أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أعمالتوظيفمهارات

النُّهُج الرائدة في تجديد المهارات وتعزيزها

بدأت الشركات في تعزيز جهودها لتطوير قدرات الموظفين بطرق جديدة ومثيرة للحماس.

ليندا غراتون

ؤؤؤ

تجديد المهارات في أمكنة غير متوقعة

جعل فريق القيادة في مايكروسوفت Microsoft توسيع توفير الخدمات السحابية للشركة من الجوانب الضرورية للأعمال. وعنى جعل هذا الأمر حقيقة واقعة بناء مراكز للبيانات في أمكنة مكتظة بالسكان، مثل دبلن في إيرلندا، ونائية، مثل بلدة بويدتون في ولاية فرجينيا (يبلغ عدد سكانها نحو 400 شخص)، وديس موينس في ولاية أيوا (يزيد عدد سكانها على 200 ألف بقليل). والمهارات الوظيفية الضرورية لمثل هذه المواقع الجديدة هي مهارات إدارة مراكز البيانات Data center management، مع مسؤوليات خاصة في إدارة الأنظمة Systems administration واستكشاف الأخطاء وإصلاحها Troubleshooting.

وهذه مهارات يصعب توظيف موظفين يمتلكونها، ومن غير المرجح أن تتوفر لدى السكان المحليين الأصغر عددا، حيث يوجد بعض من هذه المراكز. إضافة إلى ذلك، يرغب عدد قليل من الموظفين الحاليين لدى مايكروسوفت في الانتقال إلى مواقع للبيانات كهذه. وعندما يفعلون ذلك، تضعف معدلات الاحتفاظ بالموظفين.

واحتوى فريق مايكروسوفت هذا التحدي من خلال توسيع نظرته إلى من يمكنهم أداء هذه الوظائف واتخاذ قرار للمساعدة على إنشاء مجموعات جديدة من المواهب في كل مجتمع محلي. وأخبرتني بورتيا وو Portia Wu، المديرة المفوّضة لدى مايكروسوفت للسياسة العامة الأمريكية، أن الحل يتلخّص في جمع مختلف أصحاب المصلحة Stakeholders المعنيين معا. مثلاً، بالنسبة إلى موقعي بويدتون وديس موينس، عملت الشركة مع كليات المجتمعات Community colleges المحلية في جنوب فرجينيا وأيوا لإنشاء معاهد جديدة هي أكاديميات مايكروسوفت لمراكز البيانات Microsoft Data Center Academies (اختصارا: الأكاديميات DCAs). وتدرّب هذه المدارس الطلبة على العمل في منشآت مايكروسوفت وشركات أخرى ذات احتياجات مماثلة في مجال تكنولوجيا المعلومات IT. وجرى دعم الطلبة بأكثر من 315 ألف دولار على شكل منح دراسية من مايكروسوفت.

وتدير كلُّ أكاديمية DCA برامجَ تتكون من دفعات من 15 إلى 20 طالباً، وتخرَّج حتى الآن أكثر من 200 طالب. وانضم بعضهم إلى مايكروسوفت، في حين نُقِل آخرون مهاراتهم إلى شركات ذات صلة، مما ساعد على تطوير البيئة التكنولوجية ككل في هذه المناطق.

تعزيز المهارات باستخدام التكنولوجيا

في الأغلب يكون تعميق المهارات الحالية بطرق جديدة أمراً مطلوباً عندما تصبح المهام الروتينية لوظيفة ما مؤتمتة.

وهذا ما حدث، مثلاً، على صعيد دور الصراف المصرفي Bank teller: يستخدم العديد من الصرافين اليوم بعض الوقت الذي تحرّر بفعل الأتمتة ليكونوا سفراء أكثر نشاطاً للمصرف، فيقترحون على العملاء بلطف منتجات مصرفية أخرى Cross-selling. ويتطلب هذا الجزء «الإنساني» من الوظيفة مستويات مرتفعة من مهارات التعامل مع الآخرين مثل التعاطف والاستماع والقدرة على الحكم.

وهذه مهارات يصعب جدا تطويرها على نطاق واسع. فعلى عكس العديد من المهارات المعرفية Cognitive skills، لا يمكن تعلم المهارات الاجتماعية بطريقة تستند إلى قواعد – إذ لا طريقَ محدداً لتحقيق الفاعلية الاجتماعية. ويتطلب بناء مهارات اجتماعية مرتبطة بالوظيفة من أجل بيئة العمل تجربة تعليمية غامرة، تُجرَّب في مواقف أقرب ما تكون إلى الوظيفة الحقيقية، مع وجود كثير من فرص الممارسة. وهذا النوع من تطوير المهارات هو في الأساس عملية من عمليات التجربة والخطأ Trial and error، إذ نتصرف بطريقة معينة، ونتلقى ملاحظات من خلال إشارات اجتماعية دقيقة، ونحاول مرة أخرى. وتولِّد الممارسة قوة العادة.

وهذا التعقيد هو ما حشد الجهود لتعزيز المهارات على نطاق واسع. ولكن المشاريع التجريبية الجديدة تثبت أن هذا النوع من التدريب الواسع النطاق أمر ممكن. ولا تعتمد هذه البرامج التدريبية على التدريب الباهظ الثمن المستند إلى الفصول الدراسية، بل تستخدم بدلاً من ذلك مزيجاً من الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي والمدربين البشريين.

مثلاً، تساعد مجموعة مورسيون Mursion للتعلم التكنولوجي على تطوير مهارات بشرية معقدة، مثل التعاطف من خلال منح الموظفين المشاركين في التدريب فرصةً للاستماع إلى عميل أو موظف صعب الإرضاء والتفاعل معه. وهي عملية تدريب كلاسيكية – لكن في هذه الحالة، يكون العميل أو الموظف الصعب صورة رمزية من الواقع الافتراضي. وأخبرني الرئيس التنفيذي CEO مارك أتكينسون Mark Atkinson بأن فريق التصميم في شركته حدد كيفية محاكاة بيئة عمل ضاغطة بطريقة معقولة تجعلها تخدع الدماغ ليصدق أن تجربة الواقع الافتراضي حقيقية.

فالمتدربون يُعطَون سيناريوهاً مثل تسهيل محادثة لسماع الأطراف كلها ومساعدة موظف صعب المراس على التفاعل بشكل أفضل مع الزملاء. ويُشجَّع المتدربون على ممارسة هذه المهارات في عدد من السياقات، فيجربون تكتيكات مختلفة مع صورة رمزية تستجيب لهم في محادثة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي. ويتلقون ملاحظات ويقيسون تقدمهم في سلاسة المحادثة التي هي ضرورية للمهارات الاجتماعية المرتفعة المستوى.

وبدأت الشركات باستخدام هذا التدريب على نطاق واسع. مثلاً، استخدمت شركة بست وسترن إنترناشيونال Best Western International للفنادق التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، نظامَ مورسيون لتعزيز مهارات أكثر من 35 ألف موظف في كيفية التعبير بشكل أفضل عن التعاطف مع العملاء وأخذ زمام المبادرة لحل مشكلات العملاء على الفور.

استثمار الحكمة العمرية

في الأغلب تكون المعرفة العميقة والضمنية حول كيفية أداء المهمة مختزنة في أذهان العاملين ذوي الخبرة، فيما يسمى الذكاء البلوري Crystalline intelligence. ويرى العديد من المؤسسات قيمة في رصد هذه المعرفة ونقلها – لكن لا يتوفر إلا القليل من الوقت للتدريب الإرشادي Coaching.

وكان هذا هو التحدي الذي واجهته شركة الاتصالات الأمريكية فيريزون Verizon؛ فتقنيوها العاملون ميدانيّاً يُطلَب إليهم دعم كل من المعدات الجديدة والتكنولوجيات القديمة، مثل استخدام الأسلاك النحاسية لبثّ إشارات الاتصالات. وعلى الرغم من تراجع استخدام الأنظمة القديمة، هناك فترة انتقالية عصيبة قبل أن يتم التوقف عن اعتماد هذه التكنولوجيات القديمة.

وبالنسبة إلى مايكل ساندرمان Michael Sunderman، عضو مجلس الإدارة التنفيذي في فيريزون للتعلم والتطوير العالميَّين، تلخّصت إحدى الطرق للمضي قدماً في إنشاء تجارب تستخدم المعرفة الضمنية للخبراء الحاليين والمتقاعدين الأكبر سنّاً لتقديم تعليمات إلى التقنيين الميدانيين. وكان تعزيز المهارات هذا ذا أهمية خاصة عندما واجه التقنيون مشكلات مع التكنولوجيات القديمة غير المألوفة لديهم.

وفي بعض الحالات عمل الخبراء مع التقنيين في هذا المجال، لكن التشتت الجغرافي للخبرة يمثل تحدياً متزايداً – لذلك تكون العلاقة بين الفريقين الآن في الأغلب افتراضية. وعلى الرغم من أن التواصل الافتراضي عبر الهاتف ورسائل البريد الإلكتروني وغرف الدردشة كان مهماً، فإنه في بعض الأحيان لم يكن كافياً.

فقد أخبرني ساندرمان بأنه وفريقه عقدا شراكة مع شركات لتكنولوجيا الواقع المعزز Augmented reality لتطوير أدوات جديدة من المعدات والبرمجيات تُعزِّز المحادثة. مثلاً، يُجهِّز بعض التقنيين الميدانيين بنظارات للواقع المعزز تمكّن مدربيهم الخبراء في المكاتب من رؤية ما يراه التقني أمامه. وبعد ذلك يمكن للخبراء مناقشة الحلول مع التقنيين، ومساعدتهم في الوقت الفعلي Real time ليصبحوا أكثر مهارة في التكنولوجيات القديمة.

هناك الكثير الذي يمكننا أن نتعلمه من هذه الأمثلة الثلاثة. فهي تُظهِر الفوائد الحقيقية للتفكير الإبداعي في هذه التحديات عند النظر إليها من منظور الأنظمة الأوسع. وهذا الإبداع أمر بالغ الأهمية إذا أردنا دعم الملايين من الأشخاص حول العالم الذين سيعززون مهاراتهم أو يتعلمون مهارات جديدة ليظلوا منتجين.

ليندا غراتون Lynda Gratton

ليندا غراتون Lynda Gratton

(lyndagratton@) أستاذة للممارسة الإدارية في كلية لندن للأعمال London Business School ومديرة برنامج المدرسة لاستراتيجية الموارد البشرية في تحويل الشركات. وهي مؤلفة مشاركة للكتاب 100 سنة من العمر: العيش والعمل في عصر العمر الطويل The 100-Year Life: Living and Working in an Age of Longevity (منشورات: Bloomsbury، 2016). للتعليق على هذا الموضوع http://sloanreview.mit.edu/x/61109.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى