أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أعمالموارد بشرية

إدارة المسيرة المهنية ليست مسؤولية الموظف وحده

تستفيد المؤسسات عندما تساعد الأفراد على تحديد المسارات الداخلية للنمو والتقدم.

ماثيو بيدويل، فيديريكا دي ستيفانو

صارت المهن أكثر تعقيداً مما كانت عليه، حتى داخل المؤسسات. والآن وبعدما استبدلت الشركات بالتسلسلات الهرمية الجامدة Rigid hierarchies هياكل أكثر مرونة قائمة على العمل كفريق Fluid team-based structures لتعزيز طرق العمل الرشيقة Agile، صار من الصعب جدا على الموظفين تحديد ماهية وظيفتهم التالية، ناهيك عن الوظيفة ما بعد التالية. وهذا التحدي هو أيضاً مصدر قلق متزايد لجهات العمل التي يجب عليها – من أجل تحفيز مشاركة الموظفين والاحتفاظ بهم- أن توضح لأصحاب الأداء المتميز الكيفية التي يمكنهم من خلالها داخل المؤسسة.

وخلال العام الماضي تحدث الباحثون في فريق وارتون لتحليلات بيانات الأفراد Wharton People Analytics team مع مديرين في 14 شركة رائدة في الصناعة، واستضافوا اجتماعين استمر كل منهما يوماً لاستكشاف الكيفية التي تساعد بها المؤسسات موظفيها على بناء مسيرة مهنية أفضل. ومن خلال تلك المناقشات، حددنا طريقتين رئيسيتين تستخدم بهما الشركات البيانات Analytics لمواجهة التحدي.

شق مسارات في البيئات المرنة

الخطوة الأولى الشائعة للشركات التي تطبق تحليل البيانات في تطوير المسيرة المهنية تتمثل في استخدام بيانات الموارد البشرية لتبيان المسارات التي اتبعها الناس في الماضي. وبالنظر إلى أن السلالم المهنية التقليدية القائمة على مخطط هيكلي هرمي اختفت أساساً، فقد بدأت الشركات بتحليل الطرق الكثيرة التي تطور بها الأفراد لتسليط الضوء على المسارات المختلفة التي قد يتبعها الموظفون. وفي أبسط صوره، يستخدم رسمُ الخريطة المهنية Map هذا بياناتٍ تاريخية لإظهار ما سبق لفرد يشغل موقعا معينا أن أداه في السابق؛ مما يسمح للأفراد الموجودين حالياً في هذه الوظيفة برؤية مجموعة من الخيارات المعقولة لتطورهم المهني التالي. وفي حالات أخرى تحدد الشركاتُ الوظائفَ التي غذت دوراً معيّناً لإظهار مجموعة متنوعة من المسارات التي قد يتخذها الموظفون نحو منصب يرغبون به. وفي كلتا الحالتين تُستخدَم البيانات للكشف عن خيارات للتقدم والنمو لا تحددها المخططات المؤسسية الرسمية بل تنشأ بدلاً من ذلك عن القرارات اللامركزية للموظفين والمديرين المعينين أثناء صياغتهم لمهنهم داخل المؤسسة.

وتتضمن نسخة أكثر طموحاً وتطلعاً من رسم الخريطة المهنية أيضاً بيانات Data حول أنواع المهارات والكفاءات اللازمة لكل وظيفة، وتبحث عن تقاطع السمات مع مجموعة الوظائف. وعلى الرغم من أن بيانات مثل هذه لا تتوفر لدى كل شركة، وقد يكون إعداد لائحة السمات الخاصة بالكفاءة لمختلف الوظائف من البداية عملية طويلة ومكلفة، فإنه يمكن لهذا النهج أن يبرز الأدوار التي تتشابه متطلباتها أكثر مما يبدو. وتُعتبَر هذه الطريقة ذات قيمة خاصة في المجالات السريعة التغير، فمن الصعب استنباط مسارات مهنية من البيانات التاريخية مع استمرار ظهور وظائف جديدة واختفاء وظائف قديمة.

مثلاً، يمكن العثور على العديد من المهارات المطلوبة لدور في مجال تحليل البيانات في الموارد البشرية – مثل: الخبرة في مجال البيانات المؤسسية، وإعداد التقارير، والكفاءة التحليلية، والقدرة على التواصل مع شركاء الأعمال – والتي قد توجد أيضا في صفوف مجموعة المحللين الماليين في المؤسسة. ويساعد تحديد هذه التداخلات على إنشاء فرص مهنية جديدة للأفراد في كلا الدورين الوظيفيين، ما يوفر لهم مسارات غير متوقعة للتطور والنمو الداخليين، كما يؤسس مصادر جديدة للمواهب لصالح فرقهم. وبالنسبة إلى الوظائف التي يصعب شغلها، يمكن لهذا النهج تبسيط جهود البحث وتوليد وفور كبيرة للمؤسسة. وكميزة إضافية، فإن إدراج المهارات في رسم خريطة المسار المهني قد يساعد المديرين على إسداء المشورة العملية للموظفين حول المهارات التي يحتاجون إلى تطويرها للانتقال إلى أدوارهم التالية.

الربط بالمرشحين الداخليين السلبيين

تحاول عدة مؤسسات أيضاً أن تكون أكثر نشاطاً في العثور على مرشحين داخليين سلبيين – أي الموظفين المحتمل أن يكونوا جيدين جداً في وظائف معينة لكنهم ربما لا يعرفون عن تلك الفرص أو ربما لا يفكرون في التقدم إليها. ويتضمن تحديد هؤلاء المرشحين تطوير نماذج تحليلية لتوقع مدى ملاءمة كل من الموظفين الحاليين داخل المؤسسة لقائمة السمات الخاصة بدور معين. وبعد ذلك يمكن للقائمين على التوظيف الاتصال بأفضل المرشحين تطابقا والطلب إليهم التقدم للوظيفة. ولا تؤدي القدرة على تحديد المرشحين الداخليين فقط إلى خفض تكاليف التوظيف – فالدلائل تشير إلى أن الأفراد الموظفين داخلياً يتفوقون باستمرار على الموظفين الذين يُجلَبون من الخارج.1M. Bidwell, “Paying More to Get Less :The Effects of External Hiring Versus Internal Mobility,” Administrative Science Quarterly 56, no. 3 (2011): 369-407; and P.S. DeOrtentiis, C.H. Van Iddekinge, R.E. Ployhart, and T.D. Heetderks, “Build or Buy? The Individual and Unit-Level Performance of Internally Versus Externally Selected Managers Over Time,” Journal of Applied Psychology 103, no. 8 (August 2018): 916-928. ونتيجة لذلك، يستكشف عدد من المؤسسات الراسخة كيفية استخدام البيانات لتحديد أفضل للمرشحين الواعدين من ضمن صفوفها، وتطور مجموعة من الشركات الناشئة منتجات قد تساعد الشركات على التوفيق بين وظائفها وموظفيها.

أما بناء النماذج نفسها؛ فبسيط جداً من الناحية التحليلية، ولا يتطلب سوى قدرات أولية في الإحصاء والتعلم الآلة. ويتمثل التحدي الأكبر بالنسبة إلى معظم المؤسسات في بناء بيانات متينة تتعلق بالوظائف والموظفين وتعتمد عليها هذه النماذج واستدامة هذه البيانات. ولدى بعض الشركات معلومات صلدة وحديثة عن متطلبات الوظيفة – لكن لا توجد لدى أي منها تقريباً معلومات حول المهارات اللازمة لدى الموظفين لتحديد تطابق جيد.

وتتمثل إحدى الطرق التي تحاول بها المؤسسات حل هذه المشكلة في بناء نظام داخلي يشبه لينكد إن LinkedIn، حيث يمكن للأفراد نشر قائمة السمات الخاصة بهم وزيادة مرئيتهم الداخلية. فبعد كل شيء، لدى لينكد إن بيانات عن مهارات معظم الناس أفضل بكثير مما لدى جهات عملهم الحالية. ولكن المحاولات المبكرة لإعداد قائمة السمات الداخلية عانت مشكلات تتعلق بتحديد الأولويات: لا يستخدم القائمون على التوظيف الأنظمة؛ لأن قائمة السمات غير مستكملة، فلا يكلف الموظفون أنفسهم عناء استكمال قائمة السمات الشخصية.

وصارت بعض جهات العمل تستلزم تحديث قائمة السمات للمهارات كجزء إلزامي من عملية مراجعة الأداء، مما قد يقدم بعض المساعدة. وتستكشف جهات عمل أخرى إنشاء قائمة للمهارات مباشرةً من منتجات أعمال الموظفين. مثلاً، تستخلص آي بي إم IBM البيانات من المستندات الداخلية ومعلومات سير العمل لاستنتاج مهارات العاملين قبل الطلب إلى الموظفين التحقق من قائمة سماتهم.2لمزيد من التفاصيل، انظر N. Guenole and S. Feinzig, “The Business Case for AI in HR,” white paper, IBM Smarter Workforce Institute, Armonk, New York, November 2018. ويبدو كلا النهجين واعدا، على الرغم من أن تأكيد فاعليتهما سابق لأوانه. إلا أن الواضح هو أنه مع ازدياد اهتمام المؤسسات بإدارة المسيرة المهنية لموظفيها، ستحتاج إلى تحسين نوعية بيانات الموظفين التي تحتفظ بها.

النظر بعيدا

تميل أنظمة رسم خريطة المسارات المهنية الداخلية وتحديد المرشحين الداخليين إلى أن تركز على المدى القريب: ما الوظيفة التي يجب أن يتولاها الموظف بعد ذلك؟ ومع ذلك وفي كثير من الحالات، ستمتد المسيرة المهنية للموظفين داخل المؤسسة إلى ما بعد تلك الوظيفة المقبلة.

ومن المهم أيضاً التفكير في أنواع المسارات المهنية التي تؤدي غالباً إلى النجاح على المدى البعيد.

مثلاً، قد تسألون: في النهاية، هل من الأفضل السماح للأفراد بتعميق خبراتهم في تخصص معين أو تعزيز مجموعات من المهارات الأعم بنقل الموظفين بين الوظائف؟ اكتشف فريق تحليل البيانات في إحدى الشركات المالية أن التحركات الأعم مبكراً في مهنة ما أبطأت التقدم في البداية لكنها سمحت، في نهاية المطاف، للأفراد بالترقي في المؤسسة. وتتوافق فوائد المدى الأعم مع ما نعرفه عن توظيف المسؤولين التنفيذيين، لكن ليس من الواضح أن تكون المسيرة المهنية المتنوعة هي دائماً فكرة جيدة.3توصلت أبحاث أجرتها شينجاي وون Shinjae Won من جامعة إيلينوي University of Illinois أوربانا شامبين، إلى استنتاج مماثل، إذ أظهرت أن المرشحين النهائيين للوظائف التنفيذية في المؤسسات غير الربحية كانوا أكثر عرضة للحصول على الوظيفة إذا امتلكوا تجربة وظيفية أعمّ.

ويمكن لفهم المقايضات Trade-offs لخطوة معينة، على المدى القريب والبعيد – والتواصل بشكل مفتوح مع الموظفين حول الطريقة التي قد تتطور بها الأمور في مسيرتهم المهنية – أن يساعد الموظفين على رؤية فوائد بناء مسيرتهم المهنية داخل الشركة، وتعزيز ولائهم والاحتفاظ بهم وتحفيز مشاركتهم. ويمكن لهذا الفهم بناء علاقات يُراد استمرارها.

ماثيو بيدويل Matthew Bidwell

ماثيو بيدويل Matthew Bidwell

أستاذ مشارك في الإدارة ومدير أكاديمي مشارك في مبادرة وارتون لتحليلات البيانات الأفراد بجامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania. فيديريكا دي ستيفانو Federica De Stefano (على de_stefano_fede@): زميلة ما بعد الدكتوراه في مبادرة وارتون لتحليلات بيانات الأفراد. عَلِّقوا على هذا الموضوع في http://sloanreview.mit.edu/x/60307.

المراجع

المراجع
1 M. Bidwell, “Paying More to Get Less :The Effects of External Hiring Versus Internal Mobility,” Administrative Science Quarterly 56, no. 3 (2011): 369-407; and P.S. DeOrtentiis, C.H. Van Iddekinge, R.E. Ployhart, and T.D. Heetderks, “Build or Buy? The Individual and Unit-Level Performance of Internally Versus Externally Selected Managers Over Time,” Journal of Applied Psychology 103, no. 8 (August 2018): 916-928.
2 لمزيد من التفاصيل، انظر N. Guenole and S. Feinzig, “The Business Case for AI in HR,” white paper, IBM Smarter Workforce Institute, Armonk, New York, November 2018.
3 توصلت أبحاث أجرتها شينجاي وون Shinjae Won من جامعة إيلينوي University of Illinois أوربانا شامبين، إلى استنتاج مماثل، إذ أظهرت أن المرشحين النهائيين للوظائف التنفيذية في المؤسسات غير الربحية كانوا أكثر عرضة للحصول على الوظيفة إذا امتلكوا تجربة وظيفية أعمّ.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى