bottom-up ideas من قبل الموظفين غير العاملين في مجال البحث والتطوير R&D1F.J. Sting and C.H. Loch, “Implementing Operations Strategy: How Vertical and Horizontal Coordination Interact,” Production and Operations Management 25, no. 7 (December 2015): 1177-1193.

وعلى الرغم من أن ابتكار الصفوف الأمامية هو أمر شائع، إلا أن الطرق التي يستطيع بها المديرون دعم هذا الابتكار بفاعلية أكبر ليست مفهومة فهما جيدا. في أبحاثنا، أظهرنا للمرة الأولى كيف تعزز قابلية تنقّل الخطوط الأمامية استراتيجيا Strategic front-line mobility – التدوير القصير والمحدد والهادف للموظفين بين المواقع المختلفة للشركة –مساهمات هؤلاء الموظفين في الابتكار والتعلم المؤسسي في شركات التصنيع.

لقد أجرينا دراسة واسعة النطاق على شركة متعددة الجنسيات لتصنيع قطع غيار السيارات -تبلغ قيمتها بلايين اليوروات. وجمعنا بيانات عن الأفكار التي تقدمت بها الخطوط الأمامية وتأثيرها الاقتصادي على مدى أربع سنوات ودرسنا علاقتها بقابلية تنقل العاملين الأفراد. وللتوصل إلى رؤى إدارية عميقة في شأن الآثار السببية لقابلية تنقل العاملين، حللنا أكثر من 21 ألف فكرة قدمها ما يقرب من 2,500 عامل، وذلك باستخدام مناهج الاقتصاد القياسي المتقدمة Advanced econometric methods2P.B. Cornelius, B. Gokpinar, and F.J. Sting, “Sparking Manufacturing Innovation: How  Temporary Interplant Assignments Increase Employee Idea Values,” Management Science, Aug. 20, 2020, https://doi org/10.1287/mnsc.2020.3673.. وكان العامل الرئيسي في نهجنا التحليلي هو مقارنة موظفين يتنقلون ما بين الخطوط الأمامية بزملاء مشابهين لم ينتقلوا إلى المصانع الأخرى، مما سمح لنا بتقدير المساهمات الناشئة عن التنقل بدقة متناهية.

نقل المعرفة وتعلم الموظفين

تكشف تحليلاتنا عن مسارين متميزين تعزز من خلالهما ”قابليةُ تنقل الخطوط الأمامية“ الابتكارَ في مجال التصنيع.

أولاً، تعزز ”قابليةُ تنقل الخطوط الأمامية“ مشاركة المعرفة بين المصانع. فبحكم خبرتهم، كثيراً ما يمتلك العاملون في أرضية المصنع ثروة من المعرفة الضمنية وبمستوى من التفاصيل يتجاوز كثيراً ما هو متوفر في كتاب الدليل العملي أو ما يعرفه المهندسون. مثلاً، عادة ما يتعلم العاملون في الميدان مباشرة كيف يحسنون العمليات وتصميمات المنتجات التي كان المقصد منها أن تكون ملائمة ولكنها غير العملية في بعض الأحيان. وعند نشر الموظفين استراتيجيا في مواقع مختلفة، فإنهم يحملون معهم هذه المعرفة ويساعدون على توزيعها داخل الشركة.

مثلاً، قد يكتسب أحد المصانع خبرات واسعة بخصوص منهج إنتاج معين، ومن خلال تعيين بعض عامليه مؤقتاً في مصانع أخرى، يستطيع المديرون أن يتأكدوا من نشر هذه المعرفة. وبالمثل، عند عودتهم إلى المصنع الأصلي يجلب الموظفون معهم تحسينات لاحظوها أو استلهموها من العمليات في المصانع التي زاروها. وتأثير Impact نقل المعرفة هذا مهم: في أبحاثنا، ولّد الانتقال المتوسط Average move تحسينات في التصنيع بقيمة تتجاوز 100 ألف يورو (نحو 121 ألف دولار) في غضون شهر واحد. وعلى الرغم من أن بعض الباحثين والمديرين لا يزالون يشككون في قيمة المعرفة الإنتاجية الضمنية لدى الموظفين الخطوط الأمامية، تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن مثل هذا الموقف قد يؤدي إلى حرمان الشركة من أكثر مواردها قيمة في الابتكار.

ثانياً، ”قابليةُ تنقل الخطوط الأمامية“ تجعل العاملين أنفسهم مبتكرين أفضل لأنها تُحفز تعلمهم. فعندما يزورون مصانع أخرى، تتكشف لهم إلى إعدادات تصنيع مختلفة، لكن غالباً ما تكون ذات صلة – مثلاً، مصنع ينتج المنتج نفسه الذي ينتجه المصنع الأصلي لكن لسوق مختلفة وبآلات مختلفة بعض الشيء. وبينما يلاحظ العاملون كيفية ارتباط الإعدادات المختلفة لعمليات التصنيع المماثلة بنتائج الأداء المختلفة، يكتسبون فهماً أكثر جوهرية لكيفية عمل هذه العمليات. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ما نطلق عليه معرفة السبب Know-why (في مقابل معرفة الطريقة Know-how)، وهو ما يشكل فهماً لسبب عمل الأشياء وليس كيفيته.

ولتوضيح ذلك، للنظر إلى عملية القولبة بالحقن Injection molding (وهي عملية رئيسية في الشركة التي درسناها). فمعرفة الحد الأدنى لوقت تسخين المواد البلاستيكية الحرارية Thermoplastic material لقالب معين — مثلاً، خمس دقائق — هي مثال على معرفة الطريقة. لكن فهم السبب وراء ضرورة تغيير عتبة الوقت Time threshold عندما يصبح تصميم القالب أكثر تعقيداً أو حساسية فإنه مثال على معرفة السبب. وبمجرد اكتساب هذا النوع من المعرفة فإنهات تُحسن قدرة الموظفين على الابتكار تحسينا كبيرا، لأنهم يفهمون -بشكل أفضل- كيف تتلاءم الأجزاء المختلفة من عملية التصنيع مع بعضها بعضاً، ومن ثم كيف يمكن تعزيزها. ومن ثم، بدلاً من توليد وفورات مباشرة في التكلفة Cost savings كالمتحصل من نقل المعرفة، فإن معرفة السبب هي التي تجعل العاملين أنفسهم مبتكرين أفضل. في دراستنا، ارتفعت القيمة المتولدة من أفكار الموظفين بنحو 20 ألف يورو (24 ألف دولار) شهرياً بعد انتقالهم، واستمرت هذه الزيادة لعدة سنوات. وإذا ذهبنا إلى ما هو أبعد من مسألة ”إمكانية التنقّل الخطوط الأمامية“، فإن النتيجة المُتحصلة تضيف بُعداً جديداً إلى إدارة الموارد البشرية: لا يتعلك الموظفون في مجال الإنتاج كيف يصبحون أفضل في وظائفهم (الأساسية) فحسب، بل وبوسعهم أيضاً أن يتعلموا كيف يتحولون إلى مبتكرين أفضل.

كيفية تطبيق قابلية تنقل الخطوط الأمامية

كيف يمكن للشركات تطبيق إمكانية التنقل الخطوط الأمامية استراتيجيا؟ أظهرت أبحاثنا ثلاثة اعتبارات رئيسية.

أولاً، وقبل كل شيء، لكي يتسنى ”لإمكانية التنقّل الخطوط الأمامية“ تعزيز الابتكار، لا بد أن يكون هادفاً وموجهاً بالمشكلات. وهذا يعني أنه لا ينبغي إرسال الموظفين إلى مصانع أخرى لمراقبة العمليات أو تلقي التدريب دون تفاعل (بشكل سلبي) Passively أو كمكافأة. بدلاً من ذلك، لا بد من ربط الانتقال بمهمة محددة ذات صلة بالعمليات. وفي دراستنا، كان الموظفون يُرسَلون بشكل منتظم إلى مصانع أخرى لدعم حل المشكلات المحلية، كما حدث عندما كانت عملية الإنتاج تواجه مشكلات تتعلق بالجودة. وكانت هذه الزيارات قصيرة (حتى أسبوعين)، لكنها كانت شديدة التركيز في إشراك الموظفين الزائرين في عمليات المصنع المحلي. وبهذا أصبح الموظفون منخرطين بعمق في سياق المنشأة التي جرت زيارتها وتفاعلوا بشكل متكرر مع موظفيها وعملياتها وآلاتها. وهذا المنحى العملي في تطبيق ”إمكانية التنقّل الخطوط الأمامية“ أساسيٌ لنقل المعرفة والتعلم. وفقط عندما يشارك الزائرون زملائهم في العمل وينغمسون في المصنع الذي جرت زيارته بالفعل، ينشئ المصنع البيئة المناسبة لتشارك الأفكار وأفضل الممارسات التي توجه الابتكارات المحظوظة.

ثانياً، تعمل ”إمكانية التنقّل الخطوط الأمامية“ بشكل أفضل بين المصانع التي تشترك في عمليات وآلات مماثلة وتصنع منتجات مماثلة. وإذا اختلفت العمليات والآلات والمنتجات اختلافا كبيرا بين مصنعين، تصبح الفجوة بين مخزون معارفهم الحالي أكبر من أن تسمح بأي نقل للمعرفة أو تعلم حقيقي. وعند نقطة ما، إذا كان هناك مصنعان مختلفان جدا، فالمعرفة من مصنع قد لا تنطبق ببساطة على الآخر.

وتقع ممارسات العديد من الشركات في هذا النوع من الفخ على وجه التحديد. ومن بين السيناريوهات الشائعة إرسال الموظفين من المصانع الطرفية Peripheral plants (مثل المصانع في بلدان أجنبية أو مصانع بعيدة جغرافياً) إلى المصانع المركزية Central plants (التي كثيراً ما تقع في موقع مقار الشركات نفسه) لكي يتعلموا كيف يجري العمل بالأشياء ”بالطريقة الصحيحة“. ولا يساعد هذا على تعزيز الابتكار من الأسفل إلى الأعلى Bottom-up innovation: لأن المحطات المركزية كثيراً ما تقود التطوير بالاستعانة بعمليات وتقنيات جديدة، لذا لا في الغالب لا يتمكن الموظفون ”الطرفيون“ الزائرون من تطبيق المعرفة التي اكتسبوها بسهولة في مصانعهم الأصلية، حيث لم يجر تبني هذه المستجدات بعد. وبالمثل، قد يجد الموظفون من المصانع المركزية الأكثر تطورا القليل الذي يمكنهم تعلمه من الظروف والقيود الخاصة التي تعمل في ظلها المصانع الطرفية. وهكذا لتحقيق الإبتكارات الممكنة بفضل ”إمكانية التنقّل الخطوط الأمامية“، فإن الالتفات إلى الوحدات ذات الصلة العاملة في سياقات مماثلة يحقق نتاج أفضل للابتكار الناشئ من ”إمكانية التنقّل الخطوط الأمامية“ وذلك مقارنة بزيارة الوحدات المتطورة تكنولوجيا لكن غير ذات الصلة.

ثالثاً، في حين أن الفوائد الكبيرة المترتبة من ”إمكانية التنقّل الخطوط الأمامية“، من الأفضل أن نحد من عدد الموظفين المشاركين. ففي شركة مصنعة لقطع غيار السيارات، يزور نحو 3% من القوة العاملة مصنعاً آخر كل عام. وقد يؤدي إشراك عدد أكبر من الموظفين من ذلك في التبادلات إلى زيادة التكاليف، مثل تلك التي يجري تكبدها بسبب تكلفة تغطية غياب الموظفين عن مصانعهم الأصلية. فضلاً عن ذلك، وعلى الرغم من عدم وجود حد على مقدار ما يتعلّمه الموظفين، انخفض مقدار نقل المعرفة بعد نحو 10 تبادلات لكل مصنعين وكل عامين.

الحجة لصالح إمكانية تنقل الخطوط الأمامية استراتيجيا

يتمتع الموظفون في مجال الإنتاج بخبرة فريدة في ابتكار المنتجات والعمليات. وعلى هذا تستطيع الشركات التي تتبنى عقلية ابتكار الخطوط الأمامية – الابتكار الذي يحفز الأفكار في مجال الإنتاج ويقيمها وينفذها – أن تخطو خطوات كبيرة. وتُظهِر أبحاثنا أن الشركات لا بد من أن تُعزّز عقلية كهذه بتبني نهج استراتيجي في التعامل مع ”إمكانية تنقل الخطوط الأمامية“، مما سيعزز الابتكار المدفوع بالموظفين من خلال تسهيل تبادل المعرفة الداخلية وتحفيز تعلم الموظفين.

وبما أن كوفيد-19 أوقف السفر بغرض الأعمال على مدى العام الماضي، بدأت العديد من الشركات في التساؤل حول ما إذا كان الوقت والمال والانبعاثات الكربونية المرتبطة بالسفر أمراً ضرورياً، أو ما إذا كان التعاون المُمكَّن بالأدوات الرقمية بديلاً كافياً. وعلى الرغم من أننا لم نقيم درجة نجاح التعاون الافتراضي في تعزيز إبداع الخطوط الأمامية، تقدم دراستنا أدلة قوية على أن ما يدفع الإبداع هو على وجه التحديد ذلك النوع من المصادفة والتبادل الحر للأفكار التي لا تنشأ إلا في الوجود المادي للزملاء من العاملين. ونتيجة لهذا، نعتقد بأن برنامج استراتيجيا ”لإمكانية التنقل“ هادفا وموجها سيكون أكثر ملاءمة لدعم الابتكار في مجال التصنيع المدفوع بالموظفين في الأجل البعيد.

فـيليب بي. كورنيليوس Philipp B. Cornelius

فـيليب بي. كورنيليوس Philipp B. Cornelius

أستاذ مساعد في إدارة التكنولوجيا والعمليات في مدرسة روتردام للإدارة Rotterdam School of Management بجامعة إيراسموس Erasmus University.

بلال جوكبينار Bilal Gokpinar

بلال جوكبينار Bilal Gokpinar

أستاذ العمليات والتكنولوجيا والإبداع في مدرسة يو سي إل للإدارة UCL School of Management بجامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London.

فابيان جاي. ستينغ Fabian J. Sting (@faste1005)

فابيان جاي. ستينغ Fabian J. Sting (@faste1005)

رئيس دائرة إدارة سلاسل التوريد — الاستراتيجية والابتكار Department of Supply Chain Management — Strategy and Innovation في جامعة كولونيا University of Cologne، إضافة إلى كونه أستاذ كرسي للابتكار في سلاسل التوريد الرقمية في مدرسة روتردام للإدارة Rotterdam School of Management بجامعة إيراسموس Erasmus University. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62319.

المراجع

المراجع
1 F.J. Sting and C.H. Loch, “Implementing Operations Strategy: How Vertical and Horizontal Coordination Interact,” Production and Operations Management 25, no. 7 (December 2015): 1177-1193
2 P.B. Cornelius, B. Gokpinar, and F.J. Sting, “Sparking Manufacturing Innovation: How  Temporary Interplant Assignments Increase Employee Idea Values,” Management Science, Aug. 20, 2020, https://doi org/10.1287/mnsc.2020.3673.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى