أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
استراتيجياتتسويقعملاء

التنافس على نتائج العملاء

هناك ثلاثة نماذج للإيرادات يمكن أن تساعد الشركات على الاستفادة من رضا العملاء.

ماركو بيرتيني – أوديد كونيغسبرغ

في كتابه وضع التسويق The Marketing Mode الصادر عام 1969، خلَّـد ثيودور ليفيت Theodore Levitt، الأستاذ بكلية الأعمال في جامعة هارفارد Harvard Business School، رجلاً يُدعَى ليو ماكجيفينا Leo McGivena، يُقَال إنه قال: ”في العام الماضي بيع مليون قطعة رأس حفر بقياس ربع بوصة Quarter-inch drill bits – ليس لأن الناس يريدون رأس حفر بقياس ربع بوصة بل لأنهم يريدون ثقوباً بقياس ربع بوصة“.1T. Levitt, “The Marketing Mode: Pathways to Corporate Growth” (New York: McGraw-Hill, 1969). وبعد نصف قرن تبدو هذه التبصرة مقنعةً كما كانت في أي وقت مضى – فالعملاء لا يزالون يرغبون في شراء نتائج Outcomes ذات مغزى (شعور محدد، أو منفعة ملموسة، أو مزيج من الاثنين)، وليس منتجات وخدمات. وما يتغير هو قدرة الشركات على أن تكون أكثر مسؤولة عن تحقيق تلك النتائج من خلال مساعدة العملاء على التنقل بين ثلاث نقاط تفتيش حاسمة: الوصول إلى المنتج Accessing، والاستهلاك (أي تجربتها أو استخدامها) Consuming، وجعلها تؤدي Perform كما هو متوقع أو فوق المتوقع.

ومع ذلك، لا تراهن غالبية الشركات على نجاحها في نقاط التفتيش هذه كلها. وبدلاً من ذلك، تبيع رؤوس حفر بقياس ربع بوصة وتعد العملاء أن الثقوب بقياس ربع بوصة التي يرغبون فيها ستلي. في الواقع، نموذج الإيرادات Revenue Model الذي يركز على نقل ملكية منتج أو خدمة إلى المشتري قد يبدو نموذجا حكيماً؛ لأن الإيرادات تتحقق مُقدَّماً، وتنتقل أي مخاطر مرتبطة بالوصول والاستهلاك والأداء إلى العملاء. لكنه في الواقع يفرض عبئاً لا لزوم له على العملاء ويقلص، في نهاية المطاف، الفرصةَ في السوق. ويحدث هذا الانكماش عندما، مثلاً، ينفر العملاء من الأسعار أو يتخلون عن الشراء لأنه غير ملائم، وعندما يرون الملكية محفوفة جداً بالمخاطر ويقررون عدم الشراء، وعندما يقررون الدفع أقل لاحتساب احتمال عدم الاستفادة الكافية من مشترياتهم أو أن المنتج المشترى لن يؤدي عمله كما هو معلن عنه.

ويمكّن التقدم التكنولوجي الشركات من إعادة كتابة قواعد التجارة. ويعرض التواصل المتنقل Mobile communication والحوسبة السحابية Cloud computing وإنترنت الأشياء Internet of things والتحليلات المتقدمة Advanced analytics والمعاملات الدقيقة Microtransactions معلومات أكثر وضوحاً وفي الوقت المناسب يمكنها إلقاء الضوء على وقت وصول العملاء إلى منتجات هذه الشركات وخدماتها واستهلاكها وكيفية هذا الوصول، وما إذا كانت هذه المنتجات والخدمات تؤدي وظيفتها أو مدى جودة أدائها. ونحن نسمي هذه المعلومات بيانات الأثر Impact data – فهي تمكن الشركات من متابعة ما يحدث لحلولها بعد لحظة الشراء وفهمه.

ووفق وجهة نظرنا، فإن بيانات الأثر – والتكنولوجيات التي تقدمها وتحللها – تحول مسؤولية الشركات عن تحقيق نتائج العملاء Customer outcomes من شعار تسويقي عصري إلى حتمية استراتيجية. وترفض بعض المؤسسات هذه الحتمية، على أمل أن يكون ذلك اتجاهاً Trend عابراً آخر. ويجعل البعض الآخر (بشكل متعمد غالباً) أسعاره أكثر غموضاً ومن ثم أقل قابلية للمقارنة بين المنافسين؛ مما يعوق اتخاذ قرارات شراء سليمة من جانب العملاء. وهذه ألاعيب لن تفوز في المدى الطويل. وبدلاً من ذلك، فإنه ينبغي على الشركات أن تبدأ بتبني المسؤولية عن النتائج وتغيير نماذج إيراداتها وفق ذلك قبل أن يضطرها إلى العمل بذلك المنافسون الأكثر استنارة والشركات الناشئة المُزعزعة Disruptive startups.

وفي هذا الموضوع، سنصف ثلاثة أنواع من نماذج الإيرادات التي قد تساعد الشركات على كسب العملاء ودفع النمو في الأسواق الحالية التي تزداد شفافية. ويعتمد الإطار Framework على تبصرات من مجالاتنا الأكاديمية في الاقتصاد السلوكي Behavioral economics والعمليات السلوكية Behavioral operations، وأبحاثنا، وتفاعلاتنا المستمرة مع الشركات. كذلك سنقدم إرشادات حول تطوير نموذج الإيرادات المناسب لشركتكم وتنفيذه، وإطلاق العنان للإمكانات غير المستغلة لحلولكم في السوق، والاستحواذ على حصة الأسد من القيمة الناتجة.

من الوعود إلى البرهان

مع ثلاثة نماذج من الإيرادات، يمكن للشركات أن تدريجياً تحقق الدرجة المرجوة من الوصول والاستهلاك، والأداء. هناك خطوة واحدة مستثناة من النماذج القياسية للملكية Standard ownership (أو المعاملات Transactional) وهي ما نسميه نماذج الوصول Access models. وتشمل نماذج الوصول هذه الاشتراكات Subscriptions والعضوية Memberships؛ وهي تثبت المدفوعات Payments لفترات زمنية بدلاً من السلع أو الخدمات الفعلية. وفيما يلي نماذج الاستهلاك Consumption models، والتي تشمل التفكيك Unbundling والقياس Metering والمشاركة Sharing؛ وهي لا تسهل الوصول فقط لكنها تمكن العملاء أيضاً من الدفع فقط عند استخدامهم لمنتج أو تجربتهم لخدمة. وأخيراً، تلبي نماذج الأداء Performance models الاحتياجات الثلاثة كلها معاً – الوصول والاستهلاك والأداء – من خلال تمكين العملاء من الدفع على أساس النتائج التي يحققونها. وفي الماضي كانت اتفاقيات الدفع وفق النتائج تستخدم في أطر يسهل فيها قياس الأداء كمياً ومراقبته. ولكن في السنوات الأخيرة، رأيناها تترسخ في مجالات أكثر تعقيداً، مثل الرعاية الصحية والتعليم والتأمين، وحتى الترفيه الحي.

تيسير الوصول Facilitating access. يمكن إرجاع أوجه القصور في الوصول إلى العقبات المادية والمالية. وتشمل العقبات المادية ظروفاً مثل نفاد المخزون وعدم الملاءمة، كما عندما يتطلب إتمام الشراء كثيراً من الوقت أو الجهد. وصُمِّمت خدمات اشتراك، مثل إتش بي إنستانت إنك HP Instant Ink ودولار شايف كلاب Dollar Shave Club، لتقليل هذه العقبات أو إزالتها من خلال التخلص من كثير من التحديات المرتبطة بشراء حبر الطابعة وشفرات الحلاقة، على التوالي، مثل نفادها والسعي وراءها.

أما العقبات المادية الأقل وضوحاً؛ فهي التراكم غير المرغوب فيه للأصول Assets المكلفة أو غير المستخدمة والتخلص من الأصول أيضاً. ولا يكون التخلص من الأصول سهلاً دائماً، ولاسيما عندما تحتوي المنتجات على مواد سامة أو تكون كبيرة نسبياً. وتعالج سيغنيفاي Signify، التي كانت سابقاً تُسمَّى فيليبس لايتينغ Philips Lighting، هذا التحدي من خلال عرض ”الضوء كخدمة“ للعملاء من الشركات مثل مطار شيفول Schiphol Airport في أمستردام وشركة الصلب والتعدين العملاقة أرسيلور ميتال ArcelorMittal. وبموجب هذه العقود، تحتفظ سيغنيفاي بملكية التجهيزات والتراكيب كلها في حين يدفع العميل في مقابل الضوء الذي يستخدمه. وبالمثل، تختبر إيكيا Ikea طرقاً لتحويل نموذج الملكية القياسي للأثاث القابل للتجميع نحو نموذج تأجير لتلبية احتياجات العملاء من حيث القدرة على تحمل التكاليف والاستدامة.

وتنشأ العقبات المالية التي تحول دون الوصول عندما يفتقر العملاء إلى رأس المال لشراء منتج من المنتجات، مثل مركبة أو أثاث منزلي. وبسبب التخفيف من هذا القيد؛ تزداد شعبية اشتراكات التنقل – مثل كير باي فولفو Care by Volvo، والتي تشمل دفعة واحدة تغطي سعر استئجار السيارة وتغطية تأمينية وصيانة شاملة وخدمات الرقمية إضافية في مقابل رسوم شهرية واحدة. وقد تنشأ عقبة مالية أخرى عندما يريد العملاء مجموعة متنوعة من العناصر غالية الثمن، مثل مكتبة موسيقى أو أفلام أو خزانة ملابس أنيقة. وسبوتيفاي Spotify ونتفليكس Netflix هما الآن علامتان تجاريتان منزليتان في هذا الفضاء. ففي الأزياء تعرض الشركة الناشئة الناجحة رنت ذا رنواي Rent the Runway ثلاث خطط شهرية للملابس والإكسسوارات التي يصنعها مصممون وتسمح للأعضاء بأن يقرروا عدد البنود التي يستأجرونها في وقت واحد.

ويكون القاسم المشترك في هذه وغيرها من نماذج الوصول هو: أن الإيرادات تتراكم كدالة زمنية Function of time. وللوهلة الأولى، تبدو هذه النماذج نماذج استئجار وتأجير مألوفة وقائمة منذ فترة طويلة، لكن مجموعة من التطورات التكنولوجية الأخيرة المتعلقة بالمراقبة والتوقع والخدمات اللوجستية والدفع وسعت تطبيقها في معظم قطاعات الاقتصاد. وحاليا، يمكن للشركات خفض الحواجز أمام الدخول في السوق من خلال تحويل أي منتج تقريباً إلى خدمة مع تعزيز الملاءمة. وفي الواقع، صار نموذج Xaas (كل شيء كخدمة) نموذج الإيرادات السائد في صناعات البرمجيات والتكنولوجيا؛ مما يجعل القرص المضغوط للبرمجيات Software CD أمراً عفا عليه الزمن.

مفارقة الجودة

لماذا لا تنتهز الشركات فوراً فرصة تحقيق الدخل Monetize من النتائج في حين أن هذا هو ما يسعى إليه العملاء حقاً؟ وكثيراً ما نجد السبب أن نوعية العروض تعمي الشركات، فيكون غير المتصور تقريباً كسب المال من أي شيء آخر غير ”الأشياء“ التي تقدمها هذه الشركات إلى السوق.

ونسمي هذه الظاهرة مفارقة الجودة Quality paradox، وهناك عاملان على الأقل يحفزان حدوث ذلك. أولاً، الشركات التي تستثمر بشكل مستمر وبثقل في البحث والتطوير R&D تكون عرضة إلى التمسك بما تصنعه. ويعزز هذا التفاني المواقف Attitudes والسلوكيات Behaviors التي تنظر بطبيعتها داخلياً. وكلما كانت ثقافة الشركة أكثر تجذراً في تكنولوجياتها الخاصة، أو خبرتها الهندسية، أو ذكائها في مجال العمليات، مثلاً، كانت مسؤولة أكثر تجاة عروضها بدلاً من عملائها.

ثانياً، الابتكار عمليةٌ مكلفة، وتميل الاستثمارات الثقيلة في تطوير منتجات وخدمات عالية الجودة إلى جعل قادة الشركات أكثر تحفظاً في أي قرار ينطوي على إيرادات. وهذا يؤدي مباشرة إلى نموذج الملكية التقليدية كطريقة افتراضية؛ لأن هذه هي الطريقة الأبسط والأكثر أماناً في الغالب لتغطية التكاليف وقياس العائد على الاستثمار – على الرغم من أنها على الأرجح لن تزيد العائد على الاستثمار إلى الحد الأقصى.

استهلك وادفع Consume and pay. تتخذ أوجه عدم الكفاءة في الاستهلاك أشكالاً كثيرة محبطة. وهي تحدث عندما يكون أحد الأصول – لنقل، سيارة أو شقة أو جهاز طبي – إما غير مستخدم لجزء كبير من عمره الافتراضي أو لا يُحصَل عليه في المقام الأول؛ لأن العملاء لا يستطيعون تبرير الحاجة إلى امتلاكه. فالسيارات، مثلاً، تقف غير عاملة لنحو 95% من الوقت، وهو مستوى منخفض -لدرجة مزعجة- من الاستخدام لمنتج باهظ الثمن كهذا. كذلك ينتج عدم كفاءة الاستهلاك عندما يتعين على العملاء شراء حجم محدد مسبقاً لحزمة تكون أصغر أو أكبر مما ينبغي لاحتياجاتهم. ويحدث أخيراً عندما يحول بعض الحواجز، مثل المخاطر المرتبطة أو سعر سلعة تكميلية، دون استخدام العملاء منتجا أو خدمة يمتلكونها بالفعل. لدى الشركات ثلاثة خيارات لمعالجة هذه المشكلات: التفكيك، والقياس، والمشاركة.

في الماضي، جعلت القيود الفعلية حزم العروض معاً أمراً اقتصادياً (الأغاني على قرص مضغوط، والمواضيع في صحيفة، وهلم جراً). ولكن التكنولوجيات الرقمية غيَّرت الاقتصاد: فالآن، يمكن للشركات رقمنة بعض العروض وتقديمها لتتناسب مع أنماط الاستهلاك الفعلية للعملاء. إلى حد كبير يمكن تفسير التجارب المريرة والمعاناة الأخيرة لشركات الإعلام التقليدية مع التحول الرقمي Digital transformation بهذا الدفع نحو التفكيك.

وفي نماذج القياس تمد شركة المنتج لكنها تتقاضى من العملاء فقط في مقابل استخدامه. اعتمدت وينترهالتر Winterhalter الألمانية، المتخصصة بالآلات والرفوف والمنظفات وإمدادات معالجة المياه والخدمات التجارية في مجال غسل الأطباق، نموذجاً كهذا مع برنامج تسميه الدفع في مقابل الغسلة Pay Per Wash. فبدلاً من بيع منتجاتها أو تأجيرها، تفرض الشركة رسوماً على العملاء في مقابل دورات الغسيل المكتملة. وبالمثل، تتميز أنظمة التحليل الجيني من الجيل التالي Next-generation genetic analysis systems لدى ثيرمو فيشر ساينتيفيك Thermo Fisher Scientific بسَلْسَلَة للحمض النووي DNA sequencing يستند إلى ”الدفع لكل صف“ Pay per lane. والمنصة هي الأولى التي تمكن المختبرات من تشغيل سلسلة واحدة أو بضع سلسلات أو السلسلات كلها والدفع فقط في مقابل الكواشف الكيميائية المستخدمة في السلسلة المختارة.

وفي نماذج مشاركة الإيرادات يعمل البائعون إما بإدارة منصة Platform أو الانضمام إليها لتوزيع منتج أو خدمة بين العديد من المستخدمين المهتمين. وتنمو هذه المشروعات الاستهلاكية التعاونية بمعدل مثير للإعجاب لأنها لا تقلل من الهدر للعملاء فحسب، بل تحسن أيضاً من استخدام الأصول – ومن ثم العائد على الاستثمار – لأصحاب الأصول. وتُعَد أوبر Uber وإير بي إن بي Airbnb مثالين واضحين على ذلك. وكذلك هي الحال في فلكسي Flexe للخدمات اللوجستية الناشئة، التي تطابق بين تجار التجزئة والمستودعات التي تحتوي على مساحة زائدة، وسبوت هيرو SpotHero، التي تساعد السائقين على العثور على أماكن متاحة لوقوف السيارات في المدن المزدحمة من خلال تجميع المساحات الاستيعابية لشركائها المشاركين.

غير أن الأثر الأكبر لنماذج المشاركة قد يكون محسوساً في الاقتصادات الأقل نمواً والاقتصادات الريفية، حيث تتيح تكنولوجيا المعلومات تشارك الأصول الحيوية، مثل المعدات الزراعية، على نطاق أكبر بكثير مما كان ممكنا في السابق. ومن الأمثلة على ذلك هالو تراكتور Hello Tractor، التي مكّنت منصتها المزارعين في نيجيريا من الوصول إلى الآلات الزراعية على أساس الدفع في مقابل الاستخدام مع توفير الأمان الذي يطلبه أصحاب الآلات من خلال المتابعة عن بعد. وبالمثل، تسعى ترينغو Trringo، وهي خدمة لتأجير جرارات ومعدات زراعية في الهند، إلى تسهيل الوصول إلى هذه الموارد النادرة سهلة وبأسعار معقولة للمزارعين في أنحاء البلاد كلها. وتؤكد هذه الأمثلة العلاقة المتأصلة بين المبادرات التي تعالج هدر الاستهلاك وتلك التي تعالج هدر الوصول. وفي حين أن الحصول على المعدات الزراعية لا يضمن الاستهلاك، لا يوجد استهلاك من دون الوصول إليه.

يساعد كل من هذه النماذج العملاء عن طريق إزالة الحواجز التي تحول دون استخدام الحلول وتفعيل القدرات الخاملة أو غير المستغلة استغلالاً كاملاً. ولكن نماذج الاستهلاك لا تضمن النتائج: فهي قد تنتج الأداء الذي يبحث عنه العملاء في منتج أو خدمة أو ربما لا تنتجه.

ضمان الأداء Performance, guaranteed. القيمة المـُحقَّقة هي النتيجة النهائية Ultimate outcome. ففي أسواق البيع من الشركات إلى الشركات B2B، يعني تحقيق القيمة Delivery of value أن حلاً معيناً يحسن ربحية Profitability العميل، لكن الموافقة على عقد على أساس أثر الربح Profit impact قد تكون مهمة صعبة. مثلاً، كثيراً ما يكون من الصعب عزل الأثر الخاص بعامل واحد عندما يكون هناك مزيج معقد من العوامل تُسهم في الموضوع. أما في أسواق البيع من الشركات إلى العملاء B2C؛ تجمع القيمة بين الانطباعات أو الأحاسيس وبين المنافع الملموسة، ولم تتقدم تكنولوجيا الأبحاث بعد إلى درجة يمكن للشركة معها على نطاق واسع تحديد وقياس غيرات نشاط الدماغ التي تشير إلى الرضا العام للأفراد المستمد من المنتجات والخدمات اليومية. وحتى لو أمكن تحقيق ذلك، فقد تجعل المعايير الاجتماعية جمع هذه الانطباعات الحميمة واستخدامها أمرا مستحيلاً. وفي كلا السياقين، يكون البديل العملي هو الاستقرار على ممثل يمثل قيمة بدقة، ويمكن تحديده كمياً من قبل الشركة، ومن ثم، يمكن التحقق من صحته من قبل العميل. ولنفكر في ثلاثة أمثلة:

بدلاً من بيع المتفجرات، اعتمدت أوريكا Orica الأسترالية المتعددة الجنسيات نموذج إيرادات يعمل على جودة الانفجارات التي تقدمها إلى العملاء. وبالإمكان تطبيق عقودها في مجال تفجير الصخور؛ لأن حجم الصخرة المكسورة الناتجة من انفجار له أثر كبير في تكلفة تشغيل المنجم (مع زيادة التفتيت يكون من الأرخص التعاملُ مع الحطام غير المرغوب فيه والتخلص منه) ومن ثم ربحية المنجم. وصارت هذه العقود سمة مميزة لأوريكا، سواء داخلياً، من حيث الابتكار وتطوير المنتجات، أم خارجياً، من حيث علاقاتها المستمرة بالعملاء وتحديد مواقعها في السوق.

في مجال الرعاية الصحية، تطوّر روش Roche – وهي شركة سويسرية متعددة الجنسيات للمستحضرات الصيدلانية- نماذج سداد شخصية Personal reimbursement models، ما يشكل كسراً واضحاً لتقليد فرض رسوم على حبة دواء أو علاج – أي نموذج الملكية الموروث في هذه الصناعة. وفي ظل هذا النموذج الجديد تعترف روش بأن آثار الأدوية قد تختلف وفق الأعراض (أي حالة المريض المحددة)، واستخدامها مع أدوية أخرى، والاستجابة للعلاج، وتُفرَض رسومٌ على العملاء في ضوء هذا الواقع.

وأخيرا، جلب تياترنيو Teatreneu -وهو مسرح كوميدي شهير في برشلونة بإسبانيا- نموذج إيرادات قائم على الأداء إلى مجال الترفيه الحي من خلال فرض رسوم على الرواد وفق مدى تمتعهم به. ويدخل العملاء المسرح مجاناً ويسجلون في نظامه للدفع في مقابل الضحك، ويسجل نظام تعرف على الوجه موضوع على مسند المقعد أمامهم كل مرة يضحكون خلال الأداء. وسعر كل ضحكة 30 سنتا (اليورو)، مع رسوم قصوى قدرها 24 يورو لكل عرض، أو 80 ضحكة، بحيث ”لا يضطر أحد إلى البكاء لأنه ضحك أكثر مما يستطيع دفع ثمنه“.2Markedu, “Pay Per Laugh Teatreneu — Case Study Award Winning Campaign,” Oct. 30, 2015, YouTube video, 1:27, www.youtube.com.

نماذج الأداء هي أحدث ما هو متوفر في مجال المسؤولية عن النتائج Outcome accountability. وتفرض هذه النماذج رسوماً مباشرة وبدقة قدر الإمكان على القيمة أو المنفعة التي يشتقها العملاء من الشراء. وليست هناك حاجة إلى إجراءات وسيطة – تحقق دخل من النواتج، ويمكن التقليل عدم كفاءة الأداء إلى الحد الأدنى لكل من الوصول إلى الأسواق والاستهلاك.

اتباع مسار النتائج

السؤال الوجودي بالنسبة إلى قادة الشركات الذين يشعرون بعدم الارتياح إزاء التكنولوجيات الجديدة والمنافسة المزعزعة التي قد تهدد معيشتهم هو، ما المبلغ الذي نطلب إلى العملاء دفعه؟ والحقيقة العصية حول “كيف يمكن للشركة أن تحقق إيرادات ناجحة” تكمن في كيفية إجابة القادة عن هذا السؤال، وليس في الوعود المقطوعة في الإعلانات أو عبر الإنترنت أو في مكالمات المبيعات. ويتطلب تطوير نموذجكم للإيرادات عقليةً مختلفة وكفاءات جديدة. وعلى وجه الخصوص، هناك خمسة أسئلة حاسمة يجب الإجابة عنها:

1. ماذا نعني بالنتيجة What do we mean by outcome؟ نقطة البداية هي بوضوح تحديد النتائج التي ترغب فيها المؤسسة. ولكي تكون النتيجة مناسبة كأساس لنموذج الإيرادات، يجب أن تكون:

● ذات معنى للعملاء Meaningful to customers. قد يبدو هذا واضحاً، لكن العديد من الشركات لا تزال ترتكب هفوة النظر في نفسها – مع تركيز على ميزات المنتج أو الخدمة التي لديها فيها مصلحة متأصلة أو ميزة تكنولوجية، حتى عندما تكون هذه الخصائص غير ذات صلة أو لا تهم كثيراً العملاء. (انظر: مفارقة الجودة).

● قابلة للقياس Measurable. يجب على المؤسسة وعملائها الاتفاق على المعامل Parameter (المعاملات) التي تعكس أفضل النتائج، ومتى وكيف ستُرصَد.

● مستقلةIndependent. لا يمكن للشركة ولا لعملائها، ولا أطراف خارجية، العبث بقياس النتيجة لمصلحتهم.

وإضافة إلى ذلك، يتعين على القادة النظر في عدد النتائج التي يريدون من المؤسسة أن تحققها ودرجة السيطرة على كل نتيجة، لأن هذه العوامل يمكن أن تفرض مقايضات Trade-offs بين التعقيد والعوائد المالية. ويتعلق العدد الصحيح من النتائج بتنوع احتياجات العملاء ورغباتهم في السوق. وهذا يحدد ما إذا كان بإمكانكم خدمة السوق بنتيجة واحدة أو يجب أن تدافعوا عن نتائج متعددة. ومن الواضح أن الشركة التي تقدم نتائج متعددة من المرجح أن تتطلب تنسيقاً أكبر وتواجه تحديات أكبر على امتداد العديد من الأبعاد، من تطوير المنتجات والعمليات إلى التسويق والتواصل، لكنها في المقابل تخدم مزيداً من العملاء وتحقق دخلاً منهم.

وفي الوقت نفسه، فإن النتائج تميل إلى أن تكون أقل تعقيداً عندما يتوقف تحقيقها على المؤسسة التي تبيعها فقط أو عندما يمكن تقسيمها إلى مجموعة صغيرة من الخطوات الواضحة التي يمكن إدارتها. وعلى العكس من ذلك تميل النتائج إلى أن تكون أكثر تعقيداً عندما تشمل الوسطاء والعملاء أنفسهم أو عندما تكون العملية الأساسية غير واضحة أو يصعب السيطرة عليها. وفي نهاية المطاف يكون التعقيد هنا مسألة من مسائل عدد الأجزاء المتحركة التي يجب على الشركة متابعتها وتنسيقها لتنفيذ نموذج قائم على النتائج والحفاظ عليه. مثلاً، يكون عدد المساهمين مهماً فإذا تطورت السوق إلى النقطة التي يدفع فيها العملاء وفق مقياس ما للأداء، حينها سيحتاج الفريق المسؤول عن تقديم هذا الأداء إلى تشارك الإيرادات الناتجة.

2. ماذا يحدث بعد وصول منتجاتنا وخدماتنا إلى العملاء What happens after our products and services reach customers؟ “كم عدد الأميال التي قطعتها؟” هو واحد من الأسئلة الأولى التي سيطرحها ميكانيكي عندما يجلب شخص ما سيارة لمحطة الخدمة. وهو أيضاً أحد أهم الأسئلة التي سيطرحها مشترٍ محتمل لسيارة مستعملة. فهذا الرقم المفرد يحدد التوقعات حول البلى، واحتياجات الإصلاح، وتكاليف التأمين، والقيمة المتبقية، وأكثر من ذلك.

ما وراء الاحتياجات والرحلات

في نهاية المطاف تحتاج الشركات إلى ثلاثة أنواع من البيانات لتسمي نفسها شركة تركّز على احتياجات العملاء حقاً. والنوع الأول هو البيانات المتعلقة باحتياجات العملاء ورغباتهم؛ مما يساعد الشركات على فهم أنواع الحلول التي سيشتريها العملاء. وكان هذا النوع من البيانات شريان الحياة لإدارات البحث والتطوير والتسويق لعقود.

والنوع الثاني من البيانات هو أكثر حداثة نسبياً ويتضمن معلومات عن الخطوات المختلفة التي يتخذها العملاء عندما يبحثون عن حلول وينتقونها لتلبية احتياجاتهم ورغباتهم. فقد كانت العروض الأصلية لرحلات اتخاذ القرار هذه خطية Linear، إذ يتبع العملاء مساراً يمكن توقعه إلى حد ما يعكس خطوات من الوعي بالمنتج، فالاهتمام، إلى الشراء الفعلي. غير أن رحلات قرار العملاء حالياً هي أي شيء إلا أن تكون خطية، فهي تتكشف في شكل غير منتظم عبر نقاط اتصال فعلية وافتراضية متعددة، مع المؤسسات التي تحاول استخدام هذه المعلومات لهندسة تجارب أكثر ثراء وإقامة علاقات أقوى مع جمهورها المستهدف.

وأحدث نوع من بيانات العملاء هو بيانات الأثر، التي تستكمل حلقة رحلة أي شركة نحو أن تكون شركة تركز على العملاء. وهي تحل محل القصص المروية عن حالات منفرد والتخمين؛ مما يسمح للمؤسسات بتحديد التغييرات في الأنماط السلوكية للعملاء واستخلاص استنتاجات أكثر موثوقية حول سبب حدوثها. وتتيح بيانات الأثر للشركات تحسين منتجاتها وخدماتها لتوليد مزيد من القيمة لنفسها ولعملائها. وفي الواقع، يتزايد طلب العملاء بأن الشركات تستخدم بيانات الأثر لخدمة مصالحها في شكل أفضل – وهم ينجذبون إلى البائعين الذين لا يستفيدون إلا عندما يكون العملاء راضين. وتسمح بيانات الأثر للعملاء بدفع ثمن ما يحصلون عليه على وجه التحديد، لا أكثر ولا أقل.

وما لا تستطيع الأميال فعله هو إخبارنا بأي شيء عن استخدام السيارة أو أدائها على وجه اليقين. وبمجرد مغادرة السيارة لموقف التاجر، يكون الباقي عبارة عن صندوق أسود نوع ما. لا يمكن أن تخبرنا عدادات المسافات مَنْ الذي جلس في السيارة واستخدمها، والظروف التي قطعت ميلاً من الأميال في ظلها، ومدى جودة أداء السيارة لكل ميل. ولا تعرض عدادات المسافات أيضاً أي تبصرٍ في الأميال التي لم تُقطَع بسبب عطل أو غير ذلك من المسائل الميكانيكية أو التقنية الخاصة بالسيارة.

وفي نهاية المطاف، فإن الحلقة المفقودة في فهم القيمة التي يستمدها العملاء من مشترياتهم هي حلقة بيانات الأثر Impact data. وعلى مدى العقود الماضية، حققت المؤسسات التي تركز على العملاء تقدماً مهماً في فهم احتياجات العملاء ورغباتهم، فضلاً عن رسم خريطة عمليات الشراء وتجاربه العملاء. (انظر: ما وراء الاحتياجات والرحلات). ومع ذلك، قبل توفر تكنولوجيا المعلومات على نطاق واسع، لم يكن بإمكان الشركات مراقبة سلوك العملاء بعد الشراء مراقبة فاعلة وبطريقة مباشرة وكاملة وفي الوقت الفعلي.

لم يعد الأمر كذلك. فبيانات الأثر تمكن الشركات من استكمال دائرة التركيز على العملاء بالكامل، فتحدد نماذج الدخل الفاعلة. ومن دون بيانات الأثر (إلى جانب المعلومات التقليدية عن الاحتياجات والرغبات والرحلات)، لن تكون لدى الشركات وسائل موثوق بها لتحديد أوجه القصور في الوصول والاستهلاك والأداء التي قد تصيب نماذج الإيرادات التقليدية القائمة على الملكية. وبناء على ذلك، لن تكون لديها أي وسيلة موثوق بها لتحديد مسؤوليتها نفسها حقاً على القيمة التي قد تعرضها على العملاء.

ولعل أحد الاعتبارات الكبيرة هو: المدى الذي يرغب فيه العملاء في مشاركة بيانات الأثر الخاصة بهم. وفي حين أن جمع المعلومات عن احتياجات العملاء ورغباتهم ورحلات اتخاذ القرار ليس عادةً أمراً متطفلا على الخصوصية، فإن جمع بيانات الأثر هو كذلك. ويمكنه أن يكشف عن الحقائق والأنماط والميول والسلوكيات التي يحتفظ بها العملاء عمداً لأنفسهم. وقد يبدو أي سعي مدفوع بالبيانات إلى الحصول على نموذج أفضل للإيرادات وكأنه سرقة للعملاء ما لم تحمِ الشركات خصوصيتهم وتعزز ثقتهم. وتنطوي حماية الخصوصية على وضع الضمانات المناسبة للحفاظ على سرية البيانات. وينطوي بناء الثقة على طمأنة العملاء أن الشركة تجمع بيانات الأثر وتستخدمها لأغراض هي، في نهاية المطاف، في مصلحتهم.

3. هل منتجاتنا وخدماتنا محسنة للأثر Are our products and services optimized for impact؟ النتيجة الثانوية المفاجئة لكن الحاسمة للإجابة عن السؤالين أعلاه هو أنه صار لدى القادة فجأة مقياسٌ Metric دقيقٌ لا لبس فيه لتقييم الابتكار. ولا يخدم الابتكار دائماً العميل. بل بعض الأحيان، حتى الشركات الأكثر هوساً بالعملاء، يحيد نظرها عن الجائزة وتبحث عن الإلهام في الداخل – سعياً إلى الحل الأكثر فاعلية من حيث التكلفة Cost-efficient، أو دفعاً للميزات التي ترغب فيها الفرق الداخلية، أو تقديماً لتنازلات تحقق عائداً أعلى على الاستثمار Higher return on investment في البداية.

وتسمح الإجابة عن هذا السؤال للقادة بمراجعة محفظة المنتجات والخدمات الحالية وتعديلها. فهي تمكنهم من مواءمة جهود الابتكار مواءمة أفضل مع الطريقة التي يستمد بها العملاء القيمة، وتحفزهم أو تدفعهم إلى تجريد الانحرافات الداخلية والتركيز على (إعادة) تصميم الأثر.

4. كيف نشرك العملاء الذين يشاركون في توليد القيمة How do we engage customers who participate in the creation of value؟ الشركات التي تعتمد نموذج الإيرادات المستندة إلى الأداء Performance-based revenue model تقترض المخاطرَ المرتبطة بإيصال القيمة للعملاء. ولا تحمل هذا الخطر مشكلة إذا كانت الشركة واثقة من أنها قادرة على أن تولد باستمرار نتائج تتمتع بالجودة. لكن ماذا يحدث عندما يكون العملاء مشاركين نشطين في توليد القيمة؟ مثلاً، قد يوفر دواء جديد راحة فائقة، لكن هذا يعتمد على ما إذا كان المريض يلتزم بالتعليمات حول متى يأخذ الدواء وكيف يأخذه. وبالمثل، قد توفر الدورة أو المنصة التعليمية المصممة تصميماً جيداً تعليماً فائقاً، لكن هذه النتيجة تعتمد على ما إذا كان الطالب يبذل جهداً ويتبع المنهج الدراسي.

عندما يشارك العملاء في توليد القيمة، قد يكون الخطر الناجم عن ذلك مفرطاً للشركة، ما لم تتمكن من عرض الحوافز المناسبة لضمان تقديمهم للمساهمة المناسبة. ولعل أبسط طريقة لتحفيز العملاء على التصرف هي مكافأتهم مكافأة متناسبة مع تصرفهم بطريقة تحسن الجودة الأساسية للنتائج. وبعبارة أخرى، مع توسع قيمة الكعكة في التبادل بين الشركة والعميل، يجب أن تتزايد استفادة العميل من شريحة أكبر.

وفيما عدا المكافآت المالية، فلدى الشركات ثلاثة خيارات للتخفيف من المخاطر تفترض الشركات أنها تنجم من العملاء. أولاً، يمكنها إبرام عقود رسمية حتى يتسنى للشركة وعملائها إدراك حقوقهم والتزاماتهم من حيث تبادل الأجور في مقابل الأداء. ثانياً، يمكنهم استخدام عناصر من الألعاب Gamification — المنافسة Competition، أو نظام النقاط Point system، أو أي آلية تحفيز أخرى — لدفع العملاء نحو السلوكيات التي تقدم أكبر مساهمة في جودة النتائج. وهذا أمر ذو أهمية خاصة بالنسبة إلى الأسواق الاستهلاكية، فهو مثلا سمة من سمات العديد من منتجات التأمين على السيارات الحديثة للدفع في مقابل كل مسافة مقطوعة. وأخيراً، يمكن للشركة أن توسع عملياتها وتتولى أداء الأنشطة التي يؤديها العملاء عادة. وهذا الخيار منطقي عندما يفتقر العملاء إلى الدراية الكافية أو المهارات أو الموارد الكافية لضمان تحقيق نتيجة على قدم المساواة مع ما يمكن أن تقدمه الشركة – وهو أمر نراه كثيراً في الأسواق الصناعية، إذ أعاد العديد من الموردين البارزين اختراع أنفسهم كمزوّدي حلول.

لا يخدم الابتكار دائماً العميل. وفي بعض الأحيان، فإن الشركات الأكثر هوساً بالعملاء تحيد بنظرها عن الجائزة وتبحث عن الحل الأكثر فاعلية من حيث التكلفة، أو توفر الميزات التي ترغب فيها الفرق الداخلية.

5. ما هي الخطة الانتقالية What is the transition plan؟ تغيير الطريقة التي تجني بها شركتكم المال ليس بالأمر السهل. فطبيعة منتجكم (المادي في مقابل الرقمي)، وسرعة التغير التكنولوجي في السوق، والمعتقدات حول المدة التي سيستغرقها عملائكم لتغيير العادات، من المرجح أن تكون عوامل مهمة في تحديد متى تؤدون الخطوة التالية. وعندما يحين الوقت، ستحتاجون إلى الاختيار بين النهج الراديكالي لإطلاق النموذج الجديد مع إيقاف القديم، أو التدرج في استكشاف الواقع الجديد من خلال تجربة نماذج إيرادات متعددة لفترة ما. وليس أي من النهجين سهلاً، فكلاهما يعتمد على قدرتكم على إدارة التوقعات داخل الشركة وخارجها.

والنهج الأول محفوف بالمخاطر، فأنت تراهن بكل شيء في مسار واحد. ويكاد يكون من المضمون أن يؤدي إلى خسائر على المدى القصير مع التراكم السريع لتكاليف الانتقال وتأجيل الإيرادات من نقطة الشراء إلى مرحلة ما في المستقبل – وذلك في شكل دوري عند كل من الوصول، أو الاستهلاك، أو الأداء، وفق النموذج المختار. وبالنسبة إلى شركة عامة، يمكن لهذه الآثار أن تُنفر المستثمرين ما لم يفهموا الاستراتيجية (ويوافقوا عليها) ويدركوا الطبيعة المؤقتة للانكماش.

ويبدو النهج الثاني أكثر أماناً لكنه لا يخلو من المخاطر بأي حال من الأحوال. فعندما يُعطَى العملاء الحاليون الخيار، فمن المرجح أن يتحولوا إلى نموذج الإيرادات الذي يجعلهم أفضل حالاً. ولأن هذا يؤدي إلى المزاحمة (منافسة المنتجات لنفسها) Cannibalization، سيكون الأثر على المدى القصير للمبيعات في العملاء الحاليين سلبياً؛ مما قد يولّد احتكاكاً داخل مؤسسة يتجلى فجأة. وبناء على ذلك، فمن المهم تحديد التوقعات ووضع قواعد أساسية واضحة إذا كانت نماذج الإيرادات النشطة تقودها فرق مختلفة، لتجنب المنافسة الداخلية على العملاء أنفسهم. كذلك يجب معايرة الأسعار بعناية لتقليل المزاحمة إلى الحد الأدنى.

وبغض النظر عن أي من هذه النُهُج ستتخذون، ستحتاج المؤسسة قريباً إلى سؤال نفسها عما ستبدو عليه الأعمال إذا تعاملت مع العملاء على أساس نموذج متغير للإيرادات. ويتطلب تخيل هذا السيناريو الإبداع والمنظور الصحيح. فما هو المعيار الصحيح عندما تعمل شركة ما بالبت في مسار العمل المستقبلي؟ على الرغم من أن الأمر كذلك في كثير من الأحيان في الممارسة العملية، فإن نقطة المقارنة (مجموعة التحكم (الضابطة/المراقبة) Control group، إذا جاز التعبير) ينبغي ألا تكون هي الوضع الراهن Status quo – كما يعبر عن ذلك الأداء الحالي من حيث المؤشرات Indicators المالية والتجارية الرئيسية. فهذا يضفي شعوراً زائفاً بالأمن. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن تعقد المؤسسةُ مقارنةً بين العقود المستقبلية المتعددة، على أن تقارن بين العواقب المحتملة للتغيير المخطط له في نموذج الإيرادات Revenue model وبين النتيجة المتوقعة المحتملة للتقاعس عن العمل (أي قرار الإبقاء على نموذج الإيرادات القائم). وإضافة إلى ذلك، ينبغي ألا يكون الأفق الزمني المناسب لهذه المقارنة قصير المدى، كما ينبغي النظر إلى أي تراجع متوقع في المقاييس الحساسة، مثل عدد العملاء أو الإيرادات أو الربحية، باعتباره استثماراً في مستقبل أكثر استدامة.

الشركات التي تكسب مالاً من خلال بيع المنتجات والخدمات تميل إلى افتراض وجود صلة مباشرة وقوية بين مقدار الأموال التي ينفقها العملاء على عرض معين وتحقيق النتائج التي يرغبون فيها. ولكن هذه ليست هي الحال في كثير من الأحيان، ويتحمل العميل نتيجة أي انقطاع. ولا تتيح الملكية في حد ذاتها الوصول، ولا تعني الاستهلاك. وهي بالتأكيد لا تضمن الأداء.

عندما يكون لشركة منتجاً أو خدمة متفوقة حقاً، ولاسيما عندما تكون لديها الموارد اللازمة للابتكار والحفاظ على ميزة تقنية، يمكن أن تسبب لنفسها وعملائها ضرراً عن طريق التمسك بعناد بنموذج الإيرادات على أساس الملكية. فهذه الشركة لا تُسعِّر Pricing بشكل صحيح ميزتها التنافسية Competitive advantage. وفي الواقع، فإن المزاعم حول قيمة فائقة للعملاء هي كلام رخيص ما لم تدعمها الشركات بالعمل ليس فقط من خلال تقديم الحلول التي يحتاج إليها العملاء ويريدونها بل أيضاً باعتماد نموذج الإيرادات الذي يوائم نجاحها مع نجاح العملاء. وينبغي أن يكون هذا بديهياً للشركات – ولاسيما تلك التي تدعي أنها تضع العملاء في قلب عملياتها وأمضت العقود العديدة الماضية في زيادة قدرتها على جمع تبصرات ذات مغزى حول دوافعها ورحلات اتخاذ القرار.

نحن نحضكم على العمل على هذا الحدس. ومع ذلك، لا يمكن لكل شركة -أو يجب عليها- التسرع في تنفيذ نموذج الإيرادات المستند إلى الأداء. فقد تكون نماذج الأداء الوجهة النهائية، لكنها ليست بالضرورة الوجهة التالية.

ومع ذلك، ينبغي للشركات أن تدرك أن نماذج الإيرادات المكرسة في مجرد ملكية منتج أو خدمة ما هي نماذج أدنى بوضوح. والانتقال إلى بدائل أفضل ترتكز على الوقت أو الاستخدام هو في متناول معظم الشركات – حتى تتمكن من البدء بالسعي إلى تحقيق نماذج الوصول والاستهلاك الآن.

ماركو بيرتيني Marco Bertini

ماركو بيرتيني Marco Bertini

أستاذ التسويق من جامعة إسادي رامون لول Esade-Ramon Llull University، وهو أحد مؤسسي معهد القرارات التي توجهها البيانات Institute for Data-Driven Decisions في الجامعة.

أودد كونيغسبرغ Oded Koenigsberg

أودد كونيغسبرغ Oded Koenigsberg

أستاذ التسويق ونائب عميد مدرسة لندن للأعمال London Business School. وهما مؤلفا لعبة النهايات: كيف تتوقف الشركات الذكية عن بيع المنتجات وتبدأ بتحقيق القيمة The Ends Game: How Smart Companies Stop Selling Products and Start Delivering Value (مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Press، 2020)، الذي اقتُبِس هذا الموضوع منه. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62126.

المراجع

المراجع
1 T. Levitt, “The Marketing Mode: Pathways to Corporate Growth” (New York: McGraw-Hill, 1969).
2 Markedu, “Pay Per Laugh Teatreneu — Case Study Award Winning Campaign,” Oct. 30, 2015, YouTube video, 1:27, www.youtube.com.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى