أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أعمالاخترنا لكتكنولوجيا

تحسين إيقاع تعاونكم

التناوب بين الاتصال الدائم والتركيز الموجّه ضروريّ لحل المشكلات.

إيثان بيرنشتاين، جيسي شور، ديفيد لايزر

العد في بداية العروض الموسيقية، سواء كان لفظياً («واحد، اثنان..».) أم رمزياً (بواسطة عصا أو طرقعة)، أساس للتعاون الحي للموسيقيين. ويستخدمه قادة الأوركسترا لتكريس الإيقاع Tempo والشعور، ولتقديم إرشادات حول كيفية تفسير الإيقاعات المكتوبة – أنماط الصوت والسكون – التي توشك المجموعة على أدائها.

وبالمثل، في مكان العمل، يساعد القادة تحديد إيقاع الجهود التعاونية لمؤسساتهم وفرقهم. وعلى مدار قرن على الأقل فعلوا ذلك إلى حد كبير من خلال التخطيط لاجتماعات مجموعات العمل Working-group، والاجتماعات السريعة المكثّفة Huddles، والاجتماعات شخصاً لشخص one-on-one، وتقارير المراحل الرئيسية Milestone reports، وقراءات اللجان التوجيهية Steering committee، وتقارير نهاية المناوبات End-of-shift handoffs، وما إلى ذلك. ومن خلال اجتماعات مبرمجة مدتها 30 و60 و90 دقيقة محددة مسبقاً قبل أسابيع لمنع التضارب في المواعيد ولمرات محدودة لاستيعاب أعضاء الفرق من حول العالم، كرسوا أنماط التفاعل النشط (“الصوت” Sound) والعمل الفردي (“الصمت” Silence) التي تشكل إيقاعات تعاون لموظفيهم.

الأبحاث
في إحدى التجارب وزع المؤلفون 51 مجموعة مؤلفة من 16 شخصاً توزيعا عشوائيا على أربعة هياكل شبكية مختلفة وطلبوا إليهم حل مهمة معقدة تشبه لعبة «اعرف المجرم»، كلُّ ذلك باستخدام تكنولوجيا تعاونية لكن بمستويات متفاوتة من الاتصال.
وفي تجربة ثانية صنّفوا بشكل عشوائي 514 مجموعة ،كل منها تتألف من ثلاثة أفراد، في مستوى من ثلاثة مستويات من التفاعل التعاوني (لا تعاون، أو تعاون متقطع، أو تعاون ثابت) وطلبوا إلى المجموعة حل مشكلة مندوب المبيعات المتنقل الكلاسيكية، وهي مهمة أُمثلة Optimization معقدة.
كذلك استعرضوا الأدبيات المتعلقة بتبادل المعلومات Information sharing في الشبكات الاجتماعية، والذكاء الجمعي، والعصف الذهني، والحل الجماعي والفردي للمشكلات.

لكن هذه الإيقاعات صارت أكثر تعقيداً وأقل خضوعاً للتحكم في السنوات الأخيرة. وتمتلك المؤسسات الآن مجموعة من الأدوات الرقمية للتعاون – سلاك Slack، وتيمز Teams/سكايب Skype، وتشاتر Chatter، ويامر Yammer، وجايف Jive، وزوم Zoom، وويبكس Webex، وكلاكسون Klaxoon – لم تكن متوفرة لها من قبل. (بلغ السوق العالمي لبرمجيات التعاون ثمانية بلايين دولار في عام 2018، ومن المتوقع أن يتضاعف إلى 16 بليون دولار بحلول عام 2025.1Grand View Research, Team Collaboration Software Market Analysis Report, 2018,www.grandviewresearch .com.) أضف إلى ذلك البريد الإلكتروني والرسائل النصية الهاتفية Texting والرسائل النصية عبر الإنترنت Messaging، إلى جانب الاجتماعات التي لم تختف، وللأرقام دلالة: تظهر الأبحاث أن المسؤولين التنفيذيين يقضون ما متوسطه نحو 23 ساعة أسبوعيّاً في اجتماعات (وهو أعلى من معدل كان أقل من عشر ساعات قبل 50 سنة)،2L.A. Perlow, C.N. Hadley, and E. Eun, “Stop the
Meeting Madness,” Harvard Business Review 95, no. 4 (July-August 2017): 62-69.
في حين تقدر ماكينزي McKinsey أن الموظف المعرفي المتوسط Average knowledge worker يقضي %65 من يوم العمل في التعاون والتواصل مع الآخرين (بما في ذلك %28 من اليوم للبريد الإلكتروني).3M. Chui, J. Manyika, J. Bughin, et al., The Social Economy: Unlocking Value and Productivity Through Social Technologies (New York: McKinsey Global Institute, 2012), 46. لذلك صار التعاون متعدد القنوات. ويمكنكم أن تروا السبب في أن تنظيم كل هذا يشكل تحدياً كبيراً.

في الواقع، وبالنظر إلى مدى الاتصال الفائق Hyperconnected الذي يشهده معظم الأشخاص العاملين الآن، يمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كان لديهم أي إيقاع للتعاون، ليس لأنهم يفتقرون إلى التفاعل الكافي (الصوت) بل لأنهم يفتقرون إلى أي غياب للتفاعل (الصمت). ودفعتنا هذه الملاحظة، كباحثين، إلى أن نسأل: هل ينبغي للمؤسسات أن يكون لديها إيقاع للتعاون يتناوب بين العمل والتوقف، أو هل يكون مزيد من التعاون أفضل ببساطة، كما يميل الناس إلى الاعتقاد؟

تشير نتائجنا إلى أن التناوب ضروري للعمل الذي يتضمن حل المشكلات Problem-solving. وبينما تجعل الأدوات التعاونية التفاعل أقل تكلفة وأكثر وفرة، تكون فرص التفكير من دون تفاعل أكثر تكلفة وندرة، لكنها تظل ضرورية. وفي الواقع، تظهر أبحاثنا أنه عندما يستبدل الأفراد إيقاعا للتعاون يتناوب بين العمل والتوقف On-and-off collaboration لصالح إيقاع اتصال يعمل دائماً Always-on connectivity، فإنهم ينسقون المعلومات ويجمعونها بطريقة أكثر فاعلية، لكنهم ينتجون حلولاً أقل إبداعاً وأقل إنتاجية.

وهذا مثير للقلق، بالنظر إلى الاتجاهات الحالية في مكان العمل. فمن خلال تحقيق اتصال أكبر وأكبر، صار البشر يشبهون إلى حد ما العقد السلبية Passive nodes في شبكة الآلة: هم يتقدمون على صعيد معالجة المعلومات لكنهم يتراجعون في اتخاذ القرارات بناء على المعلومات. وبمعنى آخر، صممنا التواصل التنظيمي Organizational communication لزيادة صعوبة، وليس لتسهيل، قيام البشر بما قيل لنا إنه يتعين علينا القيام به في العقد أو العقدين المقبلين من الزمن– أي أن نميز قدراتنا عن القدرات المتنامية للبيانات الكبيرة Big data، والأتمتة Automation، والذكاء الاصطناعي AI.

ويتطلب الأمر المزيد من القيادة – وليس أقل، كما قد يدفعنا الاتجاه إلى المؤسسات والفرق الأكثر تسطيحاً إلى الاعتقاد – لإنشاء إيقاع فاعل يتناوب بين التفاعل الثري والتركيز الهادئ. وهنا، نستكشف ما يعنيه هذا في الواقع العملي للمديرين، ونستند إلى أمثلة من المؤسسات التي درسناها لتوضيح الكيفية التي يمكنكم بها تجنب المشكلات الشائعة وتكريس إيقاع تعاوني مثالي لفريقكم.

الاتصال: ما نكسبه وما نخسره

عندما نحل المشكلات تعاونيا – سواء كنا نتخذ قرارات استراتيجية أم نصلح مواطن خلل تشغيلية أم نولّد أفكاراً – ننخرط في فئتين من الإجراءات: (1) جمع الحقائق التي نحتاج إليها لتوليد الحلول الممكنة المختلفة وتطويرها، و(2) تحديد الحلول الأفضل.

وليس الأكاديميون غرباء عن دراسة حل المشكلات. فهناك مجموعة كبيرة من الأبحاث حول هذا الموضوع، بسياقات تشمل أمكنة ترفيهية مثل سباقات المغامرات4K. Sutcliffe and M. Barton, “Contextualized Engagement as Resilience-in-Action: A Study in Adventure Racing” (paper presented at the Academy of Management Annual Meeting, Chicago, Illinois, July 2018). Also see P. Ercolano, “‘Resilience-in-Action’ Is Key to Team Success, Whether in Backwoods or Business,” Johns Hopkins University, Aug. 8, 2017, https://hub.jhu.edu. وغرف الهروبEscape rooms،5F. Englmaier, S. Grimm, D. Schindler, et al., “The Effect of Incentives in Non-Routine Analytical Team Tasks — Evidence From a Field Experiment,” working paper no. 6903, CESifo, Munich, Germany, Feb. 21, 2018. وتجارب المحاكاة المختبرية، والأبحاث الميدانية في العالم الحقيقي في مكان العمل. ولكن معظم الأبحاث ركزت على حل المشكلات الفردية وليس الجماعية.6It’s somewhat surprising that more research hasn’t been done on the social element of problem-solving, given that scholars are increasingly discrediting the notion of the solo genius. See, for instance, K. Clark, “Myth of the Genius Solitary Scientist Is Dangerous,” Nov. 20, 2017,https://theconversation.com. وحتى من بين الدراسات التي تناولت التعاون، لم ينظر سوى القليل منها في المقدار الذي نريده من التعاون.7B. Uzzi, “Social Structure and Competition in Interfirm Networks: The Paradox of Embeddedness,” Administrative Science Quarterly 42, no. 1 (1997): 35-67; R.S. Burt, “Structural Holes and Good Ideas,” American Journal of Sociology 110, no. 2 (2004): 349-399; R. Cross and J.N. Cummings, “Tie and Network Correlates of Individual Performance in Knowledge-Intensive Work,” Academy of Management Journal 47, no. 6 (2004): 928-937; and D. Lazer and A. Friedman, “The Network Structure of Exploration and Exploitation,” Administrative Science Quarterly 52, no. 4 (2007): 667-694.

لذلك توجهنا إلى المختبر لاستكشاف هذا السؤال. في دراستنا الأولى،8J. Shore, E. Bernstein, and D. Lazer, “Facts and Figuring: An Experimental Investigation of Network Structure and Performance in Information and Solution Spaces,” Organization Science 26, no. 5 (2015): 1432-1446. وزعنا أفراداً توزيعا عشوائيا في 51 مؤسسة تضم 16 شخصاً – كان بعض المؤسسات أكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا من غيرها – وطلبنا إلى كل مؤسسة حل مشكلة معقدة: أن تجيب بالحدس على الأسئلة: من وماذا وأين ومتى فيما يتعلق بهجوم إرهابي وشيك (يشبه الأمر اللعبة الشهيرة اعرف المجرم Clue whodunit لكن مع مخاطر افتراضية أعلى). واستخدمت كل مؤسسة منصة لا تختلف عن الأدوات التعاونية المستخدمة في أمكنة العمل اليوم: فالأفراد، من خلال حواسيبهم، استطاعوا البحث عن المعلومات ومشاركتها مع بعضهم بعضاً، والمساهمة في نظريات حول الحلول في حين تابعت المنصة الإلكترونية السلوك.

ووجدنا أن الاتصال كانت له آثار مختلفة في مرحلتي تقصّي الحقائق Fact-finding والتحديد Figuring من مراحل حل المشكلات. ولتقصي الحقائق، كان الاتصال الأكبر أفضل، من دون أي حدود على الاتصال. ولكن تحديد ما يجب فعله بهذه الحقائق، وهو في الواقع إنشاء حلول، قوَّضه الاتصال المفرط. والروابط نفسها التي ساعدت الأفراد على التعاون في بحثهم عن المعلومات شجعتهم على التوصل إلى توافق في الآراء والقبول بحلول أقل مثالية؛ ما جعل الاتصال سيفاً ذا حدين.

ويمثل تقصي الحقائق والتحديد، في اعتقادنا، فئات أوسع من الأنشطة. وإذا كان علينا أن نصف هذه المفاضلة بشكل أكثر عمومية، فالسؤال يتعلق بما إذا كانت المهمة تتطلب في المقام الأول التنسيق أو الخيال. وإذا برزت احتياجات حادة على صعيد التنسيق (مثلاً، تجنب بذل جهود مسرفة عن طريق التأكد من أننا لا نقوم بالعمل نفسه)، يكون الاتصال الدائم مفيداً. وإذا كان الخيال حاسماً أكثر، يمكن للاتصال الدائم أن يصبح من المستحيل تقريبا إدارة الإبداع الناتج من عقول متعددة، الأمر الذي يتطلب توازناً بين السماح لتلك العقول بالتعلم من بعضها بعضاً وتعزيز قدرة كل منها على توليد أفكار جديدة. ومع قليل من الاتصال، لا يكون هناك أي تعليم أو تضافر (تآزر) Synergy. ومع كثير من الاتصال، ينتهي المطاف بالعقول كلها في المكان نفسه، إذ تركز على أنواع الحلول نفسها.

مع قليل من الاتصال، لا يكون هناك أي تعليم أو تضافر. ومع كثير من الاتصال ينتهي المطاف بالعقول كلها في المكان نفسه، إذ تركز على أنواع الحلول نفسها.

كسر المقايضة

هل يجب أن تكون هذه هي الحال؟ وهل تحتاج المؤسسات والفرق إلى الاختيار بين النجاح في تقصي الحقائق وبين النجاح في التحديد؟

لمزيد من التحقيق، عدنا إلى المختبر، هذه المرة بهدف السؤال المباشر عما إذا كان الاختيار المتعمَّد لإيقاع للتعاون (لا يكون دائماً عاملاً) قد يكون مفيدا.9E. Bernstein, J. Shore, and D. Lazer, “How Intermittent Breaks in Interaction Improve Collective Intelligence,” Proceedings of the National Academy of Sciences 115, no. 35 (2018): 8734-8739. وطلبنا إلى عدد من المجموعات المكونة من ثلاثة أشخاص حل ما يُسمَّى بمسألة مندوب المبيعات المتنقل Traveling salesperson problem. وأُعطِي كل شخص خريطة مع المواقع الخاصة بـ25 مدينة خيالية كان عليه أن يزورها. وتمثلت مهمته في العثور على أقصر رحلة لزيارة كل مدينة مرة واحدة ثم العودة إلى دياره عند نقطة البداية.

على مدار عقود استخدم الأكاديميون مسألة مندوب المبيعات المتنقل لدراسة حل المشكلات المعقدة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن مجموعة الحلول الممكنة تشكل ما يُسمَّى المشهد الوعر للحلول Rugged solution landscape: إذا تصورتم كل الخيارات كمسارات صاعدة إلى أعلى أحد الجبال (حيث يكون الارتفاع المحقق مقياس النجاح)، قد يتطلب منكم الانتقال من حل جيد إلى حل أفضل نزول الجبل مجدداً وتسلق مسار مختلف تماماً. لذلك يخاطر صناع القرار القصيرو النظر (ونحن جميعاً كذلك حتماً) بالتعثر عند قمة منخفضة؛ لأنهم لم يروا القمة الأعلى قبل أن يبدؤوا بالصعود. ويحدث هذا في مشكلة مندوب المبيعات المتنقل؛ لأن اختيار المدينة التي سيزورها تالياً مقيد بالاختيارات الأخرى المحددة في المسار. ولإيجاد حل أفضل، يجب على المرء في كثير من الأحيان العودة إلى البداية وإعادة تكوين تلك القرارات.

وفي نسختنا من مشكلة مندوب المبيعات المتنقل، حاول المشاركون حلها في ضوء ظرف من ثلاثة ظروف: لم يتفاعل أعضاء مجموعة من المجموعات مع بعضهم بعضاً، وحلوا المشكلة في عزلة تامة؛ وتفاعل أعضاء مجموعة أخرى مع بعضهم بعضا باستمرار، كما نفعل عندما نكون مجهزين بتكنولوجيات تعمل باستمرار؛ وتفاعل أعضاء المجموعة الثالثة بشكل متقطع.

وبما يتوافق مع نتائج دراستنا السابقة وغيرها من الأبحاث،10W. Mason and D.J. Watts, “Collaborative Learning
in Networks,” Proceedings of the National Academy of Sciences 109, no. 3 (2012): 764-769; J. Lorenz, H. Rauhut, F. Schweitzer, et al., “How Social Influence Can Undermine the Wisdom of Crowd Effect,” Proceedings of the National Academy of Sciences 108, no. 22 (2011): 9020-9025; and P.B. Paulus, V.L. Putman, K.L. Dugosh, et al., “Social and Cognitive Influences in Group Brainstorming: Predicting Production Gains and Losses,” European Review of Social Psychology 12, no. 1 (2002): 299-325.
توقعنا – ووجدنا – أن المجموعات التي ليس لها أي تفاعل هي الأكثر إبداعاً، فقد توصلت إلى أكبر عدد من الحلول الفريدة، بما في ذلك بعض الحلول الأفضل والأسوأ من حيث إجمالي المسافة المقطوعة لزيارة كل مدينة والعودة مجدداً إلى الديار. وباختصار، عند عزلها، أنتجت عدداً قليلاً من الحلول الرائعة، لكن بشكل عام، كان متوسط الجودة منخفضاً بسبب تباين الحلول تباينا كبيرا.

وكما توقعنا، ووجدنا، كانت المجموعات ذات التفاعل المستمر الأكثر اتساقاً، وأنتجت متوسط جودة أعلى على صعيد الحلول لكنها عثرت على أفضل الحلول بوتيرة أقل كثيراً. وبمعنى آخر، عندما كانت المجموعة متفاعلة بشكل مستمر، أنتجت حلولاً أقل تباينا ولكنها كانت حلولا عادية.

أما المجموعات التي تفاعلت بشكل متقطع، وفقا لإيقاع حقيقي للتعاون، فقد كسرت قيود المقايضة، واستحوذت على أفضل ما في الجانبين بدلاً من الخضوع إلى أسوأ ما في أحدهما. فقد حافظت على ما يكفي من العزلة لإيجاد أفضل الحلول بالتواتر نفسه على الأقل مثل المجموعات التي غاب فيها التفاعل، لكن أيضاً بالتعاون الكافي للحفاظ على متوسط لجودة الحل مرتفع بشكل مكافئ مقارنة بالمجموعات ذات التفاعل المستمر.

وكان التعلم عاملاً رئيسيّاً: خلال فترات الانفصال، تصرف الأشخاص بطبيعة الحال بمفردهم وجربوا نُهُجاً جديدة ومتنوعة تتعلق بالمشكلة – لكن عندما اجتمعوا مرة أخرى، استطاعوا التعلم من هذه الحلول المختلفة. وحتى لو لم تكن الحلول الجديدة التي وجدها المشاركون بمفردهم حلولا فاعلة بشكل عام، فقد تضمنت في الأغلب فكرة مفيدة أو اثنتين يمكن تعلمهما وإعادة دمجهما مع حلول أخرى. وبهذه الطريقة، أنشأ التفاعل المتقطع ظروفاً للذكاء الجمعي Collective intelligence، بدلاً من الاعتماد على عدد قليل من الأفراد القياديين للخروج بأقوى الأفكار.

وحتى الأشخاص أصحاب الحل الأفضل في أي مرحلة من مراحل التجربة كانوا أفضل حالاً في بيئة متقطعة. وكانوا عرضة لأفكار جديدة من أقرانهم استطاعوا استخدامها لتحسين حلولهم الجيدة بالفعل. وبالطبع، يمكن للأشخاص الذين كانت لديهم حلول أسوأ تبني أفضل حل في المجموعة كنقطة انطلاق جديدة لفترة الحل الفردي التالية.

وعلى النقيض من ذلك، توفرت للأشخاص الذين تفاعلوا باستمرار فرص كثيرة ليتعلموا لكنْ أفكار أقل ليتعلموا منها، بالنظر إلى مدى ارتباطهم بتوافق الآراء الجماعي. وولّد أولئك الذين لم يتفاعلوا قطُّ أفكاراً أكثر عدداً (وأكثر تنوعاً)، لكن عزلتهم حالت دون حدوث التعلم.

وهناك درسان رئيسيان للمديرين في تلك النتائج. أولاً، عندما يتعلق الأمر بحل المشكلات المعقدة، يحقق التعاون عوائد متناقصة – فبعد نقطة معينة، لا يتحسن متوسط جودة الحلول بفعل زيادة التفاعل. ثانياً، للتعاون المفرط تكاليفه – فأنتم تستبعدون تنوع الأفكار المفيدة للتوصل إلى أفضل الحلول.11K.J. Boudreau, N. Lacetera, and K.R. Lakhani, “Incentives and Problem Uncertainty in Innovation Contests: An Empirical Analysis,” Management Science 57, no. 5 (2011): 843-863; and L. Hong and S.E. Page, “Groups of Diverse Problem Solvers Can Outperform Groups of High-Ability Problem Solvers,” Proceedings of the National Academy of Sciences 101, no. 46 (2004): 16385-16389.

العثور على الإيقاع الصحيح في العمل

من الواضح أن هناك قيمة في إيقاع للتعاون بدلاً من التفاعل الدائم. لكن كيف تختارون وتيرة ثم تضعونها موضع التنفيذ؟ وما الذي يُعادل العد عند الموسيقيّ لدى قائد مؤسسة أو فريق؟ فيما يلي بعض النُّهُج التي تبدو واعدة في ضوء أبحاثنا.

الخوف من الاستبعاد من المعلومات قد يجعل الموظفين ملتصقين بمواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بمؤسستهم. فهم لا يريدون أن يكونوا – أو يبدوا أنهم معزولون.

نهج المفتاح الكهربائي: أوقفوا تشغيله في دورات. كما هي الحال مع العديد من الأشياء، حلت تكنولوجيا التعاون مشكلة (التفاعل القليل جدّاً) وأنشأت مشكلة أخرى (التفاعل الكثير جدّاً) في وقت واحد. وتشير أبحاثنا وأبحاث الآخرين1212. For instance, R. Cross and P. Gray, “Where Has the Time Gone? Addressing Collaboration Overload in a Networked Economy,” California Management Review 56, no. 1 (2013): 50-66; R. Cross, R. Rebele, and A. Grant, “Collaborative Overload,” Harvard Business Review 94, no. 1 (January-February 2016): 74-79; and R. Cross, S. Taylor, and D. Zehner, “Collaboration Without Burnout,” Harvard Business Review 96, no. 4 (July-August 2018): 134-137. For a different manifestation of the same issue, see T.L. Stanko and C.M. Beckman, “Watching You Watching Me: Boundary Control and Capturing Attention in the Context of Ubiquitous Technology Use,” Academy of Management Journal 58, no. 3 (2014): 712-738. إلى أهمية إيجاد فرص لعدم الاتصال ليس فقط خارج ساعات العمل بل أيضاً أثناء العمل. فالكثيرون منا يتوقعون بفارغ الصبر الوقت الذي نمضيه في المقطورة الهادئة للقطار، وعلى متن طائرة لا تتوفر فيها شبكة واي فاي، أو في مقصورة بعيدة قليلاً عن الشبكة. ويمكن للقادة توفير هذا النوع من الوقت في مكان العمل أيضاً. وبينما يعتاد الموظفون على وضع الهواتف الذكية في صندوق في طريقهم إلى الاجتماعات (للتركيز على شكل من أشكال التعاون في مقابل شكل آخر)، يعمل عدد متزايد من المؤسسات أيضاً لإنشاء أوقات منسقة من عدم الاتصال مخصصة للعمل المُوجَّه.

والقادة في وضع فريد يمكّنهم من تشغيل المفتاح الكهربائي للتعاون؛ لأن الأشخاص الذين يعملون طوعاً بمفردهم يواجهون العديد من العقبات. ومن بين الأسباب أن الخوف من الاستبعاد من المعلومات قد يجعلهم ملتصقين بمواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بمؤسستهم. فالأفراد لا يريدون أن يكونوا – أو يبدوا أنهم معزولون. وهناك سبب آخر ألا هو أن معرفة ما يفعله زملاؤهم في الفريق يوفر شعوراً بالراحة والأمان؛ لأن الأشخاص يمكنهم ضبط سلوكهم ليكون متزامناً مع المجموعة. ومن المخاطرة الانطلاق من تلقاء أنفسهم لتجربة شيء جديد ربما لن يكون ناجحاً من البداية. لكن على الرغم من أن الاتصال الفائق للأفراد أمر مطمئن، فإن من الأفضل للمؤسسة أن ينطلق الأفراد بشكل دوري ويفكروا من تلقاء أنفسهم ويولّدوا أفكاراً متنوعة – إن لم تكن ناضجة تماماً. ومن ثمَّ، يصبح من مهام القائد تهيئة ظروف مؤاتية للجميع من خلال فرض تفاعل متقطع حتى عندما لا يختاره الموظفون بأنفسهم، من دون جعل الأمر يبدو كعقاب (مثل فصل الطفل مؤقتاً عن رفاقه).

وفي بعض الشركات يُمكَّن عدم الاتصال بفعل الفصل بين المساحات المادية أو الأعراف Norms التي تحظر التعاون. وتتزايد غرف التأمل Meditation rooms ومدربو التأمل meditation coaches، مثلاً – ليس فقط في أبل Apple، حيث قدم ستيف جوبز استراحة التأمل اليومية البالغة مدتها 30 دقيقة، بل أيضاً في شركات متنوعة مثل غوغل Google ونايكي Nike وبيرسون Pearson وناشيونوايد Nationwide. وفي أمازون Amazon، بدلاً من القفز مباشرة إلى مراجعة تعاونية للنقاط المهمة في شرائح باور بوينت PowerPoint، قد تبدأ الاجتماعات بأشخاص يجلسون في صمت أثناء قراءة مذكرة، ولا يناقشون الموضوع إلا بعد انتهاء الجميع من القراءة.

لكن لا يكفي توفير مساحة وإذن للتركيز الهادئ. فأداء القادة دور القدوة هو العامل الرئيسي. وفي عصر الشفافية يكون واضحا للآخرين أنك متصل (تشير أنظمة الرسائل النصية إلى ما إذا كنتم متصلين بالإنترنت، وآخر ظهور لكم، وقراءتكم لرسالة متسلمة من عدمها)، وهكذا يرسل القادة إشارات واضحة بواسطة سلوكهم. ففي المؤتمر الأخير لوارتون لتحليلات الموظفين Wharton People Analytics Conference، قالت الرئيسة التنفيذية السابقة لديلويت الولايات المتحدة Deloitte US كاثي إنغلبرت Cathy Engelbert إنها أدركت مدى تطلع الموظفين إلى إشارات من القادة حين قالت موظفة كانت على وشك مغادرة الشركة (موظفة لم تعرفها حتى) إنها «لم ترغب في أن تكون مثل كاثي إنغلبرت»، تعمل ومتاحة للتفاعل مع الزملاء «في كل الأوقات». واستنتجت الموظفة الأمر – بشكل صحيح أو غير صحيح– من رؤيتها مراراً وتكراراً أن وضع الرسائل النصية الفورية الخاص بإنغلبرت كان متصلاً بالإنترنت في الليل. فما لم يوقف القادة أنفسهم الاتصال بشكل واضح، قد تصبح غرف التأمل وأمثالها أحدث ما يعادل طاولات كرة القدم خلال أزمة قطاع التجارة الإلكترونية، إذ استخدمها فقط الأشخاص المرجَّح تسريحهم خلال فترة التراجع الاقتصادي التالية.

وتضع الشركات الأخرى قيوداً أكثر صرامة على الوقت الذي يمكن للزملاء أن يقضوه في التفاعل. ففي المقر الإيطالي لأحد أكبر بيوت الأزياء في العالم، تنطفئ الأضواء في المكتب عند الساعة 5:30 مساءً، مما يفرض نهاية يوم العمل. ويعود ذلك في جزء منه، وفق ما يخبرنا الرئيس التنفيذي، إلى أنه يحترم العائلات التي تنتظر وصول موظفيها إلى منازلهم. ولكنه يشير أيضاً إلى نهاية التعاون وبداية الوقت الفردي، وهو شيء يُعتَز به في شركة تعتمد بشدة على الإبداع. وبينما قد تكون الساعة 5:30 مساءً أمراً غير واقعي في العديد من الأطر، يمكن للقادة تطبيق الفكرة الأساسية نفسها بطرق أكثر استهدافاً، لفترة زمنية قصيرة أو حتى متداخلة بين الأفراد أو الفرق، كما كانت الحال مع مبادرة الوقت المستقطع المتوقع Predictable Time Off لدى مجموعة بوسطن الاستشارية Boston Consulting Group.13At BCG, each consultant was required to have one scheduled night off per week, and productivity improved. See L.A. Perlow and J.L. Porter, “Making Time Off Predictable — and Required,” Harvard Business Review 87, no. 10 (October 2009): 102-109.

وليس المبدأ الأساسي هنا جديداً. فقد أظهرت واحدة من أكثر الدراسات الأكاديمية أهمية لوقت العمل في تسعينات القرن العشرين الكيفية التي أمكن بها لفريق لهندسة البرمجيات أن يقلل من شعورهم بـ “مجاعة وقت” Time famine وتحسين الإنتاجية من خلال وضع سياسة لوقت هادئ مأذون به، حظرت قطعه.14L.A. Perlow, “The Time Famine: Toward a Sociology of Work Time,” Administrative Science Quarterly 44,
no. 1 (1999): 57-81.
واليوم، يعني هذا الأمر ببساطة وجود وقت للعمل عند إيقاف تشغيل كل أدواتنا الخاصة بالتعاون، مما يعيدنا إلى الأيام حين كان لدينا بطبيعة الحال انحسار وتدفق للتعاون – أي وقت للعمل الفردي تتخلله اجتماعات ومكالمات مجدولة.

وتشتمل النُّهُج الرشيقة Agile approaches في العمل الجماعي على بعض هذه الدورات المتقطعة، بالنظر إلى أن هذه النُّهُج منظمة إلى فترات قصيرة تركز خلالها مجموعات من الأشخاص على حل مشكلة معينة. وهذا ما أسماه الأستاذ في كلية الأعمال بجامعة هارفارد Harvard Business School، آندي وو Andy Wu، والكاتب المشارك معه، سوربوه غوش Sourobh Ghosh التنسيق التكراري Iterative coordination.15S. Ghosh and A. Wu, “Iterative Coordination in Organizational Search,” working paper, Harvard Business School, Cambridge, Massachusetts, January 2019. ويتمثل التحدي، كما أخبرنا أحد المسؤولين التنفيذيين في مؤسسة مالية كبيرة، في أن «فتراتنا ضُغِطت مع بعضها بعضاً بشكل لم يعد معه هناك وقت للتوقف فيما بينها». وإضافة إلى ذلك، ولمجرد أن فريقاً يعمل في فترة لا يعني أن آخرين في المؤسسة لن يقاطعوا أفراداً فرديين في الفريق باحتياجات تعاون لا علاقة لها بما يؤدونه في هذا الوقت.

وتتضمن الهاكاثونات Hackathons أيضاً تعاوناً مكثفاً لفترات زمنية قصيرة ومحددة مسبقاً. وبالنظر إلى أنها تكون في الأغلب أحداثاً على مستوى المؤسسة – أو أن كل شخص في المؤسسة تقريبا يعرف عنها – فهي محصّنة نوعاً ما من مقاطعة الزملاء، ولاسيما عندما يرعاها أعلى القادة (مما يوفر إذناً ضمنياً بوضعية تشغيل ردود آلية أثناء الغياب عن المكتب). ولكن الهاكاثونات توفر مساحة ووقتاً للابتكار التعاوني – وليس للعمل الفردي الهادئ. ويجب أن يجد القادة طرقاً أخرى لإدراج ذلك في الإيقاع اليومي للموظفين من خلال التشغيل أو الإطفاء الفعليين أو المجازيين للأضواء على فترات منتظمة.

ونُصِح المسؤولون التنفيذيون بأن يكونوا قادة متعاونين وأن يكونوا القدوة العليا لما يرغبون برؤيته في بقية المؤسسة.16H. Ibarra and M. Hansen, “Are You a Collaborative Leader?” Harvard Business Review 89, nos. 7-8 (July-August 2011): 68-74. وأخذوا هذه الرسالة على محمل الجد، وكرسوا بشفافية مزيداً ومزيداً من أيامهم للتعاون الشخصي والتعاون عبر الإنترنت. ومن خلال العمل كقدوة لهذا الاستخدام المنتشر لتكنولوجيا التعاون، ساعد قادة الأعمال على تحديد عصر للتعاون الدائم. وحان الوقت الآن ليكونوا قدوة لإيقاع تعاونٍ أكثر استدامة وإنتاجية.

بل إن بعض مطوّري الأدوات يدافعون عن هذا النُّهج: كتب ريان سينغر Ryan Singer، أحد أول أربعة موظفين في بيسكامب Basecamp، وهي شركة صانعة لبرمجيات إدارة المشاريع، كتاباً (بشكل تعاوني عبر الإنترنت) استناداً إلى أكثر من 16 سنة من مشاهدته الشركات تتصارع مع التعاون القائم على المشاريع. وكتب في الكتاب قائلا: «إن نوعاً غريباً من الصمت الإذاعي» قد يحصل خلال المرحلة الأولى من العمل الفاعل في المشروع، «لأن كل شخص يركز» من أجل توجيه نفسه، والعثور على أفضل النُّهُج، والمشاركة في الاستكشاف – أي القيام بما يسميه عملاً مشروعاً Legitimate work. ويقول: «من المهم للمديرين احترام هذه المرحلة [لأن] طلب تحقيق تقدم ملموس قبل ذلك لن يؤدي إلا إلى دفن التقدم».17R. Singer, “Hand Over Responsibility,” chap. 9 in Shape Up: Stop Running in Circles and Ship Work That Matters, accessed July 15, 2019, https://basecamp.com/shapeup.

نهج فيتبيت Fitbit: متابعة الأمر من أجل اختراقه. يعرف الجميع أن أدوات التعاون في مكان العمل لا تمكّن التعاون فقط، بل تتابعه أيضاً. وتكون نتيجة كل الوقت الذي نقضيه في التعاون عبر الإنترنت، وبشكل شخصي بشكل متزايد، تدفقا رقميا يُعرِّف ما أُطلق عليه أخيراً تحليلات العلاقات Relationship analytics.18P. Leonardi and N. Contractor, “Better People Analytics,” Harvard Business Review 96, no. 6 (November-December 2018): 70-81. (انظر أيضاً: التعاون الأذكى وليس الأوثق، في هذا العدد).

ويتعدى ذلك التقارير الأسبوعية حول مقدار الوقت الذي أمضيناه على الشاشة، إذ يرصد، بدلاً من ذلك، الإيقاعات الخاصة بتعاون كل فرد مع الآخرين في المؤسسة. مثلاً، تقدم مايكروسوفت Microsoft الآن أداتين تستخدمان البريد الإلكتروني وتقويم وجهات الاتصال وبيانات أخرى من أوفيس Office 365 لتقديم تبصرات حول التعاون: يُعِد ماي أناليتيكس MyAnalytics (للأفراد) تقارير حول مدى تجاوبكم مع رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمتعاونين (في المتوسط ومع أفراد محددين)، ويذكركم بحجز وقت للتركيز «قبل أن تستحوذ الاجتماعات على الوقت»، ويسلط الضوء على “تأثير رسائل البريد الإلكتروني بعد ساعات العمل” في الآخرين، وما إلى ذلك؛ ويستخدم وورك-بليس أناليتيكس Workplace Analytics (للمؤسسة) البيانات نفسها، بعد جعلها مجهولة المصدر Anonymized، لتسليط الضوء على الاتجاهات الشاملة للتعاون. ويرصد أمبيت Ambit، وهو منتج فرعي لفريق معهد ستانفورد للأبحاث Stanford Research Institute الذي طور الخوارزميات الصوتية لسيري Siri، ملفكم التعريفي الصوتي، وبعد ذلك وخلال أوقات التعاون النشط، يمكنه أن يتعقب في الوقت الفعلي مدى تناوبكم أنتم والمتعاونين معكم (إجمالي عدد الأدوار، ومتوسط طول الأدوار، وطول أطول دور) والكيفية التي سيدرك بها الآخرون صوتكم (ويَظهرُ ما يُسمَّى تحليل النبرات Tonal analysis l متى يبدو كل متعاون خائفاً أو غاضباً أو سعيداً أو حزيناً أو تحليليّاً أو واثقاً أو متردداً).

وفي المستقبل غير البعيد نتوقع أن تعتمد أدوات مماثلة على مجموعات البيانات الكبيرة وخوارزميات تعلم الآلة للسعي إلى حل التحديات التي أبرزناها آنفاً مباشرةً. وسيذّكركم جهازكم بجعل تعاونكم متقطعاً بشكل أكبر عندما يبدو أن حلولكم تفتقر إلى التنوع الكافي، وسيشجعكم على الالتقاء معاً والتعلم من بعضكم بعضاً عند توليد تنوع كافٍ. وقد يساعدنا الذكاء الاصطناعي على تحسين ذكائنا الجمعي Collective intelligence من خلال تدريبنا على كيفية تنظيم تعاوننا.

وعلى الرغم من أن ذلك كله يقع في المستقبل، فإن وعد أدوات المتابعة هذه صار واضحاً بالفعل. وتماماً مثلما يشجع جهاز فيتبيت على ممارسة مزيد من النشاط البدني من خلال جعل مستويات نشاطنا الحالية مرئية، تؤثر هذه الأدوات في سلوكيات تعاوننا من خلال جعلها مرئية.

نهج التصميم: إنشاء أدوات التعاون المستنير. يعتمد كلا الحلّين المذكورين آنفاً علينا لتغير سلوكنا، وهذا صعب. وإذا كان من السهل تنظيم إيقاعات التفاعل الخاصة بنا؛ فلن ننام وهواتفنا الذكية إلى جانبنا.19L.A. Perlow, Sleeping With Your Smartphone: How
to Break the 24/7 Habit and Change the Way You Work (Boston: Harvard Business Review Press, 2012).
ولكن الأدوات نفسها التي تسمح لنا بأن نكون مدمنين على التفاعل يمكن، إذا صُمِّمت جيداً، أن تساعدنا أيضاً على جعل التفاعل متقطعاً أكثر منه ثابتاً.

وحدث بعض هذا بالفعل بشكل طبيعي. لنأخذ سلاك بعين الاعتبار، وهو أداة صُمِّمت مبدئيّاً وفق فرضية مفادها بأن تكون كل الاتصالات مرئية للمؤسسة بكاملها؛ ما يشجع الاستجابات الفورية والربط المستمر. وتحت ضغط ضخم من قاعدة المستخدمين الخاصة به، سرعان ما غيّر سلاك موقفه وأنشأ قنوات خاصة، تمثل الآن أغلبية التعاون في معظم مساحات العمل. كذلك أنشأ وظيفة الوضع Status التي تتيح لكم الإشارة عندما تكونون غير متصلين بالإنترنت لأي سبب من الأسباب. وفي الواقع، وعلى الرغم من أننا لسنا على دراية بأي من برامج البرمجيات الخاصة بالمؤسسات الاجتماعية التي قدمت في البداية ميزة تتيح للمستخدمين الإشارة إلى توافرهم من عدمه، فلدى كل هذه البرامج تقريباً الآن هذه الميزة. وتسمح هذه التغيرات بمزيد من الوقت «المستقطَع» وإعطاء إذن ضمني لمزيد من المشاركة المتقطعة.

ويحاول الجيل التالي من هذه البرامج المضي قدماً من خلال تحسين إيقاعات التعاون في الاجتماعات المباشرة بدلاً من استبدالها. فقد طوَّر ماثيو بوتشر Matthieu Beucher، المؤسس والرئيس التنفيذي لكلاكسون Klaxoon، تطبيق كلاكسون عن عمد واضعاً هذا الهدف في الاعتبار؛ لأن الاجتماعات نفسها قد تكون مصادر للتفاعل المتقطع. وإليكم الكيفية التي يعمل وفقها التطبيق: يتصل المشاركون في الاجتماع بكلاكسون بواسطة أجهزتهم الخاصة (الهواتف الخلوية، وأجهزة آيباد، والحواسيب المحمولة) حتى لو كانوا في موقع واحد. بعد ذلك يختارون نشاطاً (العصف الذهني، والاستطلاع، والأسئلة، والقرارات، وما إلى ذلك) يدعم المهمة أو الهدف المباشر للمجموعة. وبناءً على النشاط الذي يختارونه، تحدد الأداة إيقاعاً معيناً للتعاون. وفي بعض الحالات تُصوَّر المعلومات والأفكار ليراها الجميع على الفور؛ وفي حالات أخرى، تُخزَّن البيانات ليمكن للمجموعة اتخاذ القرارات بعد فترة من التفكير أو، على الأقل، بعد أن يساهم كل شخص في الاجتماع بآرائه. ويشبّه بوتشر كل اجتماع بأغنية جديدة ويقول إن كلاكسون مصمم «لتوفير أدوات مختلفة لتحسين التعاون بين أجزاء مختلفة من الأغنية». ومع تطور كلاكسون، فقد منح المستخدمين مساحة أكبر للتفاعل المتقطع. فهو، مثلاً، يسمح الآن للموظفين بإيقاف تشغيل ميزات تحديد هوية المستخدم وسجل الوقت حتى يتمكنوا من التعاون وفق شروطهم الخاصة وتجنب إصدار الأحكام، من قِبل الأقران أو الرؤساء، حول الوقت أو المدى الخاصيّن بتعاونهم أو عدم تعاونهم.

ووعد النُّهج التصميمي بالعمل على الموازنة بين الفصل Separation والبقاء على اتصال Connectedness – باستخدام التكنولوجيا لإنشاء قيود تسمح بالتفاعل المتقطع أو الحض عليه أو فرضه – هو بهدف جعل فرق الأبحاث غير الرسمية الإبداعية والإنتاجية أمراً روتينيّاً بدلاً من ظواهر نادرة منظمة ذاتيّاً. وليأتي هذا النُّهج من تلقاء نفسه، نحتاج إلى معرفة أكثر مما نعرف اليوم. وعلى العموم، طلب العالَم إلى شركات التكنولوجيا إنشاء أدوات تتيح التعاون قدر الإمكان – وهذا ما فعلته.

أما كيفية تمكين التعاون المتقطع؛ فمشكلة مختلفة يجب حلها. ومن المحتمل أن أفضل الأفكار لفعل ذلك ستتولد لاحقاً – ربما بعد أن تتعلم شركات التكنولوجيا المزيد حول كيفية تحفيز العملاء الذين يشترون منتجاتها ويستخدمونها حلول عمل خاصة بهم لإضافة تقطع إلى هذه الأدوات.

طلب العالَم إلى شركات التكنولوجيا إنشاء أدوات تتيح التعاون قدر الإمكان – وهذا ما فعلته. أما كيفية تمكين التعاون المتقطع، فمشكلة مختلفة يجب حلها.

كتب عالم الاجتماع جورج سيميل Georg Simmel ذات مرة: «نحن عادة لا نعتبر شيئاً ما ملزماً إلا الشيء الذي عزلناه أولاً بطريقة أو بأخرى. فإذا كان يجب ضم الأشياء، فيجب فصلها أولاً…. وبشكل فعلي وكذلك رمزي وجسدي وروحي، نفصل باستمرار روابطنا ونربط انفصالاتنا». والتعاون المتقطع ربما لا يكون مثمراً فحسب بل هو أيضاً بشريٌّ بطبيعته.

ومع ذلك، ولتحقيق ذلك، يجب علينا أن نتغلب على دوافعنا البشرية بالقدر نفسه للبقاء مرتبطين في عالم يتسم بشكل متزايد بالتعاون الشامل.20See, for instance, C. Newport, Deep Work: Rules for Focused Success in a Distracted World (London: Hachette, 2016); and N. Carr, The Shallows: What the Internet Is Doing to Our Brains (New York: W.W. Norton & Co., 2010). ويمكن للقادة أن يؤدوا دوراً مهماً في توفير السياسات والبيانات والأدوات لتكريس إيقاع مثمر للتواصل.

وهذا أيضاً تحد جمعي Collective challenge. ففي عودة إلى مثالنا الموسيقي، يتولى القادة في الأساس القيادة – لكن كل عضو في الفريق يؤثر في كيفية أداء إيقاع التعاون. ولذلك تكون الثقافة Culture عاملاً معززاً حاسماً. فما لم يشعر الأفراد بالأمان لقطع ارتباطهم بشكل متقطع ورؤية هذا السلوك هو النموذج المعتمد من قبل القادة من حولهم ويكافؤون عليه، فمن المرجح أن يبقوا مرتبطين بشكل مفرط، بغض النظر عما يتوقعه مديروهم منهم وأنواع الأدوات والفرص التي يقدمونها.

إيثان بيرنشتاين Ethan Bernstein

إيثان بيرنشتاين Ethan Bernstein

(@ethanbernstein) أستاذ مشارك لكرسي إدوارد دبليو كونراد Edward W. Conrad لإدارة الأعمال في كلية الأعمال بجامعة هارفارد Harvard Business School، حيث يدرس أثر أمكنة العمل التي تتسم بشفافية متزايدة في سلوك الموظف وأدائه.

جيسي شور Jesse Shore

جيسي شور Jesse Shore

(@jessecshore) أستاذ مساعد في أنظمة المعلومات في كلية كيستروم للأعمال Questrom School of Business بجامعة بوسطن Boston University؛ وهو يدرس الشبكات الاجتماعية والذكاء الجماعي.

ديفيد لايزر David Lazer

ديفيد لايزر David Lazer

(@davidlazer) أستاذ العلوم السياسية وعلوم الحاسوب في جامعة نورث إيسترن Nort heastern University، وهو باحث زائر في معهد العلوم الاجتماعية الكمية Institute for Quantitative Social Science بجامعة هارفارد Harvard University؛ وتركز أبحاثه على العلوم الاجتماعية الحاسوبية، والذكاء الجماعي، والمعلومات المُضلِّلة Misinformation.

للتعليق على هذا الموضوع http://sloanreview.mit.edu/x/61102.

المراجع

المراجع
1 Grand View Research, Team Collaboration Software Market Analysis Report, 2018,www.grandviewresearch .com.
2 L.A. Perlow, C.N. Hadley, and E. Eun, “Stop the
Meeting Madness,” Harvard Business Review 95, no. 4 (July-August 2017): 62-69.
3 M. Chui, J. Manyika, J. Bughin, et al., The Social Economy: Unlocking Value and Productivity Through Social Technologies (New York: McKinsey Global Institute, 2012), 46.
4 K. Sutcliffe and M. Barton, “Contextualized Engagement as Resilience-in-Action: A Study in Adventure Racing” (paper presented at the Academy of Management Annual Meeting, Chicago, Illinois, July 2018). Also see P. Ercolano, “‘Resilience-in-Action’ Is Key to Team Success, Whether in Backwoods or Business,” Johns Hopkins University, Aug. 8, 2017, https://hub.jhu.edu.
5 F. Englmaier, S. Grimm, D. Schindler, et al., “The Effect of Incentives in Non-Routine Analytical Team Tasks — Evidence From a Field Experiment,” working paper no. 6903, CESifo, Munich, Germany, Feb. 21, 2018.
6 It’s somewhat surprising that more research hasn’t been done on the social element of problem-solving, given that scholars are increasingly discrediting the notion of the solo genius. See, for instance, K. Clark, “Myth of the Genius Solitary Scientist Is Dangerous,” Nov. 20, 2017,https://theconversation.com.
7 B. Uzzi, “Social Structure and Competition in Interfirm Networks: The Paradox of Embeddedness,” Administrative Science Quarterly 42, no. 1 (1997): 35-67; R.S. Burt, “Structural Holes and Good Ideas,” American Journal of Sociology 110, no. 2 (2004): 349-399; R. Cross and J.N. Cummings, “Tie and Network Correlates of Individual Performance in Knowledge-Intensive Work,” Academy of Management Journal 47, no. 6 (2004): 928-937; and D. Lazer and A. Friedman, “The Network Structure of Exploration and Exploitation,” Administrative Science Quarterly 52, no. 4 (2007): 667-694.
8 J. Shore, E. Bernstein, and D. Lazer, “Facts and Figuring: An Experimental Investigation of Network Structure and Performance in Information and Solution Spaces,” Organization Science 26, no. 5 (2015): 1432-1446.
9 E. Bernstein, J. Shore, and D. Lazer, “How Intermittent Breaks in Interaction Improve Collective Intelligence,” Proceedings of the National Academy of Sciences 115, no. 35 (2018): 8734-8739.
10 W. Mason and D.J. Watts, “Collaborative Learning
in Networks,” Proceedings of the National Academy of Sciences 109, no. 3 (2012): 764-769; J. Lorenz, H. Rauhut, F. Schweitzer, et al., “How Social Influence Can Undermine the Wisdom of Crowd Effect,” Proceedings of the National Academy of Sciences 108, no. 22 (2011): 9020-9025; and P.B. Paulus, V.L. Putman, K.L. Dugosh, et al., “Social and Cognitive Influences in Group Brainstorming: Predicting Production Gains and Losses,” European Review of Social Psychology 12, no. 1 (2002): 299-325.
11 K.J. Boudreau, N. Lacetera, and K.R. Lakhani, “Incentives and Problem Uncertainty in Innovation Contests: An Empirical Analysis,” Management Science 57, no. 5 (2011): 843-863; and L. Hong and S.E. Page, “Groups of Diverse Problem Solvers Can Outperform Groups of High-Ability Problem Solvers,” Proceedings of the National Academy of Sciences 101, no. 46 (2004): 16385-16389.
12 12. For instance, R. Cross and P. Gray, “Where Has the Time Gone? Addressing Collaboration Overload in a Networked Economy,” California Management Review 56, no. 1 (2013): 50-66; R. Cross, R. Rebele, and A. Grant, “Collaborative Overload,” Harvard Business Review 94, no. 1 (January-February 2016): 74-79; and R. Cross, S. Taylor, and D. Zehner, “Collaboration Without Burnout,” Harvard Business Review 96, no. 4 (July-August 2018): 134-137. For a different manifestation of the same issue, see T.L. Stanko and C.M. Beckman, “Watching You Watching Me: Boundary Control and Capturing Attention in the Context of Ubiquitous Technology Use,” Academy of Management Journal 58, no. 3 (2014): 712-738.
13 At BCG, each consultant was required to have one scheduled night off per week, and productivity improved. See L.A. Perlow and J.L. Porter, “Making Time Off Predictable — and Required,” Harvard Business Review 87, no. 10 (October 2009): 102-109.
14 L.A. Perlow, “The Time Famine: Toward a Sociology of Work Time,” Administrative Science Quarterly 44,
no. 1 (1999): 57-81.
15 S. Ghosh and A. Wu, “Iterative Coordination in Organizational Search,” working paper, Harvard Business School, Cambridge, Massachusetts, January 2019.
16 H. Ibarra and M. Hansen, “Are You a Collaborative Leader?” Harvard Business Review 89, nos. 7-8 (July-August 2011): 68-74.
17 R. Singer, “Hand Over Responsibility,” chap. 9 in Shape Up: Stop Running in Circles and Ship Work That Matters, accessed July 15, 2019, https://basecamp.com/shapeup.
18 P. Leonardi and N. Contractor, “Better People Analytics,” Harvard Business Review 96, no. 6 (November-December 2018): 70-81.
19 L.A. Perlow, Sleeping With Your Smartphone: How
to Break the 24/7 Habit and Change the Way You Work (Boston: Harvard Business Review Press, 2012).
20 See, for instance, C. Newport, Deep Work: Rules for Focused Success in a Distracted World (London: Hachette, 2016); and N. Carr, The Shallows: What the Internet Is Doing to Our Brains (New York: W.W. Norton & Co., 2010).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى