أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أعمالابتكار

فهم موجة الابتكار الصينية التالية

الشركات الغربية المتعددة الجنسيات تواجه صعوبة متزايدة في المنافسة أمام ثلاثة أنواع من المبتكرين الجدد في الصين.

بقلم: مارك غريفين، جورج إس ييب، وي وي

في السنوات الأخيرة برزت بضع شركات صينية كشركات مبتكرة عالمية وحظيت بكثير من الاهتمام. وتضم هذه المجموعة الشركة العملاقة للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت علي بابا Alibaba، والشركة المصنعة للأجهزة هاير Haier، والشركة المزودة للبحث وتكنولوجيا البيانات بايدو Baidu، وتنسنت Tencent، المنظومة الإيكولوجية الخاصة بالتواصل الاجتماعي والألعاب. وتتحدى هذه الشركات استراتيجيات البحث والتطوير R&D في الشركات الأجنبية على مواكبة الوتيرة في الصين،1D. Prud’homme and M. von Zedtwitz, “The Changing Face of Innovation in China,” MIT Sloan Management Review 59, no. 4 (summer 2018): 24-32. وهي تقدم دروساً قيّمة حول كيفية جعل الأفكار مربحة تجاريا.2E.S. Steinfeld and T. Beltoft, “Innovation Lessons From China,” MIT Sloan Management Review 55, no. 4 (summer 2014): 49-55. ولكن هناك قوة أخرى أقل وضوحاً يجب أن يُحسَب حسابها في الصين أيضاً: الآلاف من الشركات المبتكرة التي تعمل بهدوء لزعزعة العديد من الصناعات وتجاوز الشركات القائمة وتطوير منتجات جديدة ونماذج أعمال جديدة. ولمجموعة متنوعة من الأسباب التي سنناقشها هنا، ليس من السهل التعرف على هذه الشركات المبتكرة الناشئة – ومع ذلك فإنها تشكل تهديدات حقيقية، وذلك غالباً في أماكن غير متوقعة.
مثلاً، دخلت رويول Royol، وهي شركة ناشئة مقرها شنجين Shenzhen تطور منتجات إلكترونية قابلة للثني والطي، إلى سوق السيارات من خلال شاشة مرنة رقيقة جداً قد تكون واجهة للوحة القيادة في السيارة. وبدعم من وفرة رأس المال المجازف (الاستثماري) Venture capital، قدمت رويول أيضاً أول هاتف ذكي في العالم قابل للانحناء Bendable، يمكن طيه مثل محفظة.3انظرL. Kelion, “Royole’s Bendy-Screen FlexPai Phone Unveiled in China,” BBC News, Oct. 31, 2018.

ومن خلال توسيع نطاق توزيع منتجاتها، يأخذ بعضُ الشركات المؤسَّسَة الشركاتِ المتعددة الجنسيات على حين غرة. وإحدى هذه الشركات هي جيانغسو دونغتشنغ تولز Dongcheng M&E Tools، التي تصنع الأدوات اليدوية الكهربائية. وفي أوائل العقد الأول من القرن الـ21 عملت دونغتشنغ على الشريحة الأدنى من السوق المحلية ولم تكن تُعتبَر منافساً جاداً للمنافسين الذين يحملون علامات تجارية مثل بوش Bosch وستانلي بلاك أند ديكر Stanley Black & Decker. ومع ذلك، فهي اليوم العلامة التجارية الأكثر مبيعاً في الصين، إذ تتفوق على ستانلي بلاك أند ديكر من حيث المبيعات بنسبة 10 إلى 1، وهي قادرة على المنافسة في الأسواق في جميع أنحاء العالم.

وخلال العقد الماضي أجرينا مقابلات مع مئات من المسؤولين التنفيذيين ورواد الأعمال والمستثمرين في الصين، ودرسنا أكثر من 200 شركة صينية. وكان هدفنا يتمثل في فهم الكيفية التي يُمارَس بها الابتكار في الصين وكيفية تغيّره. وحددنا ثلاثة أنواع من الشركات المبتكرة الناشئة، تثير كل منها مجموعة مختلفة من التحديات أمام المنافسين. ونشير إليها الشركات الرائدة الخفية Hidden champions، والشركات التكنولوجية الثانوية Tech underdogs، والشركات الصانعة للتغيير Change makers. (انظر: حول هذا البحث، وثلاثة أنواع من الشركات المبتكرة الصينية الناشئة). وسنصفها هنا بالتفصيل حتى تتمكن الشركات التي تسعى إلى العمل في الصين أو التنافس على مستوى العالم من معرفة الكيفية التي يدير بها كلُ نوع من أنواع المبتكرين الأعمالَ، وفهم ما قد تواجهه الشركات المتعددة الجنسيات في المستقبل.

سؤال أساسي
كيف ينبغي للشركات المتعددة الجنسيات الاستعداد للتنافس مع مجموعة جديدة من الشركات المبتكرة الصينية؟
الاستنتاجات
*راقبوا المشهد التنافسي للاتجاهات الناشئة من أجل توقع تحركات المنافسين المحتملين.
*خذوا بعين الاعتبار الاستثمار المجازف في مشاريع جديدة والدخول في تعاونات في المنظومة الإيكولوجية للأعمال.
*عمقوا معرفتكم بالأسواق المحلية واستكشفوا الاحتياجات المتغيرة للعملاء.

شركات رائدة خفية
الشركات الرائدة الخفية 4Hidden champions” is a term originally coined by German consultant Hermann Simon. انظرواH. Simon, Hidden Champions of the Twenty-First Century: Success Strategies of Unknown World Market Leaders – Berlin: Springer, 2009 هي عبارة عن شركات متخصصة جدا. وتكون عادة من بين أبرز ثلاثة أطراف فاعلة في صناعاتها في الصين والعالم. لكن على عكس الشركات الصينية ذات الأسماء الكبيرة المعترف بها كشركات قائدة للسوق في جميع أنحاء العالم، تكاد الشركات الرائدة الخفية تكون غير معروفة وتقل إيراداتها عن خمسة بلايين دولار. ويدفعها السعي إلى تحقيق نمو بعيد الأجل، وتسعى إلى تحقيق الابتكار المستمر في مجالاتها في محاولة لإضافة قيمة لعملائها الموجودين. وحددنا أكثر من 200 شركة رائدة خفية في مختلف القطاعات، بما في ذلك الآلات والمواد الكيميائية والمواد والإلكترونيات. 5يعتمد هذا التقدير على بحثنا التجريبي، وتؤيده قائمة الشركات الرائدة الخفية لعام 2016 الصادرة عن مجلة ساينو ماناجر

وعادةً ما تخصص الشركات في هذه الفئة منتجاتها لتلبية احتياجات العملاء العالميين، وهي معتادة على استخدام نهج سريع يقوم على التجربة والخطأ لاختبار السوق والتكيف والتعلم. وكثير منها تصنع منتجات جديدة بسرعة وتُسمّى Tinkerers: تطور المنتجات وتحدد الموارد الجديدة وتختبر الحلول ثم تعيد البناء.
لنأخذ بعين الاعتبار شركة لنس تكنولوجي Lens Technology، وهي أكبر منتج لمكونات العدسات في الصين، مثل وحدات الاستشعار المستخدمة في كاميرات الهواتف الذكية. وتأسست الشركة على يد رائد الأعمال تشو كيونفي Zhou Qunfei، الذي انقطع عن الدراسة في مدرسة ثانوية بمقاطعة هونان، وبدأت كشركة لتصنيع الشاشات الزجاجية للساعات الرقمية، ثم سرعان ما لحظت فرصة إنتاج شاشات للهواتف المحمولة لشركة تي سي إل TCL، وهي شركة إلكترونيات كبيرة مقرها مدينة هويزو في مقاطعة غوانغدونغ. وفي ذلك الوقت، كان البلاستيك هو المادة الصناعية القياسية لشاشات الهاتف، لكن لنس تكنولوجي أقنعت تي سي إل بمزايا الزجاج. وفي أعقاب هذا النجاح، صارت لنس تكنولوجي في عام 2003 مورداً لموتورولا Motorola وبدأت بإنتاج شاشات زجاجية لهاتف رازر في 3 Razr V3 القابل للطي. وتزود لنس تكنولوجي الآن شاشات أبل وسامسونغ وشركات أخرى مصنعة للهواتف الذكية.

وقال العديد من ممثلي الشركات الرائدة الخفية الذين قابلناهم إنهم يواجهون تحديات في التنافس مع الشركات الأكبر بكثير التي تتمتع بمزايا تكنولوجية وموارد كبيرة. لكننا وجدنا أن الشركات الرائدة الخفية عملت بجد لتعويض أوجه القصور لديها من خلال التحرك بسرعة وتحديث خدماتها باستمرار ومراقبة تكاليفها.
وشركة هيكفيجن Hikvision مثال آخر جيد على شركة رائدة خفية. في عام 2002 أطلقت الشركة بطاقة ضاغطة للفيديوهات Video compressor card مخصصة للحواسيب التي تستخدم تكنولوجيا MPEG-4؛ وفي العام التالي أصدرت مجموعة جديدة من المنتجات على أساس المعيار الجديد لضغط الفيديوهات. وترقي Upgrades هيكفيجن عادةً خدماتها عدة مرات كل عام، وهي تنظر إلى هذا النهج كوسيلة للبقاء في صدارة المنافسين والمقلدين.
واستراتيجيات التوظيف في الشركات الرائدة الخفية هي إحدى الطرق التي تحقق بها مزايا فعالة من حيث التكلفة مقارنة بالشركات المنافسة الغربية. وعلى عكس الشركات الصينية الشهيرة مثل هاير وعلي بابا – وبالفعل العديد من الشركات المتعددة الجنسيات في جميع أنحاء العالم – فإنها لا تركز على السجلات الأكاديمية للمرشحين بل على تمييز الأفراد الذين سيجلبون سلوكا معيناً إلى الوظيفة. وبدلاً من توظيف خريجي الجامعات الأبرز على وجه التحديد، تبحث عن أفراد يسعدهم التركيز على تحسين قيمة المنتج للعملاء.

وتثير الشركات الرائدة الخفية الصينية ثلاثة تحديات كبيرة أمام المنافسين غير الصينيين. التحدي الأول ينجم عن طريقة تفكيرها بالتكنولوجيا: أثناء سعيها المستمر إلى ابتكار المنتجات، غالباً ما تبدع فرصاً لأنفسها لتوسيع خدماتها أو دخول أسواق متخصصة. واستفاد العديد منها من قدراتها في مجال البحث والتطوير ونموها السريع في السوق الصينية المحلية لتحقيق القيادة في السوق العالمية. مثلاً، تستثمر هيكفيجن في المتوسط %8 من إيراداتها في البحث والتطوير، ويعمل نحو %47 من موظفيها في هذا المجال من الأعمال.

والتحدي الثاني الذي تواجهه الشركات غير الصينية هو التهديد التنافسي العالمي الذي تمثله هذه الشركات الرائدة الخفية. فعلى الرغم من قيامها بأعمال في سوق محلية كبيرة جداً، فإن معظم الشركات الرائدة الخفية تبحث عن طرق للتوسع دولياً في غضون خمس أو عشر سنوات، لكنها تسعى إلى التوسع بطرق مختلفة. مثلاً، شرعت غولدويند Goldwind، وهي شركة منتجة لتوربينات الرياح، في تدويل تكنولوجيتها ومنتجاتها من خلال المشاركة في تعاون بحثي مع شركة فنسيز إنرجي Vensys Energy، وهي شركة ألمانية لطاقة الرياح، وذلك قبل أن تؤسس شركة تابعة Subsidiary وتبدأ بتصدير المنتجات. من جانبها، فإن شركة هيكفيجن Hikvision وشركة تصنيع المعدات الطبية مايندراي Mindray Medical International اختارتا التوسعَ بقوة في الخارج من خلال إنشاء العشرات من الشركات التابعة. ويأتي الآن نحو نصف إيراداتهما من الخارج.

ويتلخص التحدي الثالث الذي يواجه المنافسين غير الصينيين في السرعة التي يمكن بها للشركات الرائدة الخفية اتخاذ القرارات والنمو. فقد صار العديد منها شركات قائدة للسوق المحلية والعالمية في نحو عقد من الزمن، وتتميز بسرعة أكبر مقارنة بشركات منافسة من بلدان مثل ألمانيا واليابان والولايات المتحدة. ومن الخطير، بالنسبة إلى الشركات المتعددة الجنسيات، التقليلُ من شأن السرعة التي قد تظهر بها هذه الشركات المنافسة الجديدة.

شركات التكنولوجيا الثانوية
شركات التكنولوجيا الثانوية هي مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم بإيرادات تقل عن 60 مليون دولار. وتستخدم ملكيتها الفكرية Intellectual property لإنشاء مجموعة من المنتجات المبتكرة. وأسس العديد من هذه الشركات أفراد عادوا إلى الصين من الخارج، بعدما درسوا في نخبة الجامعات بالولايات المتحدة وأوروبا. ويشير تحليلنا إلى وجود عشرات الآلاف من هذه الشركات في الصين. 6يأتي هذا التقدير من مناقشاتنا مع مسؤولين تنفيذيين في الصين، بما في ذلك واحدة استضافتها المائدة المستديرة للابتكار في شنغهاي في سبتمبر

وعلى عكس المبتكرين في وادي السيليكون، يعمل رواد الأعمال الصينيون بشكل جماعي على الابتكار ودفع التكنولوجيا وحدود السوق. وعلى الرغم من أن العديد من المشاريع لا ينجح، فإن بعضها يصبح منافسا مربحا بل وقائدا للسوق. والعدد الكبير من اللاعبين في أي فئة معينة بالصين يزيد من فرصٍ تُمكِّن مبدعا واحدا على الأقل من تحقيق ابتكار خارق.

وفي بحثنا عن صناعة الطاقة الشمسية في عام 2016، مثلاً، حددنا أكثر من 150 شركة صينية لها حقوق ملكية فكرية كبيرة في التكنولوجيا الكهروضوئية Photovoltaic technology. ويهوا سولار Weihua Sola، مثلاً، أسسها في عام 2010 ثلاثة من خريجي جامعة تسينغوا Tsinghua University. وحصل أحد مؤسسيها، فان بن Fan Bin، على درجة الدكتوراه من الكلية الاتحادية المتعددة التكنولوجيات في لوزان École Polytechnique Fédérale de Lausanne في سويسرا، حيث درّسه أحد الخبراء البارزين في التكنولوجيا الكهروضوئية. وفي عام 2013، دخلت شركة ويهوا سولار وشركة الكيماويات الألمانية ميرك Merck في اتفاقية وافقت بموجبها ميرك على توريد مواد متقدمة ومنحت شركة ويهوا سولار إذناً لاستخدام براءات الاختراع ذات الصلة. وأدت هذه الشراكة، بالاقتران مع جهود البحث والتطوير الداخلية لشركة ويهوا سولار، إلى تطوير خلية شمسية خفيفة ومرنة أكثر كفاءة من أي خلية شمسية أخرى من نوعها. 7كما ذكرت SolarBe.com، وهي منصة صينية متخصصة بصناعة الطاقة الشمسية، جرى الوصول إليها في 17 نوفمبر 2018

وتعمل مجموعة بارزة أخرى من الشركات الصينية المبتدئة في مجال تكنولوجيا لذكاء الاصطناعي Artificial intelligence ووفق إحصائيتنا، كان هناك أكثر من 80 مشروعاً للرعاية الصحية يقودها الذكاء الاصطناعي بالصين في صيف 2018. وأحدها هو شركة هويينغ للتكنولوجيا الطبية Huiying Medical Technology ومقرها بكين، تأسست الشركة في عام 2012، وبنت منصة سحابية ذكية للتصوير الطبي. والشركة تتعاون مع جامعات مثل جامعة تسينغوا وجامعة ستانفورد Stanford University، ومع أكثر من 800 مستشفى صيني لتقديم التشخيص والعلاج المدعوم بالذكاء الاصطناعي. ومالونغ تكنولوجيز Malong Technologies هي شركة تكنولوجيا ناشئة أخرى، وهي متخصصة بالتعرف المتقدم على الصور؛ مما يمكّن المعدات التجارية من استخدام تكنولوجيا الأشعة السينية لرؤية الأشياء على مستوى مجهري. ولهذا الأمر تطبيقات في البيع بالتجزئة (للتسجيل السريع للبضائع في المتاجر المؤتمتة، مثلاً)، والتصنيع (في الأنظمة المصممة لاكتشاف العيوب)، والأمن (لمسح الأمتعة). وإضافة إلى كونه متوفراً في نسخ سحابية عامة وخاصة، يمكن تضمينه في جهاز تابع لنظام أو لخادم Server، يمكن أن يعمل من دون اتصال عام بالإنترنت.

حول هذا البحث يستند هذا الموضوع إلى أكثر من عشر سنوات من التجربة في مجال البحث والتدريس والاستشارات في الصين شملت أكثر من 200 شركة صينية. وبين عامي 2005 و2017 أجرينا مقابلات مع أكثر من 350 من رواد الأعمال والمستثمرين والمسؤولين التنفيذيين الصينيين، مع تركيز على وضع كفاءة الابتكار في الشركات الصينية المحلية وتطورها. وخلال هذه الفترة أجرينا أيضاً بحثاً مستفيضاً حول نمو المنظومات الإيكولوجية الرقمية في الصين، وشاركنا في منتديات ومؤتمرات حول الابتكار في الصين، وأجرينا مناقشات متكررة مع مسؤولين تنفيذيين ومحترفين في مجال الابتكار من أكثر من 50 شركة مدرجة على قائمة مجلة فورتشن لأبرز 500 شركة.

ومثل الشركات الرائدة الخفية، تثير شركات التكنولوجيا الثانوية الصينية ثلاثة تحديات أمام الشركات المتعددة الجنسيات غير الصينية. أولاً، يصعب على الشركات المتعددة الجنسيات معرفة الشركات المحلية التي تمثل تهديداً وتلك التي لا تفعل، نظرا للعدد الضخم من المشاريع. ومقارنة بنظيرتها الصينية، تميل الشركات المتعددة الجنسيات الموجودة خارج الصين إلى امتلاك روابط أقل مع شركات ومستثمرين محليين؛ ونتيجة لذلك، فإنها ليست جزءاً من المحادثات حول التهديدات الناشئة.

ثانياً، تميل شركات التكنولوجيا الثانوية التي أُطلِقت بعد عام 2000 إلى الاعتماد على أحدث التكنولوجيات (أكثر من المشاريع الصينية السابقة)، فيصبح المؤسسون أكثر وأكثر تطوراً. وتستهدف الشركات مجالات متقدمة على نحو متزايد، بما في ذلك: علم الوراثة Genetics، وتكنولوجيا الطاقة الشمسية، والذكاء الاصطناعي، والمواد الجديدة، والتكنولوجيا الزراعية.
ثالثاً، للكثير منها حضور ضئيل أو معدوم في وسائط الإعلام. قد يكون عدم البروز هذا مزية تمكّن شركات التكنولوجيا الثانوية من أخذ المنافسين المكرسين على حين غِرَّة عند دخول أسواق جديدة.

الشركات الصانعة للتغيير
تحاول الشركاتُ الصانعة للتغيير الاستفادةَ من الزعزعة الرقمية Digital disruption. ويُموَّل العديد منها بمقادير كبيرة من رأس المال المجازف (الاستثماري). وهي تعمل في مجموعة متنوعة من الصناعات، بما في ذلك: الوسائط والمعلومات، وطلب الركوب Ride-hailing، وتجارة التجزئة. وعلى عكس الشركات الرائدة الخفية وشركات التكنولوجيا الثانوية، تكون الشركات الصانعة للتغيير مرئية جدا، ويبدو أن صفوفها تنمو.

توتياو Toutiao، مثلاً، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات إخبارية مخصصة للهواتف المحمولة، هي واحدة من أبرز الشركات الصانعة للتغيير في الصين. وتأسست توتياو في عام 2012 بدعم من أكثر من ثلاثة بلايين دولار من رأس المال المجازف على مدار عدة سنوات، وتوزع المعلومات الشخصية للمستخدمين استناداً إلى المعلن من اهتماماتهم وعاداتهم في مجال التصفح في مواقع التواصل الاجتماعي. وبفضل تمويلها المتين، تمكنت توتياو من توفير تغطية لمواضيع لم تبرز بشكل عام في وسائط الإعلام السائدة. وما دامت تبتعد عن المحتوى الذي ينتقد الدولة أو يتعارض مع مصالح الدولة، فإنها تتمكن من زعزعة الوسائط التي تسيطر عليها الدولة، والتي تميل إلى أن تكون أقل استجابة لاحتياجات المستخدمين. وبحلول يوليو 2018، كان لدى توتياو أكثر من 120 مليون مستخدم نشط يوميّاً (نسبة مرتفعة منهم قَلَّت أعمارهم عن 30 سنة) وقُدِّرت قيمتها بأكثر من 11 بليون دولار. 8وفق البوابات الإخبارية الرائدة مثل Caijing.com.cn وSina.com وTechnode.com، كانت تنسنت أكبر طرف فاعل لجهة المستخدمين النشطين شهريّاً اعتباراً من يونيو 2018، لكن الوافد الجديد توتياو يطبق عليها بسرعة. فقد ازدادت أرقام المستخدمين الشهريين لـتوتياو من 140 مليوناً في مايو 2017 إلى 240 مليوناً في يونيو 2018. وبالمقارنة، كان لدى تنسنت 250 مليون مستخدم نشط شهريّاً في مايو 2017 و260 مليوناً في يونيو 2018

وبسبب العرض الوفير للتمويل برؤوس الأموال المجازفة في الصين (الآتية على نحو متزايد من مصادر أجنبية)، يكثر الشباب الراغبون في بدء أعمال رقمية. مثلاً، أسس خدمة Ele.me لطلب الطعام عبر الإنترنت، مثلاً، في عام 2008 طالبان من جامعة شنغهاي جياوتونغ Shanghai Jiaotong University شعرا بالجوع أثناء لعب ألعاب الفيديو في الليل. (اسم Ele.me مستوحى من عبارة هل أنت جائع؟ بلغة الماندرين). وبالاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي والتسويق الشرس Aggressive marketing، أقاما صلات بعملاء شباب آخرين كانوا يريدون أن يتسلموا طعاماً ليلاً. وبحلول عام 2015، تجاوزت إيرادات الشركة بليون دولار، وفي عام 2018، استحوذت عليها علي بابا.

ومثل الشركات الرائدة الخفية وشركات التكنولوجيا الثانوية، تثير الشركات الصانعة للتغيير في الصين ثلاثة تحديات أمام الشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات.
أولاً، غالباً ما تظهر في أي مكان، وتستفيد أحياناً من تجربة مكتسبة من صناعات أخرى. وفي الواقع، لم يتوقع أحد أن تستطيع شركة مثل توتياو قلب المشهد الإعلامي الذي تسيطر عليه الدولة في الصين. ولكن المؤسِّس استخدم تجربته في ثلاثة أدوار سابقة – كوكيل سفر عبر الإنترنت، ومهندس في مايكروسوفت، ومطور لمنصة عقارية عبر الإنترنت – للتفكير بشكل خلاَّق في حل احتياجات المستهلكين للوسائط ذات الصلة والانطلاق خارج الحدود القائمة للصناعة.

ثانياً، تطبق الشركات الصانعة للتغيير نماذج أعمال رقمية على مجموعة واسعة من الصناعات، مثل التجزئة، والخدمات المصرفية، ونقل المستهلكين (بما في ذلك خدمات مشاركة الدراجات وطلب الركوب Ride-hailing). وعلى الرغم من تأخر الصين عن البلدان الأكثر تقدماً مثل الولايات المتحدة في انتشار الإنترنت، يُعتبَر استخدام الإنترنت بالهواتف المحمولة في الصين مرتفعاً.9يبلغ معدل انتشار الإنترنت في الولايات المتحدة نحو %88، مقارنة بنحو %56 في الصين. ومع ذلك، من بين 772 مليون مستخدم للإنترنت في الصين في نهاية عام 2017، كان 753 مليون مستخدم، أو %97، عبارة عن مستخدمين للإنترنت بالهواتف المحمولة. انظر Internet Live Stats, accessed Oct. 31, 2018 ولم يعد الطلب الفوري والتنقل معياراً يقتصر على شركات الإنترنت، فهو متوقع على نحو متزايد من الشركات العاملة في الصناعات التقليدية أيضاً.

ثالثاً، على عكس الشركات الصينية القائمة والشركات المتعددة الجنسيات المؤسَّسَة التي لديها منتجات ونماذج أعمال قديمة تريد الحفاظ عليها، تركز الشركات الصانعة للتغيير بالكامل على المستخدم. وبدلاً من دفع المنتجات الموجودة، تتشارك باستمرار مع المستخدمين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لتكييف المنتجات، وعند الضرورة، تجديد نماذج أعمالها.

دروس للشركات المتعددة الجنسيات غير الصينية
تشمل الفئات الثلاث للشركات المبتكرة الصينية الناشئة الشركات التي تتنافس عالميّاً أو تتموضع للقيام بذلك. وهذا يثير أسئلة واضحة حول كيفية استجابة الشركات المنافسة غير الصينية. واستناداً إلى بحثنا ومعرفتنا بالشركات الغربية المتعددة الجنسيات، نقدم هذه التوصيات.

1. التفكير خارج الحدود المعروفة للصناعة Think beyond recognized industry borders. وجدنا أن قائمة المنافسين الصينيين المحتملين تتعدى العشرات من الأطراف الفاعلة أو نحو ذلك التي قد يكون المسؤولون التنفيذيون الدوليون في أي صناعة معينة على دراية بها. وعلى الرغم من أنكم تحتاجون إلى تحديد منافسيكم الأكثر احتمالاً، يجب عليكم الاستعداد للتهديدات الأقل وضوحاً في مجموعة متنوعة من الأماكن.
قد يصعب تحديد الشركات المبتدئة تكنولوجياً؛ لأنها تكون في كثير من الأحيان عبارة عن عمليات صغيرة يديرها مهندسون ذوو تجربة تسويقية محدودة. وتميل الشركات الرائدة الخفية إلى أن تكون أكبر، لكنها لا تزال عادةً أقل شهرة على مستوى العالم من الشركات المماثلة الموجودة في البلدان الأوروبية.10Simon, Hidden Champions وعلى الرغم من أن الشركات الصانعة للتغيير قد تكون مرئية جداً في صناعاتها، فقد تصعب رؤيتها تخرج خارج تلك الحدود التقليدية.
خذوا، مثلاً، ديدي تشاشينغ Didi Chuxing لأعمال طلب الركوب ومقرها بكين. عندما دخلت أوبر Uber إلى الصين، كان من المتوقع أن تخوض معركة لكنها فشلت في إدراك أن ديدي تشاشينغ كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأعمال المدفوعات بالهواتف المحمولة في تنسنت وعلي بابا، ومن ثمَّ كانت منافساً معقداً. وانتهى الأمر بـأوبر بأن باعت أعمالها في الصين إلى ديدي تشاشينغ في مقابل بليون دولار نقداً وحصة ملكية بنسبة %17.7. وفي مجال الأدوات، ارتكبت بوش خطأً مماثلاً، إذ فشلت في الاعتراف بأن دونغتشنغ كانت منافسة جادة – وهذا الغموض منع بوش من القيام بتحدٍ أقوى.
ومن خلال استكشاف زوايا غير مألوفة للمشهد التنافسي بشكل استباقي، يمكن للشركات تحسين فرصها في اكتشاف الاتجاهات الناشئة واستباق تحركات المنافسين المحتملين.

2. إلقاء شبكة واسعة Cast a wide net. على الرغم من أن الاستراتيجية التقليدية والنظرية المؤسسية تؤكدان على أهمية التركيز، 11C.K. Prahalad and G. Hamel, “The Core Competence of the Corporation,” Harvard Business Review 68, no. 3 May-June 1990: 79-91 تذكرنا الشركات المبتكرة في الصين بأن الإلقاء بشبكة واسعة عند البحث عن الفرص قد يؤتي ثماره أيضاً. ففي بعض الحالات كلما ازداد عدد المؤسسات التي تعمل كنظم إيكولوجية (من خلال الشراكة مع الشركات الخارجية والاستثمار فيها)، كانت استجابتها أفضل للفرص الجديدة والتحديات التي ظهرت، كما تبين لنا. وبالنسبة إلى الشركات المتعددة الجنسيات، يتمثل العامل الرئيسي لاستغلال هذه القدرة بمنح شركاتها التابعة في الصين استقلالية محلية أكثر مما قد توفره لشركاتها التابعة في بلدان أخرى. ذلك لأن من الصعب إلقاء شبكة واسعة من بعيد – فمن غير المحتمل أن تكون لدى المديرين العاملين في المقر معرفة كافية بالمنظومة الإيكولوجية المحلية بالصين.

اعتاد العديد من الشركات المتعددة الجنسيات تطوير الابتكارات داخلياً، غالباً في مراكز البحث والتطوير في الصين. وعلى الرغم من أن من المهم للشركات السعي إلى الابتكار المستمر داخلياً، فمن الأهمية بمكان بالنسبة إليها أيضاً الاستثمار في مشاريع جديدة والمشاركة في تعاونات في المنظومة الإيكولوجية للأعمال. ولا يمكّن هذا النهجُ الشركاتِ فقط من توسيع مصادر إيراداتها بل يسمح لها أيضاً بمواكبة متطلبات العملاء والتحركات التنافسية والتفاصيل الجديدة في التكنولوجيا – وتكييف نماذج أعمالها وفق ذلك.

مثلاً، منذ أن حققت دونغتشنغ تفوقها في السوق الصينية لأدوات الطاقة، بذلت بوش جهداً منسقاً للربط بالمنظومات الإيكولوجية المحلية من خلال تنظيم برامج حاضنة متعددة والاستثمار في المشاريع الصينية. واستثمرت بوش في الآونة الأخيرة 15 مليون دولار في شركة لمعدات الشبكات، وهي تطور مصنعا تجريبيا ذكيا في تشوتشو، حيث ستصنع أجهزة تستغل تكنولوجياتها لإنترنت الأشياء. ولاحظنا زيادة في هذه الاستثمارات والشراكات من قبل الشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات في الصين. مثلاً، استحوذت الشركة دي إس إم DSM، وهي شركة هولندية متخصصة في مجال الكيماويات، على شركة صينية للمكونات الكهروضوئية. وطورت الشركة فايزر Pfizer شراكات مع تنسنت وشركة التأمين الصينية بينغ آن Ping An لإدارة مسابقات لوضع خطط لأعمال الرعاية الصحية المحلية. وقد تكون هذه المبادرات جزءاً من استراتيجية أوسع للشركة لتوسيع جهود البحث والتطوير في الصين. 12D. Jolly, B. McKern, and G.S. Yip, “The Next Innovation Opportunity in China,” strategy+business, no. 80 (autumn 2015): 16-19

3. الاهتمام بالقاعدة الوطنية Mind your home base. بغض النظر عن وضع الشركات الراسخة في صناعاتها وأسواقها المحلية، فإنها يجب أن تظل مواكبة للتهديدات التنافسية المحتملة. وللقيام بذلك، تحتاج إلى تعزيز معرفتها بأسواقها المحلية وفهم الكيفية التي يمكن بها للشركات المبدعة الصينية العمل والابتكار إذا بدأت بالعمل هناك. ويجب على الشركات أيضاً استكشاف الاحتياجات المتغيرة للعملاء والاستثمار في تكنولوجيات جديدة والتحول
الرقمي لأعمالها.

وتشير توصياتنا إلى الطرق التي تستطيع بها الشركات المتعددة الجنسيات غير الصينية التنافس على نحو فاعل أكبر مع الشركات المبتكرة الناشئة الصينية. وهناك شيء واحد يجب على الشركات المتعددة الجنسيات ألا تفعله وهو الابتعاد عما تحسن فعله. وينبغي لها أن تستفيد بالكامل من نقاط قوتها الأساسية، بما في ذلك قدراتها على التنفيذ، وملكيتها الفكرية، ومجموعاتها من المواهب العالمية، وتجربتها العملية. وبدلاً من مجرد محاولة أن تصبح أكثر محلية، يجب عليها فهم التحديات المحددة التي تطرحها الشركات المبتكرة الصينية وتطوير إجراءات مضادة قوية. وربما وقبل كل شيء، يجب أن تدرس الطريقة التي تدير بها الشركات المبتكرة الصينية أعمالها، وأن تعيد النظر في الافتراضات القديمة حول كيفية الابتكار بنجاح في الصين.

مارك جاي غريفين

مارك جاي غريفين

مارك جاي غريفين Mark J. Greeven: أستاذ الابتكار والاستراتيجية في كلية آي إم دي IMD، وهي كلية للأعمال في لوزان، سويسرا.

جورج إس ييب

جورج إس ييب

جورج إس ييب George S. Yip: أستاذ التسويق والاستراتيجية في كلية الأعمال بجامعة إمبيريال كوليدج Imperial College Business School بلندن.

وي وي Wei Wei

وي وي Wei Wei

وي وي Wei Wei: الرئيس التنفيذي CEO لشركة جي إس إل إينوفيشون GSL Innovation، وهي شركة استشارية مقرها شنغهاي. ويعتمد هذا الموضوع على معطيات في كتابهم المقبل: الرواد، والشركات الرائدة الخفية، والشركات الصانعة للتغيير، والشركات الثانوية: الدروس المستفادة من الشركات المبتكرة الصينية Pioneers, Hidden Champions, Change Makers, and Underdogs: Lessons From China’s Innovators

(منشورات: MIT Press). عَلِّقوا على هذا الموضوع في http://sloanreview.mit.edu/x/60302.

على النقيض من الشركات الرائدة الخفية والشركات المبتدئة تكنولوجياً، التي تعتبر الإيرادات هو المقياس الرئيسي الذي يميزها، فإن المقياس الرئيسي للشركات الصانعة للتغيير، التي تتقلب إيراداتها على نطاق واسع، هو تحديد القيمة.

المراجع

المراجع
1 D. Prud’homme and M. von Zedtwitz, “The Changing Face of Innovation in China,” MIT Sloan Management Review 59, no. 4 (summer 2018): 24-32.
2 E.S. Steinfeld and T. Beltoft, “Innovation Lessons From China,” MIT Sloan Management Review 55, no. 4 (summer 2014): 49-55.
3 انظرL. Kelion, “Royole’s Bendy-Screen FlexPai Phone Unveiled in China,” BBC News, Oct. 31, 2018.
4 Hidden champions” is a term originally coined by German consultant Hermann Simon. انظرواH. Simon, Hidden Champions of the Twenty-First Century: Success Strategies of Unknown World Market Leaders – Berlin: Springer, 2009
5 يعتمد هذا التقدير على بحثنا التجريبي، وتؤيده قائمة الشركات الرائدة الخفية لعام 2016 الصادرة عن مجلة ساينو ماناجر
6 يأتي هذا التقدير من مناقشاتنا مع مسؤولين تنفيذيين في الصين، بما في ذلك واحدة استضافتها المائدة المستديرة للابتكار في شنغهاي في سبتمبر
7 كما ذكرت SolarBe.com، وهي منصة صينية متخصصة بصناعة الطاقة الشمسية، جرى الوصول إليها في 17 نوفمبر 2018
8 وفق البوابات الإخبارية الرائدة مثل Caijing.com.cn وSina.com وTechnode.com، كانت تنسنت أكبر طرف فاعل لجهة المستخدمين النشطين شهريّاً اعتباراً من يونيو 2018، لكن الوافد الجديد توتياو يطبق عليها بسرعة. فقد ازدادت أرقام المستخدمين الشهريين لـتوتياو من 140 مليوناً في مايو 2017 إلى 240 مليوناً في يونيو 2018. وبالمقارنة، كان لدى تنسنت 250 مليون مستخدم نشط شهريّاً في مايو 2017 و260 مليوناً في يونيو 2018
9 يبلغ معدل انتشار الإنترنت في الولايات المتحدة نحو %88، مقارنة بنحو %56 في الصين. ومع ذلك، من بين 772 مليون مستخدم للإنترنت في الصين في نهاية عام 2017، كان 753 مليون مستخدم، أو %97، عبارة عن مستخدمين للإنترنت بالهواتف المحمولة. انظر Internet Live Stats, accessed Oct. 31, 2018
10 Simon, Hidden Champions
11 C.K. Prahalad and G. Hamel, “The Core Competence of the Corporation,” Harvard Business Review 68, no. 3 May-June 1990: 79-91
12 D. Jolly, B. McKern, and G.S. Yip, “The Next Innovation Opportunity in China,” strategy+business, no. 80 (autumn 2015): 16-19
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى