أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

أن نكون أكثر ذكاء فيما يتعلق بالمباني الذكية

يمكن للبيئات الذكية أن تجعل مكان العمل أكثر أماناً وتحسن التعاون.

إيثان بيرنشتاين

نشهد اهتماما متجددا بالمباني الذكية Smart buildings، إذ تنظر المؤسسات وملاكو هذه المباني ومطوروها فيما سيتطلبه تسهيل العودة الجماعية إلى مساحات العمل المادية في منتصف الجائحة وما بعدها. وعلى وجه الخصوص، يفكرون في كيفية استخدام التكنولوجيات الناشئة، فيما عدا أجهزة الاستشعار والتطبيقات المتنوعة للحدائق، لمتابعة الموظفين والحفاظ على سلامتهم. ومن الممكن بشكل متزايد، مثلاً، تحليل موجات الراديو، مثل الواي فاي Wi-Fi، لمراقبة أمكنة تنقل الأشخاص وكيفيته – من دون أي اتصال بالهاتف الذكي أو الأجهزة الأخرى.1A. Khalili, A. Soliman, M. Asaduzzaman, et al., “Wi-Fi Sensing: Applications and Challenges,” The Journal of Engineering 2020, no. 3 (March 2020): 87-97.

وأصحاب العمل والبناة أيضاً يعيدون النظر في التصميم الأمثل للمكاتب.2J. Mudditt, “How Offices Will Change After Coronavirus,” BBC, May 14, 2020, www.bbc.com. بل يجري الآن عالميا إعادة تقييم اشتراطات اعتمادات المباني الذكية.

ومع ذلك، واستجابة لكل هذه الاهتمام، يجب على المرء أن يسأل: ماذا سينتج من ذلك؟ هل ”الذكي“ حقاً يزداد ذكاءً – ويأخذنا إلى حيث نريد أن نذهب؟

للبيئات الذكية سجل طويل وغير كامل للغاية، إذ يعود تاريخها على الأقل إلى القرن السابع عشر، عندما صنع المخترع الهولندي كورنيليس دريبل Cornelis Drebbel أحد أول الأجهزة التي تتحكم بها ردود الفعل: كان منظماً لدرجة الحرارة يتحكم في تدفق الهواء بحاضنة للدجاج، استناداً إلى درجة الحرارة. وكان التقدم المحرز منذ ذلك الحين مثيراً للإعجاب، ولاسيما من حيث الكفاءة (فكروا في توفير الطاقة والوقت)، والراحة أو العافية (درجة الحرارة، وجودة الهواء، والصوت، والإضاءة، وما إلى ذلك)، والسلامة (الكشف عن الحريق، والكشف عن تسرب الغاز والماء، وغير ذلك من التشخيص الذاتي).3T.A. Nguyen and M. Aiello, “Energy Intelligent Buildings Based on User Activity: A Survey,” Energy and Buildings 56 (January 2013): 244-257. وفي هذا المجال حققنا كثيراً من الوعد بما كان يسمى في الأصل مباني ذكية (أو مؤتمتة) في نهاية القرن الماضي.4A.H. Buckman, M. Mayfield, and S.B.M. Beck, “What Is a Smart Building?” Smart and Sustainable Built Environment 3, no. 2 (September 2014): 92-109. ولكن ”الذكي“ لم يعد أيضاً يلبي توقعاتنا في هذا القرن. فقد أردنا المنازل الذكية التي ستعمل معنا لتوقع احتياجاتنا اليومية تلقائياً وتلبيتها، لكننا استقرينا على المنازل المتصلة التي نتحكم فيها يدوياً من هواتفنا الذكية؛ وأردنا مدناً ذكية تعمل بكفاءة أكبر من خلال التعلم والتوقع والاستجابة لأنماط معيشتنا، لكننا استقرينا على مجموعات بيانات كبيرة غير مستفاد منها استفادة مثلى.

وثمة نمط هنا، نمط ربما متجذر في تعريفاتنا القاموسية لما هو ذكي. فنحن نستخدم هذه الكلمة بطريقتين متميزتين، في إشارة إلى الذكاء البشري (حدتنا العقلية) وذكاء الجهاز (قدرة التكنولوجيا على العمل التوقعي والمستقل أو المؤتمت). وإلى أن ندمج تلك التعريفات ونوظف استثمارات كافية لإدماجها في الممارسة العملية، وليس من الناحية النظرية فحسب، ستظل طموحاتنا إلى الذكي – فيما يخص أماكن عملنا وكذلك منازلنا ومدننا – بعيدة المنال.

وليس تكامل كهذا سهلاً.5Z. Belafi, T. Hong, and A. Reith, “Smart Building Management vs. Intuitive Human Control — Lessons Learnt From an Office Building in Hungary,” Building Simulation 10, no. 6 (April 2017): 811-828. فمن ناحية يسبق الذكاء البشري حالياً ذكاء الأجهزة – إذ لا تزال أدمغتنا أفضل وحدات المعالجة المركزية المتوفرة. ومن ناحية أخرى تتوسع طاقة المعالجة غير البشرية والاتصال بالجهاز في شكل كبير، في حين أن قوتنا العقلية ليست كذلك. وعلى الرغم من أن ذكاء الأجهزة يستفيد من الأنماط السلوكية التي يمكن توقعها، فإن السلوكيات -المتغيرة تغيرا كبيرا بفعل الأحداث غير المتوقعة مثل كوفيد-19 – تُظهر ميلنا البشري إلى تحدي التوقع. لكن إذا تعلمنا من الماضي ووسعنا تفكيرنا بما يكفي، يمكن للمباني الذكية أن تؤدي دوراً رئيسياً في مساعدتنا على معرفة شكل العمل في الأشهر والسنوات المقبلة.

مخطط للتقدم

تقترح الأبحاث والتجارب أربع طرق للمضي قدماً:

1. بدلاً من التركيز على ما يمكن لأجهزة الاستشعار والأتمتة أن تكشفه أو تفعله من تلقاء نفسها، ينبغي لنا النظر في الكيفية التي يمكن للتكنولوجيا أن تعزز بأمان التفاعلات البشرية التعاونية والفاعلة. وأثبتت الأبحاث أن البيئات المادية التي نعتقد أنها ستحفز التعاون لا تفعل ذلك دائماً.6E. Bernstein and B. Waber, “The Truth About Open Offices,” Harvard Business Review 97, no. 6 (November-December 2019): 82-91. ويجب أن تكون المباني الأكثر ذكاءً، أولاً وقبل كل شيء، أكثر ذكاءً في إنتاج أنواع التبادل البشري ذات المغزى التي تريدها مؤسساتها وموظفوها.7E. Bernstein, J. Shore, and D. Lazer, “Improving the Rhythm of Your Collaboration,” MIT Sloan Management Review 61, no. 1 (fall 2019): 29-36.

ويمكن للمهندسين المعماريين المساعدة من خلال تصميم سلس للممرات والسلالم والمطابخ ومساحات العمل، بحيث يتلاقى الموظفون ويتفاعلون مع بعضهم البعض. مثلاً، جرى تصميم المبنى Building 20 السيئ السمعة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، والذي يُعتقَد أنه أنتج ابتكارات أكثر من أي مبنى آخر على هذا الكوكب، ”في شكل غير مريح“ إذ يتطلب من شاغليه السير على طول العمود الفقري لأجنحته الخمسة لينتقلوا من مكتب إلى آخر؛ ما تسبب في العديد من ”الصدامات“ الإنتاجية في الممرات على طول الطريق. وتخيلوا كم عدد المحادثات المفيدة أكثر التي كانت لتحدث في شكل أسرع لو أن بعض تلك الحركة أمكن توجيهه من خلال التكنولوجيات الذكية.

وهناك عدد قليل من المباني في أنحاء العالم كله تُجرِب بالفعل هذا النهج بالضبط. ووسط جهود تخفيف التكديس المرتبطة بالجائحة، فقد صارت إمكانيةُ أن تقلل المباني الذكية من عدد التفاعلات الإجمالية، لكن مع الاحتفاظ بأكثر التفاعلات قيمة، ذاتَ أهمية متزايدة. فبيانات التواصل الإلكتروني نفسها (من رسائل البريد الإلكتروني والتقويمات والرسائل الفورية) التي تسمح لنظام قائم على الذكاء الاصطناعي بتقديم الأخبار ذات الصلة بأولوياتنا المباشرة، نظراً لمن نجتمع معه في الوقت الحالي وما نخطط لمناقشته، يمكن أن توجهنا أيضاً إلى ”الاصطدام“ بأشخاص آخرين في مبانينا أو مؤسساتنا ممن لديهم معرفة قد تكون
مفيدة لنا.

2. بدلاً من تعزيز الجوانب المادية وحدها، ينبغي تصميم المباني الذكية لتحسين كل من العمل المادي والافتراضي. هذا العام، بدأ العالم ما وُصِف بأنه أكبر تجربة عمل من المنزل في التاريخ – وكانت أكثر نجاحاً مما كان متوقعا.8E. Bernstein, H. Blunden, A. Brodsky, et al., “The Implications of Working Without an Office,” Harvard Business Review, July 15, 2020, https://hbr.org. ومع تحول العديد من المؤسسات إلى بيئات العمل الهجينة (مع بعض الموظفين الذين يعملون من المنزل والبعض الآخر في مباني المكاتب، أو مع تناوب الجميع بين الاثنين)، يمكن للمباني الذكية تسهيل عملية التحول. نعم، قد توفر أجهزة الاستشعار للمديرين بيانات عن مكان وجود الموظفين للحفاظ على سلامة الأشخاص وتباعدهم الاجتماعي. ولكنها يمكن أيضاً أن تساعد الأفراد على اتخاذ قرارات حول ما إذا كانوا سيأتون إلى المكتب أو يعملون من المنزل – على أساس ليس فقط قيود القدرات بل أيضاً ما إذا كان الموظفون الذين نحن بحاجة إلى العمل معهم سيكونون متاحين شخصيا أو افتراضياً.

وقبل عقد من الزمن وجد الباحثون أن أعضاء الفرق نسّقوا في شكل جيد وعرفوا أنفسهم عن كثب ضمن المجموعة سواء عندما لم يوجد أحد منهم في موقع مشترك أو عندما كان العدد نفسه من الأعضاء يعمل في كل موقع من المواقع (مثلاً، اثنان في مكتب واثنان في مكتب آخر). ولكن عندما لا تكون النسب متوازنة، عانت الفرق.9M.B. O’Leary and M. Mortensen, “Go (Con)figure: Subgroups, Imbalance, and Isolates in Geographically Dispersed Teams,” Organization Science 21, no. 1 (January February 2010): 115-131. أما المباني الذكية؛ فقد تساعدنا على تحقيق نسب متوازنة بين مساحات العمل الهجينة وحل بعض مشكلات التنسيق التي ستنشأ مع عودة مجموعة فرعية من الأفراد إلى العمل من المكتب. والواقع أن أكثر المباني المكتبية استدامة على وجه الأرض، الإدج The Edge في أمستردام، يؤدي ذلك بالفعل، وفي حين وجد شاغلوه دائماً هذا مفيداً نظراً لكثافة سكان هولندا، فإنه صار أكثر أهمية في منتصف الجائحة.

3. بدلاً من توليد البيانات التي يشاهدها ”هم“ (أي من المديرين، بغرض الإشراف من أعلى إلى أسفل)، يجب أن تنتج المباني الذكية بيانات مرئية ومستخدمة من قبل ”نحن“ (أي الموظفين وكذلك رؤساؤهم، بغرض التدريب والتطوير). وما يمكن للمرء أن يطلق عليه اختناق (عنق الزجاجة Bottleneck) البيانات هو حاجز كبير أمام تحوّل الذكاء إلى أذكى. وسواء كانت غير مستغلة على الخوادم أم غير محللة من قبل المديرين، فإن بيانات المباني الذكية تظل غير مستخدمة إلى حد كبير. ويرجع ذلك جزئياً إلى أننا افترضنا أن أفضل مستخدمي بيانات الأجهزة الذكية هم الأشخاص الذين يديرون الأجهزة، مثل أولئك الموجودين في إدارات تكنولوجيا المعلومات والمنشآت.

ماذا لو، بدلاً من ذلك، نظرنا إلى هذه البيانات على أنها أقرب إلى بيانات فيتبيت Fitbit – أي معلومات تساعدنا على إدارة سلوكياتنا إدارة أفضل، فردياً وجماعياً؟ وعندما تكون البيانات ”ملكاً“ لشخص آخر، يقلل الشعور بالكون موضوعين تحت الملاحظة من تصورات الموظفين عن الاستقلالية ويقوض الإبداع والإنتاجية والمشاركة. ولكن الدراسات تظهر أن الناس غالباً ما يستخدمونها استخداما فاعلا عندما يكون لكل شخص حق الوصول إليها.10S.V. Patil and E. Bernstein, “Uncovering the Psychological Impact of Monitoring: Body Worn Cameras Reduce Employees’ Perceived Autonomy but Also Alleviate Their Sense of Polarization With Evaluators,” Organization Science (forthcoming).

4. بدلاً من التركيز على اعتماد اشتراطات المباني عند بنائها – وهي عملية تدار من قبل المطورين العقاريين، وليس أصحاب العمل – يجب علينا إيلاء مزيد من الاهتمام لما نتعلمه حول العمل الفاعل وكيف يمكننا استخدام التكنولوجيا لدمج تلك الدروس مع مرور الوقت. ويُفضَّل أن يكون هذا محادثة مستمرة عابرة للوظائف تشمل، على الأقل، كلاً من مسؤولي المنشآت والموارد البشرية.

وربما لهذا السبب يبدو أن المؤسسات التي لديها قائد واحد مسؤول عن كلتا الوظيفتين، مثل كبير الموظفين الإداريين Chief administrative officer في أنحاء البلاد كلها، غيل كينغ Gale King، تحرز تقدماً أكثر من غيرها نحو المباني الأكثر ذكاءً. وعندما يكون الأشخاص من خلفيات مختلفة مسؤولين في شكل منفصل عن رأس المال البشري ورأس المال المادي، تكون مؤشرات أدائهم الرئيسية Key performance indicators، وأحياناً أنظمة معتقداتهم Belief systems، في حالة توتر؛ مما يولد الحجج بدلاً من التقدم. ولكن عندما يكون شخص واحد مسؤولاً عن كلتيهما، يكون التجريب السريع واتخاذ القرار أكثر واقعية.

هذه التغييرات الأربعة تزيل الحواجز التي تعترض التعاون والتنمية، وفي هذه العملية، تحول ميزان القوى إلى الأشخاص الذين يؤدون هذا العمل. وهي تضع الزملاء على قدم المساواة بغض النظر عن الموقع. فهي تمنح الجميع إمكانية الوصول إلى البيانات، فيكون لكل شخص رأي في كيفية تفسيرها واستخدامها لجعل العمل أفضل. وهي تساعدنا على إحراز تقدم نحو أن نكون أكثر إنتاجية.

وفي روح تحقيق مثل هذا التقدم، دعونا لا ننظر إلى الذكي على أنه الشيء الذي كان الأستاذ في مدرسة الأعمال مستعدا جيدا لتعريفه اليوم. وبدلاً من ذلك، دعونا نعمق فهمنا المشترك لما يمثله هذا المصطلح من خلال الجمع بين الذكاء البشري وذكاء الأجهزة، والتجربة المستمرة، لتحسين ذكائنا الجماعي. وفي نهاية المطاف، هذا هو ما سيجعل مبانينا أكثر ذكاءً، لأنه سيجعلنا أيضاً أكثر ذكاءً.

إيثان بيرنشتاين Ethan Bernstein

إيثان بيرنشتاين Ethan Bernstein

(@ethanbernstein) أستاذ مشارك لكرسي إدوارد دبليو كونراد Edward W. Conrad لإدارة الأعمال من مدرسة الأعمال بجامعة هارفارد Harvard Business School، حيث يدرس أثر أمكنة العمل التي تتسم بشفافية متزايدة في سلوك الموظف وأدائه. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62122.

المراجع

المراجع
1 A. Khalili, A. Soliman, M. Asaduzzaman, et al., “Wi-Fi Sensing: Applications and Challenges,” The Journal of Engineering 2020, no. 3 (March 2020): 87-97.
2 J. Mudditt, “How Offices Will Change After Coronavirus,” BBC, May 14, 2020, www.bbc.com.
3 T.A. Nguyen and M. Aiello, “Energy Intelligent Buildings Based on User Activity: A Survey,” Energy and Buildings 56 (January 2013): 244-257.
4 A.H. Buckman, M. Mayfield, and S.B.M. Beck, “What Is a Smart Building?” Smart and Sustainable Built Environment 3, no. 2 (September 2014): 92-109.
5 Z. Belafi, T. Hong, and A. Reith, “Smart Building Management vs. Intuitive Human Control — Lessons Learnt From an Office Building in Hungary,” Building Simulation 10, no. 6 (April 2017): 811-828.
6 E. Bernstein and B. Waber, “The Truth About Open Offices,” Harvard Business Review 97, no. 6 (November-December 2019): 82-91.
7 E. Bernstein, J. Shore, and D. Lazer, “Improving the Rhythm of Your Collaboration,” MIT Sloan Management Review 61, no. 1 (fall 2019): 29-36.
8 E. Bernstein, H. Blunden, A. Brodsky, et al., “The Implications of Working Without an Office,” Harvard Business Review, July 15, 2020, https://hbr.org.
9 M.B. O’Leary and M. Mortensen, “Go (Con)figure: Subgroups, Imbalance, and Isolates in Geographically Dispersed Teams,” Organization Science 21, no. 1 (January February 2010): 115-131.
10 S.V. Patil and E. Bernstein, “Uncovering the Psychological Impact of Monitoring: Body Worn Cameras Reduce Employees’ Perceived Autonomy but Also Alleviate Their Sense of Polarization With Evaluators,” Organization Science (forthcoming).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى