أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أعمالاخترنا لكعلم النفس

حان وقت التعامل مع المواضيع غير القابلة للنقاش في فريقكم

المواضيع التي يعتقد بوعي أو عن غير قصد أنها خارج مجال النقاش تنقسم إلى أربعة أصناف وتجعل عمل الفرق مستحيلاً تقريباً.

جينكا توغل، جان لوي بارسو

في عام 2008 ابتكر المهندس في ثيرانوس Theranos آرون مور Aaron Moore إعلاناً وهميّاً لنموذج أوليٍّ لجهاز فحص الدم الذي طورته الشركة. ووصف إعلانه، المقصود منه المزاح لتسلية زملائه، الجهازَ بأنه «يعمل في الأغلب» وتضمن ملحقاته لجمع الدم ديدان “علقات” Leeches.1J. Carreyrou, Bad Blood: Secrets and Lies in a Silicon Valley Startup (New York: Alfred A. Knopf, 2018): 47.

والآن وبالإدراك التالي للحدث، يمكننا تفسير محاكاته الساخرة ليس فقط على سبيل المزاح بل كذلك كمحاولة يائسة لإثارة موضوع من التابوهات (المحرمات): جهاز الشركة لا يعمل وكان فريق القيادة يخفي هذه الحقيقة. وأفصحت أعمال مور عن كثير من المواضيع غير القابلة للنقاش في ثيرانوس.

توجد المواضيع غير القابلة للنقاش؛ لأنها تساعد الأفراد على تجنب النزاعات والتهديدات والإحراج في الأجل القريب. لكنها تعيق الاستفسارات والتحديات الضرورية لتحسين الأداء وتشجيع تعلم الفريق. وعلّمنا عملنا الاستشاري مع العشرات من الفرق الإدارية العليا أن قدرة الفريق على مناقشة ما يعيقه هي ما يدفع فاعليته. ولاحظنا هذه الديناميكية في مجموعة واسعة من الحالات واستندنا إلى هذه التجربة لاقتراح إطار عمل، ومجموعة من الأسئلة التشخيصية، وبعض الحلول المستهدفة لمساعدة الفرق على معالجة مواضيعها غير القابلة للنقاش. ويمكّن هذا النُّهج قادة الفرق من تحديد المواضيع المهيمنة غير القابلة للنقاش في شركاتهم وبدء المحادثات الضرورية لتسليط الضوء عليها.

في ثيرانوس لم تكن الرئيسة التنفيذية إليزابيث هولمز Elizabeth Holmes وفريقها الأعلى مستعدين حتى للاعتراف بالمخاوف التي كانت واضحة للعديد من المهندسين. وكان من المهم أن مور لم يشارك مخاوفه مباشرة مع رؤسائه بل عَبّر عنها بسخرية وبشكل مجهول المصدر.

وعند إخبار هولمز عن الإعلان المزحة، بدأت تحقيقاً لتحديد الجاني. وبدلاً من إثارة النقاش، عززت تصرفاتها رسالة مفادها بأن المشكلات الخاصة بمنتج الشركة لا تنبغي مناقشتها. وفي غضون أشهر من توبيخه استقال مور مُحبطاً وخائب الأمل.

وتوضح قضية ثيرانوس ما قد يحدث عند إسكات الأصوات المتسائلة ووضع المواضيع خارج مجال النقاش. وفي ثيرانوس أدى ذلك إلى نشوء ثقافة الخوف والإنكار التي أدت في النهاية إلى تقديم ادعاءات زائفة للمستثمرين والعملاء، وكذلك إلى اتخاذ قرارات عرضت صحة المرضى إلى الخطر. وانتهت قصة ثيرانوس التي كانت ملهمة ذات مرة بتهم بالاحتيال الجنائي رُفِعت ضد هولمز وبانهيار شركة ناشئة Startup سبق أن بلغت قيمتها تسعة بلايين دولار.

وبينما تمثل ثيرانوس حالة متطرفة لمؤسسة مختلة وظيفيّاً Dysfunctional، فإن المسألة الأساسية – المواضيع غير القابلة للنقاش مع الفريق – هي مسألة شائعة جداً. ويزداد الأمر سوءاً، حين تجد الفرق الافتراضية والموزعة عالمياً صعوبة في التقاط إشارات عدم الارتياح وتوقع حالات سوء الفهم. ومع قلة الفرص المتاحة لإثارة المواضيع غير القابلة للنقاش وجهاً لوجه (أو بشكل غير رسمي أثناء تناول الغداء أو شرب القهوة)، تزداد أهمية تحديد المخاوف والتعبير عنها قبل تفاقمها فيتأثر الأداء الجماعي والتنظيمي.

أبحاث
استعرض المؤلفان تيارات بحثية متعددة حول فاعلية الفرق واختلالها الوظيفي، وربطا وجهات النظر المهيمنة في مجالي الإدارة وعلم النفس الاجتماعي والمتعلقة بالفرق بالأدبيات النفسية الديناميكية المهملة في كثير من الأحيان والمتعلقة بالمجموعات.
لى جانب عملهما الاستشاري مع فرق الإدارة العليا، درس المؤلفان ديناميكيات المجموعات في فرق النخبة الرياضية والأوركسترات والفرق الطبية وفريق مفاوضات إطلاق سراح الرهائن.
جرى التحقق من صحة أفكارهما وصقلها من قبل مشاركين في برامج التعليم التنفيذي في آي إم دي IMD على مدار السنوات العشر الماضية.

مشكلة يُسَاء فهمها

عندما تتصارع فرق القيادة -التي نعمل معها- مع مواضيع غير قابلة للنقاش، تتراوح الأعراض التي يقدمونها لنا من نزاعات غير محلولة بين أعضاء الفريق ومشاركة غير متكافئة في الاجتماعات، وصولا إلى تفكير جمعي Groupthink مدمر وتقوقع الموظفين. ودرسنا أيضاً ديناميكيات المجموعات في العديد من الأُطر من خارج مجالات بالأعمال – بما في ذلك الفرق الرياضية النخبوية والأوركسترات والفرق الطبية وفريق مفاوضات إطلاق سراح الرهائن – ويبقى النمط كما هو بين السياقات والمستويات: كلما ازدادت المواضيع غير القابلة للنقاش، ازدادت صعوبة أداء الفريق لأعماله. وإذا لم تُناقَش هذه المواضيع بشكل جمعي، لا يمكن إدارتها بذكاء.

ومع ذلك، يميل قادة الفرق إلى المبالغة في تقدير مخاطر إثارة المواضيع غير القابلة للنقاش. فهم يفترضون خطأ أن الحديث عن المواضيع السلبية سيستنزف طاقة الفريق، ويكشف عن المسائل التي لا يستطيعون حلها، ويعرضهم إلى المسؤولية عن الدور الذي أدوه في خلق المشكلات التي تواجهها المجموعة.

وفي الواقع، وجدنا أن مناقشة المواضيع غير القابلة للنقاش تجلب الراحة، وتعزز الطاقة، وتعزز حسن نية الفريق.

كذلك يقلل قادة الفرق من تقدير عواقب عدم القيام بأي شيء لمعالجة المواضيع غير القابلة للنقاش. فتجاهلها يؤدي دائماً إلى توتر علاقات العمل ينتج عنها اجتماعات غير فاعلة تتسم بعدم وجود نقاش. وهذا يؤدي إلى أن تصبح القرارات السيئة أكثر سوءاً، فمن دون مناقشة مفتوحة وصادقة، لا يمكن للفريق أن يتعلم من أخطائه أو يصحح المسار. والمواضيع غير القابلة للنقاش المتروكة من دون إدارة تُفسد الفريق، وتئد قدراته في مجال حل المشكلات، وقدرته على التعلم والتكيف مع التغير.

أربع طبقات من عدم قابلية النقاش

في الأغلب يتحدث المسؤولون التنفيذيون عن المواضيع غير القابلة للنقاش كما لو أنها كلها متشابهة: أي وجهات نظر يعتنقها الأفراد ويختارون عدم بثها في الأمكنة العامة. وتُوصَف عادة بأنها الـفـيل في الغرفة Elephant in the room، أو الغوريلا التي تزن 800 باوند 800-pound gorilla، أو الموظ الميت Dead moose. ويتجاهل مثل هذا التفكير تعقيد هذه المواضيع ويجعلها أكثر إثارة للخوف. ونقترح وجهة نظر متعددة الأوجه حول المواضيع غير القابلة للنقاش. وليست الفجوة بين التفكير والقول (عرف مهندسو ثيرانوس أن جهازهم لا يعمل لكن لم يمكنهم قول ذلك) سوى فئة واحدة. فهناك أيضاً الفجوة بين القول والمعنى، والفجوة بين الشعور والتسمية، والفجوة بين الفعل والمعرفة. (انظر: الانتباه للفجوات.)

ولكل نوع من أنواع المواضيع غير القابلة للنقاش دوافعُه الخاصة. وينبع البعض من عوائق معرفية Cognitive barriers، والبعض الآخر من عوائق عاطفية Emotional. ويكون البعض معروفاً للجميع في الفريق، في حين أن البعض الآخر لا يشعر به إلا قلائل أو يكون غير معروف تماماً، إذ يوجد خارج الوعي الجمعي للفريق. وتحتاج أنواع مختلفة من المواضيع غير القابلة للنقاش إلى أن تُدفَع إلى السطح بطرق مختلفة. ويمكن استخلاص البعض من خلال أسئلة مباشرة؛ ويجب استنتاج البعض الآخر من أنماط السلوك ثم التحقق من صحتها مع الفريق. (انظر: تشخيص المشكلة: قائمة تدقيق، حيث تجدون الأسئلة التي قد يطرحها القادة لتحديد المواضيع غير القابلة للنقاش في فرقهم).

وعلى الرغم من أن الفئات التالية تتداخل إلى حد ما، يمكن للتمييز بين أنواع المواضيع غير القابلة للنقاش أن يساعدكم على التعامل معها بشكل أكثر فاعلية.

1. تفكرون لكن لا تجرؤون على القول You THINK but dare not say.. ترتبط عادة المواضيع غير القابلة للنقاش بالأسئلة والاقتراحات والانتقادات ذات المخاطر التي تخضع للرقابة الذاتية. وقد تمزحون في شأنها (كما فعل مور في ثيرانوس) أو تناقشونها بسرية لكن ليس علناً أبداً.

مثلاً، سرعان ما لاحظت الرئيسة التنفيذية الجديدة للفرع الأسترالي لشركة معلومات عالمية التبادلات الحذرة لفريقها الجديد في الاجتماعات، والميل المثير للقلق لأعضاء الفريق إلى الموافقة في الاجتماعات العامة فقط مع توجيه الانتقاد فقط على انفراد. فهم لم يكونوا معتادين على التعبير عن أفكارهم. وعند الشروع في مهمة تغيير صارمة، فقد احتاجت الرئيسة التنفيذية إلى مساهمة صادقة من فريقها وتأييده المخلص. وكان عليها أن تتعامل مع سلوكه الحذر.

إذ تُترَك وجهات النظر غير معلنة في الأغلب عندما يخشى الناس من عواقب الكلام، سواء كانت المخاطر حقيقية أم متخيلة. ويُكوِّن الدافع الرئيسي لهذا الخوف في كثير من الأحيان قادةُ الفرق الذين يمتلكون أسلوب إدارة عاطفياً وغير منتظم وسمعة بأنهم يستجيبون بقسوة عندما يختلف الناس معهم. وهذا يجعل أعضاء الفريق يشعرون بعدم الأمان.

وكما أظهرت الأبحاث التي أجرتها الأستاذة في جامعة هارفارد Harvard University آمي إدموندسون Amy Edmondson، يتمثل العائق الحرج أمام السلامة النفسية بوزن التسلسل الهرمي.2I.M. Nembhard and A.C. Edmondson, “Making It Safe: The Effects of Leader Inclusiveness and Professional Status on Psychological Safety and Improvement Efforts in Healthcare Teams,” Journal of Organizational Behavior 27, no. 7 (November 2006): 941-966. فالاختلافات في السلطة والوضع الوظيفي تميل إلى عدم تشجيع أعضاء الفريق على إثارة مسائل أو مخاوف يعتقدون أن القائد قد يعتبرها تعطيلية أو حتى ليست من اختصاصهم.

بداية الإصلاح: كيف يمكن للقادة تقليل هذه الاختلافات في السلطة وجعل التحدث آمناً؟ من خلال الإقرار الصريح بأنهم ربما أنشؤوا عن غير قصد مناخاً من الخوف أو عدم اليقين، والدعوة إلى مناقشة المسائل الحساسة، واستخلاص المخاوف، والوعد بالحصانة لأولئك الذين يشاركون آراء معارضة، والتخفيف من وزن سلطتهم في الغرفة.

وفي الفرع الأسترالي، اتخذت الرئيسة التنفيذية العديد من الإجراءات الملموسة. فلتقديم نموذج يقتدى به لالتزامها بالانفتاح وتقليل عدم الثقة، طلبت إلى الفريق أن يقدم أسئلة مجهولة المصدر كتابة حول أسلوبها ونواياها. بعد ذلك طلبت إلى رئيس إدارة الموارد البشرية إدارة جلسة حوار نزيهة مع الفريق (أثناء تغيبها) لتشجيع الخلاف المثمر. وركزت الجلسة على الفارق بين الكلام الصدوق Straight talk وكلام المواجهة Fight talk.3S. Miller, D. Wackman, E. Nunnally, et al., Straight Talk: A New Way to Get Closer to Others by Saying What You Really Mean (New York: Rawson Associates, 1984). وبينما يستند كلا الأسلوبين من أساليب التواصل يستند إلى الصراحة، يميز الكلام الصدوق بوضوح بين الفرد والمسألة؛ ويخلط الكلام المواجهة بينهما.

وفي اجتماعات لاحقة، بحضور الرئيسة التنفيذية، كلما بدا الفريق متردداً في الدفع باقتراح ما، قالت: «أشعر بأن هناك شيئاً آخر ربما…. دعونا نشاهد ما إذا كانت مغادرتي الغرفة ستساعد. وعندما أعود، أريدكم كفريق واحد أن تشاركوني مخاوفكم». وساعد ذلك على تحرير الموظفين من موانعهم. وفي النهاية، عندما أدرك الفريق أن الرئيسة التنفيذية تريد حقّاً ردة فعل بناءة، صارت مغادرة الغرفة غير ضرورية. واستبدلت بطاولة الاجتماعات المستطيلة طاولة مستديرة للإشارة إلى بيئة أكثر مساواة ولتعزيز تفاعلات أكثر حميمية.

لتشجيع النقاش المتبادل الحقيقي، يجب أن يؤدي قادة الفريق دوراً داعماً وأن يعوا تماماً الكيفية التي يعبرون بها بسلاسة عن أنفسهم خلال المناقشات. ويجب عليهم تجنب ذكر تفضيلاتهم أو آرائهم في بداية مناقشات الفريق والامتناع عن الحكم الفوري على مساهمات الآخرين. ويمكنهم أيضاً إظهار أنهم جزء من المجموعة من خلال التحدث عن أخطائهم والانخراط في السلوكيات الحافظة Maintenance behaviors بما في ذلك القول «نحن» بدلاً من «أنا»، وتشجيع أعضاء الفريق على التعبير عن مخاوفهم، والاعتراف بمساهماتهم.

وفي وقت قصير صارت اجتماعات فريق الشركة الأسترالية للمعلومات أكثر إنتاجية إذ استوعب الفريقُ هذه التوقعات والعمليات الجديدة وصارت روتينية. وتمكنت الرئيسة التنفيذية من تنفيذ مهمتها التغييرية بنجاح، وسُرِّعت عملية تطوير الفريق، على صعيدي الفرد والمجموعة. وأخذ أعضاء الفريق أداء فريقهم بجدية أكبر وطبقوا المبادئ نفسها في اجتماعاتهم مع فرق أخرى.

2. تقولون لكن لا تقصدون You SAY but don’t mean. إلى جانب الحقائق غير المعلنة، هناك اللاحقائق Untruths المعلنة. وتعكس هذه المواضيع غير القابلة للنقاش التناقضات بين ما يقول الفريق إنه يعتقد به أو يجده مهماً وبين كيفية تصرفه (ما يصفه الأكاديميون بالفجوات بين النظرية المتبناة Espoused theory والنظرية المستخدمة Theory-in-use).4C. Argyris and D. Schön, Organizational Learning: A Theory of Action Perspective (Reading, Massachusetts: Addison-Wesley, 1978).

تعلن الفرق في الأغلب عن التمسك بقيم أو أهداف أو ممارسات معينة من المفترض أن ترشدها وتُلهمها وتولد إحساساً بالتعاون لكنها لا تطبق ذلك. ويكون الفصل بين ما يُقال وما يُفعَل مشاهدا من قبل للجميع، لكن لا أحد يشير إليه خوفاً من تعريض تماسك الفريق إلى الخطر، حتى إذا استند هذا التماسك إلى وهم مشترك.

إليكم مثالاً: تصارع فريق الإدارة العليا في شركة إسكندنافية عملاقة للورق مع تراجع الطلب على الورق نتيجة للرقمنة. ورداً على ذلك، أعلن فريق القيادة ذو البنية المحكمة التزامه «بإعادة ابتكار الشركة». وفي الواقع، كان كل ما تحدث عنه الفريق في الاجتماعات والخلوات الكفاءة وتخفيض التكاليف.

والهاجس الرئيسي في مثل هذه الفرق هو حماية المجموعة، بدلاً من حماية الفرد في فئة من فئات المواضيع غير القابلة للنقاش ألا وهي فئة تفكرون لكن لا تجرؤون على القول. ولا يعتمد الصمت على الخوف بقدر ما يرتكز على الإحساس غير المشكوك فيه والمشوه بالولاء للفريق أو قائده أو المؤسسة. فلفت الانتباه إلى الانفصال بين النوايا والأفعال قد يبدو كخذلان للزملاء وقتلاً لروح الفريق. وهذه الإيجابية المزيفة، التي يعبر عنها الناس ببساطة بالتلفظ بكلمات حول القيم والممارسات والأهداف المقبولة – النظرية المتبناة – تُخفي أي مخاوف من عدم تمكن الفريق قد يكون من إجراء التغيرات اللازمة في المؤسسة وأن الموظفين قد يفقدون وظائفهم نتيجة لذلك. وقد يبدو هذا الدافع الوقائي بريئاً، لكنه في الأجل البعيد يُقوِّض التعلم ويؤدي إلى خيبة أمل؛ لأن الناس لن يثقوا في قيمة الكلمات والالتزامات لبعضهم بعضاً.

بداية الإصلاح: يجب على قادة الفريق أولاً أن يكشفوا عن النفاق في القول لكن مع عدم القصد، وأن يعترفوا بدورهم في التمثيلية، وأن يجمعوا أمثلة مجهولة المصدر من التصريحات الفارغة، ويتحدوا العقلية المفرطة في الحماية التي تحول دون الإفصاح عن الانتقادات. ويمكنهم بدء العملية من خلال مطالبة الفريق بإكمال هذه الجملة: «نقول إننا نريد… لكن في الواقع، نحن..».

ومع استعداد شركة الورق لجولة أخرى من تقليص الحجم صار من الصعب على نحو متزايد التظاهر بأن الفريق كان يعيد ابتكار الأعمال. وصار التنافر المعرفي بين الشعار والواقع أكبر من أن يقبله الرئيس التنفيذي. وقال لنا: «في أحد هذه الاجتماعات التنفيذية التي لا نهاية لها للمجموعة، استمعت إلى نفسي وإلى جميع زملائي الطيبين الذين يعملون بجد، ثم فقدتُ أعصابي وقلتُ، ‘ماذا نفعل هنا؟ نحن نروي القصة نفسها مراراً وتكراراً: كيف أن الحياة صعبة. كيف أن الحكومة لا تفهمنا. العملاء صعبون. المنافسة غير عادلة. نحن نتحدث ونتحدث ونتحدث عما يفعله العالَم بنا’».

وأقر الرئيس التنفيذي بأن الفريق لم يكن، في الواقع، يفعل ما قال إنه يفعله ولا ما احتاجت إليه الشركة: إعادة ابتكار نموذج أعمالها وعملياتها. وبهذه الطريقة، فقد أظهر المستوى اللازم من الصراحة والنقد الذاتي لانتزاع الفريق من الركود، وسد الفجوة بين القصد والقول.

كذلك حررت صراحته الفريق ليفكر في أوهام أخرى كانت تُبقيه في وضع الخمول. وسرعان ما خلص الفريق إلى أن قدرته على إعادة الابتكار كانت مُقيدةً بتجانسِ المجموعة.

لذلك قرر الفريق تخصيص تحدي التجديد إلى مجموعة أكثر تنوعاً من 12 شخصاً من بينهم عدد أكبر من النساء والأشخاص ذوي الخبرة من خارج صناعة الورق ومن غير الإسكندنافيين. وسيعمل أعضاء هذا الفريق كمستشارين داخليين. واختيرت المجموعة من 160 شخصاً من المتقدمين الداخليين للوظيفة، وكانت المجموعة انتقائية ومجهزة بشكل أفضل بكثير لتخيل حلول غير تقليدية. وبعد ثماني سنوات حولت المؤسسة نفسها إلى شركة متخصصة بالمواد المتجددة Renewable materials. ووفق الرئيس التنفيذي السابق، فقد تغيرت الديناميكيات داخل الفريق أيضاً بشكل كبير. «أعتقد أن لدينا حواراً صريحا جداً الآن. فلم نعد نناقش ‘هل العالم يتغير أم لا’؟ لقد تغير بالفعل. والآن، يدور كل شيء حول ما يلي، ‘هل يمكننا أن نسبق منحنى التوقعات؟ هل يمكننا تغير العالم للأفضل’؟»

يؤدي قادة الفرق دوراً رئيسيّاً في بدء البحث في النفس، والتأكد من أن الهدف المعلن للمؤسسة هو الهدف الحقيقي، ويؤكدون على المسؤولية الجمعية للحفاظ على صدق بعضهم بعضاً، والاستماع إلى وجهات نظر بديلة، وتفكيك العلاقة غير المنتجة والمفهومة بشكل خاطئ بين النقد وعدم الولاء.

يجب على قادة الفريق أولاً أن يكشفوا عن النفاق في ‘القول لكن مع عدم القصد’ ويعترفوا بدورهم في التمثيلية، ويتحدوا العقلية المفرطة في الحماية التي تحول دون الإفصاح عن الانتقادات.

3. تشعرون لكن لا يمكنكم أن تُسمّوا الشعور باسمه You FEEL but can’t name. تتجذر بعض المواضيع غير القابلة للنقاش في المشاعر السلبية – مثل الانزعاج وعدم الثقة والإحباط – يصعب على أعضاء الفريق تصنيفها أو التعبير عنها بشكل بنّاء. ولكن إظهار غضب المرء أو استيائه لا يشبه مناقشته.

مثلاً، واجه فريق الإدارة العليا في شركة للتكنولوجيا الفائقة مقرها ألمانيا اضطراباً بسبب التوترات غير المعلنة بين زميلين: أحدهما الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا السريعة التقدم CTO، والآخر الرئيس التنفيذي للعمليات COO الذي تم توظيفه للتو. وبعد سلسلة من الاشتباكات، توقفا عن الكلام. فقد شعر كل منهما بأن الآخر يتصرف بشكل غير معقول.

وقد يؤدي سلوك أو تعليقات الزملاء ذوي وجهات النظر المتباينة إلى حدوث ردود فعل تحسسية، تستند في الأغلب إلى حالات من سوء الفهم. وتظهر الأبحاث أن الخلافات الصحية حول ما يجب فعله أو كيفية فعله ربما تتحول بسرعة إلى نزاعات بين الأشخاص.5L.L. Greer, K.A. Jehn, and E.A. Mannix, “Conflict Transformation: A Longitudinal Investigation of the Relationships Between Different Types of Intragroup Conflict and the Moderating Role of Conflict Resolution,” Small Group Research 39, no. 3 (June 2008): 278-302. وهذه المشاعر التي يمكن بسهولة عزوها إلى الظاهرة الغامضة المعروفة ب “عدم وجود توافق ”(عدم توافق الكيمياء) Lack of chemistry، قد تصيب الفريق بكامله، ولاسيما عندما يكون تحت الضغط. وتكفي علاقة حساسة واحدة لتوليد شعور بالضيق يعيق مداولات الفريق بفعل العدوى العاطفية والاجتماعية.6K. Jehn, S. Rispens, K. Jonsen, et al., “Conflict Contagion: A Temporal Perspective on the Development of Conflict Within Teams,” International Journal of Conflict Management 24, no. 4 (2013): 352-373.

ولا تُصحَّح التصورات الخاطئة في الأغلب؛ لأن الخصوم لا يختبرون استنتاجاتهم. وبناءً على وجهات نظرهم وغرائز الحماية الذاتية، يفترضون أنهم يعرفون السبب وراء تصرف الطرف الآخر بطريقة معينة ويسمحون لذلك بتوجيه سلوكهم. وهذا يؤدي إلى تصاعد التوتر.

بداية الإصلاح: تحتاج الأطراف المتناحرة إلى مساعدة للتحقيق في الاختلافات، في الشخصية والتجربة والهوية، التي تحافظ على عدم توافقها الظاهر وتُغذيه، أي ما يُسمَّى عدم توافق الكيمياء. ويتلخص دور قائد الفريق في التأكد من أن الأفراد يشعرون بالقدر نفسه من الترحيب والقبول داخل الفريق وفي تعزيز التنوع كمصدر للتبصر وليس الاحتكاك. وتتمثل إحدى الاستراتيجيات في مطالبة أعضاء الفريق بإكمال الجملة «أشعر بـ ..». بهدف تسمية الشعور حرفيّاً من أجل إظهار أي شيء يزعجهم.

وقد يساعد مدرب Coach محايد أعضاء الفريق على الانفتاح بطرح أسئلة متابعة أساسية والبحث عن توضيحات عند الحاجة. ويمكن تعزيز هذه العملية باستخدام أداة تقييم نظامية Formal assessment tool ترصد ملفات تعريف الشخصية Profile لأعضاء الفريق وتُحدِّد إطار عمل مشتركا يساعد الأفراد على فهم منبع سلوك زملائهم.

وفي حالة المدير التنفيذي للتكنولوجيا CTO والمدير التنفيذي للعمليات COO في شركة التكنولوجيا الفائقة الألمانية، وفَّر التباين المذهل في السمات الشخصية لكل منهما نظرة ثاقبة تفسّر بعض الصعوبات التي واجهاها في تعامل أحدهما مع الآخر. ففي أحد أبعاد تقييم الشخصية فضَّل المدير التنفيذي للعمليات COO التفكيرَ بالصورة الكبيرة للأمور وانجذب للأفكار الجديدة، في حين كان المدير التنفيذي للتكنولوجيا CTO شديد التوجه إلى التفاصيل وعمليّاً، ويميل نحو ما هو مجرب ومعتمد. وساعد هذا على توضيح سبب إثارة المدير التنفيذي للتكنولوجيا CTO الاعتراضات باستمرار على الحلول الشاملة للمشكلات التي تقدم بها المدير التنفيذي للعمليات COO.

وخلال مناقشة كيفية توافق تقرير ملفات تعريف الشخصية Personality profiles مع صورهم لذواتهم، ظهر عامل آخر: رأى المدير التنفيذي للعمليات COO نفسه كحلال للمشكلات، في حين عرّف المدير التنفيذي للتكنولوجيا CTO نفسه كمبادر، يعتمد على حُكمِه المستقل.

وساعدت هذه الاختلافات في الصورة الذاتية على توضيح سبب مقاومة المدير التنفيذي للتكنولوجيا CTO للخبرة القيمة التي يقدمها المدير التنفيذي للعمليات COO، فقد استاء الأول من التدخل وخشي من أن يصبح “معتمداً” على غيره. وفي الوقت نفسه شعر المدير التنفيذي للعمليات COO بالإحباط؛ لأنه مُنع من حل المشكلة. وبدا المدير التنفيذي للتكنولوجيا CTO له كشخص يزعم معرفة كل شيء؛ واعتبر المدير التنفيذي للعمليات COO المدير التنفيذي للتكنولوجيا CTO الشخصَ الذي لم يتقبل النصيحة ولن يفعل. وعن غير قصد، فقد تصرف كل منهما بطريقة قوّضت الهوية المهنية الأساسية للآخر. وحتماً، أثار كل منهما عصبية الآخر.

لتقليل هذه التوترات، يجب عليكم أن تحاولوا فصل النية عن الأثر. فحتى إذا كانت الملاحظات والنصائح حسنة النية، فقد تتحدى الصورة الشخصية لشخص من حيث كونه كفؤاً أو صادقاً أو محبباً؛ ما يؤدي إلى استجابة عاطفية سلبية قوية.

وبمجرد أن تفهموا منطلقات الزملاء، يصبح من الأسهل تقدير مداخلاتهم والاستفادة منها من دون النظر إلى تعليقاتهم أو سلوكهم على أنها محاولات للتباهي أو التحبيط أو الاستغلال. لكن معرفة النفس تمتلك القيمة نفسها: فعندما تتمكنون من رؤية توجهاتكم ووصفها بدقة، يكون زملاؤكم أقل عرضة لحمل سلوككهم على محمل شخصي.

وتحقق هذا الإنجاز، في حالة المدير التنفيذي للتكنولوجيا CTO والمدير التنفيذي للعمليات COO في شركة التكنولوجيا الفائقة، من خلال التمرين المعروف بأداء الأدوار Role-play exercise، إذ طُلِب إلى كل منهما وضع نفسه في مكان الآخر. وكانا ماهرين في وصف شعور الآخر فانتهى التمرين وهما يضحكان. ولم يكن هناك نقص في التعاطف Empathy – بل مجرد نُهُج وأولويات مختلفة جداً. ومع إدراكهما أن سلوكياتهما لم تكن شريرة أو شخصية، فقد تمكنا من البدء بالعمل معاً بشكل أكثر فاعلية، ومعترفين بالمساهمات التي يمكن أن يقدمها كل منهما إلى الآخر وإلى مؤسستهما. وحصلا أيضا على ملاحظات من أعضاء الفريق الآخرين لمساعدتهما على الحفاظ على التغيرات السلوكية التي وافقا عليها.

قد تتحول الخلافات الصحية بسرعة إلى نزاعات بين الأشخاص. وتكفي علاقة حساسة واحدة لتوليد شعور بالضيق يعيق مداولات الفريق بفعل العدوى العاطفية والاجتماعية.

4. تفعلون لكن لا تدركون You DO but don’t realize. تكون أعمق المواضيع غير القابلة للنقاش سلوكيات لاواعية نُكنُّها جمعيّاً. والكشف عن هذه المواضيع غير القابلة للنقاش هو الأمر الأكثر صعوبة. فقد يكون أعضاء الفريق على دراية بالمشكلات المنعزلة في ديناميكياتهم، لكنهم لا يستطيعون الربط بين النقاط واستنتاج الأسباب الجذرية، لذلك يتوصلون إلى استنتاجات خاطئة حول سبب عدم كفاءة الفريق وضعف أدائه.

انظروا في هذا المثال: اشتكى الرئيس التنفيذي CEO لشركة سفر فرنسية من ندرة النقاش وعدم المشاركة في فريقه. وحضرنا اجتماعا واحدا، وكان على حق. وتلخصت المشكلة في أنه هو كان المشكلة. فهو كان منفصلا عن الفريق وكان انتباهه يُشتَّت بسهولة، وبشكل لا واعٍ ظن أعضاء الفريق أنهم لم يكونوا مهمين في نظره.

وهذا هو ما يسميه علماء النفس «الإسقاط» Projection، إذ نسند أفكارنا ومشاعرنا إلى شخص آخر. فقد كان الرئيس التنفيذي منفصلاً عن الفريق، ولذلك اعتقد أن الفريق كان منفصلاً. وبالطبع، سارع الفريق إلى نسخ سلوكه، وصار منفصلاً هو أيضا، ولم تكن لدى الرئيس التنفيذي أدنى فكرة عن أنه هو الذي يدفع بالفريق نحو ذلك.

و غريزيّاً تُطوِّر الفرقُ روتيناً دفاعيّاً للتعامل مع القلق، مثل القلق الناتج من الشعور بالتجاهل أو التقليل من القيمة. وهذا يسمح للفرق بتجنب التفكير في المسائل الأساسية أو حتى تسميتها باسمها. ولكنه يعيق أيضاً التعلم، ويمنع الفريق من الاستجابة والتكيف بفاعلية مع التحديات الناشئة. فقد كان أعضاء الفريق في شركة السفر يحاكون عن غير قصد قائدهم؛ وكان ذلك آليتهم للتعامل مع الموقف. وإذا دقق معهم في أمر ما، لم يكونوا يأبهون لذلك.

الخبر السار هو أن الديناميكيات المدمرة وغير الواعية تفقد قوتها عندما تصبح مرئية وموضوعاً للمناقشة.

ووفق وصف الطبيب النفسي البريطاني ويلفريد بيون Wilfred Bion، تتجلى المواضيع غير القابلة للنقاش وغير المعترف بها في صورٍ ربما لا تبدو ذات صلة بديناميكيات الفريق – ومن هنا تكمن الصعوبة في الربط بين النقاط. ففي شركة السفر كان الاتصال بقائد الفريق متقطعا، يتبع نمط المركز والأفرع Hub-and-spoke مما منع أعضاء الفريق من التفاعل المباشر، وسيطر الشخصان نفساهما على المحادثات، وشاع الانشغال بخصم مزيف مما شتِّت الجهود. وأعاقت كل هذه التفاعلات المراجعة الذاتية الحاسمة.7W.R. Bion, Experiences in Groups (1961; repr., London: Routledge, 1989). وأخفت المصدر الحقيقي للخلل الوظيفي.

تبدأ أنماط السلوك التي تنشأ عن القلق عند مستوى اللاوعي ثم تصبح جزءاً من «الطريقة التي نؤدي بها الأعمال». ويقع أعضاء الفريق في أدوار جامدة، ويجلسون في الكراسي نفسها، ويتبعون طقوساً تضعف قدرتهم على التشكيك في الافتراضات وعلى إنجاز مهامهم.

بداية الإصلاح: على الرغم من أن أنماط التفاعل المشوه لا يلاحظها الفريق، غير أنها سهلة التمييز بالنسبة إلى من هم من خارج المجموعة. ويمكن لقائد الفريق دعوة مستشار موثوق به من قطاع آخر من المؤسسة أو أحد الميسرين الخارجيين External facilitator لمراقبة الفريق وتقديم ملاحظات حول عادات التواصل، بما في ذلك لغة الجسم (الإيماءات) Body language، ومن يتكلم وكم مرة، ومن ينظر إليه الأشخاص عندما يتحدثون، ومن يقاطع من، والشخص أو الشيء الذي يُلَام عندما تسوء الأمور، والأمر الذي لا يتطرق إليه الحديث، ومن يبقى صامتاً، ومن تتعرض تعليقاته للتجاهل.

ويمكن للمراقب المُدرَّب المشاركة فيما يدعوه عالِم النفس التنظيمي الرائد من كلية سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إدغار شاين Edgar Schein الاستفسار المتواضع Humble inquiry، الذي يهدف إلى استخلاص المعلومات والمشاعر المهمة لتحقيق مُهمَّة الفريق. وكون السائل من خارج المجموعة يسمح بالتشكيك الساذج -وغير المُهدِّد- في العمليات اللاواعية الفاعلة في هذه المواقف.8E.H. Schein, Humble Inquiry: The Gentle Art of Asking Instead of Telling (San Francisco: Berrett-Koehler Publishers, 2013). ويمكن لتقنية الخمس لماذا (طرح السؤال «لماذا؟» خمس مرات على الأقل)، التي اشتُهِرت في منهجية الحيود السداسي Six Sigma، أن تساعد الشخص الخارجي على التنقيب وصولا إلى مستويات أكثر عمقاً وكشف ما يتجنبه الفريق.

وقبل البدء بعملنا في شركة السفر، طلبنا تصوير أحد اجتماعات فريق الإدارة العليا (وهذا جزء من عمليتنا المعتادة). ورأينا أن هناك كثيراً من المحادثات الجانبية. وتراخى الحضور وتلهوا بهواتفهم أثناء العروض التقديمية. وكان انطباعنا هو أنهم مجموعة لا تبذل جهداً حقيقيّاً.

وبعد ذلك، أظهرنا للفريق سلسلة من المقاطع التي تركز على كل المناسبات التي كان الرئيس التنفيذي مشغولا بهاتفه. وتحول ما كان طرفة في البداية إلى إحراج عندما استمر التسلسل، لكننا قطعنا التسلسل بعد ثلاث دقائق وقلنا للفريق: «أخبرنا بما تراه».

وصُدِم الرئيس التنفيذي، وقال: «لو أخبرتموني بأنني أفعل ذلك، ما كنت لأصدقكم». وفُوجِئ أعضاء الفريق أيضاً، لكن بمجرد أن ظهر الدليل لهم، لم يجدوا صعوبة كبيرة في فك شيفرة الرسالة التي أرسلها الرئيس التنفيذي: عدم احترام الآخرين وعدم تقدير عملهم. وبالطبع، لم يشجع ذلك النقاش المفتوح. كذلك أَذِن سلوك الرئيس التنفيذي للفريق بالعمل بطريقة مماثلة، مما أسفر عن النتائج ذاتها – الانفصال والاجتماعات غير المنتجة – التي اشتكى هو منها أصلا.

ويتمثل الخبر السار في أن هذه الديناميكيات المدمرة وغير الواعية تفقد قوتها عندما تصبح مرئية وموضوعاً للمناقشة. ولكن أعضاء الفريق، وبهدف المساعدة على إعادة ضبط سلوكهم في الاجتماعات وغرس عادات جديدة، اتخذوا أيضاً تدبيرين ملموسين: وافقوا على فرض حظر لمدة شهر على الأجهزة في اجتماعاتهم (مع غرامات على الانتهاكات جرى التبرع بها إلى الجمعيات الخيرية)، ووضعوا ميثاقاً للفريق يوضح التوقعات السلوكية الجديدة التي شملت الاستماع إلى بعضهم بعضاً، وطرح مزيد من الأسئلة، وتأخير الافتراضات، وتلخيص الاستنتاجات وإجراءات المتابعة.

وكما هي الحال في كثير من الأحيان، لم يكن محتوى الميثاق بالأمر الجديد، لكنه مكّن كل عضو في الفريق من فرض القواعد الأساسية الجديدة بشكل مباشر من خلال الإشارة إلى الميثاق الذي وقعوه جميعاً. وبعد ستة أشهر أخبرنا الرئيس التنفيذي بأن اجتماعات الفريق كانت أقصر وأكثر تركيزاً وتثير نقاشاً أكثر ثراءً.

تنقية الفريق من السموم

لمعظم الفرق مواضيع غير قابلة للنقاش — وتعانيها — من كل الفئات الأربع. ولكن بدلاً من محاولة إصلاحها كلها في وقت واحد، ننصح قادة الفرق باتباع نهج متسلسل، يبدأ بالفئتين الأكثر وعياً اللتين يمكنهم التأثير الفوري فيهما: تعرفون لكن لا تجرؤون على القول، وتقولون الشيء لكن لا تقصدونه.

الأهم فالمهم. تتمثل أفضل نقطة بداية في التأكد من «أننا نفعل ما نقوله». وهذا أمر سهل، إذ إن عواقب «عدم فعل ما نقوله» واضحة للجميع وتعكس فشلاً جمعيّاً وليس فرديّاً. كذلك عندما يتعلق الأمر بفريق الإدارة العليا، قد يؤدي سوء المواءمة بين الكلمات والأفعال إلى التآكل العميق في المؤسسة بكاملها؛ مما يشيع التهكم والسخرية، والانفصال، والنزاعات عند كل المستويات.

وبصفتكم قائد الفريق، تكونون في وضع جيد لبدء المحادثة حول كيفية تحسين عمليات الفريق ومعالجة الأنماط المختلة وظيفيّاً للتواصل. ويمكنكم المشاركة في بعضٍ من التأمل المبدئي عن طريق سؤال نفسكم: «هل هذه مشكلة ساعدتُ أنا شخصيا على نشوئها؟» ويُعَد الإقرار بمسؤوليتكم الشخصية وسيلة قوية لإطلاق المناقشة وتحديد مستوى الصراحة المتوقعة.

ويمكن للمكاسب السهلة أن تساعد أعضاء الفريق على إدراك أن ما يكتسبونه سيفوق العناء – مما يولّد زخماً للانتقال من مواضيع سطحية غير قابلة للنقاش إلى مواضيع أعمق غير قابلة للنقاش تتطلب عادة تسهيلاً أو تدخلاً خارجيّاً.

وقت الفريق. الكشف عن المواضيع غير القابلة للنقاش وإزالتها ليس أبدا بممارسة تتم مرة واحدة. ولمنع تراكم مواضيع جديدة غير قابلة للنقاش، يجب عليكم تخصيص وقت للحديث الجماعي داخل الفريق، وليس فقط لمحادثات العمل التي تتركز على الخارج.

درسنا ذات مرة فريق مفاوضات سويسريّاً متخصصاً بعمليات الاختطاف وحالات احتجاز رهائن. ومع وجود مخاطر كبيرة جداً، لم يسمح الفريق للمواضيع غير القابلة للنقاش بتعطيل عملياته. وتميَْز الفريق بمراقبة ديناميكياته في الوقت الفعلي (بمساعدة مراقب معين)، إضافة إلى مراجعة ما حدث، مع الأخذ بعين الاعتبار المشاعر والحقائق.

وتصح مبادئ مماثلة في الأعمال. فالفرق المرتفعة الأداء لا تهتم بما حققته فحسب، بل كذلك بكيفية تحقيقها إيّاه من خلال العمل معاً. وهذا لا ينشأ بشكل طبيعي. بل عليكم أن تحسنوه وتُدخلوا إجراءات وتعقدوا منتديات لتنقية فريقكم من المواضيع غير القابلة للنقاش قبل أن تتجذر وتتسبب في مشكلات.

ويكرس فريق إدارة عليا لمجموعة أوروبية للبرمجيات سريعة التوسع، عملنا معها بشكل منهجي، نصف يوم خلال خلواته Retreats التي تُقام مرتين في السنة لمناقشة كيفية عمل الفريق معاً. ويدير الجلسة رئيس الموارد البشرية الذي يقول لأعضاء الفريق: «أنتم مشغولون جميعاً بإدارة مجالاتكم. وإذا أزعجتم بعضكم بعضاً أثناء، فقد حان الوقت للإفصاح عن الأمر ووضعه على طاولة النقاش». وكتمرين أكثر نظامية، يطلب الرئيس التنفيذي في نهاية الاجتماعات أحياناً إلى أعضاء الفريق إكمال العبارة «أنا قلق من..» في محاولة لمعالجة المسائل المحتملة في وقت مبكر.

ورأينا فرقاً أخرى تستخدم ممارسات بسيطة مماثلة لمنع تراكم المواضيع غير القابلة للنقاش. ويتبنى بعضها روتيناً عند تسجيل الوصول في بداية الاجتماعات للتخلص من المخاوف التي قد تزعج المشاركين. وهناك بديل هو الإفصاح عن هذه الأمور في نهاية الاجتماعات بالدوران حول الطاولة ثلاث مرات، والتساؤل: «ما الذي كان مفيداً؟» «ما الذي لم يكن مفيداً؟» و«ماذا ستفعلون بشكل مختلف في الاجتماع التالي؟»

فالفريق الصحي يجب أن يكون قادراً على مراجعة أدائه وإعادة النظر فيه مرارا وتكرارا.

استثناء من القاعدة. على الرغم من أن الضغط لتجنب المسائل الصعبة لا ينحسر أبداً، فإنه الإفصاح عن المواضيع غير القابلة للنقاش يُؤتي ثماره دائماً – شرط أن يجري ذلك بطريقة بنَّاءة.

وهناك حالة واحدة فقط لا نوصي بمثل ذلك فيها: إذا ورثتم فريقاً مختلاً وظيفيّاً وكنتم مضطرين إلى تحقيق شيء سريع، ربما لا يكون قضاء الوقت في تشخيص المواضيع غير القابلة للنقاش واكتشافها نهجاً مثاليّاً.

ففي حالات كهذه، في الأغلب يكون من الأكثر فاعلية اعتماد استراتيجية إيجابية من استراتيجيات علم النفس، وطرح استفسار يقدِّر المجهود المبذول Appreciative inquiry، مثل مناقشة ما يؤديه الفريق بشكل جيد أو ما فعله بشكل صحيح، مع المتانة الاستقصائية نفسها التي قد تطبقونها عند تفكيك السلوكيات والأحداث المختلة وظيفياً، والبناء بدءاً من هناك.9D.L. Cooperrider and S. Srivastva, “Appreciative Inquiry in Organizational Life,” in Research in Organizational Change and Development, ed. R.W. Woodman and W.A. Pasmore (Stamford, Connecticut: JAI Press, 1987): 129-169. ويتمثل الهدف في هذا الموقف بإيجاد طرق للتغلب على أي نقاط ضعف ومواءمة نقاط القوة لتطوير المشاعر والعلاقات الإيجابية قبل فعل العمل الجاد لمناقشة المواضيع غير القابلة للنقاش.

ومع ذلك، فإن الخلاصة تظل كما هي: في عالم متسارع الخُطى، تحتاج الفرق بشدة إلى مساحة للتحدث عن الطريقة التي تدير بها أعمالها.

جينكا توغل

جينكا توغل

أستاذة السلوك التنظيمي والقيادة من آي إم دي IMD بلوزان في سويسرا.

جان لوي

جان لوي

 بارسو أستاذ أبحاث المصطلحات في آي إم دي.

للتعليق على هذا الموضوع http://sloanreview.mit.edu/x/61108

المراجع

المراجع
1 J. Carreyrou, Bad Blood: Secrets and Lies in a Silicon Valley Startup (New York: Alfred A. Knopf, 2018): 47.
2 I.M. Nembhard and A.C. Edmondson, “Making It Safe: The Effects of Leader Inclusiveness and Professional Status on Psychological Safety and Improvement Efforts in Healthcare Teams,” Journal of Organizational Behavior 27, no. 7 (November 2006): 941-966.
3 S. Miller, D. Wackman, E. Nunnally, et al., Straight Talk: A New Way to Get Closer to Others by Saying What You Really Mean (New York: Rawson Associates, 1984).
4 C. Argyris and D. Schön, Organizational Learning: A Theory of Action Perspective (Reading, Massachusetts: Addison-Wesley, 1978).
5 L.L. Greer, K.A. Jehn, and E.A. Mannix, “Conflict Transformation: A Longitudinal Investigation of the Relationships Between Different Types of Intragroup Conflict and the Moderating Role of Conflict Resolution,” Small Group Research 39, no. 3 (June 2008): 278-302.
6 K. Jehn, S. Rispens, K. Jonsen, et al., “Conflict Contagion: A Temporal Perspective on the Development of Conflict Within Teams,” International Journal of Conflict Management 24, no. 4 (2013): 352-373.
7 W.R. Bion, Experiences in Groups (1961; repr., London: Routledge, 1989).
8 E.H. Schein, Humble Inquiry: The Gentle Art of Asking Instead of Telling (San Francisco: Berrett-Koehler Publishers, 2013).
9 D.L. Cooperrider and S. Srivastva, “Appreciative Inquiry in Organizational Life,” in Research in Organizational Change and Development, ed. R.W. Woodman and W.A. Pasmore (Stamford, Connecticut: JAI Press, 1987): 129-169.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى