أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اخترنا لكبحثذكاء اصطناعيزعزعةشبكات التواصلشركات

مستقبل المنصات

المنصات تُشغِّل بعضاً من أكثر الشركات قيمة عالمياً، لكن اقتناص إمكانياتها المُزعزِعة وتحقيق دخل منها سيكونان أصعب فأصعب.

مايكل إيه. كوسومانو، ديفيد بي. يوفي، أنابيل غاور

تستند أكثر الشركات العامة قيمة في العالم، أولى الشركات في العالم التي تحقق قيمة تريليون دولار لكل واحدة منها، إلى منصات رقمية تجمع بين عاملين فاعلين أو أكثر من عوامل السوق Market actors وتنمو من خلال تأثيرات شبكية Network effects. والشركات الأعلى ترتيباً من حيث رأس المال في السوق هي أبل Apple، ومايكروسوفت Microsoft، وألفابيت Alphabet (الشركة الأم لغوغل Google)، وأمازون Amazon. وليست فيسبوك Facebook، وعلي بابا Alibaba، وتنسنت Tencent بعيدة عنها. فحتى يناير 2020 كانت هذه الشركات السبع تمثل أكثر من 6.3 تريليون دولار من القيمة في السوق، وكلها شركات منصات.1Based on public stock market valuations on Jan. 22, 2020: Apple, $1.4 trillion; Microsoft, $1.3 trillion; Alphabet/Google $1 trillion; Amazon, $937 billion; Facebook, $633 billion; Alibaba, $602 billion; Tencent, $483 billion.

تتمتع المنصات بشعبية كبيرة بين رواد الأعمال Entrepreneurs والمستثمرين Investors في المشاريع الخاصة. عندما فحصنا قائمة عام 2017 التي تضم أكثر من 200 شركة من الشركات أُحادية القرن (عملاقة) Unicorns (الشركات الناشئة المُقيمة ببليون دولار أو أكثر)، قدرنا أن 60% إلى 70% منها كانت شركات منصات. وفي ذلك الوقت كانت هذه الشركات تضم شركات مثل آنت فاينانشيال Ant Financial (وهي شركة تابعة لعلي بابا)، وأوبر Uber، وديدي تشوكسينغ Didi Chuxing، وشياومي Xiaomi، وإير بي إن بي Airbnb.2“The Crunchbase Unicorn Leaderboard,” TechCrunch, accessed July 2017, https://techcrunch.com.

ولكن المسار إلى النجاح في مشروع منصة ليس سهلاً أو مضموناً بأي حال من الأحوال، ولا يختلف تماماً عن المسار الذي سلكته الشركات التي تعتمد نماذج أعمال Business models أكثر تقليدية. لماذا؟ لأن المنصات، مثلها في ذلك كمثل الشركات كلها، لا بد من أن يكون أداؤها في نهاية المطاف أفضل من أداء منافسيها. وإضافة إلى ذلك، ولتتمكن المنصات من البقاء في الأجل البعيد، لا بد من أن تكون قابلة للاستمرار على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وإلا فإنها تجازف بالانسحاق تحت التنظيم الحكومي أو المعارضة الاجتماعية، فضلاً عن التزامات سداد الدين الضخمة Debt obligations المحتملة. والواقع أن هذه الملاحظات بديهية، لكن في خضم كل الصخب الإعلامي حول المنصات الرقمية، وهي ظاهرة التي نسميها أحياناً الهوس بالمنصات platformania، لم تكن البداهة شائعة دائماً إلى هذا الحد.

لقد استمرينا بدراسة الشركات المنصات ونعمل معها منذ أكثر من 30 سنة. ففي عام 2015 أجرينا جولة جديدة من الأبحاث تهدف إلى تحليل تطور المنصات وأدائها البعيد الأجل مقارنة بأداء الشركات التقليدية. وأكدت أبحاثنا أن المنصات الناجحة تحقق ميزة تنافسية Competitive advantage قوية ونتائج مالية موازية لذلك. كذلك كشفت أبحاثنا أن طبيعة المنصات تتغير، وكذلك المنظومات الإيكولوجية والتكنولوجيات التي توجهها، والتحديات والقواعد المرتبطة بإدارة الشركات المنصات.

والمنصات وُجِدت لتبقى، لكن لبناء شركة ناجحة ومستدامة من حولها، يتعين على المسؤولين التنفيذيين ورواد الأعمال والمستثمرين أن يعرفوا الأنواع المختلفة من المنصات ونماذج أعمالها. ويتعين عليهم أن يفهموا لماذا تولد بعض المنصات نمواً في المبيعات Sales growth والأرباح Profits بسهولة نسبياً، في حين تفقد منصات أخرى مبالغ غير عادية من المال. ويتعين عليهم أن يتوقعوا الاتجاهات Trends التي ستحدد نجاح المنصة أو فشلها في السنوات المقبلة والتكنولوجيات التي ستولّد ساحات معارك المنصات المزعزعة في المستقبل. ونسعى إلى مناقشة هذه الاحتياجات في هذا الموضوع.

تطور الشركة المنصة

الشركات التي شكلت تطور استراتيجيات المنصات الحديثة ونماذج أعمالها هي أسماءٌ مألوفة. ففي ثمانينات وأوائل تسعينات القرن العشرين، زعزعت مايكروسوفت وإنتل Intel وأبل، إلى جانب آي بي إم IBM، صناعة الحواسيب المركزية المدمجة عموديا Vertically integrated mainframe computer. فقد جعلت من الحاسوب الشخصي واحداً من أول المنصات الرقمية في السوق الكبير، مما أدى إلى نشوء طبقات صناعية مستقلة لأشباه الموصلات Semiconductors، وأجهزة الحاسوب الشخصيPC hardware، وبرمجيات الأنظمة التشغيلية Software operating systems، وبرمجيات التطبيقات Application software، والمبيعات Sales، والخدمات Services. وظهرت موجة ثانية من شركات المنصات في منتصف تسعينات القرن العشرين، بقيادة أمازون وغوغل ونتسكيب Netscape وياهو Yahoo في الولايات المتحدة، وعلي بابا وتنسنت في الصين، وراكوتن Rakuten في اليابان. واستفادت من الإنترنت لزعزعة مجموعة متنوعة من الصناعات، بما في ذلك التجزئة والسفر والنشر. وفي العقد التالي استخدمت شركات مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت رائدتها فريندستر Friendster وماي سبايس Myspace، ثم فيسبوك، ولينكد إن LinkedIn، وتويتر Twitter، منصات لتمكين طرق جديدة للتفاعل بين الأفراد، ولاستهداف الشركات للعملاء. ومؤخرا، استخدمت الشركة Airbnb، وديدي تشوكينغ، وغراب Grab، وأوبر، ومشاريع أصغر حجماً مثل ديليفيرو Deliveroo وتاسك رابيت TaskRabbit استراتيجيات المنصة لإطلاق اقتصاد العمل المؤقت (أو التشارك) Gig (or sharing) economy.

واليوم، هناك شركات المنصات في كل سوق تقريباً، وكلها تشترك في سمات متقاسمة. إذ تستخدم التكنولوجيا الرقمية لإنشاء حلقات راجعة إيجابية ذاتية الاستدامة Self-sustaining positive-feedback loops للملاحظات من المحتمل أن تزيد من قيمة منصاتها مع كل مشارك جديد. وهي تبني منظومات إيكولوجية Ecosystems لشركات الطرف الثالث Third-party firms والمتعاقدين الفرديين Individual contractors تسمح لهم بتجاوز سلاسل التوريد Supply chains التقليدية ومجموعات العمالة Labor pools التي تحتاج إليها الشركات التقليدية.

وإضافة إلى ذلك، تواجه الشركات المنصات التحديات الأربعة نفسها في مجال الأعمال. فعليها أن تختار «الجوانب» Sides الرئيسية للمنصة (أي تحديد المشاركين في السوق التي تريد جمعهم، مثل المشترين والبائعين، أو المستخدمين والمبتكرين). ويجب عليها حل معضلة الدجاجة أو البيضة أولاً لتمكين الآثار الشبكية التي تعتمد عليها. ويتعين عليها أن تصمم نموذجاً للأعمال قادراً على توليد عوائد تتجاوز تكاليفه. وأخيرا، يتعين عليها أن تعمل لوضع قواعد لاستخدام (وليس إساءة استخدام) المنصة، فضلاً عن توفير الرعاية والحوكمة للمنظومة الإيكولوجية المهمة.

وعلى الرغم من أوجه التشابه كلها بينها، فمن الممكن التمييز بين المنصات على أساس نشاطها الرئيسي. وهذا من شأنه أن ينتج نوعين أساسيين: منصات المعاملات، ومنصات الابتكار، مع بعض الشركات الهجينة Hybrid companies التي تجمع بين الاثنين. (انظر: «الأنواع الأساسية للمنصات».)

• منصات الابتكار Innovation platforms تعمل لتيسير تطوير منتجات وخدمات جديدة وتكميلية Complementary products، مثل تطبيقات الحواسيب الشخصية أو الهواتف الذكية، والتي تُبنَى في الأغلب بواسطة شركات طرف ثالث من دون عقود إمداد Supplier contracts تقليدية. ونعني بعبارة تكميلية أن هذه الابتكارات تضيف وظائف Functionality أو أصولاً Assets إلى المنصة. وهذا هو مصدر الآثار الشبكية الخاصة بالشركات: فكلما كثرت المنتجات والخدمات التكميلية أو ازدادت جودتها، صارت المنصة أكثر جاذبية للمستخدمين وغيرهم من الجهات الفاعلة المحتملة في السوق. وتولِّد منصات الابتكار عادةً قيمة deliver value وتقتنصها Capture value بها من خلال بيع منتج أو استئجاره مباشرةً، كما هي الحال في الشركات التقليدية. وإذا كانت المنصة مجانية، يمكن للشركات تحقيق دخل منها عن طريق بيع الإعلانات أو الخدمات الإضافية الأخرى. وكل من مايكروسوفت ويندوز Microsoft Windows وغوغل أندرويد Google Android وأبل آي أو إس Apple iOS والخدمات الشبكية من أمازون Amazon Web Services هي منصات ابتكار شائعة الاستخدام.

• منصات المعاملات Transaction platforms عبارة عن وسطاء أو أسواق عبر الإنترنت تُمكِّن المشاركين من تبادل البضائع والخدمات أو المعلومات. وكلما ازداد عدد المشاركين والوظائف المتوفرة على منصة المعاملات، كانت أكثر نفعا. وتولد هذه المنصات القيمة من خلال تمكين التبادلات التي لن تحدث لولا ذلك من دون المنصة كوسيط. وهي تقتنص القيمة بفضل تحصيل رسوم على المعاملات أو فرض رسوم على الإعلانات. ويُعَد محرك البحث من غوغل Google Search، وسوق أمازون Amazon Marketplace، وفيسبوك، ووي تشات WeChat من تنسنت، وسوق تاوباو Taobao من علي بابا، وأوبر، وشركة Airbnb، من بين منصات المعاملات الشائعة الاستخدام.

وتشتمل الشركات الهجينة على منصات ابتكار ومنصات معاملات. واستراتيجياتها جديدة لأن منصات الابتكار والمعاملات، في السنوات المبكرة للحاسوب الشخصي والإنترنت، كانت أعمالاً متميزة. ويبدو أن الربط بين المشترين والبائعين، أو المعلنين والمستهلكين، أو مستخدمي الشبكات الاجتماعية يشكل نشاطاً مختلفاً جوهرياً عن تحفيز شركات الطرف الثالث لإنشاء ابتكارات تكميلية. أمّا في العقد الماضي، فقد عمل عدد متزايد من منصات الابتكار الناجحة على دمج منصات المعاملات في نماذج أعمالها. فبدلاً من فقدان التحكم في التوزيع، سعى مالكو هذه المنصات إلى إدارة تجربة العملاء Customer experience، مثلما فعلت أبل بمتجر التطبيقات App Store. وعلى نحو مماثل، أطلقت بعض منصات المعاملات الناجحة واجهات برمجة التطبيقات (Application programming interfaces، APIs) خاصة بها وشجعت شركات الطرف الثالث على تطوير تطبيقات وخدمات تكميلية. ويدرك مالكو هذه المنصات، مثل فيسبوك ووي تشات، أن الابتكار كله لا يمكن أن يكون داخلياً ويجب ألا يكون كذلك. ومن بين الأمثلة البارزة الأخرى للاستراتيجيات الهجينة القرار الذي اتخذته غوغل بشراء أندرويد، والقرار الذي اتخذته أمازون بإنشاء منصات الابتكار المتعددة حول الخدمات الشبكية من أمازون، وأجهزة الذكاء الاصطناعي المنزلية أليكسا Alexa – إيكو Echo، والقرارات التي اتخذتها أوبر وشركة Airbnb بالسماح لشركات الطرف الثالث بعرض خدمات تكمل منصاتها لتشارك المركبات وتشارك الغرف. واليوم، تتبع الشركات العالمية الأكثر قيمة (والتي ذكرناها آنفاً) استراتيجيات هجينة.

قيمة الشركة المنصة

تخسر أغلب المنصات المال (وأحياناً البلايين من الدولارات)، لكن المنصات التي تهيمن على أسواقها كانت ناجحة نجاحاً غير عادي. وعندما قارنا أكبر 43 شركة من شركات المنصات الرقمية مُدرجة في البورصة من عام 1995 إلى عام 2015 بعينة تحكم Control sample من 100 شركة من غير الشركات المنصات في مجموعة الأعمال نفسها، وجدنا أن العينتين حققتا المستوى نفسه تقريباً من العوائد السنوية Annual revenues (نحو 4.5 بليون دولار). ولكن شركات المنصات حققت المبيعات نفسها بنصف عدد الموظفين. وإضافة إلى ذلك، فقد كانت شركات المنصات مربحة بنسبة الضعف، وكانت تنمو بسرعة الضعف، وكانت قيمتها أكبر من ضعف قيمة نظيراتها التقليدية.

وفي إطار عملية فحص البيانات الصادرة قبل الجمعيات العمومية والتقارير السنوية الخاصة بقصص النجاح الـ43، حددنا 209 شركة منصة كانت بمثابة منافساتها المباشرة لكنها فشلت أو اختفت كشركات مستقلة. وكانت الأسباب وراء هذه الإخفاقات في الأساس سوء التسعير Mispricing (فرض رسوم أدنى أو أعلى مما يجب) على أحد جانبي السوق، أو الإفراط في دعم المشاركين بالمنصات، أو الدخول إلى الأسواق بعد فوات الأوان. ويدعم العدد المرتفع من إخفاقات المنصات الملاحظة بأن حتى أعمال المنصات قد تفشل أو تعاني مع تغير البيئة التنافسية Competitive environment أو عوامل أخرى. مثلاً، واجهت منصات الحوسبة والتواصل تهديدات مستمرة من تكنولوجيات جديدة على مدى السنوات الـ40 الماضية. وشهدت قصص النجاح المبكرة مثل ماي سبايس، ونوكيا Nokia، وبلاك بيري BlackBerry انحداراً سريعاً في حظوظها. وإذا نظرنا إلى الصورة الأكبر، زاحمت الحواسيب الشخصية الحواسيب المركزية، والهواتف الذكية الهواتف الخلوية التقليدية، والهواتف الذكية والسحابة الحواسيب الشخصية، وما إلى ذلك.

وباختصار، قد تنجح شركات المنصات نجاحاً غير عادي، وتحتفظ بعض الشركات المنصات الناجحة بمواقعها القوية لعقود من الزمن. ومع ذلك، فإن إنشاء منصة، حتى عندما يسفر عن اكتتاب مبدئي عام، لا يشكل ضماناً للنجاح في الأجل البعيد. ويجب أن تتمكن الأعمال من تحقيق ربح والاستجابة للتغيير والمنافسة.

الاتجاهات المستقبلية للمنصات

على الرغم من أن السنوات العشرين الماضية شهدت توسعاً ضخماً في التكنولوجيات والتطبيقات ونماذج الأعمال المستندة إلى المنصات، قد تشهد السنوات العشرون المقبلة تغيراً أكثر زعزعة. فالرقمنة والتكنولوجيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي Artificial intelligence، وتعلّم الآلة Machine learning، وتحليلات البيانات الكبيرة Big data analytics، وخدمات البنية التحتية Infrastructure services لم تتمكن بعد من تحقيق كامل إمكانيتها المزعزعة. سيُربط المزيد والمزيد من بيانات المستخدمين الأفراد والمعاملات الفردية بخدمات ووظائف مختلفة تخص المنصات، مع إمكانية تحقيق نتائج إيجابية وسلبية.

لا أحد يستطيع أن يتوقع المستقبل، لكننا حددنا أربعة اتجاهات رئيسية قد تؤثر في ديناميكيات المنصات في مختلف الصناعات: ظهور النموذج الهجين كاستراتيجية مهيمنة في أعمال المنصات، واستخدام الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة لإنتاج تحسينات كبيرة في عمليات المنصات وقدراتها، وزيادة تركيز السوق بفعل عدد صغير من الشركات المنصات القوية، والطلب على مزيد من تنسيق المنصات وتنظيمها لمعالجة المشكلات التي تسببت بها بعض الشركات المنصات اليوم.

الاتجاه 1: مزيد من النماذج الهجينة للأعمال More hybrid business models. ستعمل المنافسة وإمكانية التكنولوجيا الرقمية والبيانات على تحويل المزيد والمزيد من الشركات المنصات إلى شركات هجينة. ويتمثل الدافع الكامن لهذا الاتجاه بالمنافسة الرقمية. فخلافاً للاقتصاد التقليدي، حيث تحتاج الشركات إلى استثمارات مادية باهظة التكاليف لبناء نماذج أعمالها، في العالم الرقمي، قد تنمو الشركات بسرعة بالاستعانة بجمع ذكي بين البيانات، والبرمجيات، والاستراتيجيات الخاصة بالمنظومة الإيكولوجية.

الاتجاه 2: مزيد من الابتكار السريع More turbocharged innovation. ستعمل منصات الجيل التالي Next-generation platforms لدفع الابتكار إلى مستوى جديد. والواقع أن التقدم المحرز في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتعلّم الآلة، وتحليلات البيانات الكبيرة يمكن المؤسسات بالفعل من القيام بمزيد من الأمور بالاستعانة باستثمارات أقل، بما في ذلك إنشاء شركات كانت مستحيلة في السنوات الماضية. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلته الوليدة، فإن غوغل وأمازون وأبل ومايكروسوفت وIBM وغيرها من الشركات لم تعد تتعامل مع التكنولوجيا باعتبارها محمية بحقوق الملكية الفكرية حماية تامة. فبدلاً من ذلك، حولت بعض قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي إلى خدمات منصات يمكن لأطراف ثالثة الوصول إليها وتطوير تطبيقاتها الخاصة. ومن شأن الجمع بين المنصات التي تتيح رصد مزيد من البيانات، مع التحسينات المستمرة في مجال الحوسبة السحابية Cloud computing، أن يسمح للمنصات المستقبلية بتمكين مجموعة واسعة من التطبيقات الجديدة، مثل المنتجات ذات الواجهات الصوتية والسيارات من دون سائق.

الاتجاه 3: زيادة التركيز الصناعي More industry concentration. إجمالي عدد المنصات يتزايد تزايدا كبيرا، والحصة المهيمنة في السوق، فضلاً عن الآثار الشبكية القوية، صارت صعبة المنال على نحو متزايد بسبب تعدد المواقع Multihoming (قدرة مستخدمي المنصات ومكمليها على الوصول إلى أكثر من منصة واحدة للغرض نفسه، مثل استخدام كل من ليفت Lyft وأوبر لتشارك المركبات). ومع ذلك، نتوقع في السنوات المقبلة أن نرى مزيداً من قوة السوق تتركز في عدد أصغر من شركات المنصات الكبيرة.

في السنوات المقبلة ستتطور كل شركات المنصات الكبيرة تقريباً من أسواق حرة إلى شركات منسقة مع زيادة الإشراف الحكومي وأنماط جديدة محتملة من التنظيم.

 

وستنتج هذه الحالة المفارقة لأن بعض الأسواق ستميل نحو منصة واحدة وستعزز تركيز قوة السوق. ولنتأمل هنا صعود الشركة IBM إلى قمة قوة المنصات في صناعة الحواسيب في ستينات وسبعينات القرن العشرين، وصعود إنتل ومايكروسوفت في الثمانينات والتسعينات. وفي العقد الماضي توسع عدد الأسواق التي يبدو أنها تميل إلى قِلة من الأطراف الفاعلة المسيطرة، مع تحقيق أمازون، وعلى بابا، وأبل، وغوغل، وفيسبوك، ومايكروسوفت، وتنسنت، وأوبر حصصاً في أسواقها تفوق 50% بكثير.

الاتجاه 4: مزيد من التنسيق والتنظيم More curation and regulation. وضع مارك زوكربيرغ Mark Zuckerberg مقولته «التحرك السريع وكسر الأشياء» Move fast and break things استناداً إلى افتراض مفاده بأن الأمور الطيبة ستحدث إذا ربطنا بين شعوب العالم. واتفق معه معظم رواد المشاريع والمستثمرين: فهم يعتقدون أن المنصات ستربط الناس بالمنتجات والخدمات بأسعار تتراجع باستمرار وستحرر العالم من العراقيل والسلبيات التي تشوب الأسواق التقليدية والمحلية. وكما تبين، ليست الجهات الفاعلة في العالم الرقمي كلها من فاعلي الخير. فالمنخرطون في العمل السياسي الحزبي، والجواسيس، والإرهابيون، والمزيِّفون، وغاسلو الأموال، وتجار المخدرات، وجدوا سبلاً لاستخدام المنصات الرقمية لصالحهم.

وبمجرد أن تصل المنصات إلى نطاق حيث يمكنها أن تؤثر في الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يحتاج مالكوها على نحو متزايد إلى التطور من التنسيق غير المباشر إلى التنسيق المباشر. (انظر: أزمة أخلاقيات في ابتكار التكنولوجيا، بقلم ماكس ويسيل ونيكول هيلمر، في هذا العدد). وفي السنوات المقبلة ستتطور كل الشركات المنصات الكبيرة تقريباً من أسواق حرة إلى شركات منسقة مع زيادة الإشراف الحكومي وأنماط جديدة محتملة من التنظيم. وعلى الرغم من أنه قولٌ نمطي، إلا أن القوة المتنامية للمنصات الأكبر في العالم تعني مزيداً من المسؤولية والإشراف.

نشوء ثلاث ساحات معارك منصات يدور الآن العديد من المنافسات التي توضّح الاتجاهات المذكورة أعلاه، ويعرض تبصراً لما قد يأتي لاحقاً في مجال تكنولوجيا المنصات واستراتيجيتها. فالعديد من الحقول السريعة الناشئة — مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وبشكل أقصى الحوسبة الكمية Quantum computing — ستُمكِّن الابتكارات المزعزعة فضلاً عن إحداث تغييرات في نماذج الأعمال.

الحروب الصوتية: نمو سريع، لكن منافسة فوضوية Voice wars: Rapid growth, but chaotic competition. أدت التطورات الأخيرة في تعلّم الآلة والحقل الفرعي للتعلم العميق Deep learning إلى تحسينات ضخمة في التعرف على الأنماط Pattern recognition، ولاسيما في الصور والصوت. وأثارت أبل اهتمام العالم بواجهة للصوت مع طرح سيري Siri في عام 2011. فللمرة الأولى توفر للمستهلكين تكنولوجيا للمحادثة الطبيعية Natural conversation technology ناجحة (على الأقل لبعض الوقت). وعلى الرغم من ميزة المحرك الأول كانت استراتيجية أبل لسيري كلاسيكية: لقد صُمِّمت سيري كمنتج لتكملة الآيفون، وليس باعتبارها منصة قادرة بحد ذاتها على توليد آثار شبكية قوية.

ودخلت أمازون. وعندما طرحت الناطق إيكو Echo والبرمجية ألكسا Alexa في أواخر عام 2014، أطلقت حرباً للسيطرة على المنصات بين علي بابا وأبل وغوغل ومايكروسوفت وتنسنت ومجموعة من الشركات الناشئة في مجال الصوت. وتلخصت استراتيجية أمازون في ربط منصات متعددة تعمل بواسطة خدمات أمازون Amazon Web Services وعرض جمع بين التعرف على الكلام Speech recognition وإنشاء الكلام Speech synthesis العالي الجودة وبين تطبيقات مختلفة. وحددت أمازون على الفور إمكانية الآثار الشبكية، فأطلقت مجموعة أدوات مهارات ألكسا Alexa Skills Kit — وهي مجموعة من واجهات لبرمجة التطبيقات وأدوات مخصصة للخدمة الذاتية Self-service APIs سهلت على مطوري الأطراف الثلاثة إنشاء تطبيقات جديدة لألكسا. وسرَّعت استراتيجية المنصة المفتوحة هذه عدد مهارات ألكسا من خمسة آلاف تقريباً في أواخر 2016 إلى أكثر من 90 ألفاً في 2019.

وكان نجاح أمازون سبباً في دفع شركات مثل أبل، وغوغل، وسامسونغ Samsung، والعديد من الشركات الصينية إلى التحرك. وبحلول أواخر عام 2017 تحول الصوت إلى معركة كلاسيكية بين المنصات: بدأت أمازون وغوغل بفرض خصومات كبيرة على المنتجات لبناء قاعدتهما المُثبَّتة Installed base، إذ يسارع كل جانب لإضافة تطبيقات ووظائف. وكذلك كانت الأطراف الفاعلة تقدم تكنولوجياتها (متوفرة مجاناً أحياناً كثيرة) بسعر رخيص لشركات الإلكترونيات الاستهلاكية والسيارات والبرمجيات المؤسسية على أمل أن تستخدم هذه الشركات منصاتها وحلولها في مجال الصوت.

وتعتمد كيفية تطور حرب المنصات في مجال الحوسبة الصوتية اعتمادا كبيرا على سهولة تعدد المواقع. وفي الوقت الحالي يستطيع المستهلكون بسهولة تبديل المنصات الصوتية أو استخدام أكثر من منصة واحدة. وستعتمد كيفية تطور الحرب أيضاً على كيفية اختيار الأطراف الفاعلة لموضعة أنفسهم. وهناك العديد من الفرص للتميز بين المنافسين والمنافسة المتخصصة في الصوت: ركزت أبل على جودة الموسيقى، وأمازون على الوسائط والتجارة الإلكترونية، وغوغل على الاستعلامات المرتبطة بالبحث، على سبيل المثال لا الحصر.

ومن جهة أخرى، لم تتصلب الميزة التنافسية Competitive advantage بعد في شكل تركيز سوق Market concentration. وضمنت غوغل بالفعل قدراتها الصوتية في مئات الملايين من أجهزة أندرويد. ولكن أمازون تمتلك أكبر قاعدة مُثبَّتة للناطق الذكي، إذ تقبع عشرات الملايين من الأجهزة في منازل المستخدمين، ولاسيما في الولايات المتحدة.

وفي نهاية المطاف، نتوقع أن يكون الفائز أو الفائزين في مجال الصوت تلك المنصات التي تبني أكبر قاعدة مُثبَّتة من المستخدمين وتنشئ المنظومات الإيكولوجية الأكثر نبضاً بالحياة لإنتاج تطبيقات مبتكرة. وقد تولّد هذه المنظومات الإيكولوجية حلولاً صوتية مقنعة تقلل من تعدد المواقع في مجال المنصات ومن المنافسة من الأطراف الفاعلة المتخصصة والمنافسين المتمايزين Differentiated competitors.

في نهاية المطاف، نتوقع أن يكون الفائز أو الفائزون في مجال الصوت تلك المنصات التي تبني أكبر قاعدة مثبتة من المستخدمين و تنشئ المنظومات الإيكولوجية الأكثر نبضاً بالحياة لإنتاج تطبيقات مبتكرة.

تشارك المركبات والسيارات ذاتية القيادة: من المنصة إلى الخدمة Ride-sharing and self-driving cars: From platform to service. في حين سينشر الذكاء الاصطناعي مجموعة من المنتجات والمنصات والخدمات الجديدة، سيُمكِّن أيضاً قدرات جديدة من شأنها أن تنشئ أعمالاً وتعزز أعمالاً موجودة وتدمر أخرى. وتتجلى هذه الديناميكية في أوضح صورها في ظهور السيارات الذاتية القيادة، إذ استثمر سوفت بنك SoftBank الياباني نحو 60 بليون دولار في 40 شركة، بما في ذلك ديدي وغراب وأوبر. وعلى الرغم من أن قيمة أوبر قد انخفضت بالفعل إلى مستويات أدنى كثيراً من الذروة التي بلغتها في تقييمها، وقد تتبعها استثمارات أخرى، يراهن سوفت بنك على أن منصات خدمات النقل، مثل تشارك المركبات التي يجري الوصول إليها عبر الهواتف الذكية، ستتحول في نهاية المطاف إلى شركات بالغة التركيز، مما سيولّد عوائد كبيرة على غرار علي بابا وأبل وغوغل وغير ذلك من المنصات الرقمية.))H. Somerville and P. Lienert, “Inside SoftBank’s Push to Rule the Road,” Reuters, April 12, 2019, www.reuters.com.))

ومن المفارقات أن هذه التكنولوجيا الجديدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لا تهدد هيمنة صانعي السيارات التي دامت قرناً فحسب، بل قد تعمل أيضاً على زعزعة منصات تشارك المركبات اليوم. فعلى الرغم من الآثار الشبكية القوية نسبياً بين المستخدمين والسائقين، قد يحل الابتكار في التكنولوجيا ونماذج الأعمال محل المنصات التي تنتمي إلى شركات مثل ديدي وغراب وليفت وأوبر.

والتحدي الذي يواجه شركات منصات تشارك المركبات هو تحدٍّ بسيط: إنها تميل إلى خسارة المال، بل الكثير من المال. فعلى عكس منصات المعاملات خفيفة الاستثمار في الأصول مثل إي باي eBay أو إكسبيديا Expedia أو برايس لاين Priceline، ليست منصات تشارك المركبات شركات رقمية بالكامل: فمعاملة الطلب والدفع معاملة رقمية، لكن تقديم الخدمات أمر مادي، وتكون وفور الحجم والنطاق Economies of scale and scope في معظم الأحيان محلية ومحدودة. وإضافة إلى ذلك، فإن تكلفة اجتذاب السائقين ودفع أجورهم مع الحفاظ على أسعار أدنى من سعر سوق سيارات الأجرة قلّصت إمكانية الربح وأسفرت عن خسائر كبيرة لهذه الشركات. وإضافة إلى ذلك، يستخدم العديد من السائقين والركاب مواقع متعددة: فهم يقودون سيارات أوبر وليفت أو يستخدمونها، فضلاً عن سيارات الأجرة التقليدية.

والخلاصة هنا هي أن تحويل أعمال منخفضة الهامش مثل خدمات سيارات الأجرة أو تسليم الأغذية إلى منصة Platformizing لا يجعل منها بالضرورة أعمالاً مربحة، مثل بيع منتجات البرمجيات أو غيرها من البضائع الرقمية. ونتيجة لهذا، أعلنت ديدي وغراب وليفت وأوبر أن استراتيجياتها البعيدة الأجل من شأنها أن تتجاوز منصات المعاملات البحتة التي تطابق الركاب مع السائقين والتحول إلى النقل كخدمة. وكما قال رئيس مجلس إدارة ليفت لوغان غرين Logan Green: «سننقل صناعة السيارات بالكامل من صناعة مستندة إلى الملكية إلى صناعة قائمة على رسوم اشتراك».3R. Verger, “Someday, You Might Subscribe to a Self-Driving Taxi Service, Netflix-Style,” Popular Science, March 15, 2018, www.popsci.com.  وفي هذا النموذج الجديد ستمتلك منصات تشارك المركبات أساطيل سيارات أو تستأجرها، إضافة إلى دراجات هوائية ونارية.

كذلك تستثمر شركات التكنولوجيا مثل غوغل وأغلب شركات تصنيع السيارات الكبرى، بما في ذلك جنرال موتورز General Motors وتويوتا Toyota، بقوة في استراتيجيات مماثلة. وعلى الرغم من تاريخ طويل من بيع المنتجات، حتى أكثر شركات السيارات محافظة ترى الذكاء الاصطناعي وسيلة لتحويل نفسها إلى شركات خدمات.

وتَعِد تكنولوجيا السيارات الذاتية القيادة بالتخلص من السائقين البشريين، مما سيخفض التكلفة الهامشية لخدمات النقل لدى مالكي منصات تشارك المركبات تخفضيا كبيرا. وفضلاً عن جلب منافسين جدد إلى الصناعة، سيتطلّب الأمر أيضاً استثمارات رأسمالية كبيرة في الأبحاث والتطوير وتكاليف الأساطيل. ويرى بعض المراقبين هذا الجمع بين الظروف التي ترغم أوبر وغيرها من منصات تشارك المركبات على «أن تكتشف وسيلة لشراء أسطول ضخم أو على الأقل إدارته.. أو مواجهة الفناء بفعل آخرين».4C. Mims, “How Self-Driving Cars Could End Uber,” The Wall Street Journal, May 7, 2017, www.wsj.com. واستجابة لهذا التهديد، بدأت أوبر الاستثمار في تكنولوجيا السيارات الذاتية القيادة في عام 2014. واتخذت ليفت نهجاً مختلفاً بمحاولة إقامة شراكات من خلال مبادرة المنصة المفتوحة Open Platform Initiative الخاصة بها.

ويتعارض امتلاك أسطول من السيارات الذاتية القيادة أو استئجاره مع نموذج أعمال المنصة ذات الوجهين Two-sided platform business model الذي يستند إلى مطابقة الركاب مع السائقين وسياراتهم. فإذا انتقلت أوبر وليفت إلى أساطيل ذاتية القيادة، ستكونان منصتين ذواتي جانب واحد تسيطر عليهما الشركتان اللتان تمتلكان أصولهما الخاصة وتبيعانها. والخطر هنا هو أن خدمات السيارات الذاتية القيادة ربما لا تحقق السرعة أو ربما لا تحقق أرباحاً مماثلة للمنصات الرقمية البحتة التي تشتمل على كميات كبيرة من المعاملات. وعلى الرغم من هذا فقد يستفيد المستهلكون في المستقبل من خدمات أكثر وأرخص لتشارك المركبات، ما دامت هذه الشركات تمتلك ما يكفي من رأس المال والتدفق النقدي للبقاء.

الحواسيب الكمية: منصة من الجيل التالي للحوسبة Quantum computers: A next-generation computing platform. في عام 1981 تحدى ريتشارد فينمان Richard Feynman الحائز على جائزة نوبل زملاءه من العلماء أن يبنوا حاسوباً يحاكي الطبيعة — حاسوباً كمياً. وقُبِل التحدي. ففي عام 2015 قدر المستشارون في ماكينزي McKinsey أن سبعة آلاف باحث كانوا يعملون في مجال الحوسبة الكمية، بميزانية مشتركة بلغت 1,5 بليون دولار.5J. Palmer, “Here, There, and Everywhere: Quantum Technology Is Beginning to Come Into Its Own,” The Economist, March 9, 2017, www.economist.com. وبحلول عام 2018 كانت عشرات الجامعات، ونحو 30 شركة كبرى، وأكثر من 12 شركة ناشئة تبذل جهودا بارزة في الأبحاث والتطوير الخاصة بالحوسبة الكمية.6“List of Companies Involved in Quantum Computing or Communication,” Wikipedia, accessed May 26, 2018, https://en.wikipedia.org. وفي الآونة الأخيرة أعلنت غوغل أنها بنت حاسوباً كمياً يتجاوز كثيراً قدرات أسرع الحواسيب الفائقة Supercomputers عالمياً، على الأقل فيما يتصل بأنواع معينة من الحسابات.7S. Aaronson, “Why Google’s Quantum Supremacy Milestone Matters,” The New York Times, Oct. 30, 2019, www.nytimes.com.

وتشبه حالة التكنولوجيا الكمية اليوم حالة الحوسبة التقليدية في أواخر أربعينات وأوائل خمسينات القرن العشرين: فبناء الحواسيب الكمية أمر صعب ومكلف، وهو يقبع في المقام الأول في الجامعات ومختبرات الأبحاث التابعة للشركات. ومع ذلك، هي تمثل منصة ابتكار ثورية، مع إمكانية إضافية لتحفيز منصات المعاملات الجديدة لتطبيقات متخصصة في المحاكاة Simulation، والأمثلة Optimization، والتعمية (التشفير) Cryptography والاتصال الآمن Secure communication.

هل ستنتج الحوسبة الكمية أعمالا جديدة ناجحة في مجال المنصات؟ في الوقت الحالي تبدو الآثار الشبكية ضعيفة لأن المنظومات الإيكولوجية للتطبيقات لا تزال وليدة ومنقسمة بين العديد من المتنافسين على المنصات. وكانت إحدى المؤسسات الفرعية في جامعة كولومبيا البريطانية University of British Columbia تدعى دي – وايف سيستمز D-Wave Systems التي تأسست في عام 1999، الرائدة في التطبيقات وصاحبة أكبر محفظة لبراءات اختراع، تليها IBM ومايكروسوفت. ومع ذلك، لم تبنِ دي – وايف جهاز حاسوب كمي للأغراض العامة، على عكس معظم الداخلين الآخرين إلى الميدان، وتولت IBM أخيراً الدور الرائد في الإيداعات السنوية للحصول براءات الاختراع. ولبناء أدوات برمجة أفضل واختبار تطبيقات من واقع الحياة، يتعين على مزيد من الباحثين أن يكتسبوا القدرة على الوصول إلى براءات الاختراع هذه وإلى حواسيب كمية أقوى.

تشكل دفعات رأس المال الضخمة شكلاً ثالثاً من أشكال الزعزعة التي ربما لا تقل قوة عن التكنولوجيات ونماذج الأعمال الجديدة.

لن تحل الحواسيب الكمية محل الحواسيب الرقمية. كذلك لا نعتبر هذا المجال سوقاً يحصل فيها الفائز على كل شيء أو أكثرية الأشياء، وتهيمن فيه البنية الفريدة لشركة ما، كما حدث في أسواق الحواسيب المركزية، والحواسيب الشخصية، والهواتف الذكية، والمعالجات الدقيقة، والإلكترونيات الاستهلاكية، وغير ذلك من الأسواق. ولعل الأكثر احتمالا أن تظل الحواسيب الكمية أجهزة لأغراض خاصة لأنواع معينة من الحوسبات المتوازية Parallel computations الضخمة، مع استخدام تكنولوجيات مختلفة أكثر فائدة لتطبيقات معينة.

وفي الوقت نفسه، قد تواجه منصات الحوسبة الكمية تمحيصاً وتنظيماً مكثفين بسبب تطبيقات التعمية المحتملة. فمن جهة، قد تكون الحواسيب الكمية قادرة على كسر كلمات السر الآمنة المتولّدة عن أقوى الحواسيب التقليدية، والتي تحمي الآن قسماً كبيراً من المعلومات والأصول المالية عالمياً. ومن جهة أخرى، يمكن للحواسيب الكمية نفسها أن تولّد كلمات سر لا يمكن كسرها وأن تيسر الاتصال الآمن حقاً. وسيكون لزاماً على الشركات الرائدة أن تعمل لتنظيم نفسها فضلاً عن العمل في شكل وثيق بالحكومات التي قد تؤدي دوراً رئيسياً في الإشراف على بعض هذه التطبيقات والخدمات الجديدة.

المنصات كعوامل زعزعة

نحن نتجه نحو مستقبل حيث نشتري ونمتلك فيه عدداً أقل من المنتجات (السيارات والدراجات والمنازل المخصصة للعطلات والأدوات المنزلية، وما إلى ذلك)، وسنتعاقد على مزيد من الخدمات في شكل مباشر مع بعضنا البعض. وقد ندير هذا التشارك من خلال منصات المعاملات بين الأقران إلى جانب التكنولوجيات الرقمية ذات الأغراض العامة، مثل سلسلة الكتل Blockchain، لتمكين تبادل أكثر أماناً وشفافية.

وستتبع بعض المنصات التي تمكن هذا المستقبل نموذج الزعزعة الذي وصفه كلايتون كريستنسن، مع تجاوز التكنولوجيات الأرخص والأقل شأناً الشركات الراسخة تدريجياً. وحدث ذلك مع السيطرة التدريجية للحواسيب الشخصية على الحواسيب المركزية وتفوق أسواق التجارة الإلكترونية والإنترنت على المتاجر التقليدية، حتى وإن كانت التكنولوجيات والطرق القديمة للقيام بالأعمال لا تزال موجودة. ونتوقع أن نشهد زعزعات مماثلة لما وصفه كريستنسن في المستقبل، في ظل منصات الصوت والسيارات ذاتية القيادة.

ولكن هذا النوع ليس النوع الوحيد من الزعزعة الذي نتوقع أن نراه في اقتصاد المنصات. فأبحاثنا توضح كيف يمكن أن تأتي زعزعة المنصات من الأعلى، وكذلك من الأسفل. مثلاً، زعزعت أبل والآيفون صناعة الهواتف الذكية من خلال بناء منصة غالية تتميز بأداء فائق وميزات رائعة منذ البداية. وعلى نحو مماثل، قد تصل أنظمة الحوسبة الكمية وتطبيقاتها مثل التعمية أو المحاكاة المعقدة كحلول مكلفة تصدر عن الطرف الأغلى في السوق.

وتشكل دفعات رأس المال Infusions of capital الضخمة شكلاً ثالثاً من أشكال الزعزعة التي ربما لا تقل قوة عن التكنولوجيات ونماذج الأعمال الجديدة، مثل تحويل النقل إلى خدمة اشتراك. فقد كان استخدام الهواتف الذكية لمطابقة السائقين مع الركاب ابتكاراً كنموذج أعمال، ولم يتطلّب سوى استثمارات متواضعة في التكنولوجيا الجديدة. لكن الأمر الذي لا يُشار إليه بالقدر نفسه هو أن أوبر وغيرها من منصات تشارك المركبات زعزعت أعمال سيارات الأجرة من خلال إنفاق بلايين الدولارات في رأس المال الاستثماري لدعم أعمال نقل السلع المنخفضة الهامش. وسواء تمكنت أوبر والمشاريع المماثلة من البقاء أم لم تتمكن من البقاء، وما إذا كان الداعمون الماليون مثل سوفت بنك سيعوضون استثماراتهم، فإنها قد زعزعت أعمال سيارات الأجرة إلى الأبد.

وباختصار، فإن المنصات التي تعمل على نطاق صناعتها ومنظوماتها الإيكولوجية العالمية زعزعت بالفعل جوانب عديدة من حياتنا الشخصية والعملية. فقد مكنت منصات الابتكار والصفقات الجديدة كل أنواع التبادل والنشاط التي يمكن تخيلها في عالم اليوم، كما جعل رواد أعمال المنصات أي شيء ممكن. وبصرف النظر عن كيفية تطور منصات المستقبل، نتوقع أن تستمر بإلهام الابتكار والزعزعة.

المراجع

المراجع
1 Based on public stock market valuations on Jan. 22, 2020: Apple, $1.4 trillion; Microsoft, $1.3 trillion; Alphabet/Google $1 trillion; Amazon, $937 billion; Facebook, $633 billion; Alibaba, $602 billion; Tencent, $483 billion.
2 “The Crunchbase Unicorn Leaderboard,” TechCrunch, accessed July 2017, https://techcrunch.com.
3 R. Verger, “Someday, You Might Subscribe to a Self-Driving Taxi Service, Netflix-Style,” Popular Science, March 15, 2018, www.popsci.com.
4 C. Mims, “How Self-Driving Cars Could End Uber,” The Wall Street Journal, May 7, 2017, www.wsj.com.
5 J. Palmer, “Here, There, and Everywhere: Quantum Technology Is Beginning to Come Into Its Own,” The Economist, March 9, 2017, www.economist.com.
6 “List of Companies Involved in Quantum Computing or Communication,” Wikipedia, accessed May 26, 2018, https://en.wikipedia.org.
7 S. Aaronson, “Why Google’s Quantum Supremacy Milestone Matters,” The New York Times, Oct. 30, 2019, www.nytimes.com.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى